في أكتوبر 2025، لم تُكتَب قصة المغرب بالأرقام، بل بالإيمان العميق بأن المستحيل ليس مغربيًا. في زيادةٍ غير مسبوقة لميزانيتي التعليم والصحة، وفي فرحٍ كرويٍّ وحّد المغاربة، وفي أفق نصرٍ يلوح في قضية الصحراء، اكتمل مشهد وطنٍ بقيادة الملك محمد السادس يجعل من كل خطوةٍ إنجازًا جديدًا في مسار أمةٍ تثق بقدرتها على صياغة مستقبلها بإرادتها. لم يكن الرفعُ في ميزانيتي التعليم والصحة إلى مستوياتٍ غير مسبوقة مجرد قرارٍ مالي، بل إعلانًا صريحًا عن فلسفةٍ ملكية تؤمن بأن التنمية الحقيقية هي تلك التي تمسّ حياة الناس جميعًا، وتصل آثارها إلى كل جهةٍ من جهات الوطن بعدالةٍ لا تعرف مركزًا ولا هامشًا. وفي الوقت ذاته، حمل النجاح الكروي التاريخي الذي حققه المنتخب المغربي لأقل من عشرين سنة رسالةً أبعد من الرياضة. فقد مثّل هذا التتويج ثمرة رؤيةٍ بعيدة المدى تقوم على التكوين والانضباط والاستثمار في الكفاءات والمواهب، وأعاد إلى الواجهة سؤالًا جوهريًا: هل يمكن للمغرب أن يطبّق المنهج نفسه في باقي القطاعات لتجني ثماره منظومات التعليم والصحة والإدارة...؟ وعلى الصعيد الدبلوماسي، واصل المغرب ترسيخ موقعه الإقليمي والدولي من خلال توازنٍ محسوب بين المرونة والثبات في المواقف، بينما أصبح مقترح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية اليوم مرجعيةً معترفًا بها دوليًا، ما يعكس فعالية ونجاعة الدبلوماسية المغربية بإشراف مباشر من الملك محمد السادس. اقتصاديًا، لم تفقد الدولة بوصلتها رغم اضطرابات الأسواق العالمية. فبين الاستثمار في الطاقات المتجددة والموانئ العملاقة والصناعة الخضراء، يمضي المغرب في ترسيخ نموذجٍ تنموي يراهن على جعل الاقتصاد المنتج أساسًا للتماسك الوطني وأداةً لتعزيز العدالة الاجتماعية. غير أن المغرب، وهو يحتفل بانتصاراته، يعي حجم التحديات التي تفرضها المرحلة. فالفوارق المجالية لا تزال قائمة بين الجهات، ومظاهر الفساد الإداري والمالي ما زالت تضعف مردودية بعض المؤسسات، بينما يشكّل غلاء المعيشة والبطالة واستمرار الضغط على الموارد المائية اختباراتٍ حقيقية لفعالية السياسات العمومية. ورغم الخطوات الوازنة نحو الشفافية والإصلاح، فإن الرهان الأكبر يظل في ترسيخ ثقافة المساءلة وربط القرار العمومي بمعيار الكفاءة والمصلحة العامة. إن ما يميز التجربة المغربية هو هذا الوعي الذاتي بالمحدوديات، والقدرة على المراجعة دون فقدان الثقة في المسار. فالدولة التي تبني الإنجاز وتقرّ في الوقت نفسه بتحدياته، هي دولةٌ ناضجة تعرف أن الإصلاح ليس حدثًا عابرًا بل مسارٌ متواصل يتجدد بتجدّد الوعي والإرادة. وفي موازاة مسار البناء والإصلاح، يواجه المغرب تحديًا آخر في معركة تتقاطع فيها أصوات التيه الرقمي مع حملاتٍ خارجية تسعى إلى تبخيس ما يتحقق على الأرض. فمنظّرو مواقع التواصل الاجتماعي الذين يصنعون حضورًا من داخل الفراغ، يلتقون عن قصدٍ أو جهل مع خصومٍ تقليديين للمغرب، يرون في صموده وتقدمه تهديدًا لنماذجهم الباهتة. هؤلاء جميعًا يقرأون المغرب بعين الريبة، لأنهم لا يدركون معادلة الإصلاح في ظل الاستقرار، ولا يستوعبون كيف يمكن لدولةٍ أن تجمع بين الانفتاح والصلابة في آنٍ واحد. لكن التجربة المغربية أقوى من تلك القراءات العابرة، فالمغرب لا يحتاج إلى تبرير مساره أو استجداء الاعتراف من أحد، كما أن الردّ على الأصوات المشككة في الداخل أو الخارج يكون بمواصلة العمل الذي يبرهن كل يوم أن المغرب يملك من الثقة والرؤية ما يجعله يسير في طريقٍ تصنعه إرادة وطنٍ يعرف وجهته ويؤمن بقدره. إنه أكتوبر المغربي... شهر الانتصارات التي لا تُقاس بالأرقام ولا بالتصريحات، بل بقدرة وطنٍ على أن يواصل صعوده المتزن في زمنٍ يتراجع فيه الآخرون.