لم تعد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودية تلاحق روّاد المقاهي والمطاعم لإغلاقها أوقات الصلاة، فالوضع تغير بعد إعلان الرياض، الثلاثاء 16 يوليوز 2019، السماح للأنشطة التجارية بالعمل لمدة 24 ساعة مقابل دفع بدل مالي للسلطات. وكالة فرانس برس تحدثت مع مالك مطعم في مركز المملكة التجاري الراقي في العاصمة السعودية، كانت أبوابه مفتوحة عند حلول صلاة المغرب وأبرز مديره رسالة نصية من مالك المطعم السعودي الجنسية يطلب منه إبقاء المطعم مفتوحاً. وورد في الرسالة النصية: «قرّر مجلس الوزراء السماح للمحلات والمطاعم والأسواق التجارية بالعمل لمدة 24 ساعة والقرار، يشمل عدم إغلاق المحلات أوقات الصلاة». ويتكرر مشهد المحال المفتوحة وقت الصلاة في أكثر من مركز تجاري وشارع. ولم يكن قرار التوقف عن إغلاق المحال وقت الصلاة واضحاً إلا أن تجاراً في أكثر من مدينة وزاوية يغامرون بإبقاء أبواب محلاتهم مفتوحة. ويقول مالك مقهى في مركز النخيل التجاري لوكالة فرانس برس: «غالبية الوقت، تبقى المتاجر هنا مفتوحة أوقات الصلاة». ويقول مديران آخران في متاجر أخرى إنهم لم يدفعوا أي مقابل مالي من أجل السماح لهم بالعمل لمدة 24 ساعة، لكنهم يعملون بشكل حذر لتقييم الوضع. إلا أن بعض المحلات التجارية تفضل توخي الحذر، مثل مطعم تركي في مركز النخيلالتجاري الذي قال صاحبه إنه يفضل إغلاق الأبواب في مواقيت الصلاة، مؤكداً أنه لا توجد «أي ضمانات» حكومية لجهة عدم معاقبة المحلات التي لا تغلق أبوابها. وتتخلّى المملكة العربية السعودية عن القيود الاجتماعية الصارمة التي حددت شكل الحياة في البلاد على مدى عقود، واحداً تلو الآخر، لكن حقيقة الأشياء ليست دائماً كما تبدو في ظاهرها. وعلى الرغم من أن المملكة تشهد تغيّرات غير مسبوقة، فإن عدم الوضوح الرسمي، الذي قد يكون مُتعمّداً، ينشر الشك بين المواطنين، فبعضهم يرى أن حرّياتهم لا تأتيهم بالسرعة الكافية، وآخرون هم الفئة الأكبر من المواطنين المحافظين الذين تُزعجهم سرعة التغيير، بحسب وكالة Bloomberg الأمريكية. غموض القرارات يفتح باب التأويلات كان القرار الأخير للحكومة السعودية مثالاً واضحاً على هذا الانقسام، فقد قالت الرياض إنها ستسمح لبعض المتاجر بالعمل على مدار الساعة. خرجت الحكومة السعودية ونفت أن يكون هذا القرار يعني أن إغلاق المتاجر وقت الصلاة بات أمراً غير إلزامي، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لدرء الشكوك من هذا القرار. لكن قرار حرية سفر المرأة وإسقاط الولاية عليها يفيد بأن المملكة ماضية في الإصلاحات. وأحدثت هذه القرارات الحكومية جدلاً على المستوى الشعبي، لكنها لم تُحدث أي ردود فعل هجومية من الدوائر المحافظة، وذلك بسبب ضغوط حكومية أدت إلى إسكاتها احتراماً لحكّام المملكة، إضافة إلى مناخ الخوف الذي نما في البلاد بممارسة الحكومة للقمع السياسي، الذي تضمّن احتجاز عشرات من النقّاد المحليين. ما الذي يدفع الحكومة لعدم الوضوح في قراراتها؟ امتد شعور الحيرة ليصل إلى وسائل الإعلام التي يمتلكها سعوديون، والتي عادةً ما تكون قنوات موثوقة للاطّلاع على ما تصدره الحكومة من قرارات؛ فقد فسّرت قناة «العربية» الفضائية في بادئ الأمر الخطوة التي اتُّخذت، يوم الثلاثاء، بشأن السماح لبعض المتاجر بالعمل على مدار 24 ساعة، بأنها إشارة إلى بقائها مفتوحة حتى أثناء أوقات الصلاة، وقد نشرت تغريدة عبر حسابها بموقع تويتر تقول فيها ذلك. كما أن هذه «التصريحات الغامضة لا تعدّ فقط وسيلة لاختبار الرأي العام، بل هي أيضاً طريقة للتطبيع مع التغييرات المُحتملة وطرحها، لا سيّما المتعلّقة منها بالقضايا الاجتماعية المتنازع عليها بين السعوديين على مرّ سنوات»، بحسب ما تقوله إيمان الحسين، وهي زميلة زائرة بالمجلس الأوروبي للشؤون الخارجية. «ثارت الدنيا ولم تهدأ» هرع بعض السعوديين للاحتفال، مشيدين بالآثار الاقتصادية للقرار والحريّة الشخصية التي يمنحهم إياها، في حين رثى آخرون العواقب الدينية والمجتمعية، ولاحقاً رفض أحد المسؤولين هذه الفكرة في مقابلة مع قناة «العربية» نفسها، التي حذفت لاحقاً تغريدتها من واقع تويتر. وإذا حدث هذا التغيير، فسيكون ذلك تخفيفاً كبيراً جديداً لقبضة الضوابط الاجتماعية منذ أن بدأ ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان عملية إصلاح شاملة للاقتصاد من شأنها تقليل اعتماد البلاد على النفط. وخلال العامين الماضيين، رفعت الحكومة الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارات، وسمحت بافتتاح دور سينما، ودعمت تنظيم حفلات مختلطة تضم الجنسين في البلد، الذي نادراً ما تُسمَع فيه الموسيقى علانية، والآن يدور الحديث عن تخفيف قوانين الوصاية الذكورية على الإناث، أو حتى السماح ببيع المشروبات الكحولية. وقال سعيد الشهراني، وهو أحد الشخصيات السعودية البارزة بمواقع التواصل الاجتماعي، في مقطع فيديو حظي بعدد كبير من المشاهدات: «صدر قرار بفتح المتاجر على مدار 24 ساعة، وقامت الدنيا ولم تقعد.. (الناس قالوا) لا يجوز! ويلكم! سنموت! ديننا يُسر، فلا تعقّدوا الأمور علينا».