كأس العالم للأندية.. مبابي يستأنف تدريباته الجماعية مع ريال مدريد    مونديال الأندية.. دورتموند يقهر أولسان وفلومينينسي يفلت من كمين صنداونز    كرة القدم/مباراة ودية.. المنتخب الوطني النسوي لأقل من 17 سنة يفوز على النرويج (3-2)    إعلام فرنسي: أشرف حكيمي قدم موسما استثنائيا ويستحق الكرة الذهبية    عكس باقي مدن الشمال .. حملات محتشمة بإقليم الحسيمة لتحرير الشواطئ    نزاع حول حقوق هولوغرام عبد الحليم حافظ يشعل مواجهة قانونية بين XtendVision ومهرجان موازين    ولد الرشيد يجري مباحثات مع نائب رئيس جمهورية السلفادور حول سبل تعزيز التعاون الثنائي    توقعات طقس الأربعاء في المغرب    رئيس الحكومة يترأس اجتماع مجلس الرقابة للقرض الفلاحي للمغرب    لجنة مركزية من وزارة الصحة والحماية الاجتماعية تحل بشفشاون لمواكبة التلقيح ضد الحصبة    "الفناير".. الفن الجاد والتطور المتواصل أساس الاستمرارية في زمن التحديات الرقمية    أول مصنع من نوعه خارج القارة الآسيوية .. المغرب يدخل عصر البطاريات الخضراء باستثمار 20 مليار درهم        انقلاب شاحنة على الطريق الوطنية رقم 2 باقليم الحسيمة يخلف اصابات    أسبوع دامٍ في المدن المغربية.. مصرع 23 شخصًا وإصابة أزيد من 2800 في حوادث سير    تطورات مأساة طنجة.. وفاة الشخص الذي أضرم النار في جسده بعد خلاف تجاري    بعد وفاة مؤسسه بنعيسى... موسم أصيلة الثقافي الدولي يواصل مسيرته بصيغة صيفية حافلة بالفنون    ابتلاع كيس يحتوي على مخدرات يودي بحياة موقوف بطنجة خلال تدخل أمني    ارتفاع حصيلة شهداء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 56 ألفا و156 منذ بدء الحرب    إيران تؤكد أن منشآتها النووية "تضررت بشدة" جراء الهجمات الأميركية    الملك محمد السادس يهنئ أمير قطر بذكرى توليه الحكم    نشرة إنذارية: موجة حر مع الشركي من الأربعاء إلى الاثنين بعدد من مناطق المملكة    اجتماع بوزارة الداخلية لتحديد معايير استخراج أسماء المدعوين لأداء الخدمة العسكرية برسم الفوج المقبل للمجندين    مبادرة مدنية ترفض حرمان الجمعيات من التبليغ عن الفساد وتعتبره دوسا على الدستور والالتزامات الدولية للمغرب    السياحة المغربية تحقق أداء قويا في 2025 بارتفاع العائدات وعدد السياح    انطلاق أول عملية توريق للديون المتعثرة وأخرى قيد الإعداد    دراسة تحذر: انتكاسات كبيرة في برامج التلقيح تعرض الأطفال لخطر الأمراض القاتلة        طنجة.. كلب يهاجم فتاة وسائق يدهس شابا ويلوذ بالفرار            الرباط.. انعقاد الاجتماع ال74 للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء العدل العرب    بنكراد: معظم المحتجين في 20 فبراير بمجرد ما عرضت عليهم المناصب ذهبوا لها وانفضوا    بكين.. مؤتمر يستكشف أوجه التعاون الصيني – المغربي في قطاع السياحة    مع استمرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران جيش الاحتلال يواصل استهداف غزة واتصالات لوقف الحرب وسط وعود جديدة لترامب    كأس العالم للأندية.. طاقم تحكيم كندي بقيادة درو