نتانياهو سد "الجزيرة" فإسرائيل    الزمالك ضحاو بماتش على قبل نهضة بركان    البرتغالي گيريرو غايب على البايرن فماتشها ضد الريال    حكيم زياش ماركا دوبلي لگلطة سراي    حبس بوركايز يستقبل الموظف اللي اختلس 350 مليون من صندوق المحكمة والوكيل العام دار ليه إحالة مباشرة على غرفة الجنايات بعدما اعتبر أن القضية جاهزة للحكم    النقابة الوطنية للعدل تدعو إلى إضراب وطني بالمحاكم لثلاثة أيام    نتنياهو يريد بقاء حماس في السلطة، "ودوافعه الخفية كُشفت" – جيروزاليم بوست    سجن عين السبع ينفي تعرض سجين ل "محاولة التصفية الجسدية"    "فنون شعبية على ضفاف درعة".. وثائقي يسلط الضوء على التحولات التي شهدتها فنون زاكورة (فيديو)    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    مسيرة حاشدة بمكناس لإيقاف التطبيع بين المغرب وإسرائيل    هل حصل حسنية أكادير على 15 مليونا من الرجاء بعد فوزه على الجيش؟    وزارة الثقافة تسعى لحماية "شباب التيكتوك" من الانحلال الأخلاقي    موجة حر مرتقبة من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    بمساعدة المغرب.. إسبانيا تحبط عملية تهريب طن ونصف من الشيرا ب"تينيريفي" (فيديو)    الصيباري يتوج بلقب الدوري الهولندي رفقة أيندهوفن    فيلم "من عبدول إلى ليلى" يفوز بالجائزة الكبرى لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط        مؤتمر القمة الإسلامي يؤكد رفضه التام للمخططات الانفصالية التي تستهدف المس بسيادة الدول    الحكومة التايلندية توضح حقيقة اختطاف عشرات المغاربة واستعبادهم    وصل لأعلى مستوياته التاريخية.. التداول النقدي فات 400 مليار درهم    موجة حر مرتقبة بمناطق في المغرب    المغربية آية العوني تتوج ببطولة أنطاليا لكرة المضرب    هل يستسلم المحافظون لمصيرهم في الانتخابات البريطانية بالاستمرار تحت قيادة سوناك؟    جواد مبروكي: الحمل والدور الحاسم للأب    منظمة تدعو لفتح تحقيق في مصرع عامل بمعمل تصبير السمك بآسفي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    محكمة الحسيمة تدين شخصا افتض بكارة فتاة قاصر    زوجة الدكتور التازي تعانق الحرية في هذا التاريخ    المغرب يسحب أول دفعة من قرض 1.3 مليار دولار من صندوق النقد الدولي    المكتب الوطني المغربي للسياحة غيربط غران كاناريا بورزازات مع شركة بينتر للطيران    انطلاق عملية " العواشر" بساحة الهوتة بشفشاون    فيدرالية ناشري الصحف تدعو لاستثمار تحسن المغرب في تصنيف حرية الصحافة العالمي    لشكر زعيم الاتحاد الاشتراكي: الشعب الجزائري يؤدي الثمن على دفاع نظامه على قضية خاسرة والعالم كله يناصر مغربية الصحراء    قتلى ومفقودون جراء فيضانات البرازيل    حقيبة يد فاخرة بسعر سيارة .. استثمار ذو وزن    نشرة إنذارية.. موجة حر مرتقبة من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    فينسيوس يسخر من لامين يامال    "نوستالجيا" تحصد جائزة الجم للمسرح    التأكيد على أهمية تطوير الشراكة بين الإيسيسكو والسنغال في التربية والعلوم والثقافة    برنامج دعم السكن ومشاريع المونديال تنعش قطاع البناء خلال اوائل 2024    اختلاس وتبديد فلوس عمومية جرّات مسؤولين فمركز الاستشارة الفلاحية بالحسيمة لغرفة الجنايات ففاس    برلماني يسائل وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات..    