تلّقت المصالح الأمنية بمدينة المحمدية، منتصف نهار آخر يوم جمعة من شهر ماي الماضي، إشعارا يفيد بحدوث سرقة على مستوى حي النسيم؛ وهو الإشعار الذي دفع المصالح المعنية إلى الانتقال إلى المكان سالف الذكر. حتى هنا تكون الأمور جد عادية، ولم يخطر على بال أحد، بمن فيهم الأمنيون، أن عملية السرقة هاته ستقود إلى اكتشاف قضية تهريب للعملة الصعبة ودخول إدارة الجمارك على خطها باتهامهم بمخالفة قوانين الصرف الجاري بها العمل في المغرب رقة تكشف الخيوط خلال البحث الذي أجرته المصالح الأمنية في واقعة السرقة التي توصلت بها، أكد "م. ك"، الذي يشتغل سائقا لدى مواطن تركي مقيم في الدارالبيضاء يدعى "ك. ر"، أنه تسلم حقيبة من مشغله طلب منه إيصالها إلى مواطن تركي آخر يدعى "ز. س" مقيم بحي النسيم بالمحمدية. على الساعة العاشرة كانت الحقيبة بحوزة صاحبها، حسب تصريحات السائق المغربي للضابطة القضائية، دون أن يعرف ما تحتويه هذه الحقيبة؛ لكنه بعد مغادرته صوب الدارالبيضاء، تلقى إشعارا من مشغله بضرورة العودة إلى التركي الذي تسلم الحقيبة، بعد ادعائه عدم التوصل بالمبلغ الذي كان بداخلها. تضاربت التصريحات بين المواطنين التركيين، إذ أكد مشغل المغربي أنه وضع بالحقيبة ما يناهز 40 ألف أورو و30 ألف دولار، سلمها إلى السائق من أجل إيصالها إلى التركي "ز"، الذي أكد أنه بعد تفتيشها عثر عليها فارغة. وخلال التحقيق، اتهم المواطن التركي "ز" مواطنه "ك. ك" بتسهيل عملية تحويل الأموال من المغرب إلى تركيا، مشيرا إلى أنه اقترح عليه الانضمام إلى مجموعته المختصة في تهريبها عبر مطار محمد الخامس بالدارالبيضاء. حواسيب تستعمل في التهريب خلال عملية البحث مع المواطنين التركيين اللذين تبادلا اتهامات بالسرقة، تبين من خلال التصريحات التي تم الإدلاء بها من لدن "ز.س" أن عملية تهريب العملة نحو تركيا كانت تتم بواسطة حواسيب نقالة يتم دس المبالغ المالية داخلها بإحكام؛ وهو الأمر الذي يجعل الحيلة تنطلي على المراقبين بمطار محمد الخامس وكذا بمطار إسطنبولبتركيا. وحسب ما أكده التركي "ز"، فإنه تكلف بتهريب مبلغ 45 ألف أورو بداية شهر ماي الماضي، دسه بإحكام داخل جهاز حاسوب ليسلمه في إسطنبول إلى شخص يدعى "ع. ك"، كما قام بتهريب المبلغ نفسه، وتكلفت زوجة "ز.س" بإخفاء مبلغ 30 ألف أورو. وفي شهر فبراير الماضي، قام بتهريب مبلغ 50 ألف أورو توصل بها داخل حقيبة لجهاز حاسوب، حيث أعاد الحقيبة كاملة إلى صاحبها فور انتهاء العملية. كما عمل على تهريب 80 ألف أورو بالكيفية ذاتها، وبعدها في شهر أبريل أخفى داخل جهاز حاسوب 120 ألف أورو، حسب إفاداته. شركات للاستثمار أم للتمويه؟ المتابعون في هذا الملف، الذي تنظر فيه المحكمة الابتدائية بمدينة المحمدية والذي وصل مرحلة المناقشة، غالبيتهم أسسوا شركات بعد استقرارهم بالمغرب؛ وهو الأمر الذي يجعل المحامين الذين يدافعون عنهم في هذه القضية ينفون صلة موكليهم بالتهريب، مشيرين إلى أنهم رجال أعمال يستثمرون في البلد ويشغلون العشرات من المغاربة معهم. "ك. ز"، الذي يتهمه مواطنه بتهريب العملة الصعبة، أنشأ فور قدومه إلى المغرب شركة للاستثمار مختصة في إنتاج المضافات الإسمنتية الكيميائية الكائن مقرها بسيدي معروف بالدارالبيضاء، ولها مستودع بالحي الصناعي بمنطقة الشلالات. أما "ز. س"، القاطن بحي الوفاء بالمحمدية، فهو يشتغل منذ قدومه إلى المغرب بشركة للصلب والحديد. وضمن المتابعين في هذا الملف، هناك "ن. ط" ولج المغرب منذ خمس سنوات، وتزوج بإحدى المترجمات، ليؤسس رفقتها شركة تحمل اسمه. أما "ع .