فيشر يدير مباراة العين الإماراتي والوداد الرياضي    المنتخب المغربي النسوي يبدأ تحضيراته استعدادا لكأس أمم إفريقيا    عودة الدواجن البرازيلية إلى الأسواق المغربية بعد زوال المخاطر الصحية    إيران تنظم السبت جنازة قادة وعلماء    أكاديمية المملكة تنظم تظاهرة دولية    مقتل 6 من جنود اسرائيليين في قطاع غزة    مجلس النواب الأميركي يرفض مبادرة لعزل ترامب    الجواهري: الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي بسبب تصاعد حالة اللايقين العالمية    ترامب يؤكد مجددا أن المواقع النووية في إيران "دمرت بالكامل"    كأس العالم للأندية لكرة القدم.. فلامنجو البرازيلي يتعادل مع لوس أنجلوس الأمريكي (1-1)    أموال الناظور تمول مدنا أخرى.. أين الأبناك من تنمية المنطقة ودعم الرياضة والثقافة كما أرادها جلالة الملك؟    مجموعة بريكس تدعو إلى "كسر حلقة العنف" في الشرق الأوسط    الرجاء ينال المركز الثالث بكأس التميز    والي بنك المغرب يدعو الحكومة إلى إنجاح برامج تمويل المقاولات الصغرى    "ملعب عشوائي" يثير الجدل بالدروة    مؤسسة أحمد الوكيلي تطمح إلى إخراج "الآلة" من النخبوية الموسيقية    بعد غياب طويل.. عودة الإعلامية لمياء بحرالدين للساحة الإعلامية بشكل جديد    قهوة بالأعشاب الطبية تثير فضول زوار معرض الصين – جنوب آسيا في كونمينغ    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدستور التونسي: وثيقة ديمقراطية لم تخلُ من عيوب
نشر في هسبريس يوم 11 - 09 - 2014

تجنّبا للإطناب، سيتم التركيز في هذه المقالة على مضمون الوثيقة الدستورية التونسية الجديدة، بمعزل عن السيّاقات السياسية والمُجتمعية التي تحكّمت في صياغة مضامين أو دستور لتونس ما بعد الثورة، وذلك ليس لأن الحديث عن هكذا سياقات غير ذات أهمية، بل إن العكس هو الصواب، أي أنه نظرا لأهميتها فإن يُستحسن عدم اختزالها في فقرات وجيزة، وإنما تلزمها دراسات مستقلة (في مقال سابق حول "الدين والسياسة في الدستور التونسي" كنا أشرنا إلى بعض هذه حيثيات).
تتكون الوثيقة الدستورية التونسية الجديدة من توطئة، وعشر أبواب، و149 فصلا، مما يجعله ضمن الدساتير المتوسّطة الحجم، حيث تجنّب واضعوه الإطناب في التفاصيل وركّزوا على المبادئ العامة، دون أن يخلو ذلك من بعض التفاصيل التي لم يكن هناك من داعِ لإيرادها ضمن الدستور. استهلّ المشترعون الدستوريون الوثيقة الدستورية الأولى بعد إزالة النظام القديم، بتوطئة عَبّر من خلالها نواب الشعب عن اعتزازهم بنضالات شعبهم من أجل "الاستقلال والتخلّص من الاستبداد، وفاء لدماء الشهداء ولتضحيات التونسيات والتونسيين، وقطعا مع الظلم والحيف والفساد"، كما تشير التوطئة لفلسفة الحكم التي ستتأسس عليها الدولة التونسية، حيث جاءت الإشارة إلى تمسّك الشّعب التونسي بتعاليم الاسلام السّمحة، وبالقيم الانسانية ومبادئ حقوق الانسان الكونية السامية. أما النظام السياسي الذي ارتضاه المجتمعون في المجلس التأسيسي فهو "النظام الجمهوري الديمقراطي التشاركي، في إطار دولة مدنية، حيث السيادة للشعب".
