إنها زينت العدوي، صاحبة السيرة الذاتية المسهبة حد الملل. آسف. إنه مسار عادي، بل لامع، ومنتوج خالص للفضاء الأكثر ولوجا: المدرسة العمومية المغربية، التي قررت تسليط الضوء عليها. سيدة في الرابعة والخمسين من العمر، مثابرة، نشطة، ذكية، وفي البلاد الكثير منها، كل واحدة منهنّ على طريقتها. سيدة عهد إليها، في سابقة، بمقاليد إحدى أهم جهات المملكة. وبتعيينها في المنصب الأسمى في الإدارة الترابية المغربية، بعث الملك محمد السادس رسالة قوية إلى مجموع الشعب المغربي، ولاسيما أجيال المستقبل.. ضربة رعد صغيرة تصمّ التنامي المسلم به والمستحَق للنساء في أجهزة السلطة، حتى إن المجالات المحفوظة للرّجال صارت قليلة..
نعم! تدبير الملفات العمومية من عدمه قضية تعني الجميع، من سياسيين ورؤساء مقاولات ورجال، وهذا الجيل الشّاب الواعد خزان الأفكار المبتكرة.. وكذلك، وبشكل بديهي، للنساء اللائي ظللن لمدة طويلة في معزل عن دوائر صناعة القرار.
تدبير الشؤون العامة! نعم، لنقل هذا دونما التفاف، لقد استبق الملك محمد السادس، بدون شكّ، وبشكل كبير، التطورات الجارية حاليا في هذا المجال، وحسنا فعل، لأنّ المغربيات، بصرف النظر عن أحكام مسبقة كثيرة، يتمتّعن بمؤهلات كبيرة. فهل يلزمنا، حقيقة، التذكير بهذا الأمر؟.. يلزمهنّ أن يعبرن عن هذا الأمر، بأَلْمَعية، في المرفق العمومي المغربي. طبعا، ينبغي الذهاب إلى أبعد من هذا، وبعض الأصوات الغاضبة، الحاضرة دائما في الواجهة، ترى أن هذا التقدم ليس في مستوى التطلعات! بيدَ أن البنايات الكبرى لا تشيد في يوم واحد! ومن المكارم الاعتراف بالأمور بنية حسنة عندما تتحقق. لقد تفتحت في البلاد، منذ سنوات عدة، كفاءات من النساء والسّاسة ورجال الأعمال والفنانين، ومن البديهي أن توجد في البلاد ورود..
إن المغربيات يكسبن، اليوم، وبدون كلل، نوعا من الاستقلالية الذاتية، على غرار نظيراتهن في مختلف المجتمعات، والمغرب يتألق، بشكل ملفت، في هذا المجال. فقد استطاعت هؤلاء النساء أن يخلخلن الأنساق المكونة منذ أمد بعيد، ويفتحن آفاقا جديدة سيستفيد منها المجتمع المغربي في شموليته. إذن، كفى سخافة، إنها فرصة كبيرة وجدار أخير يتعين اجتيازه، وإن كان يلزم قطع أشواط أخرى في هذا المضمار. كما أن الحديث عن عودة مُحتمَلة ل"المجتمع الأميسي"، الذي كانت فيه السلطة بيد النساء في أزمنة ما قبل التاريخ، إجحاف ومبالغة.
أصدقائي المغاربة، تخيلوا، بكل بساطة، غدا أكثر إشراقا بمجتمع أقلّ عنفا وأكثر عطاء، تسوده قيم المشاركة والكرم في أسمى تجلياتها، وهي القيم المجسدة من قبَل هؤلاء النساء، الأمهات المربيات سواء كنّ في شمال البلاد أو جنوبها. يجب ألا يكون مغرب الغد مقسما إلى "أعلى" و"أسفل"، مجتمع رجال أو مجتمع نساء! لا يوجد سوى مغرب واحد، ولذلك، وجب أن يدعم هذا التنامي القوي لحضور لنساء في مناصب المسؤولية، هذه الرّؤية المكونة عن "المغرب المتعدّد".
وأيا كان رأينا بشأن هذه التعيينات، فإن ثمة يقينا بأن النساء المغربيات، سواء كنّ في مناصب المسؤولية أم لم يكن، يثبتن تمتعهن بمؤهلين كبيرين اثنين: الشّجاعة والعزيمة. وللاقتناع بهذا الأمر تكفي ملاحظة اللامبالاة التي واجهت بها الوالية الجديدة واقعة رفض مصافحتها ومقاطعة حفل تنصيبها.. من منا لم يستنتج في هذه الواقعة خلاصة مفادها أنّ الزمن تغير وأن الأنفس، التي اهتزّت لتعيين سيدة في منصب سام، تخوض حاليا حربا خاسرة مسبقا. دعوني أفصح لكم، قرائي الأعزاء، عن شيء: من خلال متابعتي لِما قامت به الوالية الجديدة (...) استنبطت أنها كانت تقول: "ولو، ليس هذا سيئا".