البرلمان يستدعي رئيس الحكومة لمساءلته حول حصيلة التنمية في الصحراء المغربية    لفتيت: لا توجد اختلالات تشوب توزيع الدقيق المدعم في زاكورة والعملية تتم تحت إشراف لجان محلية    العالم يترقب "كوب 30" في البرازيل.. هل تنجح القدرة البشرية في إنقاذ الكوكب؟    انطلاق عملية بيع تذاكر مباراة المنتخب الوطني أمام منتخب أوغندا    الركراكي يستدعي أيت بودلال لتعزيز صفوف الأسود استعدادا لوديتي الموزمبيق وأوغندا..    الدكيك: المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة أدار أطوار المباراة أمام المنتخب السعودي على النحو المناسب    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    زايو على درب التنمية: لقاء تشاوري يضع أسس نموذج مندمج يستجيب لتطلعات الساكنة    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين بالمغرب    العيون.. سفراء أفارقة معتمدون بالمغرب يشيدون بالرؤية الملكية في مجال التكوين المهني    احتجاجات حركة "جيل زد " والدور السياسي لفئة الشباب بالمغرب    حسناء أبوزيد تكتب: قضية الصحراء وفكرة بناء بيئة الحل من الداخل    مؤسسة طنجة الكبرى: معرض الطوابع البريدية يؤرخ لملحمة المسيرة الخضراء    هنا المغرب    وفد قضائي وطني رفيع يزور جماعة الطاح بطرفاية تخليداً للذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء واستحضاراً للموقع التاريخي للملك الراحل الحسن الثاني    لقاء الجيش و"الماص" ينتهي بالبياض    تراجع عجز السيولة البنكية إلى 142,1 مليار درهم    تتويج المغربي بنعيسى اليحياوي بجائزة في زيورخ تقديرا لالتزامه بتعزيز الحوار بين الثقافات    بنكيران: "البيجيدي" هو سبب خروج احتجاجات "جيل زد" ودعم الشباب للانتخابات كمستقلين "ريع ورشوة"    نبيل باها: عزيمة اللاعبين كانت مفتاح الفوز الكبير أمام كاليدونيا الجديدة    "أونسا" ترد على الإشاعات وتؤكد سلامة زيت الزيتون العائدة من بلجيكا    الدار البيضاء تحتفي بالإبداع الرقمي الفرنسي في الدورة 31 للمهرجان الدولي لفن الفيديو    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    المنتخب المغربي الرديف ..توجيه الدعوة ل29 لاعبا للدخول في تجمع مغلق استعدادا لنهائيات كأس العرب (قطر 2025)    كرة القدم ..المباراة الودية بين المنتخب المغربي ونظيره الموزمبيقى تجرى بشبابيك مغلقة (اللجنة المنظمة )    أسيدون يوارى الثرى بالمقبرة اليهودية.. والعلم الفلسطيني يرافقه إلى القبر    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    حماس تدعو الوسطاء لإيجاد حل لمقاتليها العالقين في رفح وتؤكد أنهم "لن يستسلموا لإسرائيل"    بأعلام فلسطين والكوفيات.. عشرات النشطاء الحقوقيين والمناهضين للتطبيع يشيعون جنازة المناضل سيون أسيدون    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    حصيلة ضحايا غزة تبلغ 69176 قتيلا    توقيف مسؤول بمجلس جهة فاس مكناس للتحقيق في قضية الاتجار الدولي بالمخدرات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مديرة مكتب التكوين المهني تشتكي عرقلة وزارة التشغيل لمشاريع مدن المهن والكفاءات التي أطلقها الملك محمد السادس    عمر هلال: اعتراف ترامب غيّر مسار قضية الصحراء، والمغرب