هل زيادة 1000 درهم في الأجور قادرة على مواكبة نفقات الأسر المغربية؟    وضعية الماء فالمغرب باقا فمرحلة "الإنعاش".. نسبة ملء السدود وصلت ل32 فالمية وبدات فالتراجع    الفنان الجم يكشف حقيقة إشاعة وفاته    قلعة مكونة تحتضن الدورة 59 للمعرض الدولي للورد العطري    ڤيديوهات    رشق إيريك زمور بالبيض خلال حملته الانتخابية    طنجة.. مهرجان "هاوس أوف بيوتيفول بيزنيس" يرفع شعار الإبداع والتلاقح الفني    إدارة المغرب التطواني تناشد الجمهور بالعودة للمدرجات    دراسة.. نمط الحياة الصحي يمكن أن يضيف 5 سنوات إلى العمر    الأمثال العامية بتطوان... (589)    المغرب يسجل 13 إصابة جديدة بكورونا    دراسة تربط الغضب المتكرر بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الناقد والروائي المغربي الدكتور محمد برادة
نشر في بيان اليوم يوم 19 - 09 - 2014

الترجمة عندنا تخضع لمقاييس وجهود فردية وتظل في دائرة الهواية
يعتبر الناقد والقاص والروائي الدكتور محمد برادة من بين أهم الكتاب الطليعيين في الأدب المغربي المعاصر الذين أسهموا بشكل وافر ولافت في التراكم النقدي والروائي ليس على مستوى المغرب فحسب وإنما على الصعيد العربي بما حققه وأنجزه من كتب ومتابعات وقراءات نقدية غزيرة جدا كانت بكل تأكيد على مدى نصف قرن وما تزال ذلك الجسر الثقافي بين المغرب والمشرق العربي ومن جانب آخر بما أنجزه من ترجمات هامة لأشهر الكتب النقدية التنظيرية الفرنسية على الخصوص ل»رولان بارت وجان جينيه وميخائيل باختين ولوكليزو» وغيرهم والتي أسهمت في تحديث الدرس والمقاربات النقدية والبحوث الجامعية ومد جسور المثاقفة مع شمال حوض البحر الأبيض المتوسط مما جعل منه ذاكرة ثقافية مغربية وعربية هرمية بامتياز.
الدكتور محمد برادة كان أيضا من بين أهم الأسماء المؤسسة لاتحاد كتاب المغرب أواخر الستينات إلى جانب شيخ الصحفيين والأدباء المغاربة عبد الكريم غلاب ومحمد عزيز لحبابي ومصطفى القباج وغيرهم وسيتوج هذا المسار الإتحادي بتقلده للرئاسة من سنة 1976 إلى سنة 1983. ومن جانب آخر ولإيمانه الراسخ بتلازم الفعل الثقافي بالسياسي من خلال الانتماء العضوي فقد انخرط أيضا منذ أوائل الستينات في الدفاع عن أهم القضايا الحقوقية والسياسية المغربية والعربية بشكل عام ولعل أهمها قضية الدمقرطة والتحرر..
قصة «المعطف البالي» كانت أولى قطرات الغيث السردية التي نشرها محمد برادة بجريدة العلم المغربية سنة 1957 ثم نشر مجموعته القصصية الأولى موسومة ب»سلخ الجلد» سنة 1979 أما أولى رواياته «لعبة النسيان» فقد صدرت سنة 1987 ثم تدفقت بعدها روايات أخرى نذكر من بينها «الضوء الهارب»، «مثل صيف لن يتكرر»، «امرأة النسيان» إلى آخر رواية له صدرت في ربيع سنة 2014 موسومة ب»بعيدا من الضوضاء .. قريبا من السكات».
