سجل المغرب موقعا متوسطا في خريطة المخاطر العالمية المرتبطة بالاحتيال المالي والرقمي، وفق التقرير العالمي لمؤشر الاحتيال 2025 حيث حل في المرتبة الخمسين عالميا بمؤشر عام بلغ 2.38 نقطة، ما يعني أن المملكة ليست ضمن الدول الأكثر عرضة للخطر المباشر ولا ضمن الدول الأكثر حماية من الاحتيال، بل تتموضع في منطقة توصف في التقرير بالمحيط الرمادي الذي يمكن أن يتجه صعودا أو هبوطا تبعا للسياسات الحكومية والبنية الاقتصادية وقدرة المجتمع على الوصول إلى الموارد الرقمية والمالية التي تشكل عاملا حاسما في الحد من الاحتيال. ويستند المؤشر، الصادر عن شركة "سَمْسَب" المتخصصة في حلول التحقق والامتثال المالي، على أربعة محاور رئيسية هي معدل النشاط الاحتيالي، وإمكانية الوصول إلى الموارد، والتدخل الحكومي، والصحة الاقتصادية الشاملة، وهو ما يجعل قراءة المؤشر مرتبطة ببنية الواقع وليس بعدد الحالات المكتشفة فقط.
وبحسب التقرير فإن المغرب صُنف في المرتبة 39 عالميا في مؤشر النشاط الاحتيالي، وهو محور يقيس مدى انتشار محاولات الاحتيال وشبكات التهرب المالي ومعدل اختراق الأنظمة الرقمية، وقد سجل المغرب في هذا المحور مؤشرا رقميا بلغ 0.47 نقطة، ما يعني وفق منهجية التقرير أن مستوى المخاطر المرتبط بالنشاط الاحتيالي موجود لكنه غير مرتفع بشكل حاد مقارنة بدول أخرى في المنطقة أو في الأسواق الناشئة التي شهدت ارتفاعا في معدلات الاحتيال بفعل توسع رقمنة الخدمات المالية دون مواكبتها بإجراءات صارمة للامتثال. ويذكر التقرير أن هذا المحور يمثل 50 في المئة من الوزن العام للمؤشر، ما يجعل ترتيب المغرب في المرتبة 50 مرتبطا عضويا بأدائه في مكافحة الاحتيال وليس فقط بالبنية المؤسسية أو الاقتصادية. وفي ما يتعلق بمحور إمكانية الوصول إلى الموارد، وهو المحور الذي يمنح للمغرب أحد أضعف مؤشراته، يضع التقرير المملكة في المرتبة 91 عالميا بمؤشر 1.72 نقطة، ويُقصد بالموارد هنا القدرة على الوصول إلى الخدمات المصرفية الرقمية، وسرعة الإنترنت، ومتوسط القوة الشرائية للفرد، ودرجة الشمول المالي، وهي كلها عناصر يرى التقرير أنها شرط أساسي لخلق بيئة تقل فيها فرص الاحتيال لأن الأنظمة المالية الرقمية المنظمة والمفتوحة بشكل عادل تمنح المواطنين القدرة على التحقق السريع والمباشر من العمليات، وتحد من اعتمادهم على قنوات غير رسمية قد تشكل بيئة خصبة للغش والتحايل. ويشير أن المغرب، رغم استثماراته المتزايدة في البنية التحتية الرقمية، ما زال يعاني من فجوة بين المدن والمناطق شبه الحضرية والقروية فيما يتعلق بسرعة الإنترنت والوصول المتوازن للخدمات، وهو ما ينعكس مباشرة على هذا المؤشر. ويُلاحظ أن هذا المحور يمثل 20 في المئة من الوزن الإجمالي للمؤشر، ما يعني أن ضعف الوصول إلى الموارد الرقمية والمالية أحد أبرز نقاط الخلل في موقع المغرب العالمي. أما فيما يخص محور التدخل الحكومي، فقد وضع التقرير المغرب في المرتبة 64 عالميا بمؤشر 0.69 نقطة، وهو محور يقيس قدرة الدولة على سن سياسات تنظيمية صارمة لمحاربة الاحتيال، وتفعيل أجهزة الرقابة المالية، وإصدار تشريعات واضحة تفرض معايير الامتثال في المعاملات الرقمية، بما في ذلك التنسيق بين البنوك والجهات المكلفة بمراقبة غسل الأموال وتمويل الأنشطة غير المشروعة. وأشار التقرير إلى أن المغرب سجل