في خطوة تُعد الأقرب إلى إعلان رسمي بتحوّل مخيمات تندوف إلى حاضنة مفتوحة لكل أشكال التطرف، استقبلت الجزائر وفدًا تابعًا لجمعية "الإصلاح والإنماء الاجتماعي" من لبنان وسوريا، وهي واجهة معروفة بارتباطها المباشر بتنظيمات إخوانية وبتحالفها مع "حزب الله". هذا المشهد لا يعبّر فقط عن سقوط جبهة البوليساريو في مستنقع العزلة السياسية، بل يكشف أيضًا انزلاق الجزائر نحو اصطفافات إقليمية خطيرة تخرجها من خانة الدولة التي تتحدث عن "الشرعية الدولية"، لتضعها في خانة الدولة التي تفتح أراضيها لتنظيمات مطاردة دوليًا بتهم التطرف والعنف، وبالتحالف مع المشروع الإيراني. فالجزائر لم تستقبل جمعية خيرية عابرة، بل استقبلت تنظيمًا محسوبًا على الإخوان المسلمين في لبنان وسوريا، وهما الجناحان الأكثر ارتباطًا بتمويلات الحرس الثوري الإيراني. هذا التحالف غير الطبيعي بين جماعة سنية محسوبة على الإخوان، ودولة شيعية توسعية مثل إيران، لم يعد لغزًا. فقد استُعمل طويلًا كأداة لاختراق الساحة السنية عبر واجهات ناعمة، ووُظّف لخدمة المشروع الإيراني في مناطق متعددة. وعندما يصل هذا التحالف إلى تندوف، فإن الرسالة تصبح واضحة: البوليساريو دخلت رسميًا ضمن شبكة النفوذ الإيراني في شمال إفريقيا. إن زيارة وفد من جماعة مصنفة إرهابية وفق لوائح وزارة الخارجية الأمريكية لا يمكن قراءتها بمعزل عن تاريخ العلاقة بين حزب الله وجبهة البوليساريو. التقارير الدولية تحدثت غير مرة عن تدريبات عسكرية قدمها حزب الله لمليشيات البوليساريو، وعن زيارات سرية تمت عبر الأراضي الجزائرية، وعن دعم لوجستي وعسكري وفّرته طهران عبر حزب الله للجبهة، ضمن استراتيجية تهدف إلى خلق توتر مزمن في المنطقة المغاربية. واليوم، تدخل الجماعة الإخوانية المدعومة من إيران على الخط، لتكمل مشهد هذا الحلف القاتم: إيران على القمة، حزب الله كذراع عسكرية، الإخوان كغطاء سياسي ودعوي، والبوليساريو كأداة انفصالية جاهزة للاستعمال. في ظل كل ذلك، تلعب الجزائر دور المنسق والمضيف. فكيف لدولة تزعم محاربة التطرف أن تفتح أراضيها أمام تنظيمات مصنفة خطرًا إقليميًا؟ وكيف لدولة تدّعي احترام القانون الدولي أن تسمح لجماعات ذات سجل إرهابي بالتنقل داخل حدودها والتواصل مع حركة انفصالية مسلحة؟ الحقيقة أن الجزائر لم تعد تمتلك القدرة على كسب حلفاء ذوي مصداقية دولية لدعم البوليساريو. فبعد أن تآكل رصيدها، أصبحت تفتش عن أي جهة مستعدة للظهور إلى جانب الجبهة، مهما كانت خلفيتها أو تصنيفها في اللوائح السوداء الدولية. لذلك، لم يكن مستغربًا أن يتجول وفد تابع لجماعة مرتبطة بإيران ومصنفة في واشنطن كتنظيم إرهابي، داخل مخيمات تندوف وكأنه في "وحدة تابعة" له. هذا الاصطفاف يكشف أيضًا عن حالة الإفلاس السياسي التي تعيشها قيادة البوليساريو. فبعد انهيار الدعم الإفريقي، وخسارة الرهانات الدبلوماسية في أوروبا، وتراجع الاعترافات الدولية، وانكشاف تورط الجبهة في الاتجار بالبشر وتجنيد الأطفال، لم يعد أمامها سوى التمترس خلف أكثر الأطراف راديكالية في الإقليم. لكن الأخطر من ذلك، أن الجزائر نفسها هي من تدير وتنسق وتؤمّن الغطاء السياسي والأمني لهذه اللقاءات. وهذا ما يرفع منسوب المخاطر في المنطقة بشكل غير مسبوق. إذ ما معنى أن تُفتح تندوف أمام جماعات مصنفة إرهابية تتقاطع مصالحها مع حزب الله؟ وما معنى أن نرى الإخوان المرتبطين بإيران يصافحون قادة مليشيا انفصالية على الأراضي الجزائرية؟ المنطقة المغاربية تقف أمام سيناريو مقلق: تحوّل تندوف إلى منطقة رمادية خارجة عن الرقابة الدولية، تضم مجموعات عابرة للحدود، تدين بالولاء لمشروع إقليمي تقوده طهران. هذا ليس تحليلًا متشائمًا، بل قراءة موضوعية لسلسلة من الوقائع التي تشرف عليها الجزائر عن سابق وعي. فالزيارة الأخيرة لم تكن عملًا خيريًا، ولا علاقة لها بأي "دعم إنساني" كما تحاول أبواق الجبهة الترويج. بل كانت تعبيرًا عن شبكة تحالفات جديدة تشكلت في الخفاء: الإخوان الممولون من إيران، وحزب الله، والبوليساريو، في تحالف تبادلي: إيران تبحث عن موطئ قدم في شمال إفريقيا، حزب الله يسعى إلى توسيع نفوذه خارج الشرق الأوسط، الإخوان يريدون ملاذًا آمنًا بعد سقوط مشروعهم في دول المركز، والبوليساريو تسعى إلى تعويض تراجع الدعم الدولي. أما الجزائر، فتحاول إنعاش مشروع ميت، دون الاكتراث بالعواقب الإقليمية. وهذه المغامرة لها ثمن. وثمنها سيكون باهظًا على الجزائر قبل غيرها، لأنها تضع نفسها في موقع الدولة التي تؤوي جماعات مدرجة دوليًا ضمن قوائم الإرهاب. السؤال لم يعد: ماذا تريد البوليساريو؟ بل: ما الذي تفعله الجزائر وهي تنزلق، بخياراتها السياسية، إلى محور إقليمي تقوده إيران وتُحرّكه أدوات مثل حزب الله والإخوان؟ السؤال الأكبر: إلى متى يمكن قبول أن تتحول دولة عضو في الاتحاد الإفريقي إلى منصة مفتوحة أمام جماعات مصنفة دوليًا كتهديد للأمن والسلم الدوليين؟ هذا هو جوهر المسألة. وهذه هي الحقيقة التي تؤكدها زيارة وفد "الإصلاح والإنماء" إلى تندوف: أن البوليساريو لم تعد مجرد حركة انفصالية، بل صارت جزءًا من منظومة عابرة للحدود، تديرها طهران، وتنخرط فيها جماعات مصنفة إرهابية، وتحتضنها الجزائر بلا حرج.