وفد قضائي وطني رفيع يزور جماعة الطاح بطرفاية تخليداً للذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء واستحضاراً للموقع التاريخي للملك الراحل الحسن الثاني    مؤسسة طنجة الكبرى: معرض الطوابع البريدية يؤرخ لملحمة المسيرة الخضراء    هنا المغرب    ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025).. المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة إلى النهائي بعد تجاوز المنتخب السعودي في نصف النهاية    لقاء الجيش و"الماص" ينتهي بالبياض    تراجع عجز السيولة البنكية إلى 142,1 مليار درهم    تتويج المغربي بنعيسى اليحياوي بجائزة في زيورخ تقديرا لالتزامه بتعزيز الحوار بين الثقافات    نبيل باها: عزيمة اللاعبين كانت مفتاح الفوز الكبير أمام كاليدونيا الجديدة    بنكيران: "البيجيدي" هو سبب خروج احتجاجات "جيل زد" ودعم الشباب للانتخابات كمستقلين "ريع ورشوة"    الأقاليم الجنوبية، نموذج مُلهم للتنمية المستدامة في إفريقيا (محلل سياسي سنغالي)    "أونسا" ترد على الإشاعات وتؤكد سلامة زيت الزيتون العائدة من بلجيكا    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    الدار البيضاء تحتفي بالإبداع الرقمي الفرنسي في الدورة 31 للمهرجان الدولي لفن الفيديو    كرة القدم ..المباراة الودية بين المنتخب المغربي ونظيره الموزمبيقى تجرى بشبابيك مغلقة (اللجنة المنظمة )    نصف نهائي العاب التضامن الإسلامي.. تشكيلة المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة أمام السعودية    المنتخب المغربي الرديف ..توجيه الدعوة ل29 لاعبا للدخول في تجمع مغلق استعدادا لنهائيات كأس العرب (قطر 2025)    حماس تدعو الوسطاء لإيجاد حل لمقاتليها العالقين في رفح وتؤكد أنهم "لن يستسلموا لإسرائيل"    أيت بودلال يعوض أكرد في المنتخب    أسيدون يوارى الثرى بالمقبرة اليهودية.. والعلم الفلسطيني يرافقه إلى القبر    بعد فراره… مطالب حقوقية بالتحقيق مع راهب متهم بالاعتداء الجنسي على قاصرين لاجئين بالدار البيضاء    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    توقيف مسؤول بمجلس جهة فاس مكناس للتحقيق في قضية الاتجار الدولي بالمخدرات    بأعلام فلسطين والكوفيات.. عشرات النشطاء الحقوقيين والمناهضين للتطبيع يشيعون جنازة المناضل سيون أسيدون    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    حصيلة ضحايا غزة تبلغ 69176 قتيلا    عمر هلال: اعتراف ترامب غيّر مسار قضية الصحراء، والمغرب يمد يده لمصالحة صادقة مع الجزائر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مديرة مكتب التكوين المهني تشتكي عرقلة وزارة التشغيل لمشاريع مدن المهن والكفاءات التي أطلقها الملك محمد السادس    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الرئيس السوري أحمد الشرع يبدأ زيارة رسمية غير مسبوقة إلى الولايات المتحدة    شباب مرتيل يحتفون بالمسيرة الخضراء في نشاط وطني متميز    مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    "حماس" تعلن العثور على جثة غولدين    دراسة أمريكية: المعرفة عبر الذكاء الاصطناعي أقل عمقًا وأضعف تأثيرًا    إنفانتينو: أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوفي - الراعي للأخوة - الحافظ للعهد


