مصادقة المؤتمر بالإجماع على مشاريع تقارير اللجان    مغني راب إيراني يواجه حكماً بالإعدام وسط إدانات واسعة    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية            لجنة ثلاثية لرئاسة المؤتمر 18 لحزب الاستقلال    زفاف العائلات الكبيرة.. زواج ابنة أخنوش من نجل الملياردير الصفريوي    سامسونغ تزيح آبل عن عرش صناعة الهواتف و شاومي تتقدم إلى المركز الثالث    هجوم روسي استهدف السكك بأوكرانيا لتعطيل الإمدادات د مريكان    حريق كبير قرب مستودع لقارورات غاز البوتان يستنفر سلطات طنجة    تطوير مبادرة "المثمر" ل6 نماذج تجريبية يَضمن مَكننة مستدامة لأنشطة فلاحين    احتجاج تيار ولد الرشيد يربك مؤتمر الاستقلال    زلزال بقوة 6 درجات يضرب دولة جديدة    حكيم زياش يتألق في مباريات غلطة سراي    الأكاديمية تغوص في الهندسة العمرانية المغربية الإسبانية عبر "قصر الحمراء"    الرابطة الرياضية البيضاوية يؤكد ان الوحدة الترابية قضيتنا الاولى    ممثل تركي مشهور شرا مدرسة وريبها.. نتاقم من المعلمين لي كانو كيضربوه ملي كان صغير    حالة "البلوكاج" مستمرة في أشغال مؤتمر حزب الاستقلال والمؤتمرون يرفضون مناقشة التقريرين الأدبي والمالي    بوزنيقة : انطلاق المؤتمر 18 لحزب الاستقلال بحضور 3600 مؤتمر(فيديو)    جمارك الجزائر تجهل قانون الجمارك    طقس السبت: أمطار وطقس بارد بهذه المناطق!    رئيس بركان يشيد بسلوك الجمهور المغربي    الصحراء تغري الشركات الفرنسية.. العلوي: قصة مشتركة تجمع الرباط وباريس    بركة يتهم النظام الجزائري بافتعال المؤامرات وخيانة تطلعات الشعوب المغاربية    فضّ الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية: ماذا تقول قوانين البلاد؟    شبكة جديدة طاحت فالشمال كتبيراطي شبكات الاتصالات الوطنية وها المحجوزات    اكتشف أضرار الإفراط في تناول البطيخ    "طوطو" يشرب الخمر أمام الجمهور في سهرة غنائية    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    البطولة الوطنية الاحترافية "إنوي" للقسم الأول (الدورة ال27).. الشباب السالمي يتعادل مع ضيفه مولودية وجدة 0-0    رئيس اتحاد العاصمة صدم الكابرانات: المغاربة استقبلونا مزيان وكنشكروهم وغانلعبو الماتش مع بركان    تتويج 9 صحفيين في النسخة الثامنة للجائزة الكبرى للصحافة الفلاحية والقروية    الأمثال العامية بتطوان... (583)    السعودية تحذر من حملات الحج الوهمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي    تفريغ 84 طنا من منتجات الصيد البحري بميناء مرتيل خلال الأشهر الثلاثة الأولى لسنة 2024    قميص بركان يهزم الجزائر في الإستئناف    عطلة مدرسية.. الشركة الوطنية للطرق السيارة تحذر السائقين    مندوبية السجون تغلق "سات فيلاج" بطنجة    للجمعة 29.. آلاف المغاربة يجددون المطالبة بوقف الحرب على غزة    بيدرو روشا رئيساً للاتحاد الإسباني لكرة القدم    مقتل 51 شخصا في قطاع غزة خلال 24 ساعة    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    الأمير مولاي رشيد يترأس بمكناس مأدبة عشاء أقامها جلالة الملك على شرف المدعوين والمشاركين في المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب    ‬غراسياس ‬بيدرو‮!‬    بايتاس : الحكومة لا تعتزم الزيادة في أسعار قنينات الغاز في الوقت الراهن    احتجاجا على حرب غزة.. استقالة مسؤولة بالخارجية الأمريكية    تطوان .. احتفالية خاصة تخليدا لشهر التراث 2024    سعر الذهب يتجه نحو تسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    محمد عشاتي: سيرة فنان مغربي نسج لوحات مفعمة بالحلم وعطر الطفولة..    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    عرض فيلم "أفضل" بالمعهد الفرنسي بتطوان    مؤسسة (البيت العربي) بإسبانيا تفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها ال18    الأمثال العامية بتطوان... (582)    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بابُ ما جاء فى أعمال البلطجة ..!
