يَطرحُ إقدام عشرات أطباء القطاع العام خلال الأسبوعيْن الأخيرين على تقديم طلبات الاستقالة الجماعية من مهامهم أكثرَ من علامة استفهام حول سبب لجوء "أصحاب الوزرة البيضاء" إلى هذا الأسلوب للضغط على وزارة الصحة والحكومة من أجل الاستجابة لملفهم المطلبي، وما إذا كان الهدف من اللجوء إلى الاستقالة الجماعية هو الضغط من أجل "إنقاذ المنظومة الصحية"، أم الضغط من أجل تحقيق أهداف شخصية. المنتظر العلوي، الكاتب العام للنقابة المستقلة لأطباء القطاع العام، لمْ يُخْف أنَّ الأطباء يسعوْن إلى الدفاع عن مصالحهم، وتحسين وضعيتهم وظروف عملهم، وقال في تصريح لهسبريس: "من حق أيّ إنسان أن يدافع عن مصلحته، فلا يُمكن أن يحترق الإنسان مثل الشمعة من أجل خدمة الآخرين دون أن يفكر في نفسه وفي مصلحته"، مضيفا: "نحن أيضا لدينا مسؤوليات والتزامات، ونريد أن نعيش مثل أطباء القطاع الخاص". غير أنّ العلوي أكّد أنّ أطباء القطاع العام الذين وضعوا استقالاتهم على مكتب وزير الصحة لا يدافعون فقط عن مصالحهم، بل عن مصلحة المواطنين في المقام الأول، وأنّ هدفهم الأسمى من هذا الشكل الاحتجاجي هو "تحسين المنظومة الصحية، من أجل توفير جوٍّ يحفظ كرامة المواطنين والأطباء وغيرهم من شغيلة القطاع الصحي العاملة في المستشفيات العمومية". "لو خيّرتنا الحكومة بين تحسين ظروفنا، وبين تحسين وضعية المستشفيات العمومية ليُعالَج الناس في أحسن الظروف ويغادروا المستشفيات وهم راضون، لاخترنا الخيار الثاني"، يقول العلوي، مضيفا: "نحن ليس من مصلحتنا أن نتعرض للاعتداءات من طرف المواطنين بسبب طول المواعيد، وافتقار المستشفيات إلى التجهيزات الضرورية، وقلّة الأطباء والممرضين، فهذه العوامل هي التي تثير غضب المواطنين، فيصبّون علينا جامّ غضبهم، لذلك فالمنطق يقتضي أن ندافع عن مصلحة المواطنين أولا ثم عن مصلحتنا ثانيا". وفي الوقت الذي تتمسّك فيه النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام بالاستقالة الجماعية التي تقدم بها 130 طبيبا ينتمون إليها، أخرجت الحكومة "العيْن الحمْرا" في وجه الأطباء المطالبين بالاستقالة؛ إذ أكّدت رفضها لاستقالتهم، كما جاء على لسان مصطفى الخلفي، الناطق الرسمي باسم الحكومة، الذي قال إنّ استقالة الأطباء تكون فردية وليس جماعية. وقال الخلفي في الندوة الصحافية الأسبوعية عقب المجلس الحكومي المنعقد اليوم الخميس: "الحكومة تتفهم احتجاجات أصحاب البذلة البيضاء، لكنها تُحذر من الاستقالات الجماعية"، مضيفا: "القانون واضح، استقالة الأطباء يجب أن تكون فردية وتخضع لموافقة وزير الصحة ويؤطرها القانون". وحرص الخلفي على التأكيد أنّ الحكومة تتفهم حالة الغليان التي تسود قطاع الصحة منذ شهور، وتنوّه بالمجهود الذي يبذله العاملون في القطاع من أطباء وممرضين وعاملين وتقنيين في الإدارة، مبرزا أنّ الحكومة تتفهم تطلعاتهم وأنها واعية بالخصاص الذي يعاني منه قطاع الصحة على مستوى الموارد البشرية. وفي الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة رفضها للاستقالة الجماعية للأطباء، وتأكيدها ضرورة أن تكون فردية، قال المنتظر العلوي: "الحكومة تريد أن تستفرد بنا، فهي تريد أن تكون طلبات الاستقالة فردية لكيْ تقبل استقالة بعض الأطباء وتَرفض طلبات آخرين، ونحن لن نسقط في هذا الفخ"، مضيفا: "نحن مصمّمون على الاسقالة الجماعية ولن نتراجع عنها إلا إذا استجابت الحكومة لملفنا المطلبي".