ها نحن مازلنا نواصل نشر هذه السلسلة، التي بدأت تطول حلقاتها ـ وإن كنا لم نتوقع ذلك ـ بسبب الإقبال الكبير الذي لقيته عند كل متتبع لها، وبالخصوص عند الذين يعرفون ويقدرون كتابات والدنا ويحرصون على تتبع ما جد فيها. وحرصا منا على مواصلة السير، وعلى العهد الذي قطعناه على أنفسنا، فإننا سنواصل نشر هذه الحلقات، لأن هناك صفحات في كتابات والدنا لم يطلع عليها القراء بعد، وسنحاول تبيانها في وقتها، ولا نخفي عليك قارئنا العزيز ما نقاسيه في سبيل إخراج هذه الذخيرة منذ ما يقرب من ستة أشهر، حيث تفرغنا لهذا العمل كلية، ونحاول جاهدين أن نختار المواضيع التي نراها لائقة، وإن كنا نلاقي بعض العنت في ذلك، خصوصا وأننا وحيدون ولا معين لنا إلا رب العالمين، فاللهم يسر ولا تعسر. لقد حظيت المقالة التي نشرناها أخيرا عن موضوع الكتاب التاريخي الأول، الذي اشتغل به العلامة المختار السوسي رحمه الله، ألا وهو كتابه مراكش في عصرها الذهبي، هذه الحلقة التي عرفنا فيها بهذا المؤلف، الذي لم يكن أحد يعتقد أن مؤلفه قطع فيه كل الأشواط التي بينا عناوينها في الفهرس الذي وضعناه آنذاك، نقول إنها لقيت استحسانا، ووضعت حدا للأقاويل التي كانت تقول إن المؤلف جمع عدة مواد لكتابه هذا دون أن يقوم بتدوين ما دونه، وهذا كان هو هدفنا الذي أخذنا على عاتقنا منذ الحلقة الأولى من هذه السلسلة التي أردنا منها تبيان جوانب كتابات والدنا كلها وتوضيح ما التبس منها، وارتأينا في هذه الحلقة أن نعرف بالعلامة محمد المختار السوسي الوفي الراعي للأخوة والحافظ للعهد، فكل من عاشره ليدرك ذلك، بل حتى غير معاشريه يلاحظ عند قراءته لكل كتبه غالبا ما يشيد بأخلائه وأصحابه وشيوخه وتلامذته وغيرهم كثير، وما ذلك إلا من وفائه وإخلاصه و تفانيه في الحب، أو ليس هو من كتب وهو في منفاه بإلغ في كتابه الإلغيات: أشكر الله كثيرا على هذا القلب الذي بين جنبي، فإنه ألوف عشاق ليس بملال، مما يضرب به المثل في الوفاء بفضل الله، فإنه طوال هذه الغربة لا يزال في يقظتي ومنامي يصور لي كل إخواني واحدا واحدا، ثم لا يزيده تطاول العهد إلا رقة إحساس، ولطف شعور، وتوقد التذكر، ومتى حام حوله ما ربما يكفكف عنانه، فإنه لا يلبث أن يندلق إلى جوه، فيسيح هائما ملقيا وراء كل ما يكفكفه... وبمناسبة كل هذا سنبرز في حلقة اليوم وتبعا لعنوانها ما خطه يراعه عن حميميته لمراكش وأهلها، وسنحاول جهد المستطاع أن نأتي ببعض النماذج فقط ولاندعي بأننا سنحيط الموضوع من كل جانب، لأن ذلك وحده يحتاج إلى ذوي الاختصاص ليلموا