الصحراء المغربية .. إسبانيا تشيد بالمصادقة على القرار 2797 الذي يؤكد أن حكما ذاتيا حقيقيا تحت السيادة المغربية هو الحل الأكثر قابلية للتطبيق    "لارام" تفتتح خطا جويا مباشرا بين الدار البيضاء ولوس أنجلوس في يونيو 2026    وزير الخارجية الإسباني يستقبل بوريطة ويؤكد: العلاقات مع المغرب تعيش لحظة تاريخية    مونديال 2026 .. أنظار العالم تتجه صوب واشنطن لمتابعة سحب قرعة مرتقب بشدة    حملة إنسانية لسلطات العرائش لإيواء أشخاص في وضعية الشارع    بين الراي والراب الميلودي... Wrapped 2025 يرصد التحولات الموسيقية بالمغرب    المغرب وإسبانيا يُعززان تعاونهما القضائي عبر مذكرة تفاهم جديدة        "بلاناس" يشيد بروابط الجوار مع المغرب        2024 أكثر الأعوام حرارة في العالم العربي ومؤشرات الإنذار تتزايد        بورصة البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة        مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    تعزيز التعاون المائي محور مباحثات مغربية–صينية في المؤتمر العالمي التاسع عشر للمياه بمراكش        "فيفا" يعلن عن منع الزمالك من التعاقدات لثلاث فترات    قرار قضائي يهزّ جامعة الكراطي... والصباري يعيد الاعتبار لجهات الجنوب    قضية بشرى كربوبي تتفجر.. الحكمة الدولية تقاضي مسؤولا بعصبة سوس ماسة بالتشهير    قافلة نحتافلوا كاملين تحط الرحال ببرشيد    ماكرون قلق بعد سجن صحافي بالجزائر    تقرير يكشف ضغط ترامب على نتنياهو بشأن غزة وسوريا    أستراليا تحظر المراهقين دون 16 سنة من استخدام شبكات التواصل الاجتماعي    البنك الإفريقي للتنمية يمنح ضمانة 450 مليون أورو لدعم "الاستثمار الأخضر" ل"أو سي بي"    ‬ بميزانية ‬100 ‬مليون ‬درهم ‬قيوح ‬يطلق ‬برنامجاً ‬لوجستياً ‬واعداً..‬    كورتوا: محظوظ لأن مبابي يلعب معي وليس ضدي    "حبيبتي الدولة".. من تكون؟!: في زمن التشظي وغياب اليقين    إصابتان في معسكر "المنتخب الوطني" بقطر..    تأجيل محاكمة الناشطة سعيدة العلمي إلى 10 دجنبر الجاري    التشريع على المقاس... حينما تتحول الأغلبية الحكومية إلى أداة طيعة في يد اللوبيات    "قمة دول الخليج" تشيد بجهود الملك    المديرية الإقليمية للعدل بالحسيمة تنظم حفلا لتوشيح موظفين بأوسمة ملكية شريفة    الجامعة الحرة للتعليم تطالب برادة بتسوية مستحقات مفتشي الشؤون المالية وتزويدهم بالحواسب المحمولة    رصاصة تحذيرية توقف أربعيني أحدث فوضى قرب مؤسسة تعليمية باليوسفية    مشاهير عالميون يطالبون إسرائيل بإطلاق سراح القيادي الفلسطيني البارز مروان البرغوثي    وقفة احتجاجية في المحمدية للتنديد بانتهاك إسرائيل لاتفاق وقف النار بغزة    من مدريد.. أخنوش يطرح رؤية طموحة للربط بين إفريقيا وأوروبا عبر بوابة المغرب وإسبانيا    الصين: مدينة ايوو تسجل رقما قياسيا في حجم التجارة يتجاوز 99 مليار دولار    دراسة: الرياضة تخفف أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه    من الكروج إلى داحا.. أربعة عمال تعاقبوا ومحطة الطرقية الجديدة ما تزال مغلقة    طنجة تكبر في الصور... وتتراجع في الواقع: عمدة يطارد الأضواء ومدينة تبحث عمّن يدبّرها    الشرفي يلقي خطاب عضوية "أكاديمية المملكة" ويرصد "غزو علمنة المجتمع"    شكري في ذكرىَ رحيله.. وعزلة بُول بَاولز في طنجة وآخرين    المدينة الحمراء : من جامع الفنا إلى قصر المؤتمرات .. ألف عام من الفرجة!    التعب أثناء السياقة يضاهي تأثير تناول الكحول        يسرا : فخري الأكبر هو الرصيد الفني الذي ستتناقله الأجيال القادمة    مهرجان مراكش يكرم راوية ويمنحها "النجمة الذهبية" اعترافا بمسار حافل    نصائح صحية: هذه الأغذية تهددك ب"النقرس"!    "الصحة العالمية" توصي بأدوية "جي إل بي-1" لمكافحة السمنة    التهراوي : انخفاض حالات الإصابة الجديدة بالسيدا خلال السنوات العشر الأخيرة    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تبخرت صرخة الشباب في مطبخ الإستثناء المغربي
