استقرار أسعار المحروقات في المغرب    الصيادلة يتهمون الأطباء بالتواطؤ مع شركات الأدوية لتقويض "حقّ الاستبدال"    ترامب يستبعد "وقفا فوريا" للحرب    نيران جيش إسرائيل تقتل 16 فلسطينيا    السكتيوي: مواجهة الكونغو تحد كبير .. الالتزام والذكاء مفتاحا التأهل    بركة .. أول مغربي يسبح حول مانهاتن    وكالة الغابات تصدر خرائط للمناطق الحساسة المعرضة لخطر اندلاع الحرائق        دراسة: عشاق القهوة في مزاج أفضل بعد الفنجان الأول بالصباح    أغلب الأمريكيين يعتبرون الكحول مضرا بالصحة        فتح الله ولعلو: المغرب والصين تقاسما شرف المساهمة في انتصار الحلفاء        بورصة البيضاء .. أقوى ارتفاعات وانخفاضات الأسبوع                مريدو "البودشيشية" يؤكدون استمرار منير القادري على رأس الزاوية    برنامج "نخرجو ليها ديريكت" يناقش تحديات الدخول السياسي والاجتماعي المقبل    بوليف: التحويلات المالية لمغاربة العالم ينبغي ترشيد استثمارها ويجب إشراك الجالية في الانتخابات التشريعية    لفتيت يقضي عطلته بمراكش    شركة غوغل تطرح أداة جديدة لحجز رحلات منخفضة التكلفة بالذكاء الاصطناعي    تغيرات متوقعة في طقس السبت بعدد من مناطق المملكة    حموني: سنة 2026 ستكون "بيضاء" على مستوى إصلاح أنظمة التقاعد والمقاصة    طنجة تتصدر الوجهات السياحية المغربية بارتفاع 24% في ليالي المبيت    اتلاف كمية من الفطائر (السفنج) الموجة للبيع في الشواطئ لغياب معايير الصحة    الحرارة المفرطة تفاقم أزمة المياه بالمغرب.. حوض ملوية في وضع حرج    منظمة الصحة العالمية تحذر من استمرار تدهور الوضع العالمي للكوليرا    ابتكار أول لسان اصطناعي قادر على استشعار وتمييز النكهات في البيئات السائلة    ملتقى الثقافة والفنون والرياضة يكرم أبناء الجالية المغربية بمسرح محمد الخامس بالرباط    غاب عن جل الأحزاب    في بلاغة الغياب وحضور التزييف: تأملات في بيان حزب الأصالة والمعاصرة بالعرائش !    كيف أنسى ذلك اليوم وأنا السبعيني الذي عايش ثلاثة ملوك    عادل شهير يوقع أحدث أعماله بتوقيع فني مغربي خالص    أوجار: مأساة "ليشبون مارو" رسالة إنسانية والمغرب والصين شريكان من أجل السلام العالمي    تطوان تحتضن انطلاقة الدورة الثالثة عشرة من مهرجان أصوات نسائية    سفارة الصين بالرباط تحتفي بالذكرى الثمانين لانتصار الحلفاء بعرض وثائقي صيني    صحيفة أرجنتينية تسلط الضوء على عراقة فن التبوريدة في المغرب    الواحدي يقود جينك للفوز بثنائية في الدوري البلجيكي    تسويق 6.14 مليار درهم من منتجات الصيد البحري إلى غاية نهاية يوليوز المنصرم    هيئة: 105 مظاهرة في 58 مدينة مغربية نصرة لغزة واستنكارا لاستهداف الصحفيين الفلسطينيين    فوز مثير لليفربول على بورنموث برباعية في مستهل المشوار بالدوري الإنجليزي    مشروع قانون يثير الجدل بالمغرب بسبب تجريم إطعام الحيوانات الضالة    الدفاع الحسني الجديدي لكرة القدم يختم موسمه الرياضي بعقد الجمع العام العادي    النقابات تستعد لجولة حاسمة من المفاوضات حول إصلاح نظام التقاعد    مأساة وادي الحراش في الجزائر... دماء الأبرياء تكشف كلفة سياسات عبثية    راب ستورمي وحاري في "رابأفريكا"    كيوسك السبت | البطاطس المغربية تعود بقوة إلى الأسواق الدولية في 2025    دورة سينسيناتي لكرة المضرب: الكازاخستانية ريباكينا تتأهل لنصف النهاية على حساب بسابالينكا    موسم مولاي عبد الله... تكدّس، غياب تنمية، وأزمة كرامة بشرية    نائبة رئيس محكمة العدل الدولية: الرب يعتمد عليّ للوقوف إلى جانب إسرائيل    القصر الكبير: التنسيقية الجمعوية المحلية تدق ناقوس الخطر حول الوضع البيئي المقلق بالمدينة    كينيدي يخوض معركة جديدة ضد صناعة المكملات الغذائية في أمريكا    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حين تكون بعض الإدارات العمومية نموذجا للجهل والضياع والتبديد.