بالموضوع من كل جوانبه، وسنورد هنا ما جاء في ترجمة سيدي عبد الجليل بن القزيز المودعة في مخطوط كتاب مشيخة الإلغيين من الحضريين وسنتبعها ببعض مادونه في كتاب الإلغيات وكتاب ذكريات وما ذلك كله إلا لتبيان كيف أعطى المثال الكامل للوفاء وللأخوة و للمحافظة على العهد. رضى الله عبد الوافي المختار السوسي المكلف بنشر تراث والد ه للاتصال: 070469751 العلامة محمد المختار السوسي الوفي - الراعي للأخوة - الحافظ للعهد سنبين في هذه الحلقة عن العلامة محمد المختار السوسي الإنسان الذي خلقه الله، وما يتميز به من الوفاء، كما كان قلبه كله صفاء ـ على حد تعبيره ـ المشيد لكل من أسدى إليه معروفا، الراعي لأخوة كل من عايشوه والحافظ على عهده معهم، ولإبراز هذا الجانب فإننا سنورد هنا بعض هذه الصفات التي تتجلى في بعض ما كتبه عن حميميته لمراكش وأهلها نثرا و شعرا في ثنايا كتبه ورسائله الخاصة. شهــادة وفـــاء لأهـــل مـــراكش هذا ما وجدناه في ترجمة سيدي عبد الجليل بن القزيز في مخطوط كتاب والدنا مشيخة الإلغيين من الحضريين وهي عبارة عن شهادة فخر واعتزاز لوفاء كاتبها لمراكش وأهلها: ... إني لأكتب اسمك الآن أيها الأخ وأنا في منعزلي(إلغ) وأنت في دارك ب(الحمراء )، فأحس بهزة عنيفة تتشنج بها عضلاتي، وبقشعريرة تسري في عروقي، كأنها الكهرباء إذا مس الإنسان سلكا من أسلاكها غلطا وهو لا يشعر... ... إن اسمك يا عبد الجليل ليصور لي شخصك الطاهر الذي أعرف من لطافته وصفائه ما يعرفه الصديان في الهجير من كاس صافية الزجاج، ممدودة له بماء زلال بارد، أعرفك حقا، أعرف منك ودادا خالصا، وفكرا ثاقبا، وإخاء متينا وعلما جما، وهمة طموحا، وأريحية تكسو كل تلك الخلال العالية ملاءة شفافة تخلب الأصحاب، وتسترق منهم الألباب. إنك يا عبد الجليل وإخوانك الذين حرمت اليوم وصالهم، كما حرموا وصالي، من كانوا جزءا من المختار لا يتجزأ منه، بل روحا لجسده، به تقوم وتقعد، وتفرح وتحزن، وتأمل وتيأس، وتحيا وتموت، فقد نشأت بينكم، وارتبطت بمودتكم، وأنا بعد مرح في حلة الشباب، وأقبل وأدبر بمعاونتكم ولا أهاب، فيا ليت ذلك الزمان الأول لم ينقض، ويا ليت عام 1342 هـ استقر به دور الفلك، فاستقر في مكانه، لتبقى لنا تلك العشايا التي نمضيها في باب(عرصة مولاي عبد السلام)، أو في (الباب الجديد)، أو في دارك أو في دار الاخ المسفيوي، أو في مسجد (الرحبة القديمة)، ونحن في غلوائنا سادرون، ولا حسدة حولنا بأصابعهم إلينا يشيرون، يا ليت ذلك العام طال لنا ما طال بنا العمر، فلا كان المجد الذي به نفترق، ولا كانت الأستاذية التي توديني وتوديكم إلى ما بين مشرق ومغرب. لقد ديت إلى المجد منذ ديت إلى التعرف بكم، فبكم ترقى فكري، وبمنافستكم أمكن لي أن أكون مختار اليوم، ولكن لا كان مختار اليوم الذي تلاعب به الأقدار، وتتقطع من يديه الأوطار، فقد كانت مصاحبتكم ومجارتكم أقصى مناه، فإن يحرمها اليوم فليحرم حتى الحياة، فلا