نشر في هسبريس يوم 10 - 03 - 2017

البلطجة،أوالبلطجيّة،أوالبلطاجي..هذه الكلمة أصبحت اليوم تعني الشّخص الذي يقوم بأعمال الشّغب، وإستعمال القوّة والعنف، والهجوم الهمجيّ غير المبرّريْن ،ومن ثمّ فهو مثير للفوضى،والشّغب،والتجنّي، والإعتداء بالضّرب ،والتنكيل، والتعذيب، والقتل إن إقتضى الحال ذلك، وقد أصبح هذا المصطلح يُقال ويُعاد ويُكرّر بإمعان على وجه الخصوص بعد ما أضحىَ يُنعتُ ب: "الرّبيع العربي" الذي سرعان ما أصبح فى عُرْف البعض، أو غدا ،أو كاد أن يغدو خريفاً شاحباً، حزيناً، كئيباً، رديئاً، مُدلهمّاً ،وفى بعض الأحيان مُخيّباً للآمال حيث أمسينا نرى ونسمع فيضاً هائلاً من التعاليق ، والمتابعات،والتساؤلات، والمداخلات التي تُنشر فى مختلف الصّحف والمجلاّت، أو على أمواج الإذاعات والتلفزيون، وعبر سائر الوسائل الإعلامية السّمعية والبصرية ، ووسائل التواصل الإجتماعي من فيسبوك ، وتويتر وما أشبه،حوله إذ يلاحظ أنّ هذا المصطلح عاد للإستعمال بقوّة وأصبح يترىَ، ويُتداوَل ،ويُكرَّر بشكلٍ ملفتٍ للنظربيننا، منذ أن إستُعمل بزخمٍ كبير فى مصرعلى إثر التحرّكات الشعبية ذات الطابع الإجتماعي، والسياسي التي إنطلقت يوم 25 يناير2011 ,
هذه الكلمة إستُعمِلت عرَضاً - ويا للعُجْب - حتى فى الإنتخابات التشريعية التي جرت فى المغرب مؤخراً ضمن تعاليق بعض السّاسة، والسياسيين، و الصحافييّن، والمعلّقين، والمتتبّعين الذين قاموا بتغطياتٍ متواترة للصّراعات ،والسّباقات، والمنافسات التي كانت محتدمة ، وحامية الوطيس بين مختلف الأحزاب السياسية خلال هذا الإقتراع الذي عرفته البلاد فى المدّة الأخيرة، والذي لم يُسفر بعد عن تأليف،أو توليف، أو تشكيل،أو تكتيل أيّ حكومة شرعية إلى اليوم.
أحداث الحسيمة المُؤسِفة
الصّورة ذاتها الحزينة ،والمُؤلمة، والمُؤسفة، والرّدئية،والبذيئة، والكئيبة،والمقيتة لمعاني هذا المُصطلح اللّعين، عكستها تصرّفات ، ومشاكسات، ومناوشات، ومشاغبات، ومناغصات، ومواجهات، وأعمال البلطلجة، والبلاطجة، والبلطاجيين التي رأيناها، وعشناها على مرارة ومضض مؤخراً بطريقة عجفاء فى مدينة الحسيمة الآمنة الجميلة بعد مباراة فريقيْ الوداد البضاوي، وشباب الرّيف فى كرة القدم، هذه اللعبة التي قد تصبح فى بلادنا أو كادت أن تُصبح (لعبة كرة العدَم، أولعبة كرة الندَم، أو لعبة كرة الألَم،أو لعبة دهس البدَن ! ) نظراً لِمَا أصبح ينتج عنها، ومن خلالها، أو قبلها، أو بعدها من حماقات هوليغانيّة، همجيّة ،سوقيّة ،فوضويّة، طائشة ،ساقطة، مُسفّة، هابطة لا تُحمد عقباها بعيدة كلّ البُعد عن الرّوح الرياضية السّمحاء التي تُضرب بها ولها الأمثال..ما حدث فى الحسيمة يطرح تساؤلات ضخمة،وإسستفسارات ملحّة ما زالت مُعلّقة فى السّماء لابدّ أن نبحث عن إجابات شافية، ضافية، وعلاجات عاجلة حاسمة وناجعة لها،لأنها شكّلت بغير قليل من الخَجَل والوَجَل أمراً يُندىَ له الجبين حقّاً على مرأى،ومسمع من الناس، والملأ، والمواطنين، والوافدين، والزّائرين، والسيّاح الأجانب، وأمام أنظار رجال حفظ الأمن .. هذه الأحداث المؤسفة أعادت لنا مصطلح البلطة، والبلطجة ، والبلطاجيين على المحكّ، ووضعته على الطاولة نصب أعيننا من جديد.
