غزة.. دول غربية تعرض المساعدة في علاج المرضى    أيوب الكعبي يتوج كأفضل لاعب أجنبي في الدوري اليوناني    توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء            افتتاح الدورة الثامنة عشرة للمهرجان الدولي لسينما المرأة بسلا            توقيف فرنسي من أصول تركية بمطار محمد الخامس مطلوب دولياً في قضايا نصب وتبييض أموال    الباراغواي تعلن اعترافها بسيادة المغرب على صحرائه وتقرر فتح قنصلية في الأقاليم الجنوبية    هدف حاسم لنايف أكرد ضد باريس سان جيرمان يلحق أول هزيمة للباريسيين هذا الموسم    عثمان ديمبلي بعد الفوز بالكرة الذهبية.. يشكر 4 أندية ويدخل في نوبة بكاء            الأربعاء أول أيام شهر ربيع الآخر في المغرب        الامم الأمم المتحدة.. المغرب يشارك بنيويورك في مؤتمر دولي حول التسوية السلمية للقضية الفلسطينية    حمزة عقاري ينال شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جداً بكلية الحقوق بالجديدة    الدكتور أومالك المهدي مديرًا جديدًا للمستشفى المحلي بأزمور... كفاءة طبية وإدارية لتعزيز العرض الصحي    توقيف مواطن فرنسي من أصول تركية موضوع أمر دولي بإلقاء القبض    الرميد يحذر من "انزلاق خطير" بعد أدعية لجيش الاحتلال في حفل يهودي بالصويرة    ماكرون يعلن أمام الأمم المتحدة اعتراف فرنسا بدولة فلسطين    الأمم المتحدة.. المغرب يشارك بنيويورك في مؤتمر دولي حول التسوية السلمية للقضية الفلسطينية                حكيمي يحل بالمركز 6 للكرة الذهبية    لامين يامال يحصل على جائزة "كوبا"    وفد دبلوماسي فرنسي يلتقي مسؤولي بعثة "المينورسو" في مدينة العيون    كريم زيدان يعزز التعاون الاقتصادي المغربي مع الصين على هامش المؤتمر العالمي للصناعة التحويلية 2025    الرباط.. وزير الدفاع الهندي يزور ضريح محمد الخامس    بورصة الدار البيضاء تغلق على ارتفاع    المغرب والهند يوقعان مذكرة تفاهم للتعاون في المجالات الدفاعية والأمن السيبراني    سفينة مغربية ترسو بإيطاليا في انتظار استكمال الإبحار نحو قطاع غزة    موجة ‬اعترافات ‬تعيد ‬طرح ‬الدولة ‬الفلسطينية ‬إلى ‬الواجهة        معرض "كريماي 2025" .. المغرب يفوز بكأس إفريقيا والشرق الأوسط للطاهيات    زعيم كوريا الشمالية يعلن حصوله على أسلحة سرية    التكريس التشريعي للمرصد الوطني للإجرام في قانون المسطرة الجنائية الجديد يضع المغرب ضمن الدول التي تتبنى أفضل الممارسات في مجال الحكامة الجنائية    الذهب عند مستوى قياسي جديد مع توقعات بخفض الفائدة الأمريكية    وجدة تحتضن النسخة 14 للمهرجان الدولي المغاربي للفيلم    مندوبية التخطيط: تباطؤ معدل التضخم السنوي في المغرب إلى 0.3% في غشت    استمرار الاضطرابات في مطارات أوروبية بعد هجوم إلكتروني    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    المغرب ينهزم أمام الأرجنتين في نهائي الدوري الدولي للفوتسال    ترحيب عربي باعتراف المملكة المتحدة وكندا وأستراليا والبرتغال بدولة فلسطين    مدينة يابانية توصي باستخدام الأجهزة الرقمية ساعتين فقط يوميا    ياوندي.. الخطوط الملكية المغربية تخلق جسورا لتنقل مواهب السينما الإفريقية (عدو)    مستخلص الكاكاو يقلل من خطر أمراض القلب عبر خفض الالتهابات    دراسة: الإفطار المتأخر قد يُقلل من متوسط العمر المتوقع    الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    دراسة.. النحافة المفرطة أخطر على الصحة من السمنة    الرسالة الملكية في المولد النبوي        الذكاء الاصطناعي وتحديات الخطاب الديني عنوان ندوة علمية لإحدى مدارس التعليم العتيق بدكالة    مدرسة الزنانبة للقرآن والتعليم العتيق بإقليم الجديدة تحتفي بالمولد النبوي بندوة علمية حول الذكاء الاصطناعي والخطاب الديني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أعرف، ماذا تريد أن تقول...؟!
