تتفق الدراسات التي أنجزت حول الثورة المصرية إلى حدود يوم تخلي مبارك عن السلطة، أنها مرت بأربع مراحل منذ انطلاقتها يوم 25 يناير. الأولى انتهت يوم 28 يناير، نزل الآلاف إلى ميدان التحرير، الذي شهد مواجهات بين الشرطة والثوار، سقط جرحى وقتلى، مما دفع الأحزاب والجماعات التي لم تنزل يوم 25 يناير إلى تعديل موقفها، والمشاركة في جمعة الغضب يوم 28 يناير. يومها نزل نحو مليون متظاهر إلى الميدان في القاهرة، وتظاهر مئات الآلاف في الإسكندرية ومدن أخرى، كان يوما داميا، شهد اعتقالات وقتلى، خاصة في محافظات السويس، كان الشعار المركزي يطالب برحيل مبارك، وبتغيير جذري للنظام، وتمت عمليات حرق مقار الحزب الحاكم ومراكز الشرطة. طوال الأيام الثلاثة، وخاصة أحداث يوم الجمعة، انتظر الثوار والعالم كله خطابا لحسني مبارك، وبسبب ضغط الأحداث، خرج مبارك في أول خطاب له في الساعات الأولى ليوم السبت 29 يناير، وبإلقائه الخطاب ذاك، بدأت المرحلة الثانية في أحداث الثورة المصرية. أبدى مبارك عنادا وتصلبا في الموقف، وكشف عن عدم إدراكه لطبيعة ما يجري في الشارع. فمن جهة قال إن التظاهر يعبر عن تطلعات مشروعة لمزيد من الديمقراطية، وأكد أنه ينحاز إلى الفقراء ويؤيد مطالب الشباب، كما تأسّف للقتلى الذين سقطوا. ومن جهة ثانية، توعد في الخطاب من اعتبرهم يستغلون الاحتجاجات لإشاعة الفوضى والتخريب والنهب، ولهم مخطط يهدف إلى زعزعة الاستقرار والانقضاض على الشرعية. وبعد خطاب طويل، قدم مبارك الحل من وجهة نظره، بأن طلب من الحكومة أن تقدم استقالتها، وأعلن أنه سيُعيّن حكومة جديدة بأولويات جديدة. ومن الناحية الإجرائية، عيّن مبارك مدير المخابرات العامة عمر سليمان نائبا له، لأول مرة منذ ثلاثين عاما، كما كلّف عسكري متقاعد هو أحمد شفيق بتشكيل حكومة جديدة. وفي ظل الاحتقان السياسي، لم تلقى هذه الإجراءات أي صدى سياسي، بل أثارت نقاشا حول عسكرة الحياة السياسية من جديد. ومع استمرار الاحتجاجات كلّف مبارك رئيس الوزراء الجديد ببدء حوار مع المعارضة، كما كلف نائبه عمر سليمان بإجراء اتصالات مع جميع القوى السياسية، من أجل حل القضايا السياسية والدستورية. أما المرحلة الثالثة فبدأت مع الخطاب الثاني لمبارك يوم 1 فبراير، وهو الخطاب الذي اعتبره مراقبون أكثر خبثا ودهاء، إذ أنه بداه بالتفريق بين نوعين من السلوك، الأول يقوم مواطنون شباب شرفاء، يمارسون حقهم في التظاهر السلمي تعبيرا عن همومهم وتطلعاتهم، والثاني يقوم به مغرضون لا يحبون الخير لمصر، يهدفون لإشاعة الفوضى والتخريب، وإلى زعزعة استقرار مصر والانقضاض على الشرعية، ويعملون وفق أجندا خاصة. ومن أجل وضع حدّ لهذا الوضع، قام مبارك بعملية استعطاف للشعب، خاطبه قائلا:» إلى أبناء الشعب بفلاحيه وعماله، ومسلميه وأقباطه، وشيوخه وشبابه، ولكل مصري ومصرية في ريف الوطن ومدنه». وأضاف قائلا:»إنني لم أكن يوما طالب سلطة أو جاه، ويعلم الشعب الظروف العصيبة التي تحملت فيها المسؤولية، وما قدمته للوطن حربا وسلاما، كما أني رجلا من رجال قواتنا المسلحة، وليس من طبعي خيانة الأمانة أو التخلي عن الواجب والمسؤولية، إن مسؤوليتي الأولى الآن هي استعادة أمن واستقرار هذا الوطن لحين الانتقال السلمي للسلطة». ثم أعلن على إثر ذلك عن إجراءات جديدة، بمثابة تنازلات، أولها قراره عدم الترشح مرة أخرى، وثانيها دعوة البرلمان لمناقشة تعديل المادتين 76 و77 من الدستور، وطالبه بإعادة النظر في الطعون التي قدمت على الانتخابات التشريعية التي جرت في نونبر 2010. خطاب العاطفة والفتنة هذا، تأثر به البعض لكن رآى فيه آخرون محاولة التفاف للبقاء في السلطة، إلا أن الضربة القاضية لخطاب مبارك جاءته من المحيطين به، الذين كانوا وراء ما يسمى ب»موقعة الجمل»، في اليوم الموالي للخطاب(2فبراير)، التي قام خلالها بلطجية نظامه باقتحام ميدان التحرير بالجمال والبغال، وارتكبوا أكبر الحماقات التي نقلتها القنوات الفضائية العالمية. لقد نسف الحدث كل أمل لمبارك بعدها في البقاء، وفي مقابلة مع «إيه بي سي» الأمريكيةقال إنه يود الاستقالة من منصبه، لكنه يخشى أن تغرق مصر في الفوضى. وعلى إثرها كذلك، رفضت قوى المعارضة الحوار مع النظام، واشترطت تنحي مبارك.