شارك محمد الساسي، القيادي في الحزب الاشتراكي الموحد، في الندوة التي دعا إليها الوزير الأول السابق، عبد الرحمان اليوسفي، تخليدا للذكرى الخمسين لرحيل مؤسس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، المهدي بن بركة، والتي تم تنظيمها مساء الجمعة بالمكتبة الوطنية بالرباط. الساسي خصص الحيّز الأول من مداخلته للحديث عن الخصائص التي كانت تميز المهدي بن بركة، معتبرا أنه "كان رجل فكر وتنظيم، وزعيما وطنيا كبيرا يتقن رسم المهام الاستراتيجية، وكان يضع قدميه في الواقع ويستشرف المستقبل". وتابع الساسي أن بن بركة كان دائما يطرح السؤال "من نحن وماذا نريد، ومن هم خصومنا وماذا يريدون"، مضيفا أنه كان يحسن الخطابة أمام الشعب بدون ارتباك، وأنه كان من بين أبرز رواد التجربة الحزبية، مستنبطا تجربته من مدرسة الشيوعية العالمية، ومدرسة الحركة الوطنية، بالإضافة إلى مدرسة اليسار الجديد. القيادي اليساري شدد على أن بن بركة كان يدعو للقطع مع ثقافة الزوايا، واعتماد الوضوح، ورفض تقديس القادة وممارسة النقد الذاتي، وتحليل الوقائع وضمان الحقوق، وعدم اختزال الحزب في قراءة الخطب على القواعد، بل "ينبغي أن تُمارس هذه القواعد نفسها حق التقرير ومراقبة الأجهزة الحزبية، وأن يتم التخلي عن الطابع المركزي للتسيير"، على حد تعبيره. واعتبر المتحدث ذاته أن تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية شكل ثورة على ما أسماه "النظام الوصائي"، إلى درجة تحولت فيها هذه الثورة إلى نوع من اللامركزية المفرطة، وتشتيت الجهود وتعدد المبادرات الفردية، مشددا على أنه لم يكن يتوجب أن يكون هناك تفوق جيل على جيل، أو رجال الفكر على الفئات الأمية. وبعد حديثه عن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وجه الساسي عددا من الرسائل إلى الأحزاب اليسارية بالمغرب، من أجل أن تعود هذه الأحزاب إلى صدارة المشهد الحزبي بالمغرب، حيث شدد على أنها في حاجة إلى تقديم عرض سياسي جديد، من أجل إعادة بناء الهياكل لأن المشكل، بحسبه، ليس مشكل تواصل وتسويق مشروع لكنه مشكل نخب وتعهدات لم يتم الوفاء بها والاستسلام لحالات من الضعف الإنساني وغيرها من الأخطاء التي ارتكبتها هذه الأحزاب. وشدد المتحدث ذاته على ضرورة الاعتراف الجماعي بالأخطاء، ذلك أنه "علينا الإقرار بأننا أضعنا سلسلة من الفرص التاريخية، وتنازلنا على عدد من المطالَب السياسية"، مضيفا أن المسؤولية عن الأخطاء قد تكون متفاوتة، ولكنها جماعية، رافضا أي لا مجال للتشفي. وقسم القيادي في الحزب الاشتراكي الموحد اليسار المغربي إلى جزئين، جزء من اليسار فشل في تحويل تجربة التناوب التوافقي إلى انتقال ديمقراطي، وجزء فشل في إعطاء البديل، مشددا على ضرورة إعادة الثقة في الشباب "لأن المجتمع يزخر بطاقات كبيرة في المجال السياسي". الساسي أوضح أن الإطارات الحالية لا يمكن أن تبني اليسار من جديد، ولابد من بث روح جديدة فيه، من خلال حشد النشطاء والفعاليات التقدمية الحية، مردفا أنه لابد من البحث عن الطريق الثالثة، والتعبير عن فئة من الشعب المغربي لا تجد نفسها في "مشروع التحكم" ولا في "المشروع اليميني"، الذي يمنح السلطة كل ما تريد ويبقي على استعمال الومضات القديمة والامتناع عن تطوير المجتمع. وجدد الساسي، في هذا الإطار، دعوته إلى الملكية البرلمانية، وعدم القبول بتقسيمها واعتبار الاستقرار الهش بديلا لها، مشددا على ضرورة احترام ذكاء المواطنين والاستفادة من حركة عشرين فبراير، في مقابل استبعاد الأعيان، والقيام بتحالفات هجينة مع ما أسماها ب"الأحزاب الإدارية"، واستبعاد مشاريع التحكم، وربط هذه التحالفات بأغلبية منسجمة، ووضع القرار بين أيدي المنتخبين من أجل تحقيق ربط المسؤولية بالمحاسبة، من أجل حزب جديد يقبل بمختلف الآراء، كما يقبل بالرقابة.