خير في الحياة بعدكم. شحذتم غراري، وأعليتم من شأني، وفرقتم السهام لمن تمتد يده إلي، وأريتموني كيف يعز الجار بجيرانه، وكيف يكون الضيف رب المنزل عيانا، ورب المنزل بمنزلة الضيف، فكنتم أحق من يقولون على الحقيقة بلسان حالهم، ولسان الحال أصدق من لسان المقال: يا ضيفا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل دخلت إليكم عشية يوم في سنة 1338هـ من (الباب الجديد) وأنا على فرس هزيل، وورائي رفيق لي، فنزلت من (الكتبية ) إلى(الرميلة)، وأنا بدوي غر يبهرني كل شيء، ويأخذ بلبي كل ما أبصره، حتى الدكاكين المصطفة في الأسواق، وحتى أبواب المساجد المقوسة الكبيرة، وحتى المؤذنون في الصوامع، وقد صادفت أمامي آذان المغرب، وأنا أنزل أمام باب الزاوية في (درب الزاوية)، ويخلب لبي حتى اللبسة الجميلة والوجوه المستنيرة، والأفرشة المنضدة، والمجالس العلمية، والمحافل المكتظة، فأقول أهذا كله في الوجود، وأنا لا أعرف أنه في الوجود؟ فتمر عربة فيقال لي أنها تركب بأجرة، فأتمنى لو أركبها فأبقى أياما وأنا امشي على قدمي، وأتناول بضعة دراهم من جيبي، لعلي أركب العربة، وأرى كيف يكون الإنسان إذا استوى فيها، كما أشاهد الركاب يستوون فيها، ثم يمنعني الحياء من أن أمد يدي بالدراهم إلى السائق، وأنا لا أدري كيف أخاطبه، هل أمد له الدراهم أولا أو أساله عن قدر الأجرة أو ما أصنع؟ ثم لا أزال في ترددي حتى تمضي العربة فتتبعها الأخرى فتمضي كذلك، زيادة على أني لا أعرف غير لغة آبائي، فأتعجب كيف أعرف العربية الدارجة، وكيف يمكن لي أن أكون أحد هؤلاء الصغار المتلاعبين بين يدي الباب الجنوبي لمسجد (باب دكالة) وألسنتهم بهذه اللغة ماضية مضاء الضبة في محزوزها؟ بهذا الوجه دخلت مراكش تلك السنة، ثم بأي وجه خرجت منها صبيحة 28 ذي الحجة 1355 هـ، فكل فرق بين مختار مفتتح سنة 1338هـ، وبين مختار مختتم 1355هـ ، فمنك يا سيدي عبد الجليل ومن إخوانك الذين دفعوا بي بمحاككتهم ومنافستهم وإرشادهم ومجاذبتهم حبال المعالي إلى تطلب المثل العليا، فما رحلتي إلى فاس والرباط ، ثم ما قيامي بعد رجوعي ثماني سنوات حتى كان ما كان إلا بسببكم، أفأنا من ينكر لا أبالي أياديكم البيضاء، وأقابلها بالكفر وغمط النعمة، إني إذن لكنود. دخلت مراكش، وأنا لا أعرف فيها أحدا، ولا يعرفني فيها أحد، ولا سمع أحد بأن سوسيا في آخر العقد الثاني من عمره دخل المدينة، ولكني لما خرجت، خرجت وانا لا أعرف كل من في معرفته شرف ممن تشرف بهم (الحمراء) وتتوج بسببهم تاج المعارف، ويعرفني كذلك كل من يمت إلى العلم ويتخذه منتجعا لشرفه، وقد سمع بخروجي كل ذي أذن، حتى ذي الأذن الصماء، فلا تسأل عما أذرته (الحمراء)على ولد من اولادها، استحقته بالتربية وبالتهذيب، من دموع جارية من كبد حرى،حين ابتزته من أحضانها(إلغ) التي وأدته هو لا يزال حيا: خرجت فكم باك بأجفان شادن على وكم باك بأجفان ضيغم هذا كله لا أعرفه إلا لك، يا أخي عبد