هلال: على الجزائر أن تقر بإخفاق مشروعها الانفصالي في الصحراء    أسعار النفط ترتفع وسط تفاؤل حيال الطلب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    الارتفاع يستهل تداولات بورصة الدار البيضاء    الأمم المتحدة تدرج رسميا إسرائيل في "قائمة سوداء" لمنتهكي حقوق الأطفال    مقتل 43 وإصابة 48 جراء حريق في مبنى بالكويت    مندوبية التخطيط: 60 بالمائة من الأطفال المشغلين عام 2023 يزاولون أعمالا خطيرة    الضرب بيد من حديد على "تجار الرضع" في فاس.. السجن 20 عاما للمتهمين في القضية    مساءلة وزير التعليم في البرلمان حول انتحار تلميذة بعد ضبطها في حال غش في الباكلوريا    مصرع أكثر من 35 شخصا في حريق بالكويت    "الرياض" المغربية.. دور ضيافة عتيقة تنافس الفنادق الحديثة وتنعش السياحة    قدوم أكثر من 1.5 مليون حاج من خارج السعودية عبر المنافذ الدولية    مهندسو وزارة العدل يصعدون من أجل إقرار تعويضات تحفيزية لصالحهم    برلماني ورئيس جماعة يمثل أمام القضاء لمواجهة تهم خطيرة    باليريا تسير 15 رحلة يوميا إلى المغرب لخدمة الجالية.. منها رحلات إلى الناظور        إذاعة فرنسا العامة تطرد كوميديا بسبب نكتة عن نتنياهو    القنصلية العامة لإسبانيا بطنجة تعلن عن انتهاء مهام القنصل "غافو أسيفيدو"    حكيمي يكشف السر وراء الفوز الساحق على الكونغو    فكرة أبصرت النور بعد موت صاحبها، كيف انطلقت بطولة كأس الأمم الأوروبية؟    كيوسك الأربعاء | أزيد من 7 آلاف طفل في خلاف مع القانون    الوزارة تكشف عدد السياح الذين زاروا المغرب عند نهاية شهر ماي    الداكي رئيس النيابة العامة يستقبل رئيس السلطة القضائية بجمهورية البيرو    إعادة انتخاب المغرب في اللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة    الخلاف الحدودي السعودي-الإماراتي على الياسات: نزاع حدودي أم صراع نفوذ؟    تحقيق للأمم المتحدة: النطاق "الهائل" للقتل في غزة يصل إلى جريمة ضد الإنسانية    توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء بالمغرب    بتنسيق مع "ديستي".. تفكيك شبكة لترويج الكوكايين في العرائش وضبط كمية كبيرة من المخدرات    تقرير: المغاربة أكثر من رفضت إسبانيا طلبات تأشيراتهم في 2023    توقيع اتفاقية تعاون بين جهة الشرق وجهة اترارزة الموريتانية    مانشستر يونايتد يبقي المدرب تين هاغ    اليونسكو.. تسليط الضوء على "كنوز الفنون التقليدية المغربية"    اليد الربعة: تجربة جديدة في الكتابة المشتركة    لوحات فريدة عمرو تكريم للهوية والتراث وفلسطين والقيم الكونية    المنتخب المغربي يتألق بتحقيق فوز عريض ضد الكونغو برازافيل    أقصى مدة الحمل بين جدل الواقع وسر سكوت النص    تطورات مهمة في طريق المغرب نحو اكتشاف جديد للغاز    إطلاق مشروع "إينوف فير" لتعزيز انخراط الشباب والنساء في الاقتصاد الأخضر    توقيع على اتفاقية شراكة للشغل بالمانيا    القناة الرياضية … تبدع وتتألق …في أمسية فوز الأسود اسود    "الأسود" يزأرون بقوة ويهزون شباك الكونغو برازافيل بسداسية نظيفة    انتخابات 2026: التحدي المزدوج؟    