الدرهم يرتفع بنسبة 0,3 في المائة مقابل الأورو خلال الفترة من 03 إلى 09 يوليوز        سفيان البقالي يفوز بسباق 3000 متر موانع في ملتقى موناكو ضمن الدوري الماسي        الدوري الماسي (ملتقى موناكو).. العداء المغربي سفيان البقالي يفوز بسباق 3000 متر موانع    حجز 6000 قرص مهلوس وتوقيف أب وابنه القاصر بمحطة القطار بالدار البيضاء    بورصة البيضاء تنهي جلسة الجمعة بارتفاع    "اللبؤات" يتطلعن إلى الصدارة أمام السنغال .. وفيلدا يحذر من الأخطاء الدفاعية    الحبس ستة أشهر لموقوف رفض مشاهدة نشاط الرئيس التونسي    مسيرة أيت بوكماز صرخة للإنصاف والعدالة الترابية.    اختتام المخيم الحقوقي لأطفال العالم القروي في دورته الرابعة    فن "لوناسة" يلتئم في مهرجان له بسيدي دحمان التثمين والمحافظة على احد أهم الفنون الإيقاعية المغربية الأصيلة    قافلة طبية خاصة بالطب الإشعاعي تقديم خدماتها بالمستشفى الاقليمي بالحسيمة    وزير الداخلية الإسباني يُشيد بالتنسيق المثالي مع المغرب في عملية مرحبا 2025    الهيئة المغربية للمقاولات الصغرى تعلن تأسيس شبكة وطنية لتعزيز التعاون بين الهيئات والجمعيات المهنية        الإعلان رسميا عن إطلاق طلب عروض لمنح تراخيص شبكات الجيل الخامس (5G)    سقوط نحو 800 شهيد في غزة أثناء انتظار المساعدات منذ أواخر ماي الماضي وفقا للأمم المتحدة    الدولي المغربي إلياس شعيرة يوقع لريال أوفييدو حتى سنة 2028    محكمة طنجة تصدر حكمها في قضية "هتك عرض" فتاة قاصر    أثنار: شيراك طلب مني تسليم سبتة ومليلية إلى المغرب خلال أزمة جزيرة ليلى    الرباط الصليبي يبعد لبحيري عن الميادين    بإجماع أعضائها.. لجنة التعليم بالبرلمان تصادق على مشروع قانون "مؤسسة المغرب 2030"    الجزائر على قائمة الاتحاد الأوروبي السوداء للدول عالية المخاطر في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب    الجزائر ضمن "لائحة أوروبية سوداء"    "عقوبات محتملة" ترفع أسعار النفط    بعد رحيله.. مودريتش: سأظل دائما أنتمي لريال مدريد    يوعابد ل"برلمان.كوم": المغرب مقبل على موجة حر تصاعدية وانخفاض نسبي في الحرارة نهاية الأسبوع    أسرة ضحية قاصر ترفض حكما "مخففا"    مصدر ينفي حسم استضافة نهائي مونديال 2030 في سانتياغو برنابيو    شيرين تتجاوز أزمة موازين ب "حدوتة"    زلزال الحوز: القيمة الإجمالية للدعم والمساعدة تجاوزت 6.6 مليار درهم.. وأكثر من 46 ألف أسرة استكملت بناء منازلها    الدار البيضاء.. السكوري يدعو إلى إصلاح مدونة الشغل بما يتلاءم مع التحولات المجتمعية والاقتصادية    كلمة السر في فهم دورة العمران و عدوى التنمية بشرق أسيا..    