أما في مجال الترجمة فإن المكتبة العربية تزخر بالعديد من إنجازاته القيمة نذكر منها على الخصوص كتاب «درجة الصفر في الكتابة « لرولان بارت «من المنغلق إلى المنفتح لمحمد عزيز الحبابي « و» قصائد تحت الكمامة وهي ديوان شعر لعبد اللطيف اللعبي» و»الخطاب الروائي لميخائيل باختين» وبمناسبة ترجمة روايته «إمرأة النسيان» إلى الإسبانية وهو في طريقه إلى الضفة الأخرى الأندلسية لتوقيعها أجرينا معه هذا الحوار:
تتشرف مجلة إتحاد كتاب الإنترنت المغاربية وفي زحمة انشغالاتكم النقدية والإبداعية بأن تقتنص هذه اللحظة المائزة والنفيسة بإجراء هذا الحوار معكم بمناسبة صدور الترجمة الإسبانية لروايتكم "امرأة النسيان" بداية هنيئا لكم بهذا الإصدار المتميز وسؤالي الأول دكتور محمد برادة وأنتم في طريقكم إلى توقيعها بإسبانيا ماهي دلالة هذه الترجمة في عمقها التاريخي الإيبيروعربي مقارنة مع ترجمة بلغة أخرى فرنسية أو أنجليزية أو روسية ؟
أظن أن مهمة الترجمة إلى كل اللغات هي واحدة في وظيفتها مد الجسور بين الثقافات، والإسهام في تفعيل تبادل التأثير بين إنتاجات الفكر والمخيلة باتجاه بلورة قيم إنسانية، كونية توطد علائق الحضارات...بالنسبة للغة الإسبانية، يسرني أن تسعفني ترجمة روايتي إليها، في الوصول إلى قراء محتملين، لأن أكثر من عنصر يمد حبال القرابة بيننا الموقع الجغرافي، التاريخ المشترك (خاصة في الأندلس)، وجود جالية مغربية مهاجرة وافرة العدد...
وقد استرعى انتباهي خلال توقيع "امرأة النسيان" في طبعتها الإسبانية، أن بعض الذين قرأوها، أشاروا أثناء المناقشة، إلى وجود تشابه بين وضعية الأحزاب عندهم والصورة البارودية التي ترسمها الرواية للحزب اليساري المغربي السائر نحو الانحدار وفقدان المصداقية...ونقطة الالتقاء هذه، تعود إلى الأزمة العميقة التي تعيشها إسبانيا نتيجة فشل تعاظم عدد الساخطين على اليمين واليسار، والبحث عن مستقبل يبدو مظلما بعد تعثر مشروع الاتحاد الأوروبي، وتلاشي الثقة في السياسيين الذين يقولون ما لا يفعلون... لذلك فإن السياق المتقارب بين وضعي المجتمعين، على رغم تباين الفترتين التاريخيتين، جعل "امرأة النسيان" تلامس موضوعا مشتركا.
في تقديركم، هل استطاعت هذه الترجمة التي أنجزتها كل من سيليا تيليز وعادل برادة أن تكون وفية للحمولة الفكرية والأبعاد الجمالية والسردية للنسخة العربية الأصلية ؟
لا أستطيع أن أحكم على مدى دقة الترجمة ووفائها بالغرض، لأنني لا أعرف اللغة الإسبانية، لأجل ذلك أتطلع إلى رأي الأصدقاء الذين يعرفون اللغتين. ومن خلال ردود الفعل الأولى لبعض القراء الإسبانيين الذين استمعت إليهم، يبدو أن العناصر الأساس في الرواية قد وصلتهم، بغض النظر عن دقة التعبير وتلاوين الأسلوب.
قمتم بترجمة العديد من الأعمال الإبداعية الأدبية في الشعر والرواية إلى اللغة العربية للطاهر بن جلون وعبد اللطيف اللعبي وغيرهما، ماهو إحساسكم بين كونكم كاتبا مترجما بكسر الجيم وكاتبا مترجما بفتح الجيم ؟
الفرق مهم بين المترجِم والمترجَم: الأول يمارس نوعا من "الحلول" المؤقت في لغة المترجَم له، مع الاحتفاظ بسمات تلتصق بلغته الخاصة ومنهجه في تأويل النص والمعاني...وعندما لا يكون النص المترجَم "مفروضا" على المترجِم، فإن هذا الأخير يختاره لأنه يصادف هوى في نفسه، ويتمنى في قرارة نفسه لو كان هو من كتبه. أما عندما يصبح المترجِم مترجَما، فإنه سيُعاين أن نصه يبدأ حياة جديدة عبر قراء مجهولين لديه، لا يستطيع أن يتنبأ بردود فعلهم وطبيعة تلقّيهم. ذلك أننا عندما نكتب بالعربية، يمكن أن نستحضر، بكيفية تقريبية، ذوق ومستوى القراء العرب المحتملين. أما بالنسبة للقراء الأجانب فإن تخمين نوعية التلقّي لديهم تكون غائبة عندنا، لأننا لا نكتب حسب مقاييس تلائم أفق انتظار القراء الأجانب. ومن ثم، لا نتعرف على تلقي "الآخر" إلا بعد الترجمة وقراءة ردود فعل النقاد وتقييمهم للنصوص المترجمة.
لا جدال في أن المغرب يعتبر رائدا في الدول العربية في مجال الترجمة بفضل جيل الرواد أمثالكم والأجيال التي جاءت من بعدكم، لكن ما الذي يجعل هذه الحركية المتألقة في الترجمة لا تحتفي بالأعمال الروائية والشعرية المغربية لنقلها إلى لغات عالمية أخرى، أذكر على سبيل المثال أعمالكم وأعمال عبد الله العروي ومبارك ربيع وأحمد لمديني وغيرهم ؟
لا أظن أننا دولة رائدة في الترجمة قياسا إلى الدول العربية، لأننا لا نتوفر على هيئة تضم مجموع المترجِمين وتعمل وفق مخطط وإستراتيجية معلن عنها، بل الترجمة عندنا تخضع لمقاييس وجهود فردية وتظل في دائرة الهواية. وكانت هناك محاولة في تسعينات القرن الماضي، بتعاون مع وزارة الثقافة، لإنشاء هيئة المترجمين المغاربة وفق خطة متكاملة لتعزيز الجهود التي تبذل في الفضاء العربي الذي يسعى إلى تدارك النقص المهول في مجال الترجمة.
لكن المشروع أُقبر وظلت المبادرات الفردية هي السائدة، وهي جد محدودة قياسا إلى ما ينجزه المركز القومي في مصر، أو هيئات أخرى في الإمارات والكويت...أما بالنسبة لترجمة أعمال مغربية إلى لغات أجنبية، فالمسألة لا تخضع لرغبة ذاتية أو مبادرات فردية، بل هي متعلقة أساسا بإرادة و"اختيار" دور النشر الأجنبية التي هي مؤسسات حرة وتختار وفق أذواق واهتمامات القراء الأجانب الذين يقتنون الكتب ويتيحون لدور النشر الاستمرار.
لذلك فإن ترجمة أعمال أدبية مغربية بمبادرات فردية لن تنجح في إقناع الناشرين الأجانب وبالتالي لن توفق إلى تسويق الكتاب المترجم وتوصيله إلى قرائه المحتملين.
إن عملية الوصول إلى القراء الأجانب عملية جد معقدة، ولا مناص من أن تأتي المبادرة من "الآخر" المتابع لما يُنشر عبر لغات العالم، ومقاييسه تتراوح بين الجودة الفنية العالية (ظاهرة رواية الواقعية السحرية في أمريكا اللاتينية، مثلا) أو البحث عن نصوص تقدم "شهادة" عن أوضاع سياسية متردية أو سلوك اجتماعي يستحق الفضح.
ونتيجة لهذا الوضع الترجمي المعقد، نلاحظ أن الزملاء العرب الذين يكتبون مباشرة بالفرنسية أو الإنجليزية، سرعان ما يشقون طريقهم مستفيدين من البنيات الثقافية وأواليات التوزيع ذات الخبرة الواسعة...، علما أن عدد الذين يكتبون بالعربية هم أضعاف زملائهم الكاتبين بلغة أجنبية.
