في ظل ما يواجهه المغرب من مناورات من قبل أعداء الوحدة الترابية، لا يمكن إلا الالتفاف حول الثوابت الوطنية وتقوية الجبهة الداخلية، ودعم التوجهات الرصينة والمواقف المتبصرة والجريئة للدبلوماسية المغربية، دفاعا عن وحدة الأرض وسلامة التراب، وسعيا وراء إدراك العزة والكرامة واستقلالية القرار، والمضي قدما في اتجاه بناء علاقات شراكة متوازنة مع بلدان الجوار الأوروبي، مبنية على قيم الاحترام والمسؤولية والشفافية والوضوح، وضوابط حسن الجوار والتعاون المشترك، بعيدا عن مشاهد الاستعلاء والاستقواء والوعد والوعيد والابتزاز والاستفزاز. لكن في المقابل، نرى أن ما يصدر عن الدبلوماسية المغربية من مواقف وقرارات سيادية، لا بد أن توازيه تدابير مواكبة وإجراءات موازية، ليس فقط للحد من التداعيات الجانبية للمواقف والقرارات المتخذة على المغاربة، ولكن أيضا، من أجل تقوية الإحساس بوجود دبلوماسية مغربية عاقلة ورصينة ومتبصرة، بقدر ما تتصدى لمناورات الأعداء والخصوم، بقدر ما تحرص على تعبئة مغاربة الداخل والخارج، بما يضمن إرساء لبنات جبهة مغربية قوية، بدونها يصعب الوقوف الند للند في وجه أعداء وخصوم الوطن. وفي هذا الصدد، نشير بالأساس إلى قرار السلطات المغربية "استثناء الموانئ الإسبانية من عملية مرحبا 2021′′، في إطار الأزمة غير المسبوقة التي تمر منها العلاقات المغربية الإسبانية، وهو قرار كان سيحمل لأفراد الجالية متاعب وأعباء جديدة مرتبطة أساسا بارتفاع أثمنة التذاكر ذات الصلة بالنقل الجوي والبحري عبر الموانئ الفرنسية والإيطالية، خاصة بالنسبة للذين اعتادوا العبور إلى المغرب مثن سياراتهم الخاصة عبر الموانئ الإسبانية، لولا الالتفاتة السامية للملك محمد السادس الذي "أصدر تعليماته إلى السلطات المعنية، وكافة المتدخلين في مجال النقل، للعمل على تسهيل عودة الجالية إلى المغرب بأثمنة مناسبة"، في إطار رؤية ملكية رصينة حاملة لدلالات إنسانية وتضامنية، كان من ثمارها اعتماد أسعار معقولة "غير مسبوقة" في متناول الجميع وتوفير العدد الكافي من الرحلات، بما يضمن تيسير عودة العائلات المغربية إلى وطنها الأم وصلة الرحم بأهلها وذويها، بعد أشهر عسيرة من الغياب بسبب جائحة كورونا. وبقدر ما ننوه بالالتفاتة الملكية التي لقيت ترحابا وارتياحا في أوساط الجالية، بقدر ما نشدد على ضرورة تحمل كل المتدخلين في عملية مرحبا 2021 مسؤولياتهم المواطنة، حتى تمر هذه العملية في أجواء آمنة ومطمئنة، بما في ذلك تيسير ولوج أفراد الجالية إلى الخدمات الإدارية، لقضاء أغراضها ومصالحها التي تعطلت بسبب الأزمة الوبائية القائمة منذ ما يزيد عن السنة، سواء على مستوى المراكز القنصلية ببلدان الإقامة أو داخل التراب الوطني، ولا بد أن نكون في مستوى هذا الامتحان، حتى نؤكد للأعداء قبل الأصدقاء، مدى سلامة ومصداقية اختياراتنا، ومدى قدرتنا على تدبير مشكلاتنا وقضايانا، بما يلزم من المسؤولية والحرفية والاتزان والتبصر. وإذا كانت الالتفاتة الملكية السامية تأتي كإجراء مواز ومواكب للقرار السيادي الرامي إلى "استثناء الموانئ الإسبانية من عملية مرحبا 2021′′، فنرى أن السياق، يقتضي الانفتاح على منافذ أخرى لعبور الجالية المغربية في فرنسا وإيطاليا والبرتغال وجبل طارق، بما يضمن سحب البساط من تحت أقدام الجارة الشمالية التي ظلت لسنوات تستفيد من "غلة" مرور أفراد الجالية كل موسم صيفي، ومع ذلك، ما زالت وفية كل الوفاء لمواقف العداء للوحدة الترابية للمملكة، والتفكير في الصيغ الممكنة والمتاحة التي تسمح بتملك أسطول بحري مغربي يؤمن رحلات أفراد الجالية من وإلى المغرب، حتى لا نبقى رهائن دول الجوار الأوروبي على مستوى النقل البحري، وفي هذا الإطار، نوجه البوصلة نحو "صندوق محمد السادس للاستثمار" الذي لا بد أن يضع نصب أعينه، الحاجة الماسة لأسطول بحري مغربي، يكرس القوة الإقليمية للمغرب، ويمنح الدبلوماسية المغربية جرعات إضافية تسمح بالحزم والجرأة والمجابهة. وقبل الختم، نتوقع أن تشهد هذه السنة إقبالا غير مسبوق لأفراد الجالية على زيارة أرض الوطن بعد طول غياب بسبب الجائحة، وذلك اعتبارا للأسعار "غير المسبوقة" التي حددت لتذاكر السفر، مما ستكون له آثار إيجابية على مستوى حركية الرواج التجاري داخل ربوع الوطن، وخاصة على مستوى بعض القطاعات والأنشطة التي تضررت كثيرا بسبب ما فرض من إجراءات وقائية وتدابير احترازية، وعلى رأسها السياحة والنقل والفندقة والمطاعم والمقاهي والأعراس والحفلات وتموين الحفلات والتسوق والعقار والصناعة التقليدية وغيرها، وهذا من شأنه منح نفس جديد للاقتصاد الوطني وهو في طور التعافي بعد أشهر من الركود بسبب تداعيات الأزمة الوبائية القائمة، وفي ظل "الاقتصادي"، يحضر البعد الإنساني والاجتماعي والتضامني، على مستوى صلة الرحم وتقوية روابط الانتماء للوطن والرفع من جرعات "تامغربيت" في أوساط أفراد الجالية المغربية، وهم ينظرون إلى واقع حال الجالية الجزائرية التي لم تجد من خيار، سوى إحراج نظامها، بمطالبته بالرد على "العدوان المغربي" (تخفيض أسعار التذاكر). ونختم بالقول، إن قضايا مغاربة العالم لا يمكن قطعا اختصارها في "عملية مرحبا" وما يرتبط بها من تدخلات ذات طابع موسمي، لأن قضاياهم وانتظاراتهم ومشكلاتهم كثيرة داخل بلدان الإقامة، وهنا نوجه البوصلة بأكملها نحو الأجهزة والهيئات المعنية بملف الجالية المغربية عبر العالم، ونخص بالذكر الوزارة الوصية على القطاع ومجلس الجالية والسفارات والقنصليات المعتمدة بالخارج، بما يضمن إرساء لبنات استراتيجية وطنية ناجعة، قادرة على مواكبة مغاربة العالم والإنصات لهمومهم وإكراهاتهم والاستجابة لتطلعاتهم وانتظاراتهم، بما يضمن الإبقاء على جسور التواصل والتلاقي قائمة بينهم وبين الوطن الأم، بل والاستفادة من خبراتهم وتجاربهم ببلدان المهجر، خاصة والمغرب مقبل على "نموذج تنموي جديد" يقتضي تعبئة واستثمار كل الطاقات والكفاءات المغربية في الداخل كما في الخارج. ولا يمكن الختم، إلا بالتنديد بالجريمة العنصرية والبشعة، التي أودت بحياة مواطن مغربي بإسبانيا، بعد تعرضه لطلقات نارية حركتها دوافع عنصرية إسبانية مفعمة بالكراهية والحقد والعداء، وربما هذا المواطن، كان يتأهب أو ينوي العودة إلى أرض الوطن في إطار عملية "مرحبا 2021′′، بعد الالتفاتة الملكية السامية، وهي صورة، تعكس ما يتهدد مغاربة العالم من مشاهد العنصرية والعداء والعنف في ظل تنامي التيارات المتطرفة المعادية للأجانب داخل أوروبا وخارجها من بلدان الإقامة، وإذ ندلي بهذا الخبر المؤسف، نطالب السلطات المغربية المختصة بإسبانيا بشكل خاص، بالدخول على خط هذه الجريمة العنصرية البشعة، والقيام بما يلزم القيام به على المستوى القانوني والقضائي، حتى ينال الجاني ما يستحقه من عقوبة، وبما تقتضيه القضية، من دعم مادي ومعنوي ونفسي لأسرة وذوي الفقيد، ولا يسعنا إلا أن نسأل الله عز وجل، أن يشمل الراحل بواسع الرحمة والمغفرة، وأن يلهم ذويه الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.