أفاية: الوضع النفسي للمجتمع المغربي يمنع تجذّر النقد.. و"الهدر" يلازم التقارير    الركراكي: ماتبقاوش ديرو علينا الضغط الخاوي    غباء الذكاء الاصطناعي أمام جرائم الصهيونية    ندوة أطباء التخدير والإنعاش تستعرض معطيات مقلقة حول مرضى السكري    الأمثال العامية بتطوان... (622)    من المغرب.. وزيرة خارجية سلوفينيا تدين إسرائيل وتدعو لوقف تام لإطلاق النار بغزة    وفاة المعلم علال السوداني، أحد أبرز رموز الفن الكناوي    رفيقي يكتب: أي أساس فقهي وقانوني لإلزام نزلاء المؤسسات السياحية بالإدلاء بعقود الزواج؟ (2/3)    الفنان عادل شهير يطرح كليب «دابزنا» من فرنسا    الفنانة التشكيلية كوثر بوسحابي.. : أميرة تحكي قصة الإبداع من خلال لوحاتها    بوطازوت وداداس يجتمعان من جديد في المسلسل المغربي "أنا وياك"    السعودية تحظر العمل تحت أشعة الشمس اعتبارا من السبت القادم    ارتفاع درجات الحرارة من أكبر التحديات في موسم حج هذا العام (وزارة الصحة السعودية)    خبراء يوصون باستخدام دواء "دونانيماب" ضد ألزهايمر    دراسة علمية أمريكية: النوم بشكل أفضل يقلل الشعور بالوحدة    الرسم البياني والتكرار الميداني لضبط الشعور في الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حفل الولاء... الثابت والمتحذلق
نشر في كود يوم 22 - 08 - 2012

مر حفل الولاء كما قُدِّرَ له أن يمر، ظاهريا لم يحدث أي تغيير، فالملك يخرج ممتطيا صهوة الفرس السوداء ومرتديا لباسه التقليدي، يتبعه عبدٌ من عبيد البلاط، يحمل مظلته الكبيرة، ليَقِي رأس الملك الشمس الحارقة لهذا الشهر، وخلف الملك وعبده، العربة الملكية التقليدية.
في الطريق، بين باب القصر العامر وساحة المشور السعيد، يصطف على اليسار أعضاء الحكومة ، برئاسة الموظف العمومي الكبير، السيد عبد الإله بنكيران، وعلى يمينه رجالات المؤسسات العسكرية والأمنية، حيث ينحني الأوَّلون ركوعا، احتراما للملك أو خوفا منه، لا يهم فالركوع ركوعٌ، مهما كانت دوافعه، بينما الآخرون ، أي العسكريون، يؤدون التحية العسكرية المألوفة.
قبالة الملك يصطف وزير الداخلية وهو يؤم جموع الولاة وعمال الأقاليم، الذين يركعون ثلاثة مرات متتالية، إثر ارتفاع صوت أحد العبيد، الذي يقدمهم للملك في أول الأمر، ثم ينقل لهم رضاه ودعوته لهم بالصلاح ثم يأمرهم بالانصراف، لتعاد العملية، من طرف ممثلي الجهات، بأقاليمها وجماعاتها...
إلى هنا تبدو الأمور عادية، ومستمرة كيفما كانت، إلا أن المتتبع المنتبه، سيلاحظ أن الزمن المخصص للبيعة تقلص بأكثر من الربع، إذ كان يتجاوز في سنوات مضت الخمسة وأربعون دقيقة، فإنه لم يتعد عشرة دقائق، لتنتهي هذه المراسيم، أو على الأقل، ليتم تعليق بثها في القناة العمومية الأولى...