وبعد التوطئة يَبرُز الباب الأول المعنوَن بالمبادئ العامة، والذي يتكوّن من عشرين فصلا، حاول من خلالها المشرّع الدستوري أن يبيّن المبادئ العامة التي تقوم عليها الدولة التونسية. فالفصل الأول ينص على أن "تونس دولة حرة، ذات سيادة، الاسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها". ويأتي الفصل الثاني ليعبّر عن المسعى التوافقي الذي طبع مراحل إعداد الدستور، فبعد أن رام الفصل الأول التأكيد على إسلامية الدولة، فإن الفصل الثاني توخّى التأكيد على أن "تونس دولة مدنية، تقوم على المواطنة، وإرادة الشعب، وعليوة القانون" كما أغلق المشرّع الباب أمام أي محاولة لتعديل الفصلين الأوّليْن وذلك بتنصيصه على عدام جواز تعديل هذين الفصلين، وكأن كل طرف من الأطراف المشاركة في وضع الدستور قد خشي أن يَضيعَ ما دافع عنه خلال اللّحظة التأسيسية.
إن هذا المسلك التوافقي بين أطراف العملية السياسية في تونس، تجلّى أكثر في الفصل السادس من الدستور، الذي جعل من "الدولة راعية للدين، وكافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، وضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي". ففي الوقت الذي أكّد فيه التأسيسيون على أن تتكفّل الدولة بالدين وترعاه، فإنهم في الآن ذاته قد نصّوا على حرية المعتقد، ومنعوا أي توظيف للدين في المجال السياسي من خلال المساجد.
ونظر لأن إنجاز الدستور قد استغرق زمنا طولا، فإن ذلك ساعد على أن يُلِمّ بالكثير من الأمور الطّارئة، وتجلى ذلك بوضوح فيما يتعلق بمسألة التكفير والتحريض على الكراهية، فالفقرة الثانية من الفصل السادس تُلزم الدولة "بنشر قيم الاعتدال والتسامح وبحماية المقدّسات ومنع النيل منها، كما تَلتزِم بمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف وبالتصدي لها". الواضح من هذه الفقرة أيضا، أنها رامت الموازاة بين مطالب الاسلاميين والعلمانيين، بأن منعت النيل من المقدّسات (رغم أنه كان ينبغي تحديد معنى المقدسات)، كما منعت خطاب التكفير والتحريض على العنف والكراهية.
وبعد التنصيص على المبادئ العامة يأتي باب الحقوق والحريات، الذي خصّص له المشرع تسع وعشرون فصلا (من الفصل 21 إلى الفصل 49)، حيث أكّدت الوثيقة الدستورية على مجموعة من الحقوق والحريات التي ينبغي على الدولة رعايتها والتكفّل بها، من قبيل الحق في الحياة، ومنع التعذيب، وحرمة المسكن وسرية المراسلات، ومنع سحب الجنسية من المواطن التونسي والنفي الاجباري، وتحريم العقاب الجماعي، ومعاملة السجناء معاملة انسانية، كما لا يجوز ممارسة رقابة مسبقة على حرية الرأي والفكر والتعبير والنشر، وضمان الحق في النفاذ للمعلومة، ومن أهم الحرّيات نصت المادة 36 على "الحق النقابي وحق الاضرب؛ ولا ينطبق هذا الحق على الجيش الوطني، كما لا يشمل حق الاضراب قوات الأمن الداخلي والديوانة" وهذا يعني أن الحق النقابي مكفول لجميع الطوائف المهنية باستثناء الجيش، أي أن من حق رجال الشرطة والقضاء وغيرهم ممارسة العمل النقابي، علما بأن الوثيقة الدستورية منعت حق الاضراب فقط عن الجيش وأفراد الأمن الداخلي والديوانة، ما يفيد أن غير هؤلاء يحق لهم ممارسة الاضراب.
والجدير بالاشارة إليه في هذا السيّاق أن المشرع الدستوري التونسي لم يقرن التنصيص على حق الاضراب بصدور قانون ينظم هذا الحق على غرار تشريعات الدول المجاورة ومنها المغرب، وإن كان المشرّع التونسي لم يتحرّر من هذا الإقران بين حق الاضراب وبين صدور قانون بذلك، لأن الفصل 49 ينصّ على أن جميع الحقوق والحريات الواردة في الدستور يجب أن تُضبط بالقانون، وهذا من شأنه أن يجعل الحقوق والحريات معرّضة لمنطق الأغلبيات البرلمانية. هذا، ويُلزم الفصل 39 الدولة برعاية التعليم وإجباريته إلى سن السادسة عشرة، كما نصّت على مجانية التعليم العمومي بكامل مراحله. ويضمن الفصل 46 مجموعة من الحقوق للمرأة منها تكافؤ الفرص وتحقيق التناصف بينها وبين الرجل في المجالس المنتخبة، ونهج كل السبل التي تحد من العنف ضد المرأة.
