بعد البيان الذي أصدره النسيج الجمعوي بجهة درعة- تافيلالت، وطالبَ فيه بإقالة رئيس الجهة، الحبيب الشوباني، عقبَ تفجّر ملفّ طلبه استئجار 200 هكتار من الأراضي السلالية لإقامة مشروع فلاحي خاص رفقة مستثمرين آخرين؛ نزل مواطنون بالرشيدية إلى الشارع للاحتجاج ضدّ رئيسَ جهتهم، ليلة الأحد/ الاثنين، وكانَ أبرزُ شعار رفعوه "الشعب يريد إسقاط الشوباني". المطالبة بإسقاط رئيس جهة درعة- تافيلالت، كمَا جاهر بذلك النسيج الجمعوي بالجهة والمواطنون الذين احتجّوا ضدّه وطالبوا برحيله، تطرحُ سؤالَ ما إنْ كانَ الطلبُ الذي تقدّم به الشوباني لاستئجار أراضٍ من جماعة سُلالية لإقامة مشروع فلاحي خاصّ فيه خرق للقانون التنظيمي للجهات، وبالتالي توفّر علّةٍ يُمكن الاستناد عليها لإقالته من لدن الجهات المختصّة؟ "الشوباني أوْقعَ نفسه بنفسه في الفخّ"، يقول خالد الشرقاوي السموني، أستاذ في القانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، مُحيلا إلى ثلاثِ نقط من المادة ال68 من القانون التنظيمي للجهات. أولى تلك النقط هي أنه "يُمنع على كل عضو من أعضاء مجلس الجهة أن يربط مصالح خاصة مع الجهة أو مع مجموعات الجهات أو مع مجموعات الجماعات الترابية التي تكون الجهة عضوا فيها". وتنصّ المادّة نفسُها على أنّ أعضاء مجلس الجهة ممنوعون من إبرام أعمال مع الجهة أو مع مجموعات الجهات أو مع مجموعات الجماعات الترابية التي تكون الجهة عضوا فيها، أعمالا أو عقودا للكراء أو الاقتناء أو التبادل، أو كل معاملة أخرى تهم أملاك الجهة.... كما تمنعهم، أيضا، من ممارسة كلّ نشاط قد يؤدّي إلى تنازع المصالح، سواء بصفة شخصية أو بصفة مساهم أو وكيل عن غيره أو لفائدة زوجه أو أصوله أو فروعه. ويرى السموني الشرقاوي أنَّ ما أقْدمَ عليه رئيس جهة درعة- تافيلالت فيه تنازُعٌ للمصالح، مُوضحا أنَّ بإمكان الشوباني أنْ يطلُبَ استئجار أراضٍ سُلالية لإقامة "مشروع إنتاج الأعلاف"؛ لكنْ باسم الجهة، أيْ أنْ تكونَ الجهة هي مالكة المشروع، والمُستفيدة منه، لَا أنْ يسْعى إلى أنْ يحُوزه لنفسه بصفته مستثمرا خاصًّا، خاصّة أنّ الجهة التي يسيّرها تُعاني الهشاشة، وتحتاج إلى استثمارات لخلْق إقلاع تنموي واقتصادي. وإذا كانَ القانون التنظيمي للجهات يَمنعُ على أعضاء المجالس الجهوية ربط مصالح خاصّة مع الجهة أو مع مجموعات الجهات أو مع مجموعات الجماعات الترابية التي تكون الجهة عضوا فيها، أو مع الهيئات أو مع المؤسسات العمومية أو مع شركات التنمية التابعة لها... فثمّةَ سؤال يتعلّق بموقع الجماعات السلالية، وهل هي مندرجة ضمْن الجهات المشمولة بمنْع ربْط مصالح خاصّة معها؟ وبالعودة إلى التعريف الذي تُقدّمه وزارة الداخلية على موقعها الإلكتروني للأراضي الجماعية، فهي "تُعدّ مِلْكا للجماعات السلالية، وتخضع لنظام عقاري خاص، له إطاره القانوني والتنظيمي، وتُعهد الوصاية عليها إلى وزير الداخلية بمقتضى الظهير الشريف المؤرخ في 27 أبريل 1919، وتسهر على تسيير شؤون الوصاية على الجماعات السلالية مديرية الشؤون القروية بوزارة الداخلية وكذا السلطات الإقليمية والمحلية". ويرى السموني الشرقاوي أنّه حتّى ولو لم تكن الجماعات السلالية معنيّة بما ورد في المادة ال68 من القانون التنظيمي للجهات، فإنَّ تقدُّمَ رئيس جهة درعة-تافيلالت بطلب استئجار أراضٍ من جماعة سُلالية يُمكن أن ينطوي على استغلال "مواقع النفوذ والامتياز"، باعتبار أنَّ صفتَه كرئيس للجهة مؤثّرة ويُمْكن أن تُرجّح كفّته للفوز بالصفقة، بداعي أنَّ الطرفَ الآخر الذي تعامَل معه قد تكونُ له مطامعُ لتحقيق مصالحَ مُتبادلة. فهلْ سيُطيح "مشروع إنتاج الأعلاف" برأس الشوباني، كما يُطالبُ بذلك مُعارضوه؟ تنصّ المادة ال67 من القانون التنظيمي للجهات على أنَّه "إذا ارتكب رئيس المجلس أفعالا مخالفة للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل (...)، قامت السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية بمراسلته قصد الإدلاء بإيضاحات كتابية حول الأفعال المنسوبة إليه، داخل أجل لا يتعدى عشرة أيام ابتداء من تاريخ التوصّل". وتنصّ الفقرة الموالية على أنّه "يجوز للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية أو لوالي الجهة، بعد التوصل بالإيضاحات الكتابية المشار إليها في الفقرتين الأولى والثانية أعلاه، حسب الحالة، أو عند عدم الإدلاء بها بعد انصرام الأجل المحدد، إحالة الأمر إلى المحكمة الإدارية وذلك لطلب عزل عضو المجلس المعني بالأمر من مجلس الجهة أو عزل الرئيس أو نوابه من عضوية المكتب أو المجلس". فهلْ إقدام رئيس جهة درعة – تافيلالت على طلب استئجار أراضٍ من جماعة سُلالية لإقامة مشروع فلاحي خاصّ يُعدّ "فعلا مخالفا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل"، الوارد في القانون التنظيمي للجهات، وبالتالي إمكانيّة إحالة الأمر إلى المحكمة الإدارية من طرف السلطات المختصّة لطلبِ عزْله؟ "لا وجودَ لنصّ صريحٍ يُثبت وجودَ خرْقٍ للقانون في هذه الحالة، وبالتالي يصعب، من الناحية القانونية القول بأنَّ الفعلَ يرتقي إلى خرْق القوانين والأنظمة الجاري بها العمل، كما وردَ في القانون التنظيمي للجهات"، يجيب السموني الشرقاوي؛ لكنّه أكّد أنه، من الناحية الأخلاقية والسياسية، "الشوباني ارتكب خروقات ما كانَ عليه أنْ يزجّ بنفسه في أُتُونها".