يمد يده لمصالحة صادقة مع الجزائر    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الرئيس السوري أحمد الشرع يبدأ زيارة رسمية غير مسبوقة إلى الولايات المتحدة    مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    دراسة أمريكية: المعرفة عبر الذكاء الاصطناعي أقل عمقًا وأضعف تأثيرًا    إنفانتينو: أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي    "حماس" تعلن العثور على جثة غولدين    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المارشال ليوطي أو مولاي إدريس الثالث
نشر في هسبريس يوم 07 - 07 - 2008

نشب مؤخرا نقاش بين طرفين على صفحات إحدى الجرائد. واحد ينتصر للسلالة العلوية والآخر ينتصر للسلالة الإدريسية ويعالج العداء المستحكم بينهما. ويعتبر الجو الذي يتم فيه النقاش مظهرا من مظاهر ذلك العداء. ومساهمة منا في هذا النقاش نود من خلال هذه المحاولة المساهمة في وضع بعض النقاط على بعض الحروف ونترك للزمن والصمت أن يضعا النقاط الأخرى على الحروف الأخرى. مساهمتنا هذه بوصلتنا فيها شيئان إثنان؛ أولهما هو الشعار الذي رفعته الحركة الثقافية الأمازيغية والذي هو إعادة كتابة تاريخ المغرب باستعمال العقل النقدي والناقد استنادا على الملاحظة والوقائع وليس استنادا على الأوهام وأفكار المنتصر سياسيا. ثانيهما إنني أمازيغي ليست لدي مشكلة مع النسب لأنني ابن هذا البلد لم آته لا من الشرق ولا من الغرب. ""
وأول هذه الملاحظات هو أنني كمواطن أمازيغي لم يسبق لي إطلاقا أن سمعت أو قرأت في الإعلام العربي أو المغربي أن أحدا في شبه الجزيرة العربية، مهبط الوحي وموقع الأماكن المقدسة والمطهرة، يحمل اسم مولاي. فأنا لم اسمع مثلا مولاي سعيد الصحاف أو مولاي مقتدى الصدر أو مولاي سعود الفيصل. كما لم أسمع أن هناك تنافسا بينهم عمن هو اقرب إلى ذرية الرسول، لأنهم يعرفون أن الرسول لم ينجب سوى الإناث، وأن الإناث ناقصات دينا وعقلا حسب رسالة الرسول نفسه. كما أنه لم يسبق لي أن سمعت أن هناك في الدنيا بلدا كبيرا يسمى نسبة إلى عائلة غير السعودية حيث تسمى المملكة العربية السعودية نسبة إلى آل سعود. فأنا لم أسمع مثلا الإعلام يتحدث عن جمهورية مصر المباركية –نسبة لحسني مبارك-أو جمهورية فرنسا الشيراكية –نسبة لشيراك-أو الولايات المتحدة الأمريكية البوشية...أو الجمهورية الجزائرية البوتفليقية...
على العكس من هذا عشت وعاينت وعانيت من أنه في المغرب وحده، ورغم كونه ليس أرضا مقدسة ولا مهبطا للأنبياء والصالحين-على حد فهمهم طبعا-ورغم كونه البلد الذي يبعد جغرافيا عن الأراضي المطهرة وسلالات الأنبياء و الدماء، نجد أنه البلد الوحيد الأشد حرصا على تبرير السيادة السياسية بالانتماء إلى عائلة الرسول... إنه الشرط الذي يجعل القبائل الأمازيغية تهدأ، وتقبل بالناطق الرسمي الواحد باسم هذا البلد. إنه الشرط الذي يجعل الأمازيغ شعبا لا يحكم إلا بمن له علاقة بالرب. إنه الشعب الذي لن يحكم إلا من طرف الرب، و لذلك وجب إيجاد تخريجة الانتساب إلى الرب من خلال أنبيائه. إنه الحل الأنسب ليركع من لا سيد قبله؛ مازغ. ومن لا سيد بعده؛ أبناؤه. ولذلك تجد الكثير من الأسماء التي تحمل صفة الشرف هذه والتي تميز بين مغربي شريف ومغربي غير شريف.
