وزارة الداخلية تطلب من الأحزاب تقديم اقتراحاتها حول التحضير للانتخابات القبلة قبل نهاية شهر غشت    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني تعبر عن ارتياحها لتنامي الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية المستقلة        السكتيوي: الفوز على أنغولا مفتاح البداية القوية وهدفنا هو اللقب    تنزانيا تفتتح مشوارها في "الشان" بفوز مستحق على بوركينا فاسو    تفاصيل الاتفاق الاستراتيجي بين الرجاء و"Ports4Impact".. شركة رياضية جديدة برأسمال 250 مليون درهم    التصفيات المؤهلة ل"أفرو باسكيط" 2025-أقل من 16 سنة : المغربيات يتفوقن على التونسيات ينتيجة 68-50        رسالة نشرتها صحيفة The Guardian البريطانية: سيادة المغرب على الصحراء تحظى بدعم دولي وشعبي واسع.. والبريطانيون يجددون الموقف التاريخي    حبس وغرامات ثقيلة تنتظر من يطعم الحيوانات الضالة أو يقتلها.. حكومة أخنوش تُحيل قانونًا مثيرًا على البرلمان        ميمون رفروع يطلق أغنيته الجديدة "ثبرات" ويعيد الروح للأغنية الريفية    مدريد تتجه لإسقاط السرية عن أرشيفها.. وتوقعات بالكشف عن ملفات تاريخية حساسة مع المغرب    رسالة من ترامب إلى الملك: "الولايات المتحدة الأمريكية تعترف بسيادة المغرب على الصحراء"    3 قتلى في حادث بالطريق السيار    مقتل 21 فلسطينيا بنيران جيش إسرائيل    نادي المحامين بالمغرب ينتقد "انتهاكات قانونية جسيمة" في متابعة حكيمي        "حماس" ترفض نزع سلاح المقاومة    حادثة سير مروعة قرب سطات تخلف ثلاثة قتلى وطفلين مصابين    خريبكة تحتفي بمونية لمكيمل في الدورة العاشرة لمهرجان الرواد    مهدي فاضيلي يزيل الستار عن "ساريني"        بورصة الدار البيضاء تغلق الأسبوع على ارتفاع ب0,85% في مؤشر "مازي"    بطولة العالم للألعاب المائية: السباحة الأمريكية وولش تحرز ذهبية 50 متر فراشة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    صادرات قطاع الطيران بالمغرب تتجاوز 14 مليار درهم    الداخلية تُؤكد التزامها بضمان نزاهة وشفافية الانتخابات القادمة        "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    تقرير: الدار البيضاء تصعد إلى المرتبة 431 ضمن المدن العالمية.. ومراكش تسجل أدنى تقييم وطني في رأس المال البشري    صحيفة صينية: المغرب نفّذ إصلاحات منهجية موجهة نحو المستقبل بقيادة الملك محمد السادس    خبراء "نخرجو ليها ديريكت": الخطاب الملكي يعكس الرؤية الملكية الحكيمة    أعضاء بمجلس الشيوخ الأمريكي: المغرب الحليف العريق والشريك "الأساسي" للولايات المتحدة    المغرب يعزز الأمن السيبراني لمواجهة التهديدات الرقمية المتصاعدة    فضيحة أخلاقية تهز جماعة أركمان والناظور بعد تداول فيديو صادم    بعد أشهر من الانتظار.. انطلاق أشغال الطريق المنهار بين الحسيمة وتطوان    سون هيونغ مين يعلن رسميا رحيله عن توتنهام    مجلة أجنبية تشيد بجمال وتنوع المغرب السياحي    الدار البيضاء .. نجوم العيطة يلهبون حماس عشاق الفن الشعبي        نجم البحر يهدد الشعاب المرجانية في جزر كوك    مبابي مدافعا عن حكيمي: أشرف يحترم النساء حتى وهو "سكران"    كيوسك السبت | استثمار إسباني كبير لتحلية المياه والطاقة الريحية بالمغرب    نيوزيلندا تفرض رسوما