عهد جديد للعلاقات المغربية- السورية.. اتفاق على استئناف العلاقات وفتح السفارات    أوكرانيا تعلن إسقاط 88 مسيّرة    توقعات أحوال طقس لليوم الأحد بالمغرب    مأساة في نيويورك بعد اصطدام سفينة مكسيكية بجسر بروكلين تُسفر عن قتلى وجرحى    إسبانيا: قنصلية متنقلة لفائدة الجالية المغربية المقيمة بسيغوفيا    زيارة إلى تمصلوحت: حيث تتجاور الأرواح الطيبة ويعانق التاريخ التسامح    من الريف إلى الصحراء .. بوصوف يواكب "تمغربيت" بالثقافة والتاريخ    تنظيم الدورة الثالثة عشرة للمهرجان الدولي "ماطا" للفروسية من 23 إلى 25 ماي الجاري    كرة القدم النسوية.. الجيش الملكي يتوج بكأس العرش لموسم 2023-2024 بعد فوزه على الوداد    أكثر من 100 مهاجر يتسللون إلى سبتة خلال أسبوعين    لا دعوة ولا اعتراف .. الاتحاد الأوروبي يصفع البوليساريو    ندوة ترسي جسور الإعلام والتراث    بعد منشور "طنجة نيوز".. تدخل عاجل للسلطات بمالاباطا واحتواء مأساة أطفال الشوارع    أوجار من العيون: إنجازات حكومة أخنوش واضحة رغم أن عددا من الأصوات تسعى للتشويش على عملها    المهرجان الدولي "ماطا" للفروسية يعود في دورة استثنائية احتفاءً بربع قرن من حكم الملك محمد السادس    سوريا تعتزم فتح سفارة في الرباط    ضمنها مطار الناظور.. المغرب وإسبانيا يستعدان لإنشاء 10 فنادق بمطارات المملكة    السلطات السورية تعلن تشكيل "الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية وللمفقودين"    شذرات في المسألة الدمقراطية    التعاون الدولي يطرق "أبواب الأمن"    نهضة بركان يهزم سيمبا بثنائية في ذهاب نهائي كأس الكونفدرالية الإفريقية    "الأشبال" يستعدون ل"بافانا بافانا"    بنهاشم يدرب فريق الوداد لموسمين    طنجة.. العثور على جثة موظف بنكي قرب بحيرة مجمع القواسم في ظروف مأساوية    تطوان.. توقيف شقيقين متورطين في سطو "هوليودي" على 550 مليون سنتيم    افتتاح فضاء بيع السمك بميناء الحسيمة ب60 مليونا    سوريا تشكر جلالة الملك على قرار فتح سفارة المغرب بدمشق    طنجة تستعد لاحتضان الدورة السابعة للمؤتمر الدولي للأنظمة الذكية للتنمية المستدامة تحت الرعاية الملكية    بعد رفع أول حلقة من سقف ملعب طنجة.. الوالي التازي يُكرم 1200 عامل بغداء جماعي    انتخاب نور الدين شبي كاتبا لنقابة الصيد البحري التقليدي والطحالب البحرية بالجديدة .    في طنجة حلول ذكية للكلاب الضالة.. وفي الناظور الفوضى تنبح في كل مكان    الخارجية المغربية تتابع أوضاع الجالية المغربية في ليبيا في ظل اضطراب الأوضاع وتضع خطوطا للاتصال    المغرب يتصدر السياحة الإفريقية في 2024: قصة نجاح مستمرة وجذب عالمي متزايد    سيدات الجيش يتوجن بكأس العرش على حساب الوداد    الأمن الوطني وتحوّل العلاقة مع المواطن: من عين عليه إلى عين له    اعتقال مقاتل "داعشي" مطلوب للمغرب في اسبانيا    بنكيران: أخنوش انتهى سياسيا ولا نحتاج لملتمس رقابة لإسقاط حكومته    الهاكا تضرب بيد القانون.. القناة الأولى تتلقى إنذارا بسبب ترويج تجاري مقنع    جلالة الملك يدعو إلى الوقف الفوري للعمليات العسكرية بالضفة الغربية وقطاع غزة والعودة إلى طاولة المفاوضات    طنجة تحتضن أول ملتقى وطني للهيئات المهنية لدعم المقاولات الصغرى بالمغرب    شركة "نيسان" تعتزم غلق مصانع بالمكسيك واليابان    "استئنافية طنجة" تؤيد إدانة رئيس جماعة تازروت في قضية اقتحام وتوقيف شعيرة دينية    