الجليل، وإخوانك الذين جمعنا وإياهم رباط العلم لا غير، وإن ابى المتقولون إلا أن يقولوا ما يعلم الله والناس أنهم فيه كاذبون، ولو كان ما يتقولونه حقا، لكان الواجب علينا ونحن أصحاب صراحة أن نعلن بما نسره، ولكن كل ذلك إفك وبهتان، وطعنة نجلاء في كبد العلم واهله. فسلاما عليك يا عبد الجليل من أعماق قلبي سلاما، يمتد مني إليك من هذه الساعة إلى أن يقضي الله باللقيا من جديد، وما ذلك على الله بعزيز. مــــا جــــــاء فــــي كتـــــــــــــاب (ذكريــــــــــــــات) ومما ذكره عن مراكش وأهلها إثر سياحة خيالية زار فيها ـ على حد تعبيره ـ كل الأحباب الذين كانوا ممن يمتون إليه بما يمت به أصحاب الإخلاص، وذلك في مقدمة كتابه ذكريات: ثم ننزل حيث الفؤاد مقيم، وحيث السكان والمساكن كلها محببة إلى الفؤاد (مراكش الحمراء)، فأزور كل حومة وأقف أمام دار كل واحد من الأحباء، وأعانق إخوتي الأساتذة، وأحنو على أبنائي البررة، وأصافح معارفي الذين أتبعوني يوم رحلت عنهم دمعات، فلا أدع أي صاحب أو من له معي أدنى معرفة، حتى أضع يدي في يده، وهل ينتظر مني القارئ أن أعد له كما كنت أعد قبل من أبناء فاس ومكناس والرباط، لا لا والله، فإن كل مراكشي إلي حبيب، وكل من له هناك وجود له في قلبي مكانة، حتى الجدران القائمة، حتى النخيل الباسقة، حتى الأعوان أصحاب الدبابيس ـ بعدي ـ فكلهم لي أوداء وفي قلبي للجميع ما فيه، فأصحاب الرحبة القديمة وسكان أزبزض، وجيران المنجرة والمارون بـالرميلة والذين يتجمعون في أزقة المواسين أو ينحشون في جامع الفنا، فكلهم لي ومني وانا لهم ومنهم، ولأمر ما كان الشاعر القسمنطيني يذكر في رحلته اليائية ما يذكر حتى وصل مراكش فقال: وفي مراكش يا ويح قلبي أتى الوادي فطم على القرِيّ فمراكش قديما وحديثا معجونة بالألفة، فإنها تألف وتؤلف، وأهلها أصحاب القلوب الطيبة والسرائر الصافية والمودة الخالصة، فإن كان غيري ممن لا ينصف يرى هناك غير ما ذكرت، فما مثلي ومثله إلا كمن جنى وردا من شجرة فأثنى على الشجرة، على حين أن غيره ملذوع بشوكتها من غير أن يكون له حظ من زهرها، فذكر كل ما رأى، ولا خير في ورد لا شوك له يصونه ، كما لا خير في شوك لا زهر معه ينسي طيبه لدغاته. لو كنت أحمل شيئا في صدري لأحد أهلها لحملته على من عتلوني بتلك السيارة صبيحة 28 من ذي الحجة 1355 هـ، ولكنني عرفت من أين أوتيت فمسحت كل من تضمه الحمراء من كل لوم وكل تبعة. *********** وختم كتابه ذكريات بتحية لكل أودائه ومعارفه بالتسليم على مراكش وأهلها حيث يقول: تحية معسولة إلى جميعهم اجمعين، أكتعين أبصعين، سواء أجريت اسمه في هذا الجزء أم لا، ثم أعود فأكرر التحية لـالرميلة وأبناء الرميلة وتلاميذ الرميلة، وأصحاب دكاكين الرميلة، والمصلين والإمام والمؤذن في الرميلة. كما أسلم من بعيد، بل من قريب ـ لأنهم مشخصون الآن في قلبي ـ على كل أصحاب حومة باب دكالة، وعلى كل سكان المواسين، غير ناس القضاة