وبعد بابَيْ المبادئ والعامة والحقوق والحريات يأتي الباب المخصّص للسلطة التشريعة، وهو الباب الذي يضمّ عشرون فصلا (من الفصل 50 إلى الفصل 70)، حيث أوضح المؤسّسون الدستوريون مختلف السلطات المخصّصة للبرلمان، والشروط الواجبة في المنتخبين والنّاخبين، كما اختص المشرع المعارضة البرلمانية بمجموعة من الحقوق، من قبيل توليها رئاسة اللجنة المكلفة بالمالية، وخطة مقرر باللحنة المكلفة بالعلاقات الخارجية، كما لها الحق في تكوين لجنة تحقيق كل سنة وترؤسها (الفصل 60). مع العلم بأن العمل البرلماني في تونس المستقبل لا يوجد فيه الازدواج المجلسي، فالمجلس الوحيد الذي يعبر عن إرادة الشعب هو مجلس النواب، وهذا أمر مغاير لمختلف الدساتير العربية التي تضمّ برلماناتها مجلسي النواب والشورى (المستشارين).
أما اختصاصات السلطة التنفيذية، فهي منظّمة وفق الباب الرابع، حيث ارتأى المشرع أن يجعل السلطة التنفيذية مشتركة بين رئيس الجمهوية ورئيس الحكومة، بمعنى أن الدولة التونسية ستُحكم بالنظام المختلط بين الرئاسي والبرلماني، فرئيس الجمهورية، هو رئيس الدولة، ورمز وحدتها، ويضمن استقلالها واستمراريتها، ويسهر على احترام الدستور (ف72). وتافديا لتكرار التجارب السابقة، جعل الفصل 75 مدة انتداب رئيس الجمهورية لا تتجاوز ولايين متتابعتين أو منفصلتين، ولا تتجاوز مدة كل ولاية 5 سنوات، دون أن يسمح بزيادة عدد دوارت الرئاسية ومددها الزمنية، كما لا يجوز للرئيس الجمع بين رئاسة الجمهوية وأية مسؤولية حزبية (ف76)، بمعنى أن المشرع لم يمنع الانتماء الحزبي على رئيس الجمهوية وإنما فقط ارتأى ألا يكون للرئيس مَنصِبا حزبيا من شأنه عرقلة عمله كرجل دولة.
وكفل المشرع للرئيس مجموعة من الصلاحيات من قبيل" حل مجلس النواب، رئاسة مجلس الأمن القومي، إعلان الحرب لكن بأغلبية مجلس النواب، تعيين مفتي الجمهوية، التعيين في الوظائف العسكرية، تعيين محافظ البنك المركزي باقتراح من رئيس الحكومة، وبعد مصادقة أغلبية مجلس النواب، إعلان حالة الاسثتناء لكن مع بقاء مجلس النواب في حالة الانعقاد، كما يمكن للمحكمة الدستورية أن تقرر في مسألة سريان حالة الاستثناء من عدمها (ف80)، ورغم تمتّع رئيس الدولة بالحصانة، إلا أن الحصانة تنتهي بانتهاء فترة الرئاسة (ف87)، ولتطبيق مبدأ التوازن بين السلطات، فإن المؤسسين الدستوريين قد قابلوا حق رئيس الجمهوية بحل مجلس النواب، بحق أعضاء هذا المجلس بطلب إعفاء رئيس الجمهوية حالة خرقه للدستور، على أن يوافق على ذلك أغلبية الثلثين للمجلس وعرض ذلك على المحكمة الدستورية للبث في ذلك بأغلية ثلثيها، وفي حالة صدور قرار بالإدانة فإن الرئيس يعتبر معفيا من منصبه (ف88).
