"الشعب الجزائري لن يجد ما يأكله إذا ما واصلت أسعار النفط التراجع"، هذه حقيقة جهر بها نائب برلماني أمام هول الأزمة التي بدأت تدق أبواب بلاده بسبب انخفاض سعر البترول الذي توفر عائداته الاستقرار المالي الأساسي لسياسة أكثر إنفاقا. وقبل أيام قليلة، أبانت الحكومة الجزائرية عن تفاؤل من أن تراجع أسعار النفط لن يكون له تأثير على البلاد، مما أثار صدمة لدى المعارضين والخبراء والمعلقين الذين كانوا يتوقعون اتخاذ السلطات لإجراءات عاجلة لوقف النزيف، على غرار ما قامت به بلدان أخرى مصدرة لم تجد حرجا في مواجهة مواطنيها بالحقيقة.
ومرة أخرى، كانت لمحافظ البنك المركزي محمد لكصاصي الشجاعة في دق ناقوس الخطر. فبعد خرجته في غشت الماضي التي حذر فيها من تأثر الوضعية المالية للبلاد مع ظهور أولى بوادر الأزمة الجديدة للنفط وتصاعد حجم الواردات بوتيرة أصبح "غير متحكما فيها"، طالع لكصاصي، في بداية الأسبوع الجاري، نواب الأمة بالمجلس الوطني الشعبي (الغرفة السفلى للبرلمان)، وبدون حسابات سياسية، بأرقام مفاجئة نزلت كقطعة ثلج على من كانوا يتباهون، حتى الأمس القريب، بأن اقتصاد البلد قوي الاحتمال.
وتأتي واقعية لكصاصي غداة تطمينات صدرت عن وزير المالية محمد جلاب أكد خلالها أن الجزائر لها من الإمكانيات "ما يقيها من الصدمة"، مكذبا تنبؤات سلفه كريم جودي الذي كثيرا ما أظهر "تشاؤما" حيال وضعية المال العمومي، مما كلفه منصبه الوزاري في التعديل الحكومي لشهر ماي الماضي.
معطيات أخرى كشف عنها محافظ البنك الجزائري أمام نواب الأمة، جاء فيها أنه في الأسدس الأول من 2014، أي حتى قبل بدء تراجع سعر البرميل، سجل الميزان الكلي للأداءات عجزا ب32، 1 مليار دولار مقابل فائض ب88، 0 مليار دولار في الفترة ذاتها من 2013، كما أن احتياطات الصرف انخفضت بدورها لتبلغ 269، 193 مليار دولار بعد أن وصلت إلى 194 مليار مع متم السنة الماضية.
وعلى الرغم من أن هذه الأرقام لم تفاجئ المتتبعين، إلا أن المثير في عرض لكصاصي هو التحذير الجديد من العاصفة الاقتصادية التي تلوح في الأفق على المديين المتوسط والطويل، مادام أن (صندوق ضبط الإيرادات) لن يظل عمليا إلا لفترة قصيرة، وبالتالي لن تجد الجزائر من واق ضد هذه العاصفة.
وحسب المتحدث، فإن "هذا الاتجاه غير المواتي يسمح للجزائر بمواجهة الصدمة في ميزان المدفوعات الخارجية لأجل قصير فقط، (...) وأن القدرة على مقاومة الصدمات قد تتآكل بسرعة لو ظلت أسعار البرميل على مستويات منخفضة لمدة طويلة".
وليس هناك أفضل من صندوق النقد الدولي لتأكيد هذا المعطى، بعدما أفاد بأن "العجز في الجزائر سيتفاقم على المدى المتوسط، على اعتبار أن ارتفاع الاستهلاك الداخلي من المحروقات وانخفاض أسعار النفط، لا يتماشيان مع إيقاع الصادرات، هذا في وقت تواصل فيه الواردات ارتفاعها والنزول بثقلها على النفقات العمومية".
وبدورها، دقت مؤسسة (بروتون وودز)، مع مطلع الأسبوع الجاري، ناقوس الخطر بشأن الوضع المالي الخارجي للجزائر، منبهة إلى أن "الجزائر مرشحة أكثر من غيرها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (مينا) للصدمات" بسبب ارتباط اقتصادها بعائدات المحروقات.
وحسب هذه المؤسسة، فإن "العجز سيفوق 7 في المائة بفعل تراجع مداخيل المحروقات وارتفاع نفقات الاستثمار واستمرار النفقات الجارية بشكلها القوي".
وفي الأسبوع الماضي، أظهر وزير الطاقة يوسف يوسفي ثقة وهو يتحدث في الموضوع، إلا أنها ثقة لم ترق إلى تطلعات المتتبعين الذين كانوا يأملون واقعية أكثر، خاصة من رجل على اطلاع واسع بأسواق النفط.
فقد أكد يوسفي أن للجزائر "مناعة تمكنها، في حال حدوث أزمة، من الحفاظ على التوازنات المالية"، في إشارة إلى (صندوق ضبط الإيرادات) واحتياطات العملة، وقد مستهما معا انعكاسات تدني أسعار النفط للمرة الأولى منذ سنوات طويلة.
وقد انتقد التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (حزب معارض)، مؤخرا، "لامبالاة" الحكومة إزاء تهاوي أسعار النفط وانعكاساته على ميزانية الدولة، معربا في بيان له عن أسفه لكون "الشكوك والتهديدات التي تحوم حول العائدات المالية للبلاد، لا تثير أي قلق لدى حكومة تتغنى بأن الجزائر تصدر الاستقرار"، في وقت تتهاوى فيه موارد البلاد...".
وبدوره، أعرب قطب قوى التغيير الذي يقوده رئيس الحكومة سابقا علي بن فليس، عن عميق انشغاله إزاء التدهور المستمر لأسعار المحروقات الذي "لم يحسب له حساب من طرف السلطات العمومية التي تقلل من آثاره".
وحذر القطب من أن "الأمر ينذر بشبح الأزمة المالية الخانقة التي تلوح في الأفق، والحال أن السياسات الاقتصادية المنتهجة أثبتت فشلها إذ أنها لم تمكن البلاد من الخروج من التبعية المتزايدة للخارج في أغلب احتياجاتها الاستهلاكية رغم الأموال الطائلة التي ضخت والتي لم توجه لخلق وإنشاء مصادر بديلة لمداخيل النفط". وتشير توقعات خبراء جزائريين إلى أن خسائر بلادهم ستصل إلى 50 مليون دولار يوميا في السنة المقبلة، في حال استمرار سعر النفط في التراجع.
وفي تقدير الوكالة الدولية للطاقة، فإن "خفض سعر البرميل بنحو الثلث منذ بداية الصيف الماضي، يعتبر إشكالية بالنسبة لعدد من البلدان المنتجة التي هي في حاجة ماسة لسعر مرتفع للذهب الأسود لتمويل نفقاتها".
وتبدو الجزائر أكبر متضرر من استقرار سعر البرميل بين 60 و65 دولارا في المدى المتوسط، لكونها محتاجة لسعر يفوق ال100 دولار للتحكم في توازناتها المالية، والحفاظ على موقعها المالي الخارجي المهدد بالهشاشة السنة المقبلة.