في معرض إقامتي بعاصمةالمملكة الرباط، طُلب مني ذات مرة إنجازبعض الوثائق التي ستفيدني لأغراض إدارية..وكان من بين ما طُلب مني، ما يسمى بشهادة "الإعفاء الضريبي" وما يسمى ب"النسخة الكاملة"..بدأت بالبحث عن الوثيقة الأولى وقيل لي، بأني يمكن الحصول عليها بدار الضريبة المركزية..فاستبشرت خيراوقلت، لا بأس، أماالوثيقة الثانيةسأهاتف أخي في بلدتي باحصية قيادة النيف بإقليمنا البعيد والذي هو انذاك الرشيديةوسينجز لي ما أطلبه منه وحمدا لله أن لدينا حافلة من النوع الجيد وبالمكيفات الهوائية﴿بإسم الله السلامة﴾ التي تربط بينناوعاصمة المملكة كل يوم..هاتفت أخي بشأن تلك النسخة لينجزهالي من جماعة النيف التي تفصله عن قريتنا باحصية50كلم. في الصباح عندما ذهب أخي إلى الجماعة قالوا له، بأن تلك النسخة لاتُنجزإلا بحضور صاحبها..قلت لا بأس، سأركب الحافلة التي ستقطع بي أكثر من500كلم وسأحضرهامعي..
ركبت الحافلة ب180درهما، ومن أين لي بهذاالمبلغ وأنا مجردبطالي منذ سنوات طوال عجاف..وكان علي بالمناسبةأن أتوجه إلى بيتي في صلة الرحم لألتقي بوالدي، وأخد معي كناش "الحالة المدنية"، وأنتظر يوم السوق صباحا، وأذهب إلى الجماعة، وأنجزتلك النسخة..
حتى إذاجاء يوم السوق، قطعت مسافة 50كلمترا بثمن 10دراهم وكنت أول من وقف امام شباك الموظف، ودفعت له ما طُلب مني فطلب مني الإنتظار حوالي الساعة..
تركته لساعتين، وعدت إليه وقال لي، أنت تعرف أن اليوم يوم سوق فأمامنا تلال من الملفات والأوراق فطلب مني أن أنتظر إلى يوم غد..
عدت أدراجي قافلاإلى قريتي التي تبعد ب50كلم..في اليوم الموالي توجت إلى الشباك.فوجدت صفا طويلا من الناس..لما وصل دوري، قال لي موظف آخر:بأن ما دفعته بالأمس قد ضاع منا بسبب الزحام..وتأكيدا لذلك، ظل يبحث أمامه بين الأوراق وبين ثنايا الملفات ولم يعثر على شيء..فالوصل طبعا، لايعطى ولا أملك حجة عليهم..طلب مني دفع طلب آخر وأن أنتظر إلى يوم الغد..شرحت للموظف حالتي بلطف واحترام ولم يتفهم وضعيتي فقال لي، القانون هوالقانون..!؟ولم أفهم عن أي قانون يتحدث، نظرت إليه وشرعت أحقق فيه النظر لعلي أستوعب كلامه..فاكتشفت صدفة شيئا غريبا، وهذا عن طريق الصدفة فقط، اكتشفت أن هذا الموظف كان ينظر إلي بعيون صقر..ويسمع كلامي رغم ما فيه من قواعد اللياقة واللطف والتقديربأذني حمار..وأكتشفت أيضا، أن هذا الموظف بمثابة مسمار يعطل عنوة جهاز الدولة ومصالح المواطنين في الجماعة.. فقلت مع نفسي، ياله من موظف بيروقراطي غبي!..سكوتا سكوتا يانفسي المقلقة فإن إداراتنا لفي اعتلال واختلال..!، فعدت أدراجي من جديد إلى بلدتي وأنا أتساءل هل وُضع ذلك المسمار من أجل خدمة الجهاز أم أن الجهاز في خدمة المسمار؟، وكيف سيسير جهاز الدولة إذا كثرت فيه المساميرالفاسدة الصدئة التي تعطل جهازها؟..