نشر في أزيلال أون لاين يوم 18 - 03 - 2017

أعرف، أعرف سلفا، ماذا تريد أن تقول. تريد أن تقول أن كل شيء مضطرب ولا رأي لك. كل شيء هائل وغير مفهوم. لكن ماذا تريد أن تفعل؟ هكذا يدور التاريخ أحيانا على الأبواب؛ يحرق شاب عاطل نفسه في سيدي بوزيد ويقع البطيخ اليابس أرضا في تونس. يهرب بن علي العلماني إلى السعودية.لكن أين التجأ الزعيم الإسلامي راشد الغنوشي حين هرب من نظام بن علي القمعي ؟إلى بريطانيا الدولة العلمانية !..هل فهمت شيئا من هذه المعادلة؟.. نعم كل شيء غير مفهوم حقا!!..يسقط مبارك في مصر ،يدخل الحلف الأطلسي إلى ليبيا ويخرج الأميركيون من العراق ويعودون إليه مرة أخرى؛ سوريا واليمن تحترقان أمام أنظار وصمت المنتظم الدولي وانقلاب سريع وفاشل تحت جنح الليل في تركيا...الميز العنصري في أمريكا وصعود اليمين المتطرف في أوروبا وأعمال إرهابية متتالية هنا وهناك والظروف تنذر بالمزيد من الشر والتوتر والخراب في هذا العالم الذي يغلي... حتى أهواء الطبيعة رجعية ومختلة بشكل مريع، في أوروبا ينقلب الصيف خريفا والربيع شتاءا والشتاء بلا هوية.وفي أقصى الشمال، جليد القطب يواصل ذوبانه المتسارع، والحرارة في بعض الأجزاء الأخرى من العالم تتجاوز كل صيف حدود نصف الغليان، حرارة جهنمية تحصد سنة بعد أخرى أرواح بشرية في مناطق قد لا تصلح مستقبلا لعيش إنسان أو حيوان ...
أعرف، أعرف سلفا، ماذا تريد أن تقول.أعرف أنك تريد أن تقول ،ليس في أخبار العالم ما يريح بل كل ما نسمعه أخبار تفجيرات القتل والدهس العشوائي بالشاحنات والضحايا بالمئات وأخبار أطفال في عز البراءة يختطفون ليساقوا إلى ساحات القتال وأخبار البراميل المتفجرة في سوريا وأمثال ذلك من الأخبار المرعبة في اليمن والعراق وليبيا ودول أخرى يمتلكها الرعب... أعرف أنك تريد أن تقول :كم يبدو هذا العالم مخيفا وسخيفا وأكثر قلقا كلما تراجع الاعتدال والتسامح والانفتاح ...
أعرف، أعرف سلفا، ماذا تريد أن تقول.أسئلة أسئلة، دون إجابة واحدة، زمن الأسئلة التي لا تجد لها إجابة حقيقية أو أقرب إلى الحقيقة، نسأل، ساعة بعد ساعة ويوم بعد يوم، ونطالع صفحات أشهر الجرائد و شاشات فضائيات العالم ولا تتوفر لدينا ما يشبه الإجابة التي يجب أن نعرفها، وهكذا.. تظهر مئات الوجوه التي تقدم لك إجابات مشبوهة وكاذبة ومرهقة، تفتقد الحقيقة للمرة الألف، والإجابات التي لا تعرف الحقيقة تتحول إلى قلة أدب وقلة ذوق وقلة عقل، ونحاول أن نصدق، على الرغم أنه لا يوجد شيء يمكن أن يدخل عقل طفل. التجربة والخبرة علمتنا أن العالم حين يضطرب وتكثر أسئلته البلهاء ،يصبح مستنقعا لتكاثر البعوض والحشرات المضرة ...
