هذه قاعدة في كل بلاد الدنيا. اليوم سندفن ثلاثة مواطنين قُتلوا برصاص الدرك في أحداث حراك الخريف، الذي أطلقه جيل Z قبل ستة أيام فقط، بعدما تجرؤوا على الاقتراب من مقر الدرك الملكي، وفق رواية السلطات التي تقول إنها اضطرت لإطلاق النار دفاعاً عن النفس وعن ما بحوزتها من أسلحة. رحم الله من قضى، ورزق ذويهم الصبر والقدرة على التحمل.
هذا ليس حدثاً صغيراً ولا هامشياً في بلاد لم تسمع إطلاق الرصاص في الشوارع على المتظاهرين منذ أحداث 1991، أي منذ 34 سنة (أياً كان تصرفهم وأياً كانت التهم الموجهة إليهم). الصدمة والذهول ترتسمان على وجوه المغاربة صغاراً وكباراً، ليس فقط بسبب أعمال التخريب والنهب والعنف الذي تدفّق من سلوك بعض الشباب الجانح في أكثر من 24 مدينة وعمالة وإقليم، حيث تعرّضت – حسب بلاغ وزارة الداخلية – 80% من المرافق الإدارية والأمنية والوكالات البنكية في هذه المدن للتخريب والاعتداء. الحكومة التي حضر وزراؤها هذا الصباح بالجلابيب البيضاء – في بلاد تحتاج إلى لبس السواد في هذه اللحظات الحزينة – وبالطرابيش الحمراء، قادمين من ضريح محمد الخامس إلى المجلس الحكومي بعد أن ترحموا على الملك الراحل. فقام فيهم خطيب هو المسؤول الأول عمّا يجري اليوم من مآسي وأحداث دامية وفوضى عارمة، وقال: إن حكومته مستعدة للحوار مع الشباب داخل المؤسسات والفضاءات العامة، وأنها جاهزة للتجاوب مع مطالب جيل Z... هذا رجل فقد الاتصال بالسياسة منذ مدة، والآن يفقد الاتصال بالواقع. رجل يعاني من مرض نفسي مزمن اسمه: "نكران الواقع" – déni de la réalité. أخنوش، المطلوب رأسه سياسياً من لدن الرأي العام من طنجة إلى الكويرة، يمد يده للحوار مع جيل Z... وأين؟ في المؤسسات! لو كانت في البلاد مؤسسات تصلح فضاءات للحوار، هل كنا سنصل إلى هنا؟ ولو تُرك مكان للسياسة والصحافة والاختلاف والتعددية وحرية التعبير، هل كنا سنصل إلى تمرد آخر جيل في العنقود الديمغرافي المغربي، في 24 مدينة دفعة واحدة؟ لو كانت هناك مؤسسات يثق فيها الشباب، هل كان سيترك مدارسه وجامعاته وعمله وألعابه وموسيقاه ومقاهيه، وينزل إلى الشارع في كل خارطة المغرب، في استفتاء شعبي على رفض سياسة حكومتك واختياراتك وتضارب مصالحك وفساد عهدك؟ المُقلق أكثر من الثلاثة الذين سقطوا بالرصاص أمس، وأكثر من الذين أصيبوا من الطرفين – المتظاهرين ورجال الأمن – هو أن الدولة، بعد ستة أيام من الأحداث الخطيرة التي تهدد الاستقرار، لم تصل بعد إلى تشخيص صحيح ودقيق لما جرى. إننا مثل مريض في غرفة الإنعاش يصرخ ويبكي ويتألم، والأطباء من حوله لم يصلوا بعد ستة أيام من معاناته إلى تشخيص مرضه وأسباب ألمه... ولهذا لا يستطيعون علاجه ولا إعطاءه أي دواء. هذا ما يحصل الآن: الدولة لا تعرف مع من تتحدث ولا كيف تتحدث، والشباب الغاضب لا يعرف كيف تفكر الدولة ولا لماذا تكدّسه في "السطافيطات" وترحّله من الشارع إلى الكوميساريات مثل المجرمين. البلاد تحتاج إلى قرار شجاع من أعلى هيئة فيها... والفاهم يفهم.