ورغم هذا الحرص في إثبات القريشية لدى السلطة المغربية فان الوفاء للدين بالفهم القريشي المتشدد والمظهري طبعا، وبالشكل الذي يمارس به في بلاد الأنبياء أنفسهم لا تعكسه السياسة الإعلامية للمغرب. إذ يكفي الانتباه إلى أن المغرب هو البلد الذي تكتفي فيه التلفزة بالإعلان عن الصلاة بالكتابة أسفل الشاشة حتى لا يتم توقيف النقل المباشر لمقابلة في كرة القدم. أما فيما عدا ذلك فيتم توقيف البرنامج أو الفيلم أو الأغنية المقدمة إلى حين الإفراغ من إذاعة الأذان للصلاة. إي أن الوفاء للاسترسال في النقل المباشر لكرة القدم أولى من الوفاء للإعلان للصلاة بالصوت والصورة. وهذه واحدة من ملاحظات عديدة تكشف عن اللاشعور المغربي وكيفية تعامله مع السياسة و الدين وقضايا الإخوة والجيران. وهي واحدة كذلك من المعايير التي بها يمكننا أن نقيس كيفية تصرف السلطة و أحزابها في لحظات القوة والضعف. فإذا تحدثوا عن الماضي وفي إطار إثبات الشرعية الدينية للأدارسة أو العلويين تنافسوا في من جاهد الكفار وأفضلية بعضهم عن بعض في ذلك. وأما إذا تحدثوا في الحاضر بادروا إلى تسمية الجهاد ضد الكفار إرهابا. وهو ما لا يمكن أن يقبله عقل متزن اتزان النص السني والقرآني. ذلك أن المجاهدين/الارهابيين قديما لم يكونوا يرمون الكفار/السباقين إلى توحيد الإله بالزهور والورود. وإنما كانوا يحاربونهم بالسيوف و لوسائل المتاحة آنذاك، وعادة قطع الرؤوس العربية الفظيعة كلما اقتضي الأمر الانتقام لفظاعة السيطرة الغربية الطويلة الأمد على دول الجنوب التي تساوى فيها الفرس و العرب واليهود والمصريون والأمازيغ آنذاك. فالعالم لن ينسى الرومان. وحتى الله خصهم بآية من قوله الخالد وهي سورة الروم..
هؤلاء الشرفاء الذين يتموقفون حاليا مما يسمونه إرهابا بمعية كفارهم، لا زالوا يتحدثون في كتبهم وأشعارهم عن ضياع شيء اسمه الأندلس. والواقع أن الأندلس لم تضع من بين أيديهم وأن التسمية الحقيقية هي تحرر الاندلس، مثلما كاد الريف أن يعود إلى حظيرته الطبيعية بإعلان الجمهورية الريفية بقيادة عبد الكريم الخطابي. فالأندلس عاد إلى حظيرته الطبيعية وتحرر من هيمنة قوة جنوب متوسطية دفعتها ظروف تجارية دولية في صالحها آنذاك إلى التوسع شمالا. ومع انتفاء تلك الشروط المادية تراجع الزحف إلى حدوده الطبيعية. بل تعداه إلى إقامة قلع في ارض الجنوب تحسبا لأي عودة لأهله إلى الضفة الشمالية. وكانت سبتة ومليلية المغربيتان الأمازيغيتان شاهدتين على الإحساس بضرورة اليقظة المستمرة تفاديا لما وقع. وما وقع كان رائده طارق ابن زياد الأمازيغي الذي لا هو علوي ولا ادرسي.. أليس الأجدى فعلا لحفدة الرومان أن يتركوا هذه الأرض الموحشة في يد البدو العرب على أن يعترفوا بوجود جمهورية ريفية أمازيغية في شمال إفريقيا. فاعتراف دولي بهذا الأمر سيغير ميزان القوى الدولي و سيجعل الحوض المتوسطي تحت رحمة ”البربر“ المغاربة الذين ركعوا ثاني أكبر الامبراطوريات بعد الرومان ألا وهم الأتراك العثمانيون الذين اضطروا إلى عقد اتفاقية مغنية لاحترام الحدود بين العثمانيبن والسعديين الذين تحولوا بقدرة غادر ماكر إلى عرب شرفاء في المقررات الدراسية، رغم أنهم أمازيغ من المغرب العميق...