هل صحيح أن الروائيين النقاد يتوفقون أكثر في كتابة الرواية مقارنة مع غيرهم من الكتاب باعتبار أنهم يشتغلون على بنيات الرواية برؤية أكاديمية وعالمة بأدوات مختبرها السردي ؟
لا أرى أن الروائيين النقاد يتوفقون أكثر في كتابة النصوص السردية، لأن الجودة تعود إلى عناصر متعددة تتخطى المعرفة الأكاديمية والنقدية. وفي طليعة عناصر التجويد الروائي، الموهبة والتجربة الحياتية الواسعة، وصوغ رؤية إلى العالم تسعف القارئ على فهم مجتمعه بعيدا من النظرة الوثوقية المسبقة. يضاف إلى ذلك، علاقة الروائي باللغة ومستوياتها المتعددة الكاشفة لخلفية الأفكار والمواقف المتحكمة في جدلية المجتمع والعالم...وإذا اعتمدت روايات على وصفة أكاديمية جاهزة، فإنها قد تؤول إلى إنتاج نصوص بدون نكهة أو روح تزرع فيها الحياة.
لكن، يجب التنبيه إلى أنه من غير المقبول اليوم، أن يزعم روائي أنه يكتب اعتمادا على السليقة أو التلقائية دون الالتفات إلى ما أنجزه كتاب كبار من قبله. إنه لا مناص للروائي من أن يستوعب تاريخ الرواية العالمية، وأن يتمعن في الأشكال وطرائق السرد التي تكون معلما بارزا في منجزات الرواية الكونية من غير ذلك سيكون الروائي معرضا للوقوع في التكرار والعجز عن إيجاد الشكل الملائم لتجربته الروائية.
بارتباط مع السؤال السابق، من رواية لعبة النسيان إلى رواية الضوء الهارب هل يمكننا أن نتحدث عن ملامح مشروع روائي يقتعد على خلفية عالمة بالنظرية النقدية من جهة ومن جهة أخرى على ذاكرة إجتماعية وثقافية وسياسية تحفر في ثالوث الذاكرة والموت والمرأة ؟
أنا لا أميل إلى استعمال كلمة "مشروع روائي"، لأن الكتابة عندي هي مغامرة وتجريب. ومن الصعب في هذا المضمار أن نتحدث عن مشروع محدد الملامح والأهداف. ربما مع طول الممارسة تأخذ بعض المُكوّنات الروائية في التبلور والطفُوّ، لتميز عالمي الروائي، وقد أشرتم إلى بروز اهتمامي بثالوث الذاكرة والموت والمرأة، وهي عناصر تشغلني إلى جانب أخرى دلالية وشكلية. فأنا أسعى إلى كتابة الذاكرة المختلفة عن محاكاة الواقع واستنساخه. وأعتبر التعدد اللغوي وتعدد الأصوات عنصرا مهما في بناء عالم روائي متميز وصوغ رؤية خاصة إلى العالم.
لكن، في الآن نفسه، أحاول أن أتعامل مع جميع التيمات والموضوعات على قدم المساواة، لأن الحياة لا تستقيم إذا قرصناها على مجالات دون أخرى. بعبارة ثانية، العواطف والسلوكيات والأفكار تتجاور وتتقاطع وتتبادل التأثير، ولا يمكن أن نعزل السياسة عن الحب والجنس، عن الوفاء والخيانة، عن الشر والخير، ولا التاريخ عن تجلياته المختلفة وطرائق فهمه وتأثيره في الوعي والمصائر...يضاف إلى كل ذلك، عنصر التخيل الذي يوسع رحابة العالم، ويسمح بفهم ما يجعله الواقع مسطحا وفاقد المعنى.