أداء متوسطا في هذا الجانب، بحيث توجد تشريعات، لكن فاعلية التطبيق وإمكانية الربط بين الأنظمة المركزية والقطاعات المالية الخاصة لا تزال بحاجة إلى تعزيز. ويشكل هذا المحور أيضا 20 في المئة من التقييم النهائي وفق 2025 الذي يربط مستوى التدخل الحكومي بمرونة التشريعات وسرعة الاستجابة للتطورات التقنية. وفي محور الصحة الاقتصادية، صنف التقرير المغرب في المرتبة 90 عالميا بمؤشر 0.52 نقطة، وهو من أدنى مؤشرات المملكة في التقرير، ويقيس مستوى الاستقرار الاقتصادي ومعدلات التضخم والبطالة وتكلفة المعيشة ومؤشرات الفساد البنيوي والتهرب الضريبي، وهي كلها عوامل يرى التقرير أنها تسهم في خلق بيئة قد تبرر لبعض الفئات اللجوء إلى التحايل على الأنظمة المالية أو البحث عن منافذ غير نظامية للحصول على موارد إضافية. ويضع التقرير هذا المحور بوزن 10 في المئة من المؤشر العام، لكنه يعتبره محورا حاسما في تفسير دوافع الاحتيال وليس مجرد انعكاس له، إذ يلح على أن الدول التي تعرف مؤشرات اقتصادية ضعيفة غالبا ما تسجل ارتفاعا في مستوى المخاطرة المستقبلية حتى إن لم تكن حالات الاحتيال الحالية مرتفعة. وعلى المستوى الدولي، يضع التقرير لوكسمبورغ والدنمارك وفنلندا والنرويج وهولندا في صدارة الدول الأكثر حماية من الاحتيال، ويذكر أن هذه الدول تتميز بتقدم تشريعات الامتثال المالي، وارتفاع معدلات الوصول إلى الموارد الرقمية، وقوة البنية التحتية الحكومية التي تراقب التحويلات المالية والعمليات الرقمية في وقت شبه آني. وبالمقابل، أشار التقرير إلى أن الدول الأقل حماية هي تنزانيا والهند ونيجيريا وإندونيسيا وباكستان، حيث ترتفع معدلات النشاط الاحتيالي بشكل كبير، وتكون ثغرات الوصول إلى الخدمات الرسمية واسعة، ما يخلق بيئة يسهل فيها على الفاعلين الاحتياليين التحرك دون اكتشاف سريع. وسجلت باكستان على وجه الخصوص أعلى معدل للنشاط الاحتيالي في العالم، ما يعكس التلازم، وفق التقرير، بين هشاشة البنية الحكومية وغياب تدخل تنظيمي صارم وبين انتشار الاحتيال. ويذهب التقرير إلى حد القول إن هناك علاقة مباشرة بين مؤشر الوصول إلى الموارد ومؤشر الاحتيال، إذ أن الدول التي تصنف في مستويات متدنية في الوصول إلى الموارد غالبا ما تكون أقل قدرة على توفير أدوات الحماية الرقمية للمستخدمين، وهو ما يجعل المواطنين عرضة للاستغلال أو التضليل عبر قنوات موازية. وفي السياق ذاته، قال التقرير إن أوروبا تمثل أكبر تركيز للدول ضمن قائمة الخمسة عشر بلدا الأكثر حماية، وهو ما يفسره بكون البنية التشريعية الأوروبية تعتمد على معايير موحدة للامتثال المالي عبر الاتحاد الأوروبي، ما يجعل من الصعب على شبكات الاحتيال العمل عبر الحدود دون اكتشاف. ولاحظ معدو التقرير أن سنغافورة التي كانت في 2024 في المرتبة الأولى من حيث الحماية، تراجعت في الإصدار الأخير إلى المرتبة العاشرة، رغم أنها لا تزال تتصدر العالم في مؤشر التدخل الحكومي بفضل سرعة التفاعل المؤسسي مع محاولات الاحتيال. ووفق التقرير الصادر عن "سَمْسَب" البريطانية، فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية لا تتصدر المؤشر العام للحماية، لكنها تحتفظ بموقع الصدارة في الجاهزية للذكاء الاصطناعي، ما يعني أن قدراتها التقنية في تتبع أنماط الاحتيال المتقدمة تظل أعلى من المتوسط العالمي.