من ذا الذي يستطيع تحمل جمهورية أمازيغية ريفية في الوضع الحالي للعلاقات الدولية؟ فلا أهل فاس الإدريسيون ولا الأسبان ولا الفرنسيون يتحملون ذلك. وعليه فما عليه إلا الدمار للريف ولعبد الكريم. لهذه الأسباب ولأسباب أخرى موغلة في القدم وفي العقل البشري وفي إرادة الرب الأمازيغي ترانا اليوم نكابد في نقاش من ينتصر لأبناء إدريس أو لأبناء علي... مضيعة لوقت الرب واستهلاك لذكورية العرب واستنزاف لزمن الأمازيع... و لكن، و مع ذلك لابد لنا أن نمر من هنا كي لا يبقى في البلد بشر شريف وآخر غير شريف.
قلنا إذن إنه في المغرب، لابد كي تحكم المغرب و“البرابرة“ أن تكون من سلالتي النبي: ادرسي آو علوي. وفي الحالات الشاذة—بمعنى الحالة الثورية – أن تكون مهديا منتظرا؛ إي أن تستمد المصداقية من نفسك. وحيث إن المهدي المنتظر يرد بصيغة المفرد، فبعد رحيله تقع العودة إلى الفوضى، ولن يصلح ما بين ذوي القربى سوى قريب مسالم يبتعد من القربى بالحياد. والحياد ها هنا لن يكون سوى إنسان آت من بعيد، بعيد في الزمان و المكان وقريب إلى دواخلنا أقرب ما يكونه الرب.. لن يكون سوى إدريسيا آو علويا، أبناء الرسول محمد بالتزاوج، لأن الأنبياء انتبهوا من قديم لأمميتهم وكانوا بدون آباء آو أبناء ذكور. إنها أمور يتم الترتيب لها داخل القصور لاكتساب صفة النبوة والأبوة على الأمم ولفتح الباب أمام المنتمين الجدد... إثنان لا ثالث لهما قلنا، سوى المهدي المنتظر صاحب الحل/القطيعة. إثنان حسب الزمان والمكان لأن التسوية تتم بين أفراد الجماعة و ليس بين برنامج أو فرد ونفسه. وفي هذا الزمان لازال الجدل شبه صاخب عمن هو الأحسن من الآخر؛ أهم الادارسة أم العلويون حسب النقاش الذي دار على صفحات إحدى الجرائد؛الأيام. وفي هذا الزمان كذلك افتتح عبد السلام ياسين الأمازيغي رسالته إلى الملك الحسن الثاني في السبعينات بأنه من السلالة الإدريسية. إي أن مشروعية قوله تأتي من السلالة الإدريسية وليس من أقواله ونصائحه في حد ذاتها. لقد فاته أن يكون مهديا منتظرا لأن العصر تجاوز ذلك الكلام ولا أحد من المغاربة أصبحت تنطلي عليه تلك الاساطير، و لقد سبق أن صرح الملك الراحل في إحدى خطبه أن زمن المعجزات قد ولى. وقليل من كان يفقه قوله.