نعم، أعرف، أعرف سلفا، ماذا تريد أن تقول.أسئلة أسئلة، دون إجابة واحدة. أسئلة تحملنا على مشاطرة حيرة وقلق صاحب الألواح الطينية في بابل القديمة، رغم فارق التاريخ والحضارة والجغرافية ونحن في زمن الألفية الثالثة مع العولمة الليبرالية المتوحشة.نعم، صاحب الألواح الحائر وهو يتساءل(نحو الألف سنة قبل الميلاد) قائلا: وماذا يفعل الإنسان عندما يجد أن القيم قد فقدت قيمتها، بعد أن كانت حية ومؤثرة على عهد الأجداد والأسلاف؟ ،وكيف يتصرف وهو يرى حضارته المأزومة تتحشرج في صدرها الأنفاس الأخيرة، ويتزاحم عليها النمل والسوس الذي ينخر في أصلها وجذورها، والجراد الذي يلتهم الخضرة من فروعها وأوراقها ، فلا تملك الطيور المبدعة إلا أن تهجر الأعشاش التي بنتها ،وتأوي-يائسة أو مترفعة-إلى حزنها وصمتها؟ وعندما ينظر هذا الإنسان الذي تحول إلى شاهد أمين على زمنه وأهله-فيهوله الاضطراب والخلل في كل شيء، ويفزعه سيطرة عقارب الخسة والغدر، وكلاب السلب والنهب، وقرود الوصولية والانتهازية على الساحة ، أيبقى أمامه إلا أن يصرخ ويحذر وينذر، أو يسقط في الهاوية التي تتعطل فيها إرادة الحياة ، وتشل القدرة على الاختيار والمبادرة والفعل الحر؟ وهل نعجب عندئذ حين نجده غارقا في القنوط والتشاؤم، أو سادرا في العبث والسخرية، أو فاتحا ذراعيه لاحتضان الموت الذي يلتمس فيه المعنى الأخير بعد أن غاب المعنى عن كل شيء ؟
طبعا، أعرف، أعرف سلفا، أنك تعرف أن مشاطرتنا صاحب الألواح الطينية حيرته وقلقه لن نغير وجهة الهواء أو دورة الفلك. ولن نقول إننا بخير مزدهر.ولن نُليّن من قسوة البؤس في قرى ومدن هذا الكوكب المخيف الذي يحترق ويعلوه الضجيج والغبار. ولن نستدعي من يساعدنا على النواح والعويل ونحن نمثل أسوأ حالات العجز والفشل.ولن نؤدي دور المهرج أمام أحد .ولن نتبرأ مما أصابنا به الزمن من آفات وتخلف وعلل اجتماعية مختلفة تنخر جغرافيتنا الموبوءة من المحيط إلى الخليج..
نعم، أعرف، أعرف سلفا أنك تعرف أن «المتبلدين» هم السعداء على أرض هذا الكوكب، لأن الله منحهم «سترة مضادة للمشاعر» لا ينفذ منها غضب أو حزن أو حسرة على أوضاع هذا العالم. حينما تكون متبلدا لا يزعجك أي خبر ولا يؤرق نومك أي مشهد من مشاهد جثت بني البشر الممزقة على شوارع مدن الحروب والنزاعات ،ولن يزعجك قوافل النساء الهاربات من مدن الحروب وعلى رؤوسهن كل ما بقي من متاع الحياة، ولا يحترق دمك بسبب ظاهرة الفوارق الطبقية والجغرافية الصارخة داخل كل دولة أو بين الشمال والجنوب.وحينما تكون متبلدا إلى حد كبير لا تغضب ولا تصاب بأي حزن جراء سوء الأداء السياسي المتكرر لحكومة بلدك التي تعدك دائما بالجديد الذي يخدم مستقبلك ومستقبل أبناءك بعدك وأنت تعرف مسبقا أنه لن يتحقق من وعودها شيئا ،ولا تغضب للهزائم المتكررة حتى لفريقك المفضل لكرة القدم..
