هل ضروري أن يتربع الكاتب على عرش العطالة ؟ ويمتهن التسول ويبيع وجهه لكل من كبر شأنه أوصغر؟ ولماذا لايضرب في الصخر بكل مايملك من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه ؟ الكاتب في حقيقة الأمر ثروته هي قراءه، وهل لازال في الوطن العربي قارئ لديه حاسة الشم والذوق للنصوص الرفيعة ؟ والحقيقة هذه فرصة لكل الكتاب الفاشلين مثلي لأقتحم هذا الميدان الهجين وأركب مع الراكبين موجة الكتابة ولذي كل فرص النجاح لأختار الميدان والجنس الذي يمكنني أن أتسلقه بسرعة الضوء، وليس هناك مجال سهل وهش من كتابة الشعر، أليس الشعر رهان الفاشلين مثلي لتغيير وضعيتهم وصنع رمزية تجعلهم أكثر احترما وتقديرا ؟ كنت واعيا منذ البداية أن العالم يحتاج الى خطة، ولست محتاجا لأحد أن يذكرني بمقولة " ومن الشعر ماقتل " ولهذا فليس من الضروري أن أسلك منهج بشار بن برد الذي امتهن الهجاء مند صباه ولم يترك أحدا إلا قصفه بكلماته السامة سواء كان حاكما أومحكوما، ألم يحدث أن مدح الخليفة المهدي فلم يعطه شيئا فقال يهجوه : خليفة يزني بعماته يلعب بالدبوق والصولجان فجن الخليفة جنونه وانتقل بنفسه إلى البصرة وقبض عليه وأمر بضربه بالسوط حتى فقد وعيه ومات، وتم نقله على وجه السرعة إلى إحدى سفنه وأمر بضربه سبعين سوطا وتم رميه في البحر، وكانت المعجزة أن حمله الماء فأخرجه إلى دجلة حيث تعرف عليه القوم وتم نقله إلى أهله الذين أكرموه بالدفن . والهلاك ذاته وقع مع الشاعر طرفة ابن العبد الذي لقي حتفه وهو لايتجاوز السادسة والعشرين من عمره عندما أقدم على هجاء عمروبن هند ملك الحيرة. لا أخفيكم لقد تعلمت أن سفينة الشعر كلها ألغام والركوب عليها محفوف بالمخاطر والمصائب، ولكن هذا كان زمن الشعر الذهبي يوم كان الشاعر سيد نفسه وكان هو من يقود الحاكم إلى التتويج أو المقصلة، وكم كانت القبائل تستنير بقوافيه أيام السلم والحرب. هل ثمة اختلاف بين سوق الكلمات الآن والسوق الشعري أيام زمان، يوم كان يخطب الرجل شريكة حياته ببيتين من الشعر العمودي، أو تدق طبول الحرب بين قبيلتين بسبب أبيات معزولة في الهجاء أو الغزل، وعلى ذكر الغزل ألم يكن سببا في موت دراماتيكي للشاعر وضاح اليمن عندما تغزل بقصائده في أم البنين، زوجة الوليد بن عبد الملك عندما التقى بها في الحج وقد وقعت في حبه في أول نظرة. وسمي وضاحا لجماله الفائق،وكان أحد ثلاثة من العرب الذين يوفذون على المواسم مقنعين يسترون وجوههم خوفا من العين وحذرا على أنفسهم من النساء لجمالهم الباهر، وهؤلاء الثلاثة هم المقنع الكندي، وابو زيد الطائي ووضاح اليمن وقد أخد ينشد متغزلا فيها عندما قال : صدع البين والتفرق قلبي وتولت أم البنين بلبي ثوت النفس في الحمول لديها وتولى بالجسم مني صحبي فأخذ الغضب مأخذه من الخليفة الوليد فدبر لقتله وقيل أنه دفنه حيا في حفرة حفرها في قصره. الشعر كالعملة بوجهين، إما أن يأخذ طريقه في الحفر كالفأس حتى يتدفق الماء ويشرب منه الظمآن ويستحم به المحموم أو التوقف وعندئذ تظل الأرض بورا وخرابا تدفن بها الغربان . الم يكن محمود درويش من الشعراء الذين لم يتوقفوا عن الضرب في الصخر بمعوله حتى وافته المنية ؟ لا أخفيكم، أنا لن أختار مسار هؤلاء " الحمقى" من الشعراء الذين كانوا يحملون الموت في كفهم من أجل مايسمونه بنبل القضية وقدسية الحرف وهو طريق محفوف بالمخاطر، ولماذا أبحث عن الشهرة التي تقود إلى الموت بل الشهرة التي تدخلني عوالم الملتقيات والمهرجانات الشعرية ، والصالونات الأدبية المكيفة، المجال الفسيح لأعرض سلعتي من الشعر في الغراميات والحب ، وتيمة المرأة والشهوة كموضوع مفضل أغزوا به الأركان الثقافية . أليست المرأة هي التجارة الأكثر ربحا في اقتصاد الشعر ومنها أحقق الغرضين المال والوجاهة الاجتماعية والخروج من النفق المسدود الذي أعيش فيه فترة طويلة. والعاقل هو من يستفيد من تجارب الآخرين، إن التاريخ مملوء "بالأغبياء" من الشعراء وأشهرهم ابوطيب المتنبي شاعر الفخر والاعتزاز بالنفس الذي كانت بعض الأبيات من الشعر في الهجاء كافيه لإنهاء حياته، عندما أقدم على هجاء لأم ضبية، ويرميها بأفحش التهم ، وكان لأم ضبية أخ يسمى فاتك بن أبي جهل الأسدي، فلما بلغته القصيدة أقسم أن ينتقم لشرف أخته، ولما حانت الفرصة أعترض طريق المتنبي وفتك به وبابنه محمد وغلامه. وبذلك وضع هذا الرجل الغاضب نهاية شاعر الفخر والذي قال عن نفسه : أنا تراب الندى ورب القوافي وسمام العدى وغيظ الحسود أنا في أمة تداركها الله غريب كصالح في تمود أصدقكم القول، أنني أشعر بالغربة في عالم الشعر ولكن نظرا للفوضى العارمة في الشأن الثقافي ولأن السرقة الأدبية أضحت منهجا وتقليدا معتمدا ونظرا للهبوط في الذوق والقراءة، وموت النقد، فإن مكاني موجود بقوة ضمن حلقة " شعراء القمامة " وكل الأبواب مفتوحة أمامي لأحتل مكانة المتنبي و سأتخذ لقب " سيد القوافي " أحب من أحب وكره من كره، مادام الفراغ يفتح صدره الواسع لي ولأمثالي من الشعراء كأروع حاضن.