القطار في المغرب يسير بأربع سرعات: قطار حديث رفيع سريع، "كونفورطابل"، يربط طنجة بالقنيطرة بسرعة البرق تبارك الله حتى لا "نعيّنه" ويطير بينهما بسرعة 320 كلمتر في الساعة، ويقطع 200 كلمتر في ساعة إلا ربع، وقطار "وطني" بقاطرات كهربائية، يربط بين باقي المدن المغربية، من فاس إلى مراكش، ولا يتعدى 140 كلمتر ساعة. ولكنه يتمتع بسكتين في الاتجاهين. وقطارات أخرى تسير بالكهرباء لكنها بطيئة ورديئة، وباتجاه واحد للسكة، منها ما يربط بين سيدي قاسموطنجة ومنها ما يربط بنكرير بآسفي ومنها ما يربط سيدي العايدي بخريبكة. لكن، هناك قطار آخر نصنفه في السرعة الرابعة، يربط بين فاسووجدة، لأنه يسير بالدييزيل (المازوط) وتحدث قاطرته صوتا مرعبا ليلا ونهارا، وسرعته بطيئة جدا، وبسكة ذات اتجاه واحد، والعجيب أنه من قلة القطارات في هذا الخط لا تقع مشاكل التقابل بين القطارات، حين ينتظر قطار قطارا آخر في محطة من المحطات ما شاء الله من الزمن. تجهيزات هذا القطار جيدة وفي مستوى القطار الوطني، وقد تكون متفوقة عليه بفضل مزية غرف النوم. لكن ذلك لا يشفع له في ترتيب السرعة الذي تكلمنا عنه. أي أن مسافة 300 كيلومتر يقطعها قطار الشرق في ما يقارب 6 ساعات. والحقيقة أن المكتب الوطني للسكك الحديدية أحسن صنعا بوضع تجهيزات النوم في خدمة المواطنين، لأن 6 ساعات ليلا أو نهارا لا يقلل تعبها سوى النوم، أو قيلولة مطولة. هذا القطار الذي ينتمي إلى القرن الماضي، يستحق أن يكون ديكورا لأفلام الستينيات والسبعينيات، وقد تم استغلاله في بعض الأفلام، إلى جانب قطار الرمال السياحي الذي يشتغل بالطلب بين وجدة والمدن الموجودة على الحدود مع الجزائر. وقد تقدم الكثير من النواب والمستشارين إلى الحكومات المتوالية بطلب كهربة خط وجدةفاس دون فائدة، والمبرر هو قلة عدد المسافرين دون المردودية التجارية الدنيا. بمعنى خضوع هذا القطار لمنطق المغرب غير النافع. ونحن نتفق مع هذه الحكومات في كون تثنية خط وجدةفاس ليس مستعجلا الآن، لكن الكهربة مستعجلة لرفع سرعة السير إلى مستوى مقبول، بعد إعادة بناء السكة بما يحتمل سرعة 100 إلى 140 كلمترا ساعة. تكلم جلالة الملك في خطاب العرش قبل أسابيع عن رفضه لمغرب يسير بسرعتين، منتقدا اهتمام الحكومة بالغرب الأطلسي دون باقي التراب الوطني، ونحن هنا نعطي مثالا لهذا المغرب المهمل بمنطق الربح ضدا على منطق التضامن الوطني بين الأقاليم والجهات. وقد سمعت بعض الاقتصاديين يتكلمون عن معاناة جهات الرباط والدار البيضاءوطنجة المتقدمة اقتصاديا مع باقي جهات المغرب، بحيث تنتج أكثر من 58% من الثروة الوطنية، التي تنهكها الجهات الفقيرة. ولعله استحيى أن يطالب باستقلال هاتين الجهتين كما يفعل ذلك إقليمكاطالونيا في إسبانيا. فهل نكون أمام أعذار اقتصادية تحرق الحس الوطني وفخر الانتماء إلى مغرب كبير واسع، يُنتظر أن تأخذ فيه الأجزاء القوية بيد أجزائه الضعيفة المعطوبة إلى غاية ارتفاع وتيرة الحراك الاقتصادي إلى مستوى تجاوز التفاوت المسجل في زمننا اليوم؟