قبل ذلك تساءل البعضُ فى المغرب وفى باقي البلدان العربية والمغاربية التي لم يكن فيها إستعمال لهذه الكلمة بالذات فى كتاباتهم، أوأحاديثهم اليومية قبل أحداث مصر ، حيث تساءل كثيرون عن معنى هذه الكلمة بالذات،وعن مغزاها ومدلولها الحقيقييْن، كما تساءلوا بالمناسبة عن بعض الكلمات الدخيلة الأخرى المُستعملة في العاميّة المصرية على وجه الخصوص التي ردّدتها، وإستعملتها، وتداولتها، وكرّرتها الجموعُ الغفيرة الحاشدة خلال ريّاح التغييرات التي هبّت على بعض البلدان العربية وفى طليعتها مصر،إذ إنه من المعروف، ومن نافلة القول أنّ هناك بالفعل العديد من الكلمات فى العامّية المصريّة التي ترجع في أثلها إلى أصول غير عربية وفى مقدّمتها كلمات تركية واردة، ووافدة،ودخيلة إستقرّت فى اللسان المصري الدارج، منذ الوجود العثماني فى مصر، ومن الكلمات التي أصبحت أكثر شهرةً، وحضوراً،وإنتشاراً، وتكراراً منذ ذلك الحراك الشعبي التاريخي كلمة البلطجة، أو البلطاجي، أو البلطجية على وجه الخصوص.!
البلطة والبلطجة
كلمة "بلطاجي" ( التي كانت موضوع التساؤل أو الإستفسار ) معناها هو (حامل البلطة)،والبلطة باللغة التركية تعني أداة حادّة للقطع، والبّتر ،والضّرب كان يستعملها في الأصل الحرّاس أو مَنْ يُطلق عليهم في مصر "الشاويش" وهي كلمة تركية الأصل ، والشاويش معناه الحارس الذي عادة ما يكون في خدمة " العُمدة" أو المأمور أو الكمدار، والذي عادة ما يَحمل على كتفه بندقية كبيرة، ويرتدي معطفاً كبيراً سميكاً،وطربوشاً مميّزاً يقيانه لفحة البرد القارص في الليالي الحالكات يُسمّي عندهم "بالبالطو" وكلمة المانطو (الفرنسية)أو البالطو كما ترى قريبة جدّا من كلمة " البلط" و من"البلطاجي" كذلك . و(البلطجية) عادة ما يكونون مأجورين للقيام بمثل هذه الأعمال الشّنيعة من إعتداءات، وتجاوزات، أيّ مرتزقة بمعنى أدقّ. ويقال إنّ النظام المصري إستعملهم خلال الإنتفاضات التي عرفتها أرض الكنانة لفضّ المظاهرات المتكرّرة، والإحتجاجات الغاضبة التي جرت خلال ربيع "الثورة"(!) وخريفها كذلك..!.. وقد أصبحت هذه الكلمة اليوم - كما أشرنا من قبل- تعني الشّخص الذي يقوم بأعمال الشّغب، وإستعمال القوّة والعنف، والهجوم الهمجيّ غير المبرّريْن ،ومن ثمّ فهو مثير للفوضى،والشغب،والتجنّي، والإعتداء بالضّرب ،والتنكيل، والتعذيب، والقتل إن إقتضى الحال ذلك، وهكذا .