وزارة الصحة تنبه لتزايد نسبة انتشار ارتفاع ضغط الدم وسط المغاربة    ريال مدريد يضم المدافع الإسباني هاوسن مقابل 50 مليون جنيه    بوحمرون يربك إسبانيا.. والمغرب في دائرة الاتهام    الأميرة للا حسناء تترأس حفل افتتاح الدورة ال28 لمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة    مغرب الحضارة: أولائك لعنهم الله لأنهم سرطان خبيث الدولة تبني وهم يخربون.. ويخونون    ورشة تكوينية حول التحول الرقمي والتوقيع الإلكتروني بكلية العرائش    رحيل الرجولة في زمنٍ قد يكون لها معنى    معاناة المعشرين الأفارقة في ميناء طنجة المتوسطي من سياسة الجمارك المغربية وتحديات العبور…    سميرة فرجي تنثر أزهار شعرها في رحاب جامعة محمد الأول بوجدة    افتتاح المعهد الوطني العالي للموسيقى والفن الكوريغرافي عند الدخول الجامعي 2025-2026    منظمة: حصيلة الحصبة ثقيلة.. وعفيف: المغرب يخرج من الحالة الوبائية    بمناسبة سفر أول فوج منهم إلى الديار المقدسة ..أمير المؤمنين يدعو الحجاج المغاربة إلى التحلي بقيم الإسلام المثلى    فتوى تحرم استهلاك لحم الدجاج الصيني في موريتانيا    دراسة: الإفراط في الأغذية المُعالجة قد يضاعف خطر الإصابة بأعراض مبكرة لمرض باركنسون    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    رفع كسوة الكعبة استعدادا لموسم الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رأي : في الحاجة إلى كراسي الحلاقين الديمقراطية بالريف

بذهبتُ إلى حلاق الحي وأكثر من موضع في أوطاننا يَغْلي ويَسْتَعِر نارا. والحلاق مأثور عنه حبه للكلام والفكاهة والخوض في أحاديث جمّة. قال مُستغلا ما ينشره التلفاز من اعتصامات وعويل قَلّ نظيره لشعوب مقهورة لا تملك إلا حناجرها: إنه لعجب عجاب، أرى أناسا يتهافتون على الكراسي، وبمجرد أن يَعْتَلوها لا يَبْرَحونها إلا كَرْها مَرْجومين أو مقتولين. و أضاف: هذا المشكل ليس مطروحا بالنسبة لي ولباقي الحلاقين، مشيرا إلى كرسي الحِلاقة، كل من يَقْتَعِدُه لا يستغرق أكثر من ربع ساعة، ليس هناك كرسي يتم التناوب عليه بشكل ديمقراطي مثل كرسي الحلاق.
لا راعي للديمقراطية مثل الحلاق، كرسيه مفتوح في وجه عامة الناس، اللاحق يحترم السابق، يصعده الميسور والمُعْوز، العاقل والمجنون، الكبير والصغير، الذكر والأنثى، بل حتى الخُنْثى. بَدَتْ لي فكرته وجيهة رغم ما تتضمنها من تهكّم وسخرية. فالكرسي الديمقراطي الوحيد في أوطاننا هو كرسي الحلاق، فلا أحد تَخَشَّب عليه من فرط الجلوس والتربع القَسْري، ولا أحد تَكَالب عليه ولم يستطع عنه فِكاكا. غير أن حالنا في الريف ونحن نستعرض حال الكرسي، كرسي المسؤولية والحكم يَشْكُلُ بعض الإشكال، ويَعْسُر تَفَهُّم منطق الحلاقين وأشباههم.
فالكرسي عندنا مُعْدٍ ومُنْدَغِم بالمُتَرَبِّعين عليه، بل يصبح عضوا جسديا لصيقا بهم وملحقا بتركيبتهم الآدمية، إذ يشكل امتدادا لمؤخراتهم، وبمجرد بَتْر الكرسي وفصله عنهم يَدُبّ الموت في أوصالهم. والكرسي أنواع ومراتب في الريف وفي الوطن. طبعا لن أشير إلى الكراسي الكبيرة، لأنه يعتريني الخوف من مجرد ذكرها والإشارة إلى من يَجْثُم فوقها، أقتصر فقط على كراسي متواضعة، لكنها تبقى مغرية أبدا، ومتهافت عليها دائما، وخاضعة في أحيان كثيرة للمزاد العلني، وللمزاد السري (وهو الأخطر). لكن بيني وبينكم فإن ما يَسْري على هذه ينطبق على تلك، والصغيرة تحيل على الكبيرة وتخفيها كما تخفي الشجرة الغابة.