على زيارة الأجانب للمواقع السياحية الأكثر شعبية    المغرب، بقيادة جلالة الملك، نف ذ إصلاحات منهجية موجهة نحو المستقبل (صحيفة صينية)    في رحيل زياد الرّحْباني (1956-2025) سيرةُ الابْن الذي كَسَّر النَّاي .. ومَشَى    سباق الذكاء الاصطناعي يدفع عمالقة التكنولوجيا إلى إنفاق 344 مليار دولار    بلجيكا.. اطلاق نار على مراهق في مولنبيك        دراسة: مشروب غازي "دايت" واحد يوميا يرفع خطر الإصابة بالسكري بنسبة 38%    دراسة تُظهِر أن البطاطا متحدرة من الطماطم    التوفيق: كلفة الحج مرتبطة بالخدمات    بعد فصيلة "الريف" اكتشاف فصيلة دم جديدة تُسجّل لأول مرة في العالم    ما مدة صلاحية المستحضرات الخاصة بالتجميل؟    في ذكرى عيد العرش: الصحراء المغربية وثلاثة ملوك    تطوان تحتفي بحافظات للقرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من الموت إلى الحياة .. قصص انعتاق مغاربة من ويلات التطرف

لا تهْدَأُ نظراتُه المتوثبة والحذرة، وقبلَ أن يُوافقَ على مشاركتنا أطوار قصّته، طلب أن نُسجّلَ الحلقة بعيداً عن أعينِ النّاس واختارَ منتزها مهجورا وسطَ مدينة فاس. بعد سَنواتٍ من الانزواء عن الأضواء، اختارَ المواجهة. عبد العالي المجاهدي، المعتقل السّلفي الجهادي، أقْبَل إلى فريق هسبريس وهو يَرْتدي لباساً رياضياً لإحدى الفرق الإسبانية المعروفة، مُستمتعاً بآخر أغاني "الشاب خالد".
يعترفُ المجاهدي (40 سنة) الذي قضى أكثر من 10 سنوات سجنا في أعقابِ الهجمات الإرهابية التي طالت الدار البيضاء يوم 16 ماي 2003، بأنّهُ كان ضحيّة استقطابٍ حادٍّ شهدته أحياء مدينة فاس خلال بداية الألفية الثّالثة؛ بحيثُ انضمَّ إلى مجموعة شملت أبرز قادة السلفية الجهادية بالمغرب، وأدين لعلاقة أفاد بها للمحققين روبير ريشارد، وهو متورّط رئيس في أحداث 16 ماي.
الخطب النّارية
بدايةُ القصّة كما يرْويها المجاهدي لجريدة هسبريس الإلكترونية كانت عندما التحقَ الشّاب العشريني آنذاك، المعروف وسطَ أقربائهِ بحسنِ أخلاقه والتزامهِ الدّيني، بإحدى المساجد التي كانَ يخطبُ فيها الشّيخ "أبو حفص" خلال بداية سنة 2001، حيث "كان الخطباء يتحدّثون بقوّة وحماس رهيبين، وحدث أن أصبحَ جميعُ الشّبابِ مُلتزماً".
"فكان منّا من يكفر أباه أو أمه أو أخاه أو أخته لأنه لا يُصلي، ونتج عن ذلك أن بعض الشباب تركوا بيوت آبائهم وأمهاتهم لأنه لا يجوز البقاء مع الكافر ولا مشاركته الأكل"، يقول المعتقل السّلفي في وصف الأجواء التي سبقت أحداث 16 ماي الإرهابية.
خلال تلكَ السّنوات، صعّد الشّيخُ "أبو حفص" من لهجتهِ ضدّ "كفّار الغربِ وأمريكا"، "ما زلتُ أتذكر يوم كان الشيخ أبو حفص يشرحُ متن الرّسالة في الفقه بإحدى دور القرآن بسيدي بوجيدة بفاس. أتذكر كيف انتقل بعد الهجوم الصليبي على إمارة طالبان الإسلامية بأفغانستان إلى باب الجهاد من الرّسالة"، يروي المجاهدي.
خلال الأعوام الأولى من الاسْتقطاب، لم يكن المجاهدي مُؤمناً بشيء آخر غير "الجهاد في سبيل الله"، تبنّى فكر الغلاة والتّطرف وأصبح أكثر عنفاً وسطَ محيطهِ، وكانت هذه الأفعال نتيجة حتمية للخطب النّارية التي كان يُلقيها الشّيخ أبو حفص، "فذات مرّة، في شرحه لصحيح البخاري الذي كان يُلقيه بدار القرآن بحي لابيطا الدكارات، انتقل من كتاب الإيمان إلى كتاب الجهاد".
