من المعلوم، أن"لكل فعل رد فعل، مضاد له في الإتجاه مساو له في المقدار" قاعدة علمية يحفظها الجميع، أما في حالتنا فالعلاقة بين الوزارة والشغيلة التعليمية فرد الفعل مجهول. خصوصا، في ظل تجاهل الوزارة الوصية للمطالب الملحة والعادلة لرجال ونساء التعليم. ذلك، أن التنزيل القصري للقرارات الحكومية بدون اشراك مختلف الفاعلين المباشرين، وفرض أمر الواقع عليه بسلطة القوة وقوة السلطة أجج غضب الشغيلة التعليمية باعتباره إجحافا في حقهم، وإهمالا لوضعهم الاعتباري وقيمة الرسالة النبيلة التي يؤدونها. ومن ثم، كيف يعقل أن تطبق الشغيلة التعليمية نظاما أساسيا لم يؤخد رأيها فيه، وفي الأخير يتم محاسبتها على ضوئه؟! ليست أزمة التعليم وليدة اليوم بقدر ما أنها ضاربة في التاريخ المعاصر، فمنذ استقلال المغرب و الحديث عن إصلاح المنظومة التربوية لم يتوقف، جراء إقحامه في الشأن السياسي والصراعات الأيديولوجية الظرفية و تضارب مصالح الفاعلين في الشأن المجتمعي. وبناء عليه، فإن فهم طبيعة المسألة التعليمية بالمغرب، يتطلب في الواقع رصدا شموليا وبنيويا منسجما مع التطور التاريخي للبلاد. في سياق متطلبات المجتمع المغربي وحاجياته التنموية نحو منطلقات النهضة الشاملة. 1- ضرورة الوعي بأهمية وحجم الأسرة التعليمية على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، حيث بلغت منظومة التربية والتكوين 11.5مليون. 2-تعاقب على وزارة التربية الوطنية في المغرب(33 وزيرا)منذ الاستقلال، بمعدل وزير لكل(22)شهرا، تنتهي مهمته قبل أن يبدأ، ما يكرس حالة اللاستقرار في هذا القطاع. في المقابل، هناك 14محاولة للإصلاح(بمعدل إصلاح كل 4 سنوات)، كلها باءت بالفشل. 3- 96 % من ديوان الوزارة(مستشارين) لا علاقة لهم بالشأن التربوي، ولا ينتمون إلى الأسرة التعليمية. كما أن هناك هوة كبيرة بين مدراء الأكاديميات والوزارة الوصية. 4 -75 نقابة وتنسيقية بالمغرب، وبالتالي نحن أمام تضخم في عدد التنسيقيات، وكذا البرامج النضالية التي تتقاطع بقدر ما تتناقض، مما يطرح صعوبة التمييز فيما بينها. فما يجري الآن في الساحة التعليمية، أشبه ببيت شعر قديم: تكاثرت الظباء على خراش * فما يدري خراش ما يصيد في المقابل، حصرت كل"تنسيقية"حديثة العهد نفسها بمطالب وأولويات فئوية، كما هو الحال مع تنسيقية الأساتذة وأطر الدعم، تنسيقية ضحايا النظامين، تنسيقية الزنزانة 10 … ومع أن لكل هذه الفئات مشاكلها الخاصة، فإن النظرة من الخارج لها، تؤكد أن أكبر المتضررين هم نساء ورجال التعليم، حيث تشتتت تمثيليتهم بين النقابة و التنسيقية، وبدل أن يتجه الصراع صوب الوزارة الوصية، تحول الصراع إلى داخل مكونات الشغيلة نفسها. 5- قطاع التعليم يشكل نسبة 26 ٪ من ميزانية الدولة، ومشروع قانون المالية لسنة 2023 خصص أزيد من 68 مليار درهم للقطاع . وبهذا، تشكل هذه الميزانية6 ٪ من الناتج الداخلي الخام. اذ، (90٪)من ميزانية التعليم تصرف لأداء الأجور، بينما الباقي يخصص للتسيير والتجهيز والاستثمار. غير أن أصل الأزمة ليس هو الموارد المالية، بحكم أن ميزانية التعليم تزيد سنة بعد أخرى، وهي اليوم في حدود 74مليار درهم، ويطمح الوزير بنموسى إلى رفعها إلى 88مليار درهم في أفق 2027. مما يعني أن أصل المشكل هو في الحكامة وكيفية صرف هذه الميزانية التي تسيل لعاب المتحلقين عليها. 