باحثون بريطانيون يطورون دواء يؤخر الإصابة بداء السكري من النوع الأول    اتفاقية شراكة بين العيون وأكادير لتعزيز ثقافة الصورة وتثمين القيم الوطنية بمناسبة الذكرى ال50 للمسيرة الخضراء        الدار البيضاء تحتضن أول لقاء دولي مخصص لفنون الطباعة المعاصرة الناشئة    بنعبد الله: "مسيرة آيت بوكماز تجسد تعبيرا حيا عن تدهور المستوى المعيشي لفئات اجتماعية واسعة"    تحذير رسمي لمؤسسة إسلامية في بريطانيا بسبب مقطع يدعم حماس    ممرضو طاطا يحتجون ضد التهميش والإهمال الإداري    تقرير للأمم المتحدة يظهر عدم وجود "علاقات نشطة" بين الدولة السورية وتنظيم القاعدة    فتح الله ولعلو في حوار مع صحيفة "الشعب اليومية" الصينية: المغرب والصين يبنيان جسرًا للتنمية المشتركة    فضيحة تهز أركان حزب الأحرار بطنجة    نوستالجيا مغربية تعيد الروح إلى شالة في موسم جديد من الاحتفاء بالذاكرة    في ضيافة أكاديمية المملكة .. مانزاري تقرأ الأدب بالتحليل النفسي والترجمة    الإنسانية تُدفن تحت ركام غزة .. 82 شهيدًا خلال 24 ساعة    عدد المستفيدين من برنامج دعم السكن بلغ 55 ألفا و512    الحكومة تصادق على مشروع قانون لحماية الحيوانات الضالة والوقاية من أخطارها    السجال السياسي‮ ‬بين‮ ‬«يوتيوب» وخامنئي!‮‬ 2    الحكومة تصادق على قانون لحماية الحيوانات الضالة ومواجهة أخطارها    دراسة ترصد أمراض البشر منذ 37 ألف عام وأقدم طاعون في التاريخ    دراسة كندية: التمارين المائية تخفف آلام الظهر المزمنة    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفاصيل تافهة من حافلة البؤساء

في الحياة جملة من التفاصيل تُكون النسق العام لقياس مدى جودة المعيش اليومي للمواطن، إنها تلك التفاصيل التي تبدوا لنا صغيرة جدا وتافهة جدا إلى درجة الأهمية القصوى (..) وتُشكل القدرة على التقاطها وتحليلها بنوع من الدهشة الطفولية التي تسمح برؤية المعتاد وطرح علامات إستفهام بلاحصر عن طبيعة ذلك التفصيل الذي نُهمله عادة بدعوى أن التفاصيل ليست مهمة وأن المهم كما اعتاد المغاربة في حكمتهم المشهورة ؛ المهم هو المشاركة. أي ليس المهم كُنه الأشياء وطبيعتها ومدى الخدمة الذي تقدمها للفرد والمجتمع بل الأهم هو المشاركة والإنغماس والتيهان داخل هذا النمط العام إلى درجة نسيان وإغفال مسألة مهمة، محورية و وجودية وهي: أنه يمكن أن يكون في الحياة ما هو أفضل من هذا (..)، وأننا كمواطنين نستحق أن نلمس بعض الأشياء على أنها من بديهيات المواطنة الكريمة التي تليق بإنسانية الإنسان في القرن الواحد والعشرين.
ولأن الحياة تسرق من الناس زمنهم اليومي ولا تدع لهم فرصة للدهشة والإستغراب وطرح علامات الإستفهام على العديد من الأشياء اليومية التي تدخل عادة في إطار الخدمات العمومية غير المجانية إطلاقا و التي تُقدم لهم كل يوم، بينما يُمكن توفير الأفضل لو توفرت الإرادة لدى من بيدهم ذلك، ولأن الأمر على تلك الصورة دعونا نلتقط بعض التفاصيل التي قد يراها مسؤول ينظر إلى العالم من مكتبه المكيف على أنها لا تعدوا أن تكون تفاصيل "تافهة" لرحلة عادية، يمكن لأي منا أن يقوم بها كل يوم على متن حافلة عمومية، عسى أن يجعلنا ذلك نطرح بعض الأسئلة من قبيل؛ ألا نستحق أفضل من هذا ؟ لنتابع..