نشر في دنيابريس يوم 13 - 03 - 2011

بعكس كل التخمينات المرضية و التلفيقات الزائفة التي أرادت مصادرة حق المغاربة في التظاهر من أجل إثارة الإنتباه إلى تدهور الأوضاع السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و رغم حملة التشويه و التخويف التي سبقت مسيرة 20 فبراير و التي جمعت هذه المرة كل خصوم التغيير و أصحاب مقولة الإستثناء المغربي ،فإن الشباب المغربي مع ذلك ،خرج إلى الشارع مدعوما بمختلف الفئات الإجتماعية في مسيرة شعبية طالبت بالتغيير و إيقاف النزيف قبل فوات الأوان، مخيبا بذلك آمال الذين تمنوا فشل هذه الحركة التي نجحت في تسيير مسيرة ضمت الآلاف من مختلف المشارب فكان ذلك دليلا على نضجها و مشروعية المطالب التي خرجت من أجلها بعدما صم المعنيون آذانهم و بعد ما خلا ضجيج جل الأحزاب السياسية إلا من الحديث عن الإستحقاقات الإنتخابية التي حولتهم إلى ماكينات صرفة و إلى كوابح لآمال المهمشين و إلى مقابر لطمر الأراء المخالفة المعبر عنها من قبل مناضلين مازالوا يقاومون الديكتاتوريات الحزبية الصغيرة التي حولت فضاء التنظيمات السياسية إلى مساحات ضيقة لا تصلح سوى للحفاظ على الستاتيكو و حمل المخالفين على هجرها بعدما باتت خالية من وظائفها المتصلة بهموم المواطنين و انشغالاتهم .
إن السلطات العمومية وبعض الأحزاب السياسية لم يحسنوا قراءة اللحظة الدقيقة التي تجتازها المنطقة العربية .فمن جانبها عمدت السلطات و بنفس الأساليب المنحطة إلى تشويه صورة شباب الفايسبوك أملا في وأد الحلم في التغيير الذي بات عابرا للقارات و الدول ورغبة في كسر امتداداته وارتداداته وطمعا في اجتثاث كل المحاولات الرامية إلى زرع بذور هذه النهضة و هذه الصحوة التي قادها الشباب العربي واستطاع في ظرف قياسي الإطاحة بقطعتين باليتين من قطع غيار الديكتاتوريات العربية .أما على صعيد الأحزاب السياسية التي عارضت حركة 20 فبراير فقد كانت الخاسر الأكبر من انزوائها وانزلاقها وراء وهم الهواجس الأمنية و الخوف من سقف شعارات و مطالب شباب 20 فبراير. إن قصف هذه الحركة لم يتوقف حتى بعد نجاحها و إبراز طابعها الحضاري و السلمي، فنفس السيناريو تكرر ،لكن بأسلوب مختلف ، إذ تتبعنا فصلا تبخيسيا قاده وزير الداخلية حيث نقل الصورة على طريقته وقدم أرقاما بلغ تزويرها حدا يصعب تصديقه حتى على الذين عميت أبصارهم فما بالك بالذين ساروا وسط الحشود البشرية ورأوا بأم أعينهم أعداد المشاركين و حجم الإستجابة الواسعة التي لامست فئات مختلفة من النسيج الإجتماعي المغربي .لكن الجميع فهم و في مقدمتهم الشباب الذي وجد نفسه في معركة شرسة غايتها إطفاء جدوة هذه الحركة الشبابية بالوسائل المتعددة بدءا بأحقرها وانتهاءا عند أعنفها ،فحملات الترهيب و التخويف التي رافقت الدعوة إلى مسيرة 20 فبراير كانت غير مسبوقة هدفها الوحيد ثني الشباب عن اللجوء إلى الشارع العام الذي تحول إلى وسيلة ناجعة للحد من الإستبداد و محاربة الفساد وبات فضاء مفتوحا لإجراح المطالب المشروعة التي غيبتها القرارات الفردية و باركتها الأحزاب التي تملصت من مهام الدفاع عن الفئات المسحوقة و المهمشة و على رأسها الشباب الذي أغلقت في وجهه كل الأبواب و ترك وحيدا يصارع شبح البطالة و الضياع و التهميش .