أما الرأس الثاني لسلطة التنفيذية، فهو الحكومة التي تتكون من رئيس ووزراء وكتاب دولة يختارهم رئيس الحكومة بمحض إرادته، باستثناء وزيري الخارجية والدفاع، فإن اختيارهما يتم بالتشاور بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهوية (ف 89). وعن طريقة اختيار رئيس الحكومة، فإن المشرع سلك سبل الأنظمة البرلمانية، حيث جعل مرشّح الحزب أو الائتلاف الانتخابي الحاصل على أغلبية مقاعد مجلس النواب، يختص بتكوين الحكومة خلال شهر يجدد مرة واحدة. وفي حالة عدم قدرة المسطرة المتبعة في تشكيل الحكومة داخل الآجال المحددة، فإن لرئيس الجمهوية أن يعلن عن حل مجلس النواب والدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها (ف 89). كما أن لرئيس الحكومة الحق في التصرف في كامل الصلاحيات الموكولة إليه عدا تلك التي نص الدستور صراحة على أن يتشاور فيها مع رئيس الدولة، فضلا على أن رئيس الحكومة هو رئيس مجلس الوزارء، بمعنى أن رئس الدولة ليست من صلاحياتها ترؤّس مجلس الوزراء على غرار الأنظمة الرئاسية، إلا في حالات بعينها من قبيل مناقشة مجالات الدفاع والسياسة الخارجية، أو تشريفه بترؤس المجالس الوازارية التي يحضرها بمحض إرادته (ف93).
وعلى الرغم من أن رئيس الحكومة ليس من حقه حل مجلس النواب، إلا أن المشرع الدستوري جعل الحكومة مسؤولة أمام مجلس النواب، حيث يمكنه سحب الثقة منها عن طريق تقديم لائحة اللوم التي ينبغي أن تنال الأغلبية المطلقة، كما يمكن لأعضاء مجلس النواب إقالة وزير داخل الحكومة بالأغلبية المطلقة (ف 97). ويعطي الفصل 99 لرئيس الجمهوية حق الطلب من مجلس النواب التصويت على سحب الثقة من الحكومة، مرّتين على الأكثر خلال كامل المدة الرئاسية. لكن في حالة تجديد المجلس الثقة في الحكومة في المرّتين، يعتبر رئيس الدولة مستقيلا.
وفي الباب الخامس من الدستور يأتي التنصيص على متعلّقات السلطة القضائية، التي اعتبرها المشرع سلطة مستقلة تضمن إقامة العدل وسيادة القانون وحماية الحقوق والحريات، كما أن القاضي مستقلا لا سلطة عليه في قضائه لغير القانون (ف102). وتصدر المحاكم باسم الشعب وتنفّذ باسم رئيس الجمهوية(ف 111)، يدبر شوؤن القضاء مجلسا أعلى للقضاء، وهو مجلس يسكوّن من أربعة هياكل (العدلي، الاداري، المالي، الجلسة العامة للمجالس القضائية الثلاثة)، وتغلب صفة الانتخاب على أعضاء المجالس القضائية، كما أن رئيس المجلس الأعلى لا يُعَيَّن من قِبل أي جهة كانت وإنما ينتخب من قِبل أعضائه. ويتمتّع المجلس باستقلال إداري ومالي، ويعد مشروع ميزانيته ويناقشه أمام اللجنة المختصة بمجلس النواب (ف113) ويتكون القضاء المالي من محكمة المحاسبات بمختلف هيئاتها، وهي محكمة تختص بمراقبة حسن التصرف في المال العام ( ف117).
وحرصا منه على نجاعة تنزيل الدستور واحترام بنوده، نص المشرع الدستوري على المحكمة الدستورية التي تتركب تتشكل من اثني عشر عضوا، أربعة منهم يعينهم رئيس الجمهوية، وأربعة يختارهم مجلس النواب، وأربعة يختارهم المجلس الأعلى للقضاء، ويكون التعيين لفترة واحدة مدتها تسع سنوات، ولا تُعيِّن أي جهة رئيس المحكمة وإنما جعل المشرع ذلك من صلاحيات أعضاء المحكمة الدستورية، الذين لهم حق انتخاب رئيس المحكمة ونائبا له من بينهم (ف118).
