في بادرة طيبة تستحق كل التنويه والإشادة من قبل كافة المغاربة بدون استثناء، ولاسيما في ظل ما بات يعرفه النصب والاحتيال الإلكتروني من ازدهار لافت خلال السنوات الأخيرة في جميع بلدان العالم، حيث لم يفتأ يراكم ضحاياه ببلادنا عبر استغلال ثقة المواطنات والمواطنين في المؤسسات البنكية، أقدم "بنك المغرب" مع مطلع شهر نونبر 2025 على توجيه تنبيه هام لهم عبر رسالة نصية قصيرة إلى هواتفهم المحمولة يحذرهم من مغبة الكشف عن معطياتهم الشخصية لجهات خارجية دون التأكد من هويتها الحقيقية. وهي الخطوة التي استحسنها مواطنون مغاربة كثر وخاصة زبناء البنوك، وخلفت ارتياحاً واسعاً في أوساطهم. وبما أن المؤسسات المالية لم تعتد في معاملاتها على طلب بيانات زبنائها عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني، فإن "بنك المغرب" وفي إطار الحرص على حماية المواطنات والمواطنين، ارتأى أن يسارع إلى تنبيههم، داعياً إياهم إلى توخي الحيطة والحذر وعدم التفاعل مع الرسائل الإلكترونية المشبوهة والإبلاغ عنها للجهات المختصة فور التوصل بها، حيث جاء التحذير في رسالة نصية قصيرة عبر هواتفهم المحمولة على الشكل التالي: "بنك المغرب: كونوا يقظين! لا تفصحوا أبداً عن رمز التأكيد السري الذي تتوصلون به عبر الرسائل القصيرة، ولا عن معلوماتكم المتعلقة بوسائل الدفع الخاصة بكم، أي رسالة أو مكالمة تطلب منكم هذه المعلومات، فهي احتيالية." فالهدف من هذا التنبيه أو التحذير الذي لجأ إليه "بنك المغرب" مشكوراً، هو محاولة لفت انتباه المواطنين إلى ما يتهددهم من أخطار والتصدي لعمليات النصب والاحتيال الإلكتروني، الذي ما انفك يتزايد بشكل رهيب عبر الرسائل النصية أو المكالمات الهاتفية أو الروابط المشبوهة التي تنتحل صفة مؤسسات مالية رسمية، وتطلب منهم تأكيد معاملات مالية أو تحديث بياناتهم البنكية، ومن ثم يتم استغلال الرموز السرية أو المعلومات الشخصية في السيطرة على حساباتهم وسرقة أموالهم، كما يتضح من خلال تزايد عدد الشكايات والضحايا، خاصة أن العمليات المالية الرقمية أصبحت في الوقت الحاضر جزءاً أساسياً من حياة المغاربة اليومية. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه فضلاً عن أن المرصد المغربي لحماية المستهلك دق في وقت سابق ناقوس الخطر، محذراً من تفشي ظاهرة النصب والاحتيال الرقمي، باعتماده على ما تم تسجيله من تزايد ملحوظ في الشكايات المرتبطة بالإعلانات الزائفة، والمنتجات المقلدة، ورداءة الخدمات على بعض منصات التجارة الإلكترونية. فقد سبق لعديد المؤسسات البنكية أن انخرطت في عمليات التوعية الرقمية، كما هو الشأن بالنسبة للبنك الشعبي الذي أصدر تنبيهاً مماثلاً خلال شهر أبريل 2025، يحذر فيه زبناءه الكرام من هذه الآفة الخطيرة التي تستهدف المستخدمين، داعياً إلى التأكد من هوية المرسل وعدم النقر على أي روابط مشبوهة أو إدخال المعلومات الشخصية في مواقع رقمية مجهولة. فالجرائم الإلكترونية هي مجموعة من الممارسات الدنيئة وغير القانونية، التي ترتكب باستخدام التكنولوجيا الرقمية أو شبكات الإنترنت، وتتنوع بين الاحتيال المالي، والاختراق، والابتزاز الإلكتروني، والتشهير عبر الإنترنت، وقد أصبحت في ظل انتشار استخدام التكنولوجيا الرقمية في مختلف مجالات الحياة، تمثل تهديداً متصاعداً، مما أتاح فرصاً جديدة للمجرمين في استغلال الإنترنت في اتجاه تحقيق أهداف غير مشروعة، وهو ما جعل المشرع المغربي يبادر إلى اتخاذ حزمة من التدابير القانونية، سعياً إلى مواجهة هذا التحدي الكبير وضمان حماية الأفراد والمؤسسات. وفي ذات السياق، أظهر تقرير صادر عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية برسم سنة 2024، أن هناك تصاعداً ملحوظاً في عديد الملفات المتعلقة بجرائم النصب والاحتيال الإلكتروني، مسلطاً المزيد من الضوء على ارتفاع جرائم النصب عبر الإنترنت واختراق المعطيات الشخصية إلى جانب الابتزاز الجنسي، حيث سجلت محاكم المملكة أكثر من 2300 قضية رقمية خلال السنة الماضية، كاشفة عن زيادة بأكثر من 40 في المائة مقارنة مع عام 2023، الشيء الذي يعكس تصاعد التهديدات الإلكترونية وانعكاساتها السلبية على المجتمع المغربي. وأوضح ذات التقرير أن جرائم الاحتيال المالي الإلكتروني تمثل حوالي 37 في المائة من إجمالي الملفات المعروضة على محاكم المملكة... ثم إن ما يؤكد خطورة الجرائم الإلكترونية، هو أنه لا يوجد قانون واحد خاص بها، إذ يتم تجريمها من خلال مجموعة قوانين، لعل أبرزها هو القانون رقم: 07.03 المتعلق بجرائم أنظمة المعالجة الآلية للمعطيات، والذي يندرج ضمن القانون الجنائي، بالإضافة إلى قوانين أخرى من قبيل قانون 08-09 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية، والقانون رقم: 103-13 الخاص بمكافحة العنف ضد النساء، وقانون الأمن السيبراني رقم: 20-05. وإذ نشكر "بنك المغرب" على مبادرته الطيبة التي نأمل أن تتلوها مبادرات مماثلة من مختلف المؤسسات الوطنية ووسائل الإعلام، فإننا نرى أنه ليس أمامنا من وسيلة ناجعة لتطويق ظاهرة النصب والاحتيال الإلكتروني وحماية المواطنين، أفضل من اعتماد المثل القائل "الوقاية خير من العلاج"، بمعنى ضرورة الحرص على توخي أقصى درجات الحذر واتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة ضد مختلف أساليب المجرمين في هذا المجال، وإبلاغ الجهات المعنية فور حدوث أي محاولة احتيالية، من أجل الحد من تفشي هذه الجرائم الإلكترونية الخطيرة.