لقد كانت مسيرة 20 فبراير صرخة مدوية لشباب المغرب عبر فيها عن ما يسكنه من هموم و ما يعتمل بداخله من تطلعات ،بدءا بتغيير الدستور و إقرار الملكية البرلمانية و حل الحكومة و البرلمان وحماية ثروات البلاد من التبديد و الضرب على أيدي ناهبي المال العام وانتهاءا بضمان الحق في الشغل و السكن و الصحة و التعليم و الكرامة الإنسانية .
إن هذه المطالب هي ذاتها التي جمدتها جل الأحزاب السياسية إلى درجة بات الحديث حولها خافتا و مؤجلا بفعل الركود و حالة الخمول التي طبعت المشهد الحزبي ،إذ كيف يمكن الإرتقاء بالأداء السياسي و المغرب منذ 1998 تاريخ انتقال أحزاب المعارضة إلى المشاركة في الحكومة و الأوضاع تراوح مكانها .
لقد كان مستصاغا أن يحصل ذلك في زمن انتقال الحكم لكن بعد 2002 لم يعد ذلك مقبولا وفقا لأطروحة الإنتقال الديمقراطي إذ في الواقع تحولت أحزاب الكتلة إلى مجرد مساحيق ساهمت في تهجين العمل السياسي حيث أصبح المغاربة لا هم أمام تناوب و لا هم أمام تداول و لا هم يحزنون .
إن موقف الأحزاب السياسية مع استثناء أحزاب اليسار و قوى إسلامية و جمعيات حقوقية و منظمات مدنية من حركة 20 فبراير لم يكن مفاجئا حيث أصبحت هذه الأحزاب محكومة بمفهوم القطيعة مع هموم الناس وانتظاراتهم ،لذا فرسالة الشباب كانت كذلك موجهة إلى الأحزاب السياسية التي يفترض أن تكون المعبر الصادق عن آمال المواطنين و المدافع المستميت عن مصالحهم و حقوقهم .لكن العكس هو الذي حصل حيث اختارت جل الأحزاب الإصطفاف خارج حركة الشباب المغربي ،لتظل في موقعها البئيس منفصلة عن نبض الشارع و محاصرة بأدنى نسبة مشاركة في تاريخ الإنتخابات ببلادنا .
وهي نتيجة كانت كافية لوحدها لحمل هذه الأحزاب على اتخاذ الإجراءات اللازمة لأستصلاح هذه الأعطاب و الدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها ،لكن قرارا كهذا هو في نظر أحزابنا مجرد أضغاث أحلام ما دام الوزير الأول عباس الفاسي سفه كل الأحاديث التي تنبأت بقرب حدوث تغيير قد يذهب بحكومته المجيدة.
إن المشهد الحالي الذي توجد البلاد في قلبه يدفعنا إلى استرجاع السؤال و طرحه مجددا، هل نحن حقيقة نمثل استثناءا في العالم العربي الذي تحول إلى قدر يغلي ؟هل نحن ننعم بالديمقراطية و الحرية ؟لعل لدينا دستور ديمقراطي ؟ هل لدينا فصل للسلط؟ هل لدينا عدالة ؟ هل لدينا انتخابات حرة و نزيهة ؟ هل لدينا تعليم منتج ؟ هل لدينا مساواة اجتماعية ؟
إن المغرب في بداية السنوات الأولى للعشرية الماضية ترك الإنطباع بأنه ماض نحو القطع مع الماضي بكل اختلالاته لكنه على سلم التطور لم يخط الخطوات الضرورية ولم يتقدم على طريق الإصلاحات الكبرى .
و عليه فنحن على صعيد الأعطاب و الجوهر لا نختلف عن باقي البلدان التي لجأ فيها الشباب و مختلف الفئات الشعبية إلى الشارع لإيصال صرخاتهم و احتجاجهم على سوء الأوضاع ،و مهما حاولنا فلن نتمكن من حجب الصورة الحقيقية ,فالأحزاب التي أحجمت عن المشاركة في حركة 20 فبراير كان حريا بها أن تتحمل مسؤولية الموقف الذي اتخذته إلى الأخر لا أن تتحول بنسبة °180 درجة لتخرج إلى الناس بكلام مليء بالتبريرات الواهية كالقول بأن حركة 20 فبراير لم تأت بجديد و بأن مطالبها هي ذات المطالب التي رفعتها جل الأحزاب السياسية ،وبأن التظاهر في الشارع العام بات تقليدا مغربيا عريقا لا يختلف عما تشهده مختلف الساحات في الدول الديمقراطية .