حتى إذا أصبح اليوم الموالي استيقضت باكرا، ولما وصلت، وجدت كما العادة جمعا غفيرا من الناس ينتظرون.. استفسرت أحد المواطنين حول الوضع في هذه الجماعة، هل هكذا يبدو كل يوم؟، أجابني بالإيجاب وقال، هكذا كل يوم في الجماعات والمستشفيات والسجون والمحاكم والمقاهي وحتى في ملاعب كرة القدم..قلت، تبارك الله فنحن خير أمة أخرجت للناس نتناكح ونتناسل كثيرا ليتباهى بنا نبينا الكريم يوم القيامة ونحن في الدنياغثاء كغثاء السيل..لما وصل دوري قال لي الموظف الأول من جديد ما قاله زميله الثاني بالأمس، بأن ورقتي ضاعت من جديد..فقدت أعصابي وبدأت أصرخ بصوت عال حتى خرج الكثير من الموظفين وهم ينظرون إلي بإستغراب وكأني قاتل "بوحمارة"..لماذا أصرخ؟، لأن ورقتي ضاعت مرتين وفي كل مرة أدفع وثائقي بدون وصل..
طبطب على كتفي مواطن كان واقفا ورائي في الطابوروقال لي مبتسما:برد أعصابك يارجل، فكلنا نعاني مثلك ولزمنا الصمت..لكنني انا لا أريد أن ألتزم الصمت لأن دم رأسي صارساخنا، فقصدت القايد لأقدم شكاية الأستهتار بأمور الناس في زمن يتم فيه رفع شعار تقريب الإدارة من المواطنين، وفي زمن رفع شعار الجماعة المحلية كقاطرة للتنمية المستدامة..
القايد قام بعمله وهاتف المسؤولين بالجماعة..لكنني لم أرافق معي هذه المرة كناش الحالة المدنية..وعدت أدراجي قافلا من جديد إلى قريتي.. انتظرت حتى الصباح وقطعت من جديد50كلم..دفعت ما طُلب مني من جديد..وطلب مني الموظف الثاني الإنتظارحتى يأتي رئيس الجماعة..
حتى إذا وصلت الساعة تمام الحادية عشرة ضحى.استعلمت عن ورقتي وقالوا لي، أن سيادةالرئيس غائب ولا يوجد مكانه من سيوقع..هكذا صار قلبي في صدري- مع هذا الوضع- مثل براد يغلي ولم يعد قلبا من لحم ودم..عدت أدراجي قافلا من جديد إلى بلدتي..
وفي صباح اليوم الموالي عدت من جديد بأعصاب متوثرة وقد وصلت إلى مرحلة افتراس أي موظف أجده أمامي، وكيف لا، فالرباط ينتظرني..
ولما وصلت إلى جماعتي، قال لي الموظف الأول، بأن سيادة الرئيس لازال في الطريق عائد من اجتماع من العمالة التي هي عمالة الرشيدية والتي تبعد عن النيف بأكثر ب170كلم..انتظرت إلى حوالي الواحدة زوالا..وقالوا لي، أن سيادة الرئيس أصابه العياء سيستحم هذا المساء ويستريح سيادته الموقرة و لن يأتي إلى العمل إلافي اليوم الموالي..
عدت أدراجي قافلا من جديد إلى بلدتي وأنا أعاني حالة من الفوضى مع المسامير الصدئة الفاسدة والمعطلة لجهاز الدولة، وما أكثر تلك المسامير المعطلة الفاسدة اليوم، منها مساميرحديثة العهد ومنهامساميرصدئة تعود إلى فجرإستقلال البلاد..!..وأمثال أولائك هم اليوم الذين يلقون الطين على أنفسهم وعلى الناس وعلى حاضر البلاد ومستقبله..الدنيا مقلوبة في الإدارة العمومية وفي جماعة النيف خاصة وهذا ما يشل مصالح المواطنين كل يوم تماما في البلد..لقدتسللت أمراض الإدارةإلى جسم المجتمع وثقافته وما الحل ياترى؟..لابد أنك -أيها القارىء- قدعشت تجربة مشابهة أو سمعت عن مائة ألف حالة مشابهة في بلاد العجائب هاته التي نعيش فيها.