وأبناء القضاة، والأساتذة وكل من يمت إلى المواسين، وعلى كل تجار القيصاريات والحدادين، وعلى الرحبة القديمة التي فيها اناس على أعزة لا يبلى ودهم، ولا يقدم إخاؤهم، وعلى سكان أزبزط وعلى الجامع اليوسفي، وعلى كل أساتذته المنظمين وغير المنظمين، بل يعود سلامي أيضا حتى على ملاح الحمراء، وعلى كل من إلى الحمراء، حتى الحمام المطوق والنسيم العليل والماء الزلال، فإنني يا بني الحمراء ـ لا أستثني منكم أحدا ـ لأناديكم جميعا وأنا في خلوتي هذه، ولا أخص منكم أحدا، فكلكم مني وإلي: ثكلت فؤادي يوم ينسى هواهم وإن زادني الدهر الخؤون التنائيا تزول الرواسي الشامخات وفي الحشا هوى لصحابي ليس ينفك راسيا ما جاء في كتاب الإلغيات وهذه نماذج ننقلها من كتابه الإلغيات، نستشف منها هذه الحميمية لمراكش وأهلها، وسنبدأ بما كتبه عن جولة خيالية في الحواضر عند قدومه إلى مراكش وهو إذ ذاك بمنفاه بـإلغ، ثم نأتي بعدها بشذرات من بعض ما خطه في هذا الموضوع: ...ثم أمر إلى الحمراء حيث الفؤاد لا يزال ثاويا، حيث مناهل الصفا عذبة الموارد، يردها هناك كل وارد، حيث الإخوان عبد القادر المسفيوي وعبد الجليل بن القزيز، وأحمد بن الفضيل، ومحمد بن عبد الرزاق وسيدي بريك وسيدي محمد بن عثمان، فأزور هذا وذاك، وأتملى من هنا وهناك، وألتزم كل واحد بطول الاشتياق، وأمر بـالسمارين فأحيي الأخ أحمد المنجرة تحية عطرة.... ثم نلتفت إلى الأخ العربي بنيس، فيجري إلينا توا، ثم بعد ذلك ألقى المفكرين عبد الله إبراهيم وعبد القادر بن حسن ومحمد الملاخ، ثم أظهر أخيرا في الرميلة... فإذا أنا أرى الأستاذ عبد الرحمن بن فارس والمفكر علي ابن المعلم ومحمد ابن القائد ومحمدا الدليمي ومحمدا الدكالي ومحمدا الدفالي وأحمد الزيتوني... ثم أستحضر الأخ المؤرخ محمد الكانوني الذي فرق الدهر بيني وبينه، أولا بالغربة، ثم بالموت بعدها... كذلك أهوى أن أستمع قبل أن أغادر هذه الحياة برؤية إخوتي في الحواضر، فأنا ما كنت إلا بهم، فلولاهم لم أكن عند نفسي ولا عند غيري شيئا مذكورا... üüüüüüüüüüü ...ها أنذا غدا في الحمراء... فإن للحمراء في السويداء مكانة لا تصلها البيضاء ولا الصفراء، لأنها كانت أمس ملتقى الأحباب، ومثابة الأفكار، ومدرج أبناء القلب... ... في كل يوم أكون لديكم فأرى إخواني ويرونني، وأشاهد من زملائي ما أتصوره في اليقظة، ولم أنس أي واحد من كل من عرفته، سواء من الطلبة ومن غيرهم، وهذه الليلة التي مرت بي، والتي أصبحت عن اليوم، رأيت كأني ناقشت فيها الأستاذ سيدي عبد القادر، وسيدي عبد الجليل، وسيدي محمد الكانوني وآخرين، وليت شعري أيكونون في المنام كما أنا، أم اكتفوا بجهودهم في اليقظة... وإني لمشتاق إلى مولاي عبد الله وشاعر الحمراء الجديد عبد القادر، والملاخ وجميع إخواني، والروداني وابن فارس وكل واحد واحد، ولا أحتاج إلى أن أتتبع أسماءهم وأما شوقي المغربي، فحدث عن البحر ولا حرج... üüüüüüüüüüü ...