أنا أنتمي إلى جيل، شهد تلك الطفرة السريعة، من الهاتف الفيكس إلى البورتابل ومن الأورديناتور بيتيوم 3 إلى الأورديناتور محمول كور 2 ديو ثم الماكينتوش.. أنا أنتمي إلى جيل انتقل بسرعة من ساعة شات في السيبير ب10 دراهم إلى الويفي والسمارتفون وال 3 جي.. أنا أنتمي إلى جيل وجد نفسه يتحول بسرعة فائقة من الفيلم 36 صورة والدقة وعدم الحق في الخطأ وانعدام التأثيرات البصرية والصور المحمضة في الاستوديو إلى النيميريك والكارت ميموار والسيلفي والانستاغرام.. ذلك الجيل الذي قفز من الكاسيط والوالكمان إلى الإم بي 3 ثم الآيبود.. ذاك الجيل الذي سافر في غضون زمن قصير (ودون سلاسة) من الورود الميبسة المخبأة بين أضلع الكتاب إلى الإيموتيكونز والبي دي إف. وأخيرا وليس آخرا، أنا ابنة جيل عرف حلاوة الرسائل، الرسائل الحقيقة، وليس الإس إم إس.. لا زلت أحتفظ في غرفة للمنسيات، اسمها "بيت الصابون"، في منزل والدتي بمراكش، بالعديد من الرسائل، الطويلة جدا أحيانا، وكلما ذهبت لزيارة أمي عدت لتفقد تلك المنسيات التي لا تنسى، فأتذكر حلاوة الانتظار، وابتسامة ساعي البريد التي لم تكن تخلو من خبث، وهو ينادي على أرقام الشقق ويترك رسائلي في آخر الصف. أتذكر كل ارتعاشة وابتسامة وغمرة سعادة أتلقاها مع كل رسالة.. بعضها معطر بالدمع وجلها معطر بالشوق والحنين. وهناك رسائل واردة بنَفْس التاريخ، من أقطار متباعدة، بعضها صديقة وبعضها حبيبة، أقرؤها فأستحضر أصوات أصحابها ومراهَقة الفتاة التي كنتُها. بعضها شهري وبعضها أسبوعي أحيانا. ولأنها بخط اليد، تبدو أحاسيس كاتبها (أو كاتبتها) جلية في كل حرف وكل صمت. آآآه، لقد تغيرت الدنيا بسرعة. أعرف أن هناك من سيقول بأن هذا كلام العجائز، لكن لا، هذا كلام امرأة شابة تحن إلى زمن ما قبل المغالاة في التكنولوجيا، طبعا لا أنكر فضل هاته الأخيرة في تقريب البعيد، لكني لا أنكر أنها تكاد اليوم تجردنا من المشاعر. فها أنت اليوم تملك الهاتف الذكي وحسابا على الجيمايل وحسابا على الفايسبوك والتويتر، وتملك السرعة في الفعل (الكلامي) ورد الفعل، لكن، هل تملك أن تستريح بعد كل جملة بجملة، وبدل أن تستكين لسهولة الإيموتيكونز تختار أن تصف إحساسك بإحساس؟ هل تستطيع أن تروض قلبك على الانتظار، لا؟ فالجلبة أصبحت من الاحتياجات الضرورية الضروري إدراجها في هرم ماسلو عند البعض، وعند البعض الآخر لا ضير من هاته التكنولوجيا الخبيثة ما دامت تفي بالغرض الأساسي وهو التواصل. لكن، هل التواصل معناه أن نتخلى عن التشويق الذي يؤتيك إياه فتح الظرف وتسريح طيات الورق؟ هل التواصل معناه أن يصير كل فعل تواصلي سهلا وليس مهما أن يكون صادقا؟ لست أدري، لكني أحن إلى زمن الرسائل غير القصيرة.