إذن، إي يريد الخير لهذا الشعب أو يطمح في السيادة واستعباد هذا الشعب، أو يريد حل معضلة هذا الشعب الأمازيغي لا بد له أن يجد لنفسه نسبا يربطه بالرسول. من ذا الذي يستطيع الفوز في الانتخابات الجماعية أو البلدية و هو يعلن أنه ملحد أو مسيحي أو يهودي أو بدون ديانة محددة. إن العامة تدين بالإسلام، بدين شخص اسمه محمد. ولذلك يكثر اسم محمد عند المغاربة على عكس المشارقة. ويكفي تصفح أسماء العاملين بمختلف الجرائد المغربية للوقوف على هذه النسبة على عكس المشارقة. أو التتبع اليومي للقنوات الفضائية العربية للوقوف على انعدام هذا الاسم عندهم. انعدامه. بينما نحن في المغرب يكفي أن تنادي باسم محمد أو السي محمد في إي مجمع ليلتفت أليك الجميع. إي أن الأمازيغ أكثر ارتباطا باسم محمد من ارتباط العرب به... ألا نشعر الآن بالاغتراب عن أجدادنا الجدد من مثل القديس اغسطين وابوليوس و ليون الإفريقي فقط لأنهم كتبوا بغير لغتهم أو لأن كتبهم بالأمازيغية أحرقت. من ذا الذي يستطيع أن يحكي ما جرى سوى من جاور القصور وألم بخبايا العصور و تقلبات الظهور من ”البربر“ على قلتهم.
عجبا،فالعرب إذن هم الأولى بالتقرب إلى رسولهم عبر تقليده وتقلد اسمه. وحيث إن شيئا من ذلك لم يحصل فعلاقة العرب بالإسلام ورسوله علاقة خارجيانية Externaliste وليست داخليانية Internaliste . وعليه كذلك فالرموز الكبرى لهذا الدين ورسوله ليستا عربيتين؛ مكة و الكعبة. لغويا أقول؟ هل تعي ما تقول أيها الاحمق؟
نعم.. ومن هنا كذلك سنبدأ قصة ظاهرة الشرف في حضن الشعب الأمازيغي الحر، في أفق أن نساهم في تلمس الخلاص الأبدي لهذا الشعب المخلص الذي انتهى به المطاف ليكون ضحية عبقريته المرهونة حاليا بيقظة دول الجوار. وقبله نود أن نطلع القارئ عما يمكن أن يكونه الشريف وبشهادة غيرنا. وقد يكون بالمناسبة شهادة للمرافعة في الدعوة القضائية ضد وزير التعليم الذي لا يقرأ حتى لما يرتاح لنشره.
كتب السيد عبد الرحيم الورديغي في كتابه؛ فاس في عهد الاستعمار الفرنسي 1912-1956 ملامح من مدينة فاس أصولها.. تغيراتها.. حالاتها الاجتماعية والسياسية. الطبعة الاولى 1992 ما يلي:
يقول في الصفحة 7: » تأسست مدينة فاس في بداية القرن التاسع الميلادي في عهد إدريس الأول حفيد سيدنا على ابن أبي طالب و سيدتنا فاطمة بنت النبي« . وفي الصفحة 11 نقرأ : » فالمراد اليوم أن تكون فاسيا... ولكنك تعيش على منتوجات البادية.. رهيف الإحساس، إذن مناصرا للملكية وزبونا لها ومتمتعا بامتيازاتها «
وفي الصفحة16 نقرا : »وينص عقد فاس—عقدة الحماية على أن تحمي فرنسا الدين الإسلامي وأن تحترم الهالة التقليدية للسلطان فتتعهد فرنسا بأن تعمل على مساندة صاحب الجلالة الشريفة ضد كل خطر يهدف شخصه أو عرشه أو يمس بسلامة دولته « .