الاعتقال والسّجن
بعد الاعتقال، تمّت إدانة المجاهدي في ملف ما يعرف بالسلفية الجهادية، وحكم عليه بعشر سنوات سجنا نافذا، قضاها كلّها في سجنٍ خاصّ بالسّلفيين الجهاديين في مدينة سلا، بتهمة الانضمام إلى جماعة متطرفة تحت قيادة الفرنسي روبير ريتشارد، بالإضافة إلى تهم "صناعة المتفجرات والتخطيط لأعمال إرهابية تمس منشئات الدولة وأماكن عمومية ومبايعة محمد مولى عمر، أمير طالبان".
ونظراً لبنيته الجسدية القوية وقدراته الرّياضية الخارقة، اتّهم القضاء المغربي المجاهدي بكونه المدرّب العسكري لخلايا الإرهاب، "وهي تهمة استغربت منها أشد الاستغراب إلى حد الضّحك من شدّة هوْلها في وجه رئيس المحكمة، حتى قال لي في تعجب: كتضحك منا علاه حنا قرودة، أجبته قائلا: حاشا لله، لكنها تهمة لم أرها إلا في الأفلام الهوليودية".
"بعدها تمت تبرئتي من أحداث 16 ماي 2003 حين مواجهتي بالفرنسي روبير، لكن استغربت بعد إرجاعي إلى سجن عين قادوس بمدينة فاس بإعادة المحاكمة، وتم الحكم عليّ ب 10 سنوات سجنا نافذا"، يستطردُ المعتقل الإسلامي السابق.
"وبعد خروجي من السّجن، انخرطت في العمل السياسي والحياة العامة، لكن بعد اعتقال أحد الشباب الذي كان ينوي الذّهاب إلى سوريا والانضمام إلى جماعة متطرفة، وُجد رقم هاتفي ضمن لائحة أرقام هاتفه، فتم اعتقالي مجددا بطريقة مفاجئة على أساس إرسال الشباب لداعش، ولم أكن يوما أحمل الفكر الداعشي لا من قريب ولا من بعيد، يتابع المتحدث ذاته.
عن مرحلة السّجن، يحكي المجاهدي قائلا: "زدنا غلواً في غلو داخل السُّجون المغربية، والتقينا بأفراد من جماعات متطرفة من الشيشان والبوسنة والهرسك وأفغانستان ونخبة من الجهاديين والمتطرّفين". وقد عانى المعتقل الإسلامي ويلات الفكر المتطرّف بحيث كانت أفكار القتل والعنف والانتقام حاضرة بقوة في النّقاشات مع باقي السّجناء، فقد "كنا نفكّر في القتال. كان تفكيرنا مصمّم على القتال فقط"، على حد تعبيره.
المراجعة
بداية المراجعة الفكرية انطلقت عقب أحداث 11 مارس 2007 الإرهابية، بحيث أصدر الشّيخ أبو حفص نداء إلى "شباب الأمة" من المعتقلين السلفيين يحثهم على إدانة الأعمال التخريبية، كما صاغ وثيقة مرجعية تحت عنوان "أنصفونا" قدمها "منتدى الكرامة" في مارس 2010.
انخرط المجاهدي في هذه الدّينامية من داخل السّجن، ووصل إلى حقيقة بديهية أنّ شيوخ السّلفية الجهادية همّهم الوحيد هو حبّ الظّهور والشّهرة وجمعُ الأموال. يقول: "راجعنا أفكارنا داخل سجن عين قادوس بعد مرور 6 سنوات على الاعتقال، وقد لعبَ مدير السجن دوراً كبيراً في تخلّصي من أفكار التطرّف، بحيث كان يستقبلني كل يوم الجمعة في مكتبهِ".
قاد المعتقل الإسلامي من داخل السّجون المغربية تياراً معتدلا يضمّ السّلفيين ومعتقلي العقيدة، وعمل على استقطاب "الدَّواعش" داخل السُّجون وتأطيرهم بحيث أصبحوا يتبنون الفكر الوسطي المعتدل، وهكذا أصبح المجاهدي منسقاً وطنياً للتيار السلفي الإصلاحي، الذي استفاد من دروسهِ أزيد من 400 معتقل متطرّف.