تطلع الشمس وتغيب وتتعاقب الأنهر والليالي، وتمر شهور فشهور، وما أضمه لك ولكل الإخوان الذين تضمهم معك البهجة، لا يزداد إلا شدة أوار، وتزايدا يتموج كما يتموج حباب الماء، يوم تختلف الأعاصير بالدأماء، وقد اكفهر الجو وأزبد العباب، وتلاطمت الأمواج بالبحار. إيه ستة عشر شهرا مضت وهي مظنة تراجع الفؤاد، ممن كان وده عرضا لم ينبعث عن شعور حار، ولا تبجست به الأعماق، ولكن فؤادي أبى عليه إخلاصه الذي جبل عليه إلا أن يستديم تلك الشعلة التي اندلعت منه بغتة يوم أقلتني السيارة ضحى يوم 28 ذي الحجة 1355 هـ، ثم ما زادته تقلبات الأحوال من رجاء إلى يأس، ومن يأس إلى رجاء، إلا لهفا لا يدري صداه انقشاعا ، ولا يجد إليه التناسي من سبيل. ...منذ ليال لا أنام إلا معكم، فنهاري هنا، ولكن لا أكاد أغمض عيني حتى أنتفل إلى مصافحتكم، فأرى فلانا وفلانا، فهذه حالتي، فلينظر كل واحد منكم حالته في مثل ذلك الحين ليعلم أيجاري إخلاصي وتعلقي ووفائي، أم أنني على كل حال من السابقين... ولكن لي قلبا حيا طفارا، لا يعرف التسلي بغيركم، ولا يرى في التفكير في سواكم حلاوة يستمد منها طلاوة الحياة... ...إن قلبي ليتفطر على أبنائي هناك أكثر مما يتفطر على ما جرى لي، لأنني ـ ولا أكذب الله ولا أكفر نعمه ـ في بلهنية عيش وظل ظليل من الهدوء، فلئن حرمت مواصلة إخواني ـ وهي كل مصدر الأماني ـ فإنني صابر محتسب، (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم)... زفرات حنينية في مراكش وأهلها وكما بث هذا الشوق والحنين والاعتراف بما أسدته له مراكش وذووها نثرا، فإنه سجل ذلك شعرا، ونجد في الكثير من قصائده ذكر لهذا التلاحم المراكشي، ونورد هنا بعض ما جاء في إحدى زفراته وهو في منفاه بـإلغ يوم عيد الأضحى لسنة 1959 هـ قال: عيد ولكن أين ما أعتاد عندي إذا ما حلت الأعياد؟ أين الرميلة أين بهجتها؟ وأيــ ن بنو الرميلة من هم الأكباد ؟ ويقول: إيه بنو الحمراء يا من ودهم لحياتي الأطناب والأوتاد بكم قنعت مسارح الآمال ما عندي وراء ودادكم مرتاد أردتموني نطفة يا طالما سيمت فخابت دونها الوراد من مثلكم من مثلكم أهل الوفا إن عدت الأمثال والأنداد أنا ـ وتب العادلون ـ أرى لكم شبها؟ وكيف وكلكم أمجاد؟ وفي زفرة أخرى أرسلها من منفاه بإلغ عندما جلس إليه بعضهم يسليه ـ على حد تعبيره ـ الذي قال له أن يحمد الله حين لم يكن من بين المسجونين في رودانة أو ممن أصيبوا بالوباء، فزفر هذه الزفرة في قصيدة جاء في أولها: يقولون شكرا .. ولكن يقولون شكرا إذ نفيت من الحمرا ولم تك ممن ذاق في مطبق ضــــرا وشكرا عظيما بعد ذلك ثانيا إذ الرزء بالطاعون لم يصلك الجمرا فكل بني الحمرا ما بين هارب ولما يصب، او من يزجونه قــــــبرا فلو كنت في اليوم ما انت فاعل؟ بربك قل ماذا؟ ألا تشتهي صحرا؟ ألا تتمنى أن تجاور هكذا أقارب لم يـــــألوك جهدهم بـــــــــــرا 17 ـ 1 ـ 1357 هـ

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.