أعرف،أعرف أنك تعرف كل ما سلف ذكره،لكن ما أنا لست متيقنا منه هو أن توافقني الرأي على أنه لا مخرج لنسيان ما يجري في العالم سوى أن تكون"متبلدا".وقد تخالفني الرأي في هذه المقولة.. لم أعد أحقد اليوم في هذا العالم على الأذكياء بقدر ما أحقد على "المتبلدين".فمن النعم الكبرى التي يحلم بها الإنسان في هذه الأيام وفي هذا الزمن المضطرب هو الرغبة في الشعور «بالتبلد» الدائم! هذا الحلم الجميل يعني أن يكون جلدك سميكا مثل جلد الفيل «التنزاني» لا تؤثر فيك سهام المصائب، ولا يتسلل إليك الشعور بالاكتئاب، ولا تصاب بأي ردود فعل تجاه ما تراه من انحطاط وبؤس أو ما تقرأه في الصحف أو تشاهده في نشرات الأخبار المحلية والعالمية المملة . الشعور باللاشيء في زمن الاضطرابات والهستيريا والجنون والصوت العالي وتبادل السباب والشتائم على الإنترنت والثأر والثأر المضاد على مواقع «فيسبوك»و«الوات ساب» وباقي وسائل التواصل الاجتماعي، هو الإنقاذ وطوق النجاة الذي ربما قد يساعدك قليلا على الخروج ولو وهميا من دورات الاكتئاب.
التبلد، ياصديقي ،يجعلك لا تستهوي حالة الفوارق المذهلة بين الفقراء والأغنياء، ولا يؤثر فيك أن 80٪ من ساكنة العالم تفتقد إلى الوسائل اللائقة للعيش الكريم وأن هذه الوسائل لايملكها سوى 20٪من سكانه ، ولن يغضبك أن يكون 80٪من سكان العالم في منظور 20٪من أغنيائه سوى سكان فائضين عن الحاجة. أتعرف معنى الإنسان الفائض عن الحاجة ؟
مرة أخرى، لا أريد أن افتح صنبور الأسئلة على جراح وأوجاع أخرى لتعرف معنى الإنسان الزائد عن الحاجة، ولا أريد أن افتح عينيك قليلا على نظرية "مالتوس" حول السكان وكيف بارك الحروب ونشر الأمراض والأوبئة كوصفة لتحقيق التوازن بين ما تنتجه الأرض الشحيحة من غلة وبين عدد الأفواه البشرية المتزايدة بشكل مهول مع كل دقيقة وثانية..وحتى لا أدفع سكين الأسئلة إلى حد الألم ، صدق أو لا تصدق ،أنني أفضل أن أتبلد في هذا العالم حتى أكون سعيدا.. وما يدعم اختياري هذا في التبلد، هو تلك «المقولة» التي تبين أنه عندما يتعب العقل – يتعب – ويمرض الجسد.. وشخصيا لست على استعداد نهائيا ليتعب عقلي بالتفكير الدائم في أحداث وأهوال هذا العالم، حيث أتحدى أكثر الناس قدرة على فهم وتحليل الأمور والأحداث أن تكون باستطاعتهم فهمها وتحليلها، وبالتالي.. لن يتعب جسدي ويمرض ويموت ومن ثم أترك هذه الحياة الجميلة ليتمتع بها ويعبث بها الجهلة وعديمو الإحساس والضمير الإنساني والوطني...ولهذا أحب "التبلد" مثل الجهلة وعديمو الإحساس والضمير الإنساني، أحب هذا لأكون سعيدا مثلهم، بل وأكثر من ذلك أحب ياعزيزي الكريم إزاحة الكآبة ونشر الفكاهة ولو بالتبلد...هذا رأيي ،ومن حقك أن يكون لك رأيا آخر،وأحب دائما من يخالفني الرأي ...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.