الانتفاضة بين زيني وديك تشيني الديبلوماسية الأمريكية نشيطة هذه الأيام، ودليل نشاطها أن نائب الرئيس ديك تشيني والجنرال زيني يتحركان هذه الأيام خارج الولاياتالمتحدة أولهما في جولة مكوكية تشمل كثيرا من البلدان منها بعض الدول العربية، والثاني ينتظر وصوله إلى فلسطين للبحث في سبل إنهاء ما تسميه الولاياتالمتحدة ب"العنف" المتزايد بين الفلسطينيين والصهاينة بقيادة السفاح شارون. وعلى الرغم من أن الزيارتين يبدوان مختلفتين إلا أنهما في الحقيقة يرتبطان بموضوع واحد هو ما تسميه الولاياتالمتحدة تارة بالعنف وتارة بالإرهاب. فالأول يسعى لتهييء الرأي العام الدولي والعربي خاصة لما تسميه أمريكا بالمرحلة الثانية من حملتها على الإرهاب والتي توجد على مقدمة أجندتها دولة عربية هي العراق أما الثاني فيسعى إلى تهييء الأجواء لمثل هذا العمل وذلك من خلال إخماد الانتفاضة الباسلة للشعب الفلسطيني الذي تجاوز مرحلة تلقي الضربات إلى مرحلة تسمى ب «توازن الرعب» وذلك من خلال العمليات الاستشهادية البطولية. ويكشف هذان التحركان التناقضات الفظيعة في السياسة الأمريكية، إذ في الوقت الذي تريد أن تستغل فيه أحداث 11 شتنبر إلى أقصى مدى ممكن نجدها في المقابل تساهم بشكل مباشر وغير مباشر في مساندة أكبر عملية إرهابية في التاريخ وهي العملية التي يقودها الإرهابي شارون هذه الأيام ضد الشعب الفلسطيني فأمريكا قد استغلت توقيع دول العالم لها على شيك أبيض أمام صدمة الأحداث وفظاعة ما وقع يوم «الثلاثاء الأسود» من أجل شن حرب مجنونة تخدم الأجندة الاستراتيجية المخططة قبل الأحداث والمتمثلة في إعادة ترتيب الأوراق والاقتراب من بحر نفط قزوين واحتواء القوى الصاعدة وتهديدها بالحرب النووية وتجريب أسلحة جديدة وخلق طلب عالمي على السلاح بما يعنيه ذلك من تنشيط لصناعة السلاح وخدمة لوبياتها المتنفذة ومزيد من الارتهان للوبيات الصهيونية في الولاياتالمتحدة، وضرب كل نزوع نحو الاستقلال الحضاري والثقافي والسياسي في العالم وإعلان «نهاية التاريخ» بانتصار الليبرالية على النمط الأمريكي. يجري هذا كله تحت شعار محاربة الإرهاب الذي ليست الحرب في أفغانستان سوى الحلقة الأولى من مسلسله الطويل كما يصرح الأمريكان. لكن في الوقت الذي تدعي فيه الولاياتالمتحدة قيادة حملة عالمية على الإرهاب وتخير فيه العالم أن يكون مع الإرهاب، أو ضد الإرهاب نجد أنها قد اختارت معسكر الإرهاب. الطائرات التي تقتل الأطفال والشيوخ طائرات أمريكية، والأموال التي تنفق على إبادة الشعب الفلسطيني فيه جزء كبير من ضرائب الشعب الأمريكي، والفيتو الأمريكي في مجلس الأمن على جميع قرارات إدانة الكيان الصهيوني مساندة الإرهاب، وتسوية الضحية بالجلاد وإلقاء المسؤولية في الأحداث على الفلسطينيين مساندة للإرهاب، والاعتقالات العشوائية للمسلمين في أمريكا بمجرد الظن تحت طائلة قانون الأدلة السرية صورة من صور الإرهاب.. والقائمة طويلة. بين رحلة زيني ورحلة تشيني خيط ناظم واحد، يتمثل في التمكين للنفوذ الصهيوني ولمصالحه وأجندته العسكرية والاقتصادية والمالية ولرؤيته للعالم داخل الولاياتالمتحدة وخارجها. والشعار المرفوع هو الحملة على الإرهاب. لكن انتفاضة الشعب الفلسطيني البطل التي سعت الولاياتالمتحدة في البداية إلى تصنيفها في خانة الإرهاب سيرا على الخط الشاروني الذي سعى أيضا إلى مقارنة ما يقترفه من جرائم في حق شعب فلسطين بالحملة الأمريكية على أفغانستان وعلى ما تسميه بالإرهاب، قد أربكت كل الحسابات الأمريكية.. لذلك جاء الوقت كي يتحرك «زيني» لإعادة ترتيب الأوراق أي إخماد الانتفاضة توطئة للطريق أمام «تشيني» من أجل إقناع العالم بالاستمرار وراء الولاياتالمتحدة في الحرب ضد ما تسميه بالحملة ضد الإرهاب.