6-استجابة لتحولات السوق الدولية أو السعي لموارد مالية تقلص حدة العجز السنوي في الميزاني، بدأ المغرب ومنذ العام 1991م سياسة تحرير للاقتصاد واسعة النطاق تمثلت في خصخصة الشركات العمومية. ويبدو أن نجاح عمليات الخوصصة في قطاع اتصالات المغرب دفعت بالحكومة إلى بيع مؤسسات عمومية جديدة أهمها"المكتب الوطني للسكك الحديدية"الذي تحول اسمه ل"المكتب المغربي للسكك الحديدية"و"الصندوق الوطني للقرض الزراعي"، فضلا عن بعض المكاتب الوطنية مثل" المكتب الوطني للنقل"، ومكتب"استغلال الموانئ"و"بريد المغرب" و"مكتب إنعاش الصادرات". في هذا السياق، تم فتح"المزاد العلني"للمدرسة العمومية، بداية من"الميثاق الوطني للتربية والتكوين"سنة 1999م، تلك الوثيقة المرجعية التي تنهل منها مخططات الإصلاح–وبالأصح التخريب– انتهاء بالقانون الإطار 51.17 الذي صودق عليه صيف 2019م. وبالتزامن مع ذلك، بدأت"سياسة افراغ" المدرسة الوطنية من الكفاءات من خلال"المغادرة الطوعية"خلال الفترة الممتدة بين 2002 و 2007م. ثم جاءت مبادرة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي لبلورة"الرؤية الاستراتيجية للإصلاح" 2015-2030م، مرورا ب"خارطة الطريق"2022-2026 التي تمثل "برنامجا استعجاليا جديدا" لتسريع تنزيل"الرؤية"المتعثرة، تحت شعار:"من أجل مدرسة عمومية ذات جودة للجميع"، وصولا إلى النظام الأساسي 2023م. ناهيك، عن الإصلاحات المبتورة(بيداغوجيا الأهداف، الكفايات، بيداغوجيا الإدماج…)، التي تعكس فشل المخطط الاستعجالي(2009-2012)، الذي أصبح عنوانا عريضا لعطب المنظومة التعليمية وهدر المال العام. وفي واقعنا التعليمي كما في تاريخنا السياسي الكثير من العطب، وداء العطب جعل منه"المولى عبد الحفيظ"عنوانا لكتابه"داء العطب قديم"، انعطب النظام الأساسي الجديد، فانعطبت الأنظمة الفرعية، وانعطب معه رجال ونساء التعليم. وبالتالي، كان لا بد من الحفاظ على كل أعطاب التعليم واختلالانه لخلق أجيال معطوبة. ختاما، ينبغي أن نجهر بالحقيقة، بأن النظام الأساسي الجديد فشل، لأنه كان بدون أي تصور أو رؤية. ومن ثم، فإن هناك مسؤولية كبرى على عاتق من يمتهنون صياغة القرار بالمغرب، لرسم تصورات في مغرب يحبل بكثير من الأخطار، تفاديا للانكسارات التي وقعت سابقا. لقد تبين بما لا يدع مجالا للشك، أنه: إذا صلح حال الأستاذ صلح حال المدرسة العمومية كلها، وأن المكانة الاعتبارية والمادية للأستاذ وجهان لعملة واحدة، وأن تكريمه"قيمة القيم"، باعتباره رحى المنظومة التعليمية. ولنا في الدول التي نجحت في التربية والتكوين خير نموذج، فعندما تحضر لدى مسؤولينا الجدية اللازمة والإرادة السياسية الحقيقية والقناعة بالمقاربة التشاركية التي عمادها المدرس، آنذاك يمكننا أن ننفذ مشاريع نحن من ضمن صناعها. وهنا، من حقنا التساؤل هل هناك إرادة سياسية قوية لإصلاح التعليم؟ نقول، لا، فما ينقص المغرب ليس الموارد البشرية والمناهج، بل الإرادة السياسية القوية التي تدفع بالمدرسة العمومية إلى الأمام. لَعَمْرُكَ ما ضاقَتْ بِلاَدٌ بأَهْلِهَا * ولكنَّ أَخلاقَ الرِّجالِ تَضيقُ ________ – مدرس وباحث. مغربي – عضو تنسيقية دكاترة التربية الوطنية