تلقّى أعضاء في هيئة الدفاع عن المطالبين بالحق المدني في ما سمي "بأحداث الريف"، باندهاش بالغ واستغراب كبير، خلاصات تقرير منظمة العفو الدولية حول محاكمة المتورطين في تلك الأحداث، التي وصفوها "بالبعيدة عن الموضوعية، والحاملة لشبهة تجزيئ الحماية المقررة لحقوق الأفراد، سواء كانوا ضحايا أو مشتبها فيهم". وقال دفاع الطرف المدني، الذي ينوب عن عناصر في القوة العمومية، إن "مثل هذه التقارير التي تصدر في سياق زمني مازالت فيه المحاكمة مستمرة، ومازالت فيه أطوار التقاضي لم تستنفد جميعها، يعتبر تدخلا سافرا في عمل القضاء، وعاملا مؤثرا على الأوضاع والمراكز القانونية لأطراف الدعوى، خصوصا الضحايا الذين يراهنون على إعمال مبادئ العدالة وعدم الإفلات من العقاب". وأضافت أسرة الدفاع عن الضحايا أن "إمعان منظمات حقوقية في وسم المتجمهرين ومضرمي النار بأنهم محتجون سلميون، وبأنهم قادة بارزون ونشطاء فاعلون في الحراك، هو تغيير للحقيقة وتغليب لرواية دفاع المشتبه فيهم على حساب مصلحة الضحايا في القضية، كما أنه التفاف خطير حول حقيقة الأحداث التي تجسّمت في أشرطة وفيديوهات توثق لإضرام المتجمهرين النار عمدا مع وضع المتاريس في الطرق العامة ومحاولة القتل مع سبق الإصرار والترصد في حق موظفي إنفاذ القانون". "وإذا كان دفاع الضحايا يحترم اختصاص المنظمات الحقوقية في مزاولة مهامها الحقوقية، وإنعاش ثقافة احترام حقوق الإنسان كما هي مقررة عالميا، فإنه يرفض في المقابل استغلال شعار الممارسة الحقوقية بشكل معيب للإضرار بمصالح موكليه، عبر تبخيس إصاباتهم الجسدية وتسفيه معاناتهم من جراء الاختناقات والاحتراقات التي تسبب فيها مرتكبو الشغب والعنف"، يضيف محامو الطرف المدني. وتابع أصحاب البذلة السوداء المدافعين عن المطالبين بالحق المدني أن "تقرير منظمة أمنستي اختلط عليه القانون والواقع، وصار يتحدث عن ساعات التوقيف في الصباح الباكر وغداة الساعة التاسعة ليلا، غير مُفرّز ولا مميز بين ساعات التفتيش القانونية التي يحكمها أجل قانوني محدد، وبين ساعات الضبط والتوقيف التي يتحكم فيها الواقع". كما عاب المصدر ذاته على منظمة "أمنستي" اعتمادها على خلاصات وتقييم لأشخاص لا يُلّمون بالقدر الكافي بالتشريع المغربي، متسائلا باندهاش كبير "كيف يمكن لمنظمة أن تقيّم إجراءات محاكمة قضائية، بيد أن مندوبيها لهذه العملية لا يميزون بين شكليات التوقيف والضبط في القانون المغربي؟ وانبروا يتحدثون عن مذكرة القبض الكتابية التي لا يشترطها القانون المغربي في مرحلة البحث التمهيدي". واستغرب الدفاع استناد "أمنستي" إلى مراجع مواد قانونية غير صحيحة؛ فالتقرير أورد أن المادة 150 من قانون المسطرة الجنائية المغربي تنص على أنه "لا يجوز للعون المكلف بتنفيذ أمر بإلقاء القبض أن يدخل منزلا لضبط متهم قبل الساعة الخامسة صباحا أو بعد التاسعة مساء"، والمفاجأة الكبيرة هي أن هذه المادة لا تتضمن هذا البند نهائيا، وإنما جاء فيها: "إذا تعذر العثور على المتهم الصادر ضده أمر بالإحضار، فإن السلطة المكلفة بالتنفيذ ترجع هذا الأمر إلى قاضي التحقيق مرفوقا بمحضر يثبت عدم العثور عليه". "هل الأمر هنا يتعلق بمجرد خلط غير مقصود في المراجع القانونية أم إنه إمعان في توظيف القانون بسوء نية للإضرار بجهة ما؟ يتساءل مستغربا دفاع المطالبين بالحق المدني، قبل أن يستطرد بأن المقتضيات القانونية المستدل بها وردت في المادة 157 من قانون المسطرة الجنائية، وليست في المادة 150 الواردة بشكل خاطئ في التقرير. وزاد بأن هذه المقتضيات الأخيرة تتحدث عن "الأمر بإلقاء القبض الصادر عن قاضي التحقيق"، أي عندما تصل الدعوى الجنائية إلى مرحلة التحقيق الإعدادي، بيد أن المزاعم التي تتحدث عنها منظمة أمنستي بخصوص معتقلي أحداث الحسيمة كانت مازالت في مرحلة البحث التمهيدي، أي أثناء البحث الذي يباشره ضباط الشرطة القضائية، والذي يخضع لإجراءات مسطرية وشكليات قانونية خاصة تختلف عن تلك المستدل بها عن جهل أو عن عمد مقصود. وطالب دفاع المطالبين بالحق المدني منظمة "أمنستي" بأن تراجع أوراقها وخلاصاتها في هذه القضية، لأن التحقيق الإعدادي شيء والبحث التمهيدي شيء آخر، وإجراءات الأمر بإلقاء القبض في المرحلة الأولى تختلف تماما عن شكليات التوقيف والضبط في المرحلة الثانية، سواء في الشكليات أو المساطر. فالأمر بإلقاء القبض هو إجراء قضائي وتدابير التوقيف والضبط هي من صلاحيات الشرطة القضائية. كما استعرض الدفاع العديد من المؤاخذات التي قال إن منظمة العفو الدولية وقعت فيها عند تعليقها على مجريات المحاكمة، من قبيل زعمها التأخر في اتصال المشتبه فيهم بمحاميهم، وهي النقطة التي قال دفاع الطرف المدني إن القانون هو وحده الذي يحدد آجالها ومددها الزمنية وليس ضباط الشرطة القضائية. واستغرب الادعاءات القائلة بأن المتهمين تمت مؤاخذتهم بناء على اعترافات منزوعة تحت الإكراه، والحال أن النيابة العامة قدمت أشرطة وتسجيلات ومكالمات تثبت تورط المتهمين في تخريب الممتلكات العامة والخاصة وتعريض الضحايا من عناصر القوة العمومية لجرائم خطيرة تقع تحت طائلة القانون الجنائي. ولم يفت المصدر ذاته تذكير "أمنستي" بأن المحاضر والتقارير التي ينجزها ضباط الشرطة القضائية في الجنايات، كما هو الحال في قضية المتابعين في أحداث الحسيمة ونواحيها، تكتسي صبغة غير ملزمة ولا آمرة لقضاة الحكم، وإنما هي مجرد بيانات للاستئناس فقط، وهي المسألة التي كان المشرع المغربي صريحا بشأنها واستقر عليها أيضا اجتهاد محكمة النقض. وأعربت هيئة دفاع المطالبين بالحق المدني، في ختام التعقيب على تقرير "أمنستي"، عن استيائها الشديد "من تجاهل تصريحات الضحايا ودفاعهم، والاقتصار على تصريح مجزئ لأحد أعضاء دفاع الطرف المدني وهو الأستاذ محمد الحسيني كروط، الذي تم توظيفه في سياق مكتنف باللبس مما أفقده مبتغاه ومضمونه". وشدد الدفاع في الأخير على أنه بصدد إعداد تقرير شامل وتعقيب وافٍ على مزاعم المنظمة التي قال إن "سياقها الزمني ومضمونها يخدمان، أو أريد لهما أن يخدما، مصلحة طرف على حساب آخر في دعوى مازالت سارية أمام القضاء، وهو ما يعتبر تدخلا وتوجيها للعدالة وإجحافا في حق الضحايا".