يقول المجاهدي إنّ "التيار السلفي الإصلاحي الذي يتأصل في تفكيره على الكتاب والسنة يقوم على مبدأ الحوار واحترام الرأي الآخر ورفض إقصاء المخالف ونبذ ثقافة التكفير وتقييم ما فات من خلال ما هو منهجي والمصالحة مع الذات من خلال سير المنظومة السلفية، وتقييم الأخطاء والدفع بعجلة الإصلاح وإعادة التربية وتقويم السلوك بالمنهج الرباني".
ويستطردُ المعتقل الإسلامي بأن "التيار السلفي الإصلاحي يعتمد إيجاد أجوبة عن الأسئلة المطروحة بالتمسك بالكتاب والسنة واجهتها العقل، ويرنو إلى المصالحة الشاملة لكي نستطيع الانفتاح والحوار بضوابط شرعية حتى يحدث الانسجام مع مجتمعنا الذي نعتبر أنفسنا جزءا منه، وذلك بخلاف النظرة السابقة المتطرفة".
مشروع جهادي متكامل
بدأ المعتقل الإسلامي السّابق هشام حمزي، الملقب ب"أبو جابر"، التزامه الدّيني خلال سنة 1999. لم يكن ابن فاس يريدُ أن يكون كباقي الإسلاميين؛ فقد "كنت أريد أن أكون متميّزاً، ولذلك ذهبتُ إلى ضواحي فاس لدراسة القرآن وحفظه. بعد أحداث 11 شتنبر انتقلت إلى فاس من أجل القراءة لدى أحد الشّيوخ".
يعترفُ حمزي المرتبط بملف 16 ماي 2003 وخلية الجهادي الفرنسي ريتشارد روبير بأنّ "موجة الاستقطاب كانت كبيرة قبيل تفجيرات الدار البيضاء، وقد كنت ضحية للسّلفية الجهادية".
ومن بين الدّروس التي كان يلقيها الشّيوخ في مجامعهم، يحكي حمزي، تأكيدهم أن "من لم يهتمّ لأمر المسلمين فهو ليس منهم. كانوا يحمّسوننا على الجهاد (...) ومن أراد أن يركب سفينة النجاة فعليه أن يلتحق بركب الجهاديين، وإن لم يستطع، فعليه أن يكون على تصورهم وأفكارهم".
ويتابع حمزي: "كانوا يعرضون أشرطة أفغانستان وسيف الإسلام خطاب في الشّيشان. بعد مدة من التعمق في الفكر الجهادي، تم اختياري للانضمام لإحدى الخلايا التي يقودها الفرنسي روبير ريتشارد أنطوان، الذي شارك في الجهاد الأفغاني وكان يقول لنا إنه التقى بنلادن. وكان في معسكر الأسود الخالدة في أفغانستان. كنا نسعى إلى تنزيل مشروع جهادي متكامل في المغرب".
بعد أحداث 16 ماي 2003، يسترسل المتحدث، "كنا نعدُّ لمشروع جهادي كبير في المغرب. ولما اهتزت الدار البيضاء تم التعرف على الخلية التي أنتمي إليها وتم اعتقالي ووضعي في معتقل تمارة الرّهيب، وتم الحكم عليّ بعشر سنوات سجنا نافذا".
دينُ الله
"بعد الاحتكاك بمجموعة من السلفيين الجهاديين، سواء من لهم علاقة مباشرة بأحداث 16 ماي أو السلفين الذين خاضوا المعارك في أفغانستان والبوسنة وغيرهم، ظهر لي جليا مدى هشاشة الفكر الجهادي المتطرف وأنه لا يتوافق مع العقل السليم ولا يجيب على أسئلته، فقررت مراجعة كل الأفكار المتطرفة، مما أدى بي إلى تصادم مع ذوي الفكر المتشدد"، يعترف حمزي.
ويضيف: "كانوا يقدمونني للصلاة داخل السّجن، ومع مرور الوقت اتضح لي أنّ هذا التيار فقير وقررت أن أراجع أفكاري من بدايتها إلى نهايتها، وتيقّنتُ أنّ كل ما يتنافى مع القرآن ليس ديناً. الأحاديث لم تعد قدسية وبعض المفاهيم من قبيل القتل وبعض الآيات الداعية إلى الجهاد، لأنّ مراد الله ليس القتل والهدم".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.