وفي الصفحة 18 نقرا: »فكان من عمله إي ليوطي تغيير شخصية السلطان الذي لم تكن له سلطة... ولهذا قرر ليوطي نزع السلطان مولاي عبد الحفيظ عن العرش... بعد هياج القبائل البربرية.. وعوض بشقيقه مولاي يوسف الذي كان يسكن في الرباط بحي بوقرون. ولهذا كان مولاي يوسف أقل ثقافة وأقل ذكاء من شقيقه مولاي عبد الحفيظ وأقل طامع في الحكم المطلق.فاستخدمه الفرنسيون في أوائل عهده ضد الباشا المدني الجلاوي وفي آخر عهده سنة 1925 بفاس ضد ثورة محمد بنعبد الكريم الخطابي الريفي. فما بين سنة 1913 وهو تاريخ وصول ليوطي إلى المغرب وسنة 1925 ،طفق ليوطي ينجز إصلاحات قل نظيرها في المغرب العتيق، فقد هدأ القبائل... ثم خلق جيشا مغربيا... وأنشأ العلم المغربي من اللون الأحمر والنجمة الخضراء وطبق لحن النشيد الوطني المغربي الحالي ووضع الهاتف لصالح الاستعلامات ...
ولما فتح ليوطي أبواب التعليم من الابتدائي إلى معهد الدراسات العليا الخاصة بالمغاربة أكانوا مسلمين أم يهودا، هرع الفاسيون الأولون في المغرب رغم دعاية بعض المسلمين على تفرنس وتمسيح أبناء المغاربة ليكونوا في مقدمة المتعلمين المثقفين وليصبحوا في مقدمة التجارة والفلاحة بالمغرب...
أما الشعب الفاسي فقد كان يتعشق ويتحبب لليوطي، فهاكم ذكرى مسجلة بفاس على حساب ليوطي حيث أصابه داء الكبد... وفد عليه الفاسيون في شكل جيش عرمرم من أعيان و علماء وشرفاء وأئمة فاس،حاملين بعضهم أعلاما ورايات مختلفة الألوان، فاصطفوا تحت نوافذ غرفة المريض العليل، وهم يذكرون اللطيف، وهو الدعاء الذي ينادى به أمام تهديدات خطيرة. فلأول مرة... أقيمت صلاة الدعاء لله سبحانه وتعالى عسى أن يشفى المريض الغير المسلم... لكن اليوطي بصفته نصرانيا أجاب بأنه سيذهب أولا إلى الكنيسة، ثم وعد بأنه سيزور مولاي إدريس... وحدث ما وعد به ... فوضع قدما داخل الحرم، وترك القدم الآخر خارجه..
كذلك عندما أقيل ليوطي سنة 1925 .. بسبب عدم استعمال القوة للقضاء على ثورة الريف، وقعت ضجة نفسانية وسط الأوساط الفاسية المحظوظة، لأنها كانت تتخوف من مغبة استيلاء الريفيين على مدينة فاس...
لذا ذكر احد رؤساء الزوايا باسم مسلمي فاس بقوله: » لقد أثرت على حياة أجدادنا عظمة مولاي إدريس، وستبقى لنا يا ليوطي أنت حماية لمدينتنا ورمز صفاوتنا الدينية، لكن أبناءنا سيؤرخون تاريخهم ابتداء من ليوطي، باني المغرب الجديد... «
ونقرا كذلك في الفصل الرابع تحت عنوان : ”فاس في مهب الحرب الريفية“، الصفحة 27 : » هبت ريح حرب الريف على فاس، وبطلها محمد بن عبد الكريم الخطابي، رجل قاضٍ وصحافي بمدينة مليلية المحتلة. فتقدمت الجيوش الريفية ما بين 1925 و 1926 إلى نواحي مدينة فاس باحتواء قبيلة بني زروال، فاستقرت على بعد 40 كيلومتر، انتظار إشارة قيادتها لغزو فاس وطرد الفرنسيين منها. لكن ليوطي بمساندة المخزن الشريف والعلماء والشرفاء والتجار الفاسيين نجح في ترهيب وتجميد تقدم القوات الريفية التي انتظمت في صفة دولة جمهورية بحدودها مطالبة باعترافها لدى هيئة الأمم بجنيف« . (يتبع)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.