إن الأحزاب التي اختارت موقفا قبل 20فبراير ثم اختارت موقفا مغايرا بعد 20 فبراير من حقها ،فليس عيبا أن تخطئ الأحزاب التقدير كما من حقها أن تختار الموقع الذي تراه ناسبا، لكن ما ليس من حقها هو مغالطة الرأي العام و الظهور بشكل مبتذل و كأن المواقف التي اعترضت على حركة 20 فبراير نتجت عن أحزاب لا وجود لها على الساحة المغربية .
إن ظاهرة النفاق السياسي التي باتت عملة رائجة داخل بعض الأحزاب هي مؤشر خطير على غياب الحد الأدنى من المسؤولية و هي علامة بارزة على عدم إعمال مبدإ المحاسبة و النقد لتصويب الإعوجاح و تصحيح المواقف التي اتخذت من حركة 20 فبراير أو من غيرها. إن الأحزاب و القوى التي بقيت على هامش 20 فبراير مطالبة بإعادة النظر في حساباتها و الاعتراف بأن قرار عدم الخروج إلى الشارع تحكمت في اتخاذه معايير كثيرة على رأسها الالتقاء الموضوعي مع رغبة السلطة في إضعاف هذه الحركة ثم الحفاظ على المواقع و المصالح عموما .
لذا ،فالتغيير الذي طالب به الشباب لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم بأدوات ذات مشروعية ناقصة و ضعيفة حيث المؤسسات الحالية أفرزتها انتخابات لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها 20% من الكتلة الناخبة ،لذا كان طبيعيا أن يأتي على قائمة مطالب الشباب حل الحكومة و الرلمان و هو ما يفسر الأسباب الكامنة وراء معارضة أحزاب الحكومة لحركة 20فبراير كما لو كانت ساعة التغيير التي أرادها الشباب أن تدق في أرجاء البلاد شبيهة بقيام الساعة و الاستعداد للرحيل الأبدي .
إن مطلب الإنتقال إلى الديمقراطية و كما عبر عنه شباب 20 فبراير من شأنه أن يفتح المغرب على فرصة واعدة لإنجاز التغيير الذي باتت تفرضه مفردات التحول العارم الذي شهدته المنطقة العربية ،والذي يمكن أن تلعب فيه المؤسسة الملكية إلى جانب المجتمع المغربي الحي بشبابه وقواه الحية دورا رئيسيا و تحول يبدأ بوضع دستور ديمقراطي و إقرار الملكية البرلمانية و تقوية صلاحيات الوزير الأول و الحكومة و البرلمان لفك العقدة بين المسؤولية و المحاسبة و بث الروح من جديد داخل الأحزاب السياسية التي تخثرت الدماء في شرايينها و صون الحريات و الإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين و طي ملف ما بات يعرف بمعتقلي السلفية الجهادية الذي ارتكبت فيه تجاوزات جمة و ضمان حرية الصحافة ووضع كافة الأجهزة الأمنية تحت رقابة الحكومة و ضمان الكرامة للمواطن .
إن الحديث اليوم بعد نجاح مسيرة 20 فبراير بكون رسالة الشباب وصلت ،يعتبر مؤشرا إيجابيا ،و إذا كانت هذه المسيرة كافية برمزيتها فإن ساعة الإنكباب على إنجاز التحول الديمقراطي المطلوب يجب أن يشرع فيه بعزيمة قوية و بإرادة فولاذية و إذا حصل ذلك فإن المغرب يستحق أن يكون استثناء خالصا في نهضته و ثورته.
أما إذا سرنا بعكس ذلك وانصرفنا إلى المقاربات التبخيسية و الكمية و اكتفينا ببعض الروتوشات فحتما سنخطئ موعدنا مع التاريخ و هنا سيكون استثناؤنا معاكسا لتيار الأحداث الجارف و نقيضا للحكمة ،وهو مايدفعنا إلى التساؤل بحرقة عن مآل صرخة الشباب و هل تبخرت حقا في مطبخ الإستثناء المغربي ؟ .
الصحفي عبد الحفيظ السريتي
معتقل الرأي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.