لو قمنا بجرد لحصيلة الإصدارات الإبداعية الأدبية المغربية فسنلاحظ تصاعدا متميزا في أرقام المنجز الروائي، هل فعلا نعيش زمن الرواية وأن الرواية أضحت ديوان العرب أم أن هناك تطاولا على هذا الجنس أعني إما هناك روايات بلا روائيين أوهناك روائيين بلا روايات ؟
هناك بالفعل تزايد في الإصدارات الروائية بالمغرب، قياسا إلى ما كان عليه في ستينات القرن الماضي وهي ظاهرة يمكن أن نربطها بإمكانات الشكل الروائي في التعبير عن تعقيدات الحياة المجتمعية، واختلال القيم، والحاجة إلى فهم التحولات المتسارعة في العقدين الأخيرين...
وجنس الرواية أقدر-كما أوضح منظرو الرواية-على تجسيد "نثرية" الحياة والتقاط لغة الكلام والتواصل المصاحبة لفترات التغير. إذن تصدر الرواية لبقية أجناس التعبير لا تعني أفضليتها على الشعر أو القصة أو المسرح.
وفي الآن نفسه، لا يعني هذا الاهتمام أن الذين سيخوضون غمار الرواية سيحققون مستوى جيدا في جمالية النص ودلالته. نحن في أول الطريق، والرواية "صعب سلمها"، ومن الطبيعي أن يفوق الغث السمين. وأظن أن من أسباب ذلك، كون الكتاب الشباب يتعجلون النشر ولا يعملون على استكمال الأدوات والشروط التي تجعل رواياتهم قادرة على جذب اهتمام قراء محتملين غير مستعدين لتبديد وقتهم في قراءة لغو الكلام أو قراءة روايات لا تبرر سبب وجودها بمقاييس فنية مقنعة...
دخلت الرواية العربية مع ظهور الرقمية في تجربة جديدة ما اصطلح عليه البعض بالرواية الرقمية نذكر على سبيل المثال تجربة الأردني محمد سناجلة الذي أصدر ثلاث روايات هي "شات" و"ظلال الواحد" و"صقيع" بداية هل لديكم فكرة عن هذا الإبداع الأدبي الرقمي العربي (قصة رقمية) (قصيدة رقمية) وثانيا أليس من السابق لأوانه أن نتحدث عن تأسيس لنظرية نقدية رقمية ؟
أتابع من بعيد وبخبرة جد محدودة، ما يجِدّ في مجال الرقمية والنشر الإلكتروني. وهي مسألة مهمة وستأخذ وقتا قبل أن تفرض نفسها على عاداتنا وسلوكنا الثقافي (أقصد جيلي).
لكن، أظن أن تغير وسائل التعبير لن يمحو المقاييس الأساس عند التقييم النقدي والفني. بعبارة ثانية، لا أظن أن غلبة الإبداع الرقمي ستؤدي إلى محو مقاييس الإبداع والجمال التي انزرعت في نفوس البشر منذ عصور مغرقة في القدم. وكل تحول في حوامل التعبير والإبداع قد يحمل عناصر إضافية في الاقتراب من بلورة معايير جمالية ذات طابع إنساني كوني، إلا أن هذا المجال لا يعرف إلغاء اللاحق للسابق، كما الحال في العلوم.
بين النشر الورقي والإلكتروني ما يشبه الحرب الباردة ومن دون شك أن بوادر الحسم فيها سيكون للنشر الإلكتروني إذ أن كل الجرائد المغربية أطلقت نسخها الالكترونية هذا فضلا عن تصاعد ملحوظ للكتاب الإلكتروني باعتباركم من جيل الكتاب الرواد ماهو شعوركم في لحظة افتقاد لحميمة وملمس الورق واستبدال كتاب الجيب بكتاب الإيباد الإلكتروني ؟
فعلا، هذه مسألة تهدد عاداتنا القرائية والتواصلية، إلا أنها نتيجة طبيعية لتطورات التقنة وعولمة كل مجالات العيش والاتصال...بالنسبة لي، أحاول أن أستعمل الكتاب والإلكتروني حسب حاجتي إلى القراءة ونوعيتها، فألجأ إلى المنشورات الإلكترونية عندما يتعلق الأمر بمقالات إخبارية وصحفية أو معلومات عامة. أما نصوص الإبداع والفكر الفلسفي فأفضل الاعتماد على الكتب التي تتيح التمهل والتمحيص وكتابة التعليقات والتساؤلات...ولا أظن أن الكتاب الورقي المطبوع سيتلاشى من فضاء الثقافة، لأن سحره وخصوصيته يمنحانه حق الاستمرار.
