برعلا زكريا عندما يصبح المقعد البرلماني غاية منفصلة عن الأخلاق، نكون أمام خطر داهم على الديمقراطية. فالتمثيل النيابي ليس مجرد قدرة على الترافع السياسي، بل هو منصب يتطلب المروءة والنزاهة كشرط أساسي غير قابل للمساومة. والمشرع الذي يفتقر للبوصلة الأخلاقية في حياته الخاصة، لا يمكن أن يؤتمن على مصالح الأمة، فالفشل في الأمانة الشخصية هو الباب المفتوح على مصراعيه لجميع أشكال الفساد العام. هذه ليست مخاوف نظرية. فوجود 55 نائبا، أي ما يعادل 14% من أعضاء مجلس النواب الحالي، يواجهون أو تمت إدانتهم في قضايا فساد، يعني أننا تجاوزنا الحالات المعزولة إلى عتبة الخلل البنيوي. الكارثة الأعمق هي فشل آليات التصفية الحزبية، حين تكشف المعطيات أن 41 برلمانيا مدانا في قضايا ارتكبوها قبل انتخابات 2021، ورغم ذلك تمكنوا من العودة مجددا لقبة البرلمان. هذا يثبت أن الأحزاب تحولت إلى آلة لإعادة تدوير وجوه تعتمد على النفوذ المالي بدلا من النزاهة الأخلاقية. هنا يبرز سوء الاستخدام الأكثر فداحة للحصانة البرلمانية. هذا المبدأ الدستوري النبيل، الذي أقر في الفصل 39 لحماية النائب في ممارسته لمهامه التشريعية من أي ابتزاز محتمل، تحول على أيدي البعض إلى درع إجرامي يحمي الفرد من جرائم الحق العام. فالحصانة وجدت لحماية القول النيابي، لا لحماية الفعل الجرمي الشخصي. عندما يتمسك نائب بالحصانة ليحمي نفسه من اتهامات جنائية خطيرة، سواء كانت اختلاسا للمال العام أو حتى جرائم تمس الشرف والكرامة كالاغتصاب أو الإجهاض أو التستر على جريمة، فإنه يحول منصبه إلى منطقة استثناء قانوني. هذا اليقين المطلق بالنفوذ لدرجة الاستهتار التام بالقانون والأخلاق، هو إعلان عن موت الشهامة وتحول المنصب التمثيلي إلى غطاء لممارسة البلطجة. هذا المشهد يتناقض جذريا مع الديمقراطيات الراسخة التي لا تتهاون مطلقا مع الهفوات الأخلاقية لممثلي الأمة. في تلك الأنظمة، الاستقالة الفورية هي المصير الحتمي لأي مسؤول تثبت عليه مجرد شبهة تمس النزاهة الشخصية، لأنهم يدركون أن