حتى إذا جاء صباح اليوم الموالي وقفت أمام الشباك مع جمع غفيرمن المواطنين..حتى إذا وصل دوري في الصف أخيرا وجد نسختي وفرحت كثيرا..ابتعدت عن الصف وبدأت أتمعن في وثيقتي الكئيبة الشاحبة وتساءلت لماذا فيها كل تلك المتاعب..فإذا بي أجدهم قد أخطأوا في إسمي الشخصي، ربما انتقاما، ربما..لو لم أكن أستمد أعصابي دائما من الثلاج لنفدت ما يوسوس به شيطاني، أن أخد خنجرا وأوجهه لكل شخص أعثر عليه أمامي وأصبح وجبة دسمة للناس في مجالسهم الخاصة والعامةولوسائل الإعلام التي لاتستمتع دائما إلابنقل حوادث العنف والقتل والحروب والثورات وأسبابها..
قصدت مباشرة القايد، ورويت له القصة الخبيثة مع الجماعةاللعينة..وقف معي القايد وكان القايد في الحقيقة رجل مروؤة حيث بدا الغضب على محياه وأخد سماعة هاتفه ووبخهم..وما هي إلا دقائق حتى أخبروني بأن وثيقتي قد أنجزت على التمام وعلى مايرام..
قصدت شباك الموظف الذي كان ينظر إلي بعيون الصقر ويسمع كلامي بأذني حمار، وسلمها لي وهوينظر إلي بعنين باردتين تشبه عيني سمكةباردةثم اصطيادها بالشباك في صباح شتوي بارد..بعض مثل ماحدث لي مع هذه الجماعة القروية البعيدة واللعينة، حدث لي كذلك مع مصالح دار الضريبة المركزية بالرباط..وتذكرت ما قاله المفكر السياسي الإنجليزي"ماكولي"حين كتب في سنة 1647يصف البحرية البريطانية فقال: «إن إدارتها نموذج للفساد والجهل والضياع والتبديد..فلا ضوابط لشيء أو على شيء..لامتابعة..والبحارة يتقاضون أجورهم في أوقات غير منتظمة..ومعظم السفن العائمة كان يجب أن تغرق من زمن طويل..فكلما تلفتُ حولي وجدت على الأقل شخصا واحدا من بين كل ثلاثة يجب إطلاق الرصاص عليهم لأنه مصدر هذا الفساد كله..!.ثم من هذا الذي اختار هذه الحيوانات البرية لتعيش في البحر، إذ "واحدا" مجرما قد أختارهم واستراح وأقلق الجميع..!»
عدرا صديقي القارىء لسردي هذه الفضائع بطريقة إنشائية مقصودة تشبه إنشاء تلميذ في التعليم الإبتدائي ليفهمها عامة الناس تعميما للفائدة..وعدراصديقي القارىء لسردي هذه الفضائع والتي لاتزال تحدث عندنافي النيف المنسي في زمن الأنترنيت والهاتف النقال وفي زمن تقريب الإدارة من المواطنين..فمن الواضح أن أولائك الناس الذين يعملون في المصلحة والذين عانيت معهم كل المتاعب هم ضحايا أيضاومغلوبين على أمرهم..إني هنا لا أطلب تحقيقا في الموضوع، ولكني أريدها مرآةتعكس لسادتنا الموظفين مايقومون به أحيانا بوعي أو بدون وعي انتقاما من ظروف أوأزمات أوهكذا زهقا وضيق الحال..أيهاالموظفون الإداريون، نحن منكم، وأنتم منا، فلماذا يعذب بعضنا بعضا، لماذا؟..
مضت رحلة أسبوع في الحرب من أجل الحصول علىوثيقة شاحبة تافهة لا رونق فيها..حتى إذا عدت إلى الإدارة التي طلبت مني تلك الوثيقةالشاحبة، وجدت الآجال القانوني لدفعها قد انتهى..وانتهت قصة النسخة الكاملة وما سيرافقهامن نفع ومصالح كما تنتهي أية قصة حزينة..وها هي ضحية أخرى تنضاف إلى الضحايا الأخرى المغلوبة على أمرهابسبب أمراض إداراتنا المتعفنةوالتي تحتاج ألالاتها البيروقراطية الصدئة دائماإلى التشحيم اليومي ﴿الرشوة﴾كي تسير.. تصور -صديقي القارىء- في هذا الموقف لو كان هناك رجل بإمكانه إنقاذ العالم لكنه في حاجة إلى توقيع في مثل تلك الإدارات المتخلفةلكي يتصرف..وتصورأنني هو ذلك الرجل، وتصور ماذا سيكون حينه مصيرالعالم وأنا أطارد توقيع موظف بليد ليضع توقيعه على وثيقتي؟
محمد حداوي
احصية -النيف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.