ر"، الذي حل إلى المغرب السنة الماضية، فقد أسس رفقة تركي آخر شركة مختصة في بيع واستيراد معدات وآلات التجميل تساعده في تسييرها مترجمته المغربية. وضمن هؤلاء، يوجد أيضا التركي "ع. ك"، صاحب محل لبيع المناديل النسائية والأثواب المستوردة بالمعاريف وسط العاصمة الاقتصادية. اقتراض متبادل البحث، الذي جرى مع المتهمين، كشف، خلاله السائق المغربي، أنه سبق أن سلم أموالا إلى مشغله من لدن مواطن تركي يدعى "ع. ر" يتراوح ما بين 20 ألف دولار و25 ألف دولار، ناهيك عن تسلمه من "ع. ك" صاحب محل لبيع المناديل النسائية والأثواب المستوردة بالمعاريف، مبلغ ماليا بالعملة الوطنية قدر بحوالي 20 مليون سنتيم. كما ذكر السائق اسم مواطن آخر صاحب محل لبيع الأبواب المصفحة، تسلم منه مبلغا يناهز 50 ألف درهم سلمه إلى مشغله. "ن. ط" كشف، خلال البحث معه، أنه سبق أن أقرض مواطنه "ك. ر" مرات عديدة مبالغ مالية تتراوح ما بين 10 آلاف درهم و50 ألف درهم. كما اقترض بدوره مبالغ مالية لم تتجاوز 30 ألف درهم في مناسبتين. أما "ع. ك"، صاحب محل لبيع المناديل، فقد أكد أن "ك. ر" طلب منه إقراضه بعض المال من أجل تغطية نفقات تأجير محل لشركته بلغ 150 ألف درهم ليرجعه له بعد مرور أسبوعين على ذلك. تفاعل مع طفل وسط هذه الأجواء، كان "ز. س" يواجه مرضا خطيرا يتمثل في السرطان يتطلب إجراء عملية جراحية سريعة بإحدى الدول الأوروبية. "ك. ر"، صاحب الشكاية التي يتهم فيها "ز. س" بالسرقة، نفى الادعاءات الموجهة إليه من لدن مواطنه، خاصة ما تعلق بكونه استعان بزوجته لتهريب العملة الأجنبية والتي تصل قيمتها 30 ألف أورو، إذ أوضح أنه تعاطف مع الابن المصاب بسرطان الرئة سبق له أن حوّل لفائدتها –أم الطفل- مبلغا يصل إلى 500 أورو. خلال الجلسة الماضية بالقاعة رقم 1 بمحكمة المحمدية، تفاعلت رئاسة الجلسة مع حالة الطفل بعدما تقدمت المحامية ربيعة زيدوري بطلب السماح لموكلها بالخروج، للوقوف على إجراء عملية جراحية لطفله. ووافقت رئاسة الجلسة على الطلب، حيث أقدمت المحامية ربيعة زيدوري، رفقة عدلين، على زيارة الأب المعتقل، والذي وافق على إجراء العملية لابنه. وحسب المعلومات التي حصلت عليها جريدة هسبريس، فإن العدلين تطوعا إنسانيا دون الحصول على تعويضات مالية من أجل القيام بهذه الخطوة والحصول على إشهاد من لدن الأب التركي، ليتم بعثه إلى السفارة التركية بالرباط من أجل إرساله إلى أسرته. وكانت المحامية زيدوري أكدت، في مرافعتها الأسبوع الماضي، أن الوالد المعتقل يجب أن يحضر إلى المستشفى من أجل العملية ودفع تكاليفها أو السماح له بتوقيع توكيل لمن يثق فيه للنيابة عنه من أجل الإسراع في إجراء العملية الجراحية لفائدة الطفل التركي. وتفاعلت رئيسة الجلسة بسرعة مع ملتمس هيئة الدفاع، إذ دعت إلى تفعيل الإجراءات القانونية من أجل التسريع بالقيام بالعملية لفائدة الطفل المصاب بالمرض الخطير. رفض للسراح المؤقت خلال الجلستين السابقتين واللتين حضر فيهما المتهمون السبعة في حالة اعتقال، أكد عدد من أعضاء هيئة الدفاع، حين تقديمهم ملتمسات السراح المؤقت، أن الملف فارغ ولا حجة بوجود القيام بعمل جرمي عبر تصدير العملات. وأوضح المحامون أن جميع الضمانات متوفرة لحضور المتهمين، خاصة أنهم ممنوعون من السفر وكذا إجراء المراقبة القضائية المُفعّل في حقهم، مطالبين بمتابعتهم في حالة سراح؛ لكن النيابة العامة رفضت ملتمسات هيئة الدفاع، معللة ذلك بغياب ضمانات من أجل منحهم هذا السراح، ليتم تأجيل الملف إلى غاية يوم غد الثلاثاء. وتوافد على القاعة رقم 1، على غرار الجلسة الماضية، عدد من المواطنين الأتراك القاطنين بمدن مغربية، والقادمين من بلدهم لمتابعة هذه الجلسة. يشار إلى أن المتهمين السبعة، ضمنهم سائق مغربي، كان قد جرى إيقافهم من لدن الشرطة القضائية، إذ أظهرت التحريات المنجزة تحت إشراف النيابة العامة عن تحديد ارتباطات المشتبه فيهم بتركيا؛ وهو ما دفع بالسلطات المغربية إلى التنسيق مع نظيرتها التركية ومع الشرطة الدولية "الأنتربول" لإيقاف جميع المشتبه فيهم المتورطين.