لقد اعتدنا أن نرى أناسا لعقود مُتَمَسِّكين بالكراسي. هَرَموا وتَقَوَّسُوا وتَغَوّطوا من فرط الجلوس عليها، ولم يَبْرَحوها إلا على كراسي متحركة. والغريب أن كرسيا من هذه الكراسي خَوَّلَ لبعض المهووسين به والّلصيقين به أن يحرم التلاميذ من مقاعد الدراسة ومن النقل المدرسي عقابا لهم على جريرة لم يرتكبوها، ودَفْعاً بهم إلى أُمِّية قد تضاهي أميته. وهو الكرسي نفسه الذي خوّل له التهام الملك العمومي الممتد برا وبحرا، والانفراد برخص استغلاله، ورَهْن مصير ساكنة منطقة بكاملها وضمها إلى أسواق النخاسة التابعة له. فلا حل ولا عقد إلا بإذنه، هو البائع والمشتري، هو الخصم والحكم، هو الكرسي والإنْسِي.
خطير أن تتدهور الأمور بهذا الشكل، والأخطر أن يسْكُن هذه الكائنات حب التملك والسيطرة، وهستيريا استغلال النفوذ، حتى غدا تحمل المسؤولية في الريف حالة مرضية، نوعا من الشيزوفرينيا، إنها سطْوة وصولة منشودة من لَدُن الكثيرين. وثمّة مثل ينطبق على هؤلاء يقول: (يا حبّذا الإِمَارة ولو على الحجارة). فالمسؤول في أصغر فرع حزبي أو نقابي محلّي لا يريد أن يَبْرَح مكانه، ولا يريد أن يستمع إلى الأصوات التي تناشده أن يَتَمَلْمَلَ قليلا، لسبب بسيط أن رائحته عَطِنَة من إطالة الجلوس. والمسؤول في فريق رياضي يصبح ما هو مُكَلّف به ومُختار من أجله ضَيْعَة من ضِيَاعِه ومُلْكا من أملاكه، ومن فَرْط رشقه بكلمة (ارحل)، ومن فرط صَمَمِه، رحل الفريق والجمهور ولم يرحل هو، وهكذا سعى في خرابة وضَيَاعِه.
ولعل الشيء الذي يستعصي على الفهم، أنك تجد مسؤولا في لجنة تُشْرف على مسجد من المساجد، هدفها الأسمى هو السهر عليه، وعلى أمور العبادات فيه، وكل ما يَمُتّ بصلة إلى فعل الخير والصلاح والفضيلة بعيدا عن كل طمع أو سِقْط متاع. فأَصْلا مثل هؤلاء لا كرسي لديهم، فقط يملكون حِلْساً أو حصيرة مبثوثة في المسجد أو باحته، لكن بمجرد أن تنزع منه هذه الحصيرة، أو تحاول مشاركته فيها، والتي يراها كرسيا يتعدى ما هو أرضي أو دنيوي، ويعْرج به إلى ما هو أخروي، حتى يهجر المسجد والصلاة والعباد مُكَفِّرا الخليقة جمعاء.
استحضرتُ كل هذه المشاهد وأنا جالس في كرسي الحلاق، شارد عن فَيْض حديثه، وسَاهٍ عن الشاشة المثبتة جنبي تَنِزُّ منها هتافات وشعارات من قبيل كلمة (ارحل) التي أصبحت لازمة يرددها الصغير والكبير. ففَرْضُ واجب أن تقال هذه الكلمة لكثير من أصحاب الكراسي في ريفنا العزيز بصيغ متعددة وأصيلة ربما يفهمونها أكثر من قبيل: (تَوَّجْ، تْلَعْ، نَسْخَضْ، دَعْلَكْ، سُورَا، أوشْ إِ رَفْيافي،...)
قمتُ على حركة الحلاق مُرَبّتا على ظهري، وهو إيذان بأن حصتي انتهت، وأنه حان الأوان أن أترك المجال لشخص آخر يقتعد الكرسي ويصول ويجول فيه. خرجتُ وأنا أردد: اللهم أكثر فينا الحلاقين وذِعْ كراسيهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.