اختص المجلس التأسيس الهيئات الدستورية المستقلة بالباب السادس، حيث نصت الوثيقة الدستورية على أن تكون هذه الهيئات محايدة ومنتخبة من قِبل مجلس النواب (ف 125). وهذه الهيئات هي: الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي تسهر على مختلف الاستشارات الانتخابية والاستفتاءات، وتتكون من تسعة أعضاء مستقلين يباشرون مهامهم لفترة واحدة مدتها ست سنوات، ويجدد ثلث أعضائها كل سنتين (ف127)، ثم هيئة حقوق الانسان التي تختص بحماية الحقوق ورصد الانتهاكات؛ وهيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة؛ وهيئة الحَوْكَمة الرشيدة ومكافحة الفساد.
أما الباب السابع، فهو مخصص للسلطة المحلية، حيث ينظّم اختصاصاتها ومهامها وطرق إحداثها، ولا يوجد في هذا الباب أي من الأمور غير المعتادة يمكن إجلاؤها في هذه المقالة. أما الباب الثامن، فتم تخصيصه لتعديل الدستور، حيث جعل المشرع الأمر مشتركا بين مجلس النواب ورئيس الجمهوية، إذ لكل منهما الحق في التقدّم بمبادرة طلب التعديل، على أن تنظر في ذلك المحكمة الدستوري وينال الأغلبية المطلقة لمجلس النواب، كما يمكن لرئيس الجمهوية أن يعرض التعديل الموافق عليه بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب على الاستفتاء الشعبي (ف144). وكغيره من الدساتير الانتقالية، فإن الدستور التونسي اختصّ البابين التاسع والعاشر بالأحكام الختامية بغية تدبير المرحلة الانتقالية، مع التأكيد على أن توطئة الدستور جزء لا يتجزّأ من الدستور، وأن أحكام الدستور يؤوِّل بعضها البعض كوحدة منسجمة.
لم يتّسع المجال لعرض مجموعة من الملاحظات على الدستور الجديد لتونس، وهو ما سنتداركه في مقالة قادمة، لكن حسبنا الإشارة إلى أن الطبيعة التوافقية التي تحكمت في واضعيه، جعلت مضمونه لا يخلُ من تناقضات ونواقص؛ فرغم أن المشرّع نص على مدنية الدولة وحرية العقدية والمساوة في الحقوق والواجبات، إلا أنه الكثير من بنود الدستور تسير عكس هذه المبادئ من قبيل: اشتراط الدستور على المترشّح لرئيس الجمهورية أن يكون دينه الاسلام، وإلزام كل من رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس النواب ورئيس الحكومة بأداء اليمين الدستورية بصيغة موحّدة تفيد بأن على مؤديها أن يكون مؤمنا بالله "أقسم بالله العظيم أن أخدم الوطن بإخلاص، وأن ألتزم بأحكام الدستور وبالولاء التام لتونس" (الفصول 76، 58، 89). كما أغلق المشرع الدستوري أي مجال لتعديل بعض الفصول الدستوري (الأول والثاني)، وهو ما يمنع الأجيال القادمة مقيّدة بما أنتجته اللحظة التأسيسية، مما يعني أنه لا مجال لتغيير هذه الفصول إلاّ على الطّريقة التي أعطى بموجبها المشترعون الحق لأنفسهم بإقفال الباب على التعديل. وهذا ربما ضريبة من ضرائب التوافقية، حيث يبدو أن أحد الأطراف استطاع أن يجعل الترشح لمنصب رئيس الدولة متيّسرا أمام المرأة التي يرى الكثير من الاسلاميين أنها لا يجوز توليها شؤون الأمة، بنيما استطاع التيار الاسلامي أن يفرض شرط التدين بالدين الإسلامي لمن يرغب في أن يصبح رئيسا للشعب التونسي.
*باحث في القانون الدستوري وعلم السياسة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.