عشتم العديد من المحطات السياسية التاريخية المغربية والعربية من أواخر الخمسينات إلى الثورات الراهنة (حروب، إنقلابات، إنهيار المعسكر الشرقي، الحادي عشرمن أيلول، الثورات العربية .. إلخ) كيف تنظرون كأكاديمي وروائي عربي ومثقف إلي ما يجري من الماء إلى الماء وهل الرواية العربية قادرة على إستيعاب كل هذا الزخم وقادرة على تسوير كل هذا الدم والدخان ؟
هذا سؤال شاسع الأطراف لا يتسع المجال هنا لاستيعابه؛ لكنني أرى أن حق التعبير الأدبي والفني أضحى قائما وحاضرا لدى المبدعين العرب الذين استطاعوا، على رغم القمع وأنظمة الاستبداد، أن يجعلوا منه وسيلة للتنفيس والفضح والمقاومة. ولم تنجح الرقابات بأنواعها أن تكتم أنفاس الإبداع العربي المعاصر الذي استطاع أن يصبح المرآة الصادقة لما يجري في أعماق المجتمع وفي مسالك النفوس...لذلك ستظل الرواية، إلى جانب أشكال تعبيرية أخرى، وسيلة للمعرفة والمتعة واستيحاء الواقع المتحول وما يكتنفه من تدهور وتمزق. لكن المستقبل العربي الغامض، المجهول، الهش، هو في الآن نفسه ينطوي على جدلية تحمل بذور التغيير وفق منطق العصر وحاجيات مجتمعاتنا الشابة. ومثلما أن التاريخ مصنوع من المآسي والمهازل والخيبات والنجاحات، فإن الرواية هي بامتياز الشكل الجامع لكل التناقضات والصراعات والعواطف والمفارقات..
أخيرا نود أن نستمزج رأيكم في ظاهرة الجوائز العربية وما يثار حولها من أسئلة شائكة، عن رمزيتها، قيمتها المالية، لجان القراءة والجهات الراعية لها وأحيانا خلفياتها السياسية ؟
أجد أن مسألة الجوائز الأدبية والفكرية التي برزت في الحقل الثقافي العربي منذ عقود، هي ظاهرة إيجابية، خاصة تلك التي تصدر عن مؤسسات وأشخاص لا يمثلون نظاما سياسيا، ويتوخون إسناد الإبداع في سياق عربي مضاد لحرية الخلق والتعبير. ولا شك أن المبدعين الجيدين هم في حاجة إلى جوائز تتيح لهم الاستمرار في الإنتاج. وعلى خلاف ما يوجد في الحقول الثقافية الأوروبية، فإن الحقل الأدبي عندنا لا يتمتع باستقلالية مادية (مبيعات الكتب وحقوق المؤلف...) تتيح للمبدعين أن يعيشوا من قلمهم، وهو أمر غريب داخل فضاء عربي يضم أكثر من 300 مليون نسمة.
أما مسألة تنظيم هذه الجوائز فهي تحتاج إلى مراجعة، لأن تغيير اللجان في كل دورة لا يضمن العثور على محكمين لهم الشروط المطلوبة. والأفضل أن نسلك الطريق المتبع في بعض الجوائز الأدبية العالمية التي تعتمد على لجنة تحكيم قارّة، مكونة من أعضاء مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، ويكون من حق الجمهور أن يتدخل بملاحظاته وتقييماته بعد إعلان النتائج. ويتم تعويض الأعضاء الذين تقدم بهم السن أو التحقوا بالرفيق الأعلى. لكن الأهم، هو أن تحدد الجهات الراعية للجوائز أهدافها واشتراطاتها ليكون المرشحون على بيّنة من اختياراتهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.