الأهم من كل ما سلف ذكره، هو النقاش العمومي الذي أثير بمناسبة هذا الحفل، وهو على خلاف ما ذهب إليه حارس الأخبار الجديد، الصحفي خليل هاشمي الإدريسي ، المدير العام لوكالة المغرب العربي للأنباء، في مقاله بعنوان غريب " البيعة بمثابة انفتاح على الحداثة"، فإنه ( أي النقاش) ، يعني مصلحة الأمة في كل شيء، مادام يغني النقاش الديمقراطي... إذ لا تعارض بين تطوير الديمقراطية، والمصلحة الكبرى للشعوب، إلا في أذهان مروجي نظريات الاستبداد والتحكم... مع تسجيل هفوة كبيرة وقع فيها الصحفي الألمعي، هو خلطه بين البيعة كشكل من العقود التي تجمع بين الحاكم والمحكوم، وهي تنتمي لدلالات الحقل التقليداني، ولا علاقة لها بالحداثة، وبين حفل الولاء، في شكله الصرف، الذي يتميز بطقوس أقل ما يقال عنها أنها تنتمي للقرون البائدة، وتمتهن فيها كرامة الإنسان بشكل سافر ومستفز...
أهمية هذا النقاش، تجلى أيضا في معرفة المغاربة للكثير من التفاصيل حول هذا الطقس، إذ لأول مرة يعرف، أو على الأقل أعرف شخصيا، أن حضور حفل الولاء هو استجابة لطلب مواطنين، إذ نشر موقع كود الالكتروني مثلا، أن القصر الملكي تلقى ما يزيد عن الأربعين ألف طلب لحضور حفل الولاء، والركوع أمام الملك، لم يقبل منها سوى 2500، مما يؤشر على أن الطلب على الاستبداد لا زال متفاقما بهذا البلد، وأن على القوى الديمقراطية أن تشتغل على ثقافة الشعب والمواطن، قبل أن تلوم الحاكم...
حفل الولاء كرس خَرَسَ الفاعل الثقافي وجزء كبير من الفاعلين السياسيين، المحسوبين على تيار اليسار والحداثة، إذ لم نسمع صوتا، لمفكر أو مبدع، شاعرا كان أو روائيا، وهو يدلو بدلوه في هذا النقاش، لاعتبارات مصلحية أساسا، غطاءها أنه نقاش غير ذي جدوى، ولا يقدم البلاد في شيء، شأن مواقفهم في كل النقاشات، والتي للأسف، قدمت البلاد في كثير من المناحي، والتي يكونون هم أول المستفيدين منها...
كون حفل الولاء كان هو الأول من نوعه في ظل الدستور، جعله موضع تمحيص وتساؤل، هل هو في الأصل دستوري؟ بمعنى هل تنظيم هذه الطقوس يتماشى وروح الدستور الجديد؟ الذي ينص في متنه على الحرية المتأصلة في الإنسان، بينما هذا الحفل يؤطره، بالإضافة لأجهزة الأمن المكلفة بالقصور، نفر من العبيد الذين لا زالوا مملوكين وفق تقاليد النخاسة ؟ هل يجوز لوزير الداخلية أن يقود قطيع الولاة والعمال، في حركة خضوع تام للملك، دون المرور برئيسه الأول، وهو رئيس الحكومة، والمسؤول السياسي عنه، أمام الشعب الذي انتخبه أولا؟ ثم لماذا وزير الداخلية بالضبط وليس كل الوزراء؟ هل يعني أن هذه الوزارة تنفلت من رقابة رئاسة الحكومة؟ وهو ما يتعارض مع نص الدستور الجديد الذي ينص على أن أعضاء الحكومة جميعهم مسؤولون أمام رئيسها؟ ثم من هم ممثلوا الجهات الذين ركعوا أمام الملك، مكرهين كانوا أو عن طيب خاطرهم؟ هل هم المنتخبون، البرلمانيون وأعضاء المجالس المحلية؟ أم أنهم خليط من هذا ومن شخصيات تمثل جهة إقليمية دون أن يفوض لها سكان هذه الجهة أمر تمثيلها؟
ثم أخيرا، ألم يكن تنظيم حفل الولاء هذا، شكل من العناد السياسي الذي يضر بصورة المغرب أكثر مما يخدمها، فالداعمون للتميز المغربي، لن يرووا فيه (أي الحفل)، سوى امتناعا آخر عن الانخراط في حداثة فعلية، قوامها ملكية متشبعة بقيم الديمقراطية والعقلانية في سلوكها، لا في خطابها فقط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.