كلمات أخرى دخيلة
من المعروف أنه بالإضافة إلى كلمة "البلطاجي" التركية الأصل التي طفت على سطح الألسن بإمعان فى المدّة الاخيرة، هناك كلمات أخرى من هذا القبيل يتمّ إستعمالها،ولَوْكُها، وتكرارها يومياً فى مصر وخارجها مثل الباشا، التي تُستعمل فى معني التوقير والتفخيم، وأصل هذه الكلمة هو "باش" أي الرأس .. وهو لفظ تركي شاع إستعماله كلقب يُمنح لكبار الضبّاط، والقادة وعليّة الأقوام، كما قيل إنّ هذه الكلمة قد تكون تنحدرمن أصل فارسي، وهي مأخوذة من كلمة"باديشاه" وتعني العامل بأمر السّلطان وإلتزامه الطاعة الكاملة والولاء له، كما يُقال إنّها مكوّنة من شقّين إثنين وهي " بادي" التي تعني السّيد و" شاه " التي تعني الحاكم، أو الملك، أو السّلطان، وهناك كلمة الأسطى أو الأسطه ويقال إنّها تحريف ل : (أستا) وهي فارسية دخلت اللغة التركيّة والعربيّة، وتعني الأستاذ، كما قيل إنّها تعني في أصلها الصانع الحِرَفيّ الماهر، وقيل عن أفندي إنها كلمة تركيّة من أصل يوناني إستخدمها الأتراك منذ القرن الثالث عشر الميلادي، وكانت لقباً لرئيس الكتّاب ولقاضي إسطانبول ، وكلمة البازار مُستعملة فى المغرب، وفى البلدان العربية بشكل واسع، بل إنها إستقرّت،وإنتشرت فى بعض اللغات الأوربيّة كالإسبانية،والفرنسية وسواهما،وقيل إنّها كلمة فارسية الأصل، دخلت اللغة التركيّة وتعني السّوق، أوالدكّان الذي يبيع المنتوجات والمصنوعات التقليدية ،وكلمة أُودَة أو أُوضَه بالضاد، هي مُصطلح ينحدر من اللغة التركيّة كذلك يعني الغرفة، وكانت كلمة أفندي لقباً للأمراء أنجال السلاطين، كما كانت كذلك لقباً لرؤساء الطوائف الدينيّة، والضباط، والموظفين،..وهناك كلمات أخرى معروفة ومنتشرة فى العامية المصرية منها : أفندم، وأجزخانة (التي تعني الصيدلية).وكلمة الهانم أو " الخانُم" التي تعني المرأة المحترمة .وكلمة "أبلة" التي تعني الأخت الكبرى في البيت، و" البشباشي" وهي رتبة في الجيش المصري والتي كان يلقّب بها الزّعيم جمال عبد الناصر رحمه الله.
وكلمة "السّمكري" وهو الشّخص الذي يصلح أنابيب، ومواسير، وميازيب المياه .وكلمة "جام " التي تعني الكأس أو الكُوب ومن ثمّ يأتي المعنى المُستعمَل والمُتداوَل الذي إستقرّ في اللغة العربية عندما يُقال :"صبّ عليه جامَ غضبه" أيّ دلق عليه كأسَ غضبه . وكلمة "السّفرة" (بضمّ السّين) التي تعني مائدة التي يؤكل عليها وهي فى الأصل طعام يُتّخذ للمسافر.وكلمة الحنطور التي تعني العربة التي يجرها حصان أو حصانان. وكلمة "المِكوَجي" وهو الشّخص الذي "يكوي" الثوب أو النسيج، أو الأقمشة، أوالألبسة على إختلافها ويُصلحها (ومن ثمّ كلمة "المصلوح" المُستعملة فى العاميّة المغربية) ويجعلها خالية من الانكماشات . وكلمة "القهوجي" المستعملة كذلك في الدارجة المغربية وفى عاميّات عربيّة أخرى، وهي كلمة مركبة من "قهوة" العربية و"جي" التركية العثمانية،وعلى شاكلتها (بوسطجي،وقومسيونجي، وقانونجي، وسفرجي..وسواها) وكلمة "كباب" وهو اللحم المشوي .و"الطاولة "وهي لعبة نرد معروفة في تركيا ومصر والعالم أجمع اليوم .وكلمة "الحلّة" التي تعني " الطنجرة" فى المغرب وفى بعض البلدان العربية الأخرى،إذ حسب تفسيرهم، وتبريرهم سُمّيت كذلك لأنّ الطعامَ يحلّ فيها، وكلمة "عشماوي" التي تعني من يقوم بتنفيذ حكم الإعدام ،وكلمة "حكمدار" وتعني حاكم الجهة أو المنطقة...ناهيك عن العديد من الكلمات الوفيرة الأخرى التي لاحصر ولا حدّ لها .