في يوم من أيام هذا الشهر الساخن والذي ينذر بقدوم شهر الصيف وقفت وسط الجموع التي تنتظر تحت أشعة الشمس الحارقة المرفوقة بهبوب عاصف لرياح الشركي، ينظرون بين الفينة والأخرى إلى الطريق حيث تمرق سيارات متنوعة في حركة دائبة لا تهدأ أبدا، في لحظة معينة تأهب الجميع كأنما ينتظرون أحدا أو يستعدون للهجوم على عدو ما، لكن فجأة عادوا إلى حالتهم الأولى من الترقب الحذر وقد أصبح كل واحد منهم يتسلى بشيئ ما لقتل الوقت، تحولت الأعين تدريجيا من مراقبة الطريق إلى التلصص على كلبين يقترفان نزوة خارج السياق تحت جدار إسود أسفله بسبب البول، نبح الكلب بشدة وهربا معا لايلويان على شيئ بعد أن استقر حجر في بطنه(..) تعالت الضحكات و اكتفى بعض الكبار بمداراة بسمة لاحت على وجوههم .. عاد الجمع من جديد إلى مراقبة صامتة للطريق إلى أن لاح شيئ ما، فانتفضوا جميعا ودبت فيهم الحركة والنشاط وهرعوا إلى محاذاة الطريق والتدافع: رجالا، شيوخا، نساءا وأطفالا. وأخيرا توقفت الحافلة فهجم الجميع نحو طوق النجاة الذي سينقذهم من هذا الحر اللافح، تجاوزتهم ببضع أمتار فاغتاظ بعض من في المقدمة إذ صار بعيدا عن الباب، وفرح من وجد نفسه أمام باب الحافلة مفتوحا فاندفع سريعا لعل وعسى أن يجد كرسيا فارغا أوعلى الأقل موقعا جيدا، إذ العرض محدود في حافلة البؤساء. امتدت أكثر من يد إلى الأعلى للصعود في نفس اللحظة امتدت بعض الأيدي إلى الأسفل بحثا عن الجيوب، تصاعد الرفس صرخت امرأة وانسحبت من السباق بعد أن أهينت (..) وتطايرت بعض اللعنات والشتائم، بينما تحركت الحافلة دون انتظار إغلاق بابها الخلفي الذي تكدس وراح من به يجهدون أنفسهم للولوج. أُغلق الباب أخيرا وصار الحال في الداخل أشبه بيوم القيامة حتى أن الجابي وجد صعوبة بالغة في تحصيل ثمن التذاكر والتنقل داخل الحافلة لأجل ذلك، راح ينادي: من لم "يقطع " تذكرته بعد؟
تلقى جوابا "ساخنا" فرده بأحسن منه؟؟ تعالت ضحكات ماجنة وعلقت عجوز متأففة :" قلة الحياء". يئس الجابي في تحصيل التذاكر بسبب الزحام، فعاد أدراجه ليقبع خلف كرسي السائق، وأنذر المتتسللين الذين يستغلون مثل هذه الفرص أن المراقب يتربص بهم في الطريق لكن بدون مبالاة، فلا أحد يكترث للمراقب هنا. صارت الحافلة تطوي الأرض طيا، من يراها في الخارج لن يعرف أن في الداخل عالما آخر، سرت همهمات "اللصوص.. اللصوص.."، سحب شاب هاتفه المحمول ووضعه في جيب داخلي، في نفس اللحظة تعالى صياح أحدهم بفقد حافظة نقوده ولعن أجداد من سرقوه، خرج صوت من مكان ما يطلب من السائق الذهاب إلى مركز الشرطة، لكن الحافلة توقفت فهبط منها أربعة رجال بين قوسين طبعا ابتلعهم زقاق جانبي، عادت الحافلة لمواصلة المسير، تعالت تعليقات مواسية للذي ضاعت محفظته، قال الشاب بعد أن أعاد هاتفه إلى محله السابق وهو يرمق فتاة راح يقترب منها "والله أولاد الحرام كثيرون هذه الأيام"، علق أحد الجالسين "لو طبقت أحكام الله مابقي عليها لص"، همهم ساخطا وبتر كلامه بعد أن تلاقت يدان خلسة في الزحام،وشتمت امرأة رجلا التصق بها فكادت تقع معركة لولا أن لُعن الشيطان وأخزي فعاد الهدوء .
امتزجت الروائح داخل الحافلة مع الغبار المتسرب من الخارج، ومع تقدمها في الطريق بدأت فُرج تظهر بالموازاة مع تخلصها من أثقالها .
أخيرا وصلت إلى اخر محطة ولم يبق فيها إلا بضعة رُكاب، تهالك الجابي على مقعدين من الإعياء وأخلد رأسه لغفوة قصيرة، فيما نزل السائق وقصد حائط مدرسة كُتب فيها "ممنوع البول غرامة 200 درهم" تبول وشتم العالم ثم قفل راجعا في رحلة العودة.
ولنا عودة مع هذه التفاصيل التافهة.. إلى درجة الأهمية القصوى، نسيت أن أقول لكم المهم هو المشاركة، أليس كذلك؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.