هل يُصْلِحُ العَطّارُما أفسَدَهُ الدّهرُ؟
تساءل البعض عن الدّواء الناجع لهذه الظاهرة الغريبة للقضاء على شأفة هذه الآفة المخيفة التي إستشرت فى مجتمعتنا، وإنتشرت بيننا إنتشار النار فى الهشيم ..فكيف السّبيل إلى ذلك..؟ وهل يُصلِحُ العَطّارُ ما أفسَدَهُ الدّهرُ؟ وهنا تمثل أمام انظارنا كذلك هذه الكلمة التي تطرّق إليها الحديث كذلك، وهي كلمة "العطّار"، وتجدر الإشارة فى هذا القبيل أنّ العطّار أوعطَّار إسم معروف ومُستعمل ومُتداوَل فى مختلف البلدان منذ قديم الأزمان ،وهو موجود على وجه التقريب فى جميع البلدان العربية ،وهناك العديد من الكتّاب، والشعراء، والشخصيات المرموقة التي تحمل هذا الإسم فى لبنان والمغرب ، فضلاً عن السعودية، واليمن، وتركيا وإيران ،والجزائر، وتونس إلخ..والعطّار فى الأصل يعني - كما هو معروف- : بائع العِطْر أو العطور، أو صانع العِطْر أو العطور، ،ونحن نشتري البُخورَ،وعَرْفَ العُود والندّ من عند العطَّار .
ومن الأمثال المعروفة المأثورة، أو الأقوال السائرة المشهورة :هل يُصلح العَطَّارُ ما أفسده الدّهْرُ (وهو عَجُز من بيت معروف)،يُضرب فيمن يحاول إصلاحَ ما لا يُمكن إصلاحُه. !.. فهل يمكن ردّ البلطاجي، والمعتدي عن غيّهما،وعن تجنّيهما، وعن مروقهما...؟ هيهات..!
و يُطلق العطّار على بائع التَّوابِل ( العطور أو العطرية) كذلك، فنحن نشتري الكمُّون، وباقي التوابل، والبهارات من عند العطّار،والعطّار جاءت فى صيغة المبالغة (فعّال) ويعني كثير العطر أو العطور، وهناك بيت من الشّعر مشهور يقول: ومَن خالط العطّارَ نال من طيبه / ومَن خالط الحدّادَ نال السّوائدا ،أو : ومَنْ خالط العطّارَ فاز بعطره/ ومن خالط الفحّامَ نال سوادَه، وأنور بن سعيد العطار شاعر معروف من سوريا وُلد في (دمشق ) عام 1908 و توفي عام 1972.،وفريد الدّين عطّار شاعر فارسي متصوّف معروف، وممَّيز عاش في القرن الثاني عشر الميلادي. من أشهر أعماله منطق الطير، وهو كتاب ذائع الصّيت، و قد ولد العطار في مدينة نيسابور.
تَسْكُبُ دَقَائِقَ العِطْر..ِ
ويُعرف عادة باسم عطار أوكلمة عطار كذلك بائع الآدويه الشعبية، والتوابل، والعطور، ولكن ميرزا محمد يثبت بأمثلة وجدها في كتابيْ "خسرونامه" و"أسرارنامه" أنّ هذه الكلمة لها معنيً أوسع من ذلك، ويقول أنها أطلقت عليه، لأنه كان يتوليّ الإشراف علي دكّان لبيع الأدوية‌ حيث كان يزوره المرضي، فيعرضون عليه أنفسَهم، فيصف لهم الدواء ويقوم بنفسه علي تركيبه وتحضيره. ولقد تحدّث عن نفسه في كتابيه" مصيبت نامه" و"إلهي نامه" فذكر صراحة بأنه ألفهما في صيدليته أو أجزخانته، "داروخانه" التي كان يتردّد عليها في ذلك الوقت خمسمئة من المرضي، كان يقوم علي فحصهم وجسّ نبضهم. ويقول "رضا قليخان" في كتابه "رياض العارفين" أنه تعلم الطبَّ علي يدي الشيخ مجد الدين البغدادي وهو أحد تلاميذ الشيخ نجم الدين كبري.
و" عطر" جمع : عُطُورٌ، يَفُوحُ عِطْرٌ زَكِيٌّ مِنْ فُسْتَانِهَا ،ومَا يُتَطَيَّبُ بِهِ لِحُسْنِ رَائِحَتِهِ، و يقول عبقريّ بشرِّي ولبنان والعالم بأسره جبران خليل جبران : تَشْربُ قَطَرَاتِ النَّدَى وَتَسْكُبُ دَقَائِقَ العِطْرِ.. !
والعِطْرُ نباتاتٌ ذات رائحة عَطِرَة،زكيّة،عبقة، فوّاحة مثل الخُزامىَ ( ومن غرائب الصّدف التي واجهتنا وفاجأتنا فى هذا المقال أنّ إسم مدينة الحسيمة الجميلة (التي حاقَ ولحقَ بها ما لا تستحقّه من حيف خلال الأحداث المُؤسفة الأخيرة إيّاها الآنفة الذكر) مُشتقّ من (الخزامىَ) وهذه النبتة العطرة الطيّبة الرّائحة) المعروفة ب: (Lavanda) التي يُستخرَجُ منها زيتُ العِطر جمع أَعطار وعُطور : والطّيب ، كلُّ ما يُتَطيَّب به لِحُسْنِ رائحته :- لهذه الوردة عِطرٌ فوَّاح ، زجاجة عِطْرٍ،أو قارورة عطر ،كما يقال فى الأمثال : دقُّوا بينهم عِطْر مَنْشم : يُضرب كرمز إلى الشُّؤم والحرْبِ ،ولا عِطر بعد عروس، وهوَّ تعبير عن الزُّهد بعد فقد عزيز ،وفى المغرب هناك العديد من الأصدقاء الذين يحملون هذا الإسم ومنهم شعراء،ومبدعون ،وهو إسم ينحدر فى الغالب من الأندلس،وهو موجود ومستعمل فى البلدان المغاربية (المغرب ، الجزائر، وتونس) ،ولعلّه من الأسماء الموريسكية التي إستقدمها المُهجّرون، والنازحون قهراً وقسراً وعُنوةً عن الأندلس بعد سقوط آخر معاقل الإسلام فى الأندلس غرناطة عام 1492، إذن فهذا الإسم غير محصور أو مقصور على بلدٍ بعينه كما يبدو ، بل إنه موجود ومنتشر فى مختلف الأصقاع والبلدان.
ونختم هذه العجالة بالأبيات الطريفة التي ورد فيها عَجُز البيت الشّهيرالذي أصبح مثلاً ماثوراً وقولاً سائراً بين الناس ، قال بعضهم:
عجوز تمنّتْ أن تكونَ فتية ** وقد يبس الجنبان واحدودبَ الظهرُ
تروحُ إلى العطّار تبغي شبابَها ** وهل يُصلِحُ العَطّارُ ما أفسد الدهرُ
بَنَيْتُ بها قبل المحاق بليلة ** فكان محاقاً كله ذلك الشّهر
وما غرَّني إلاّ الخضاب بكفّها** وحمرةُ خدّيها وأثوابها الصّفر
أبعد الله عنكم وعنا البلطجة، والبلاطجة، والبلطاجيّين، وجعل أوقاتكم وأوقاتنا عِطراً، وسِحْراً،وذِكْراً طيّباً زكيّا..!.
* كاتب ،وباحث، ومترجم، وقاصّ من المغرب، عضو الأكاديمية الإسبانية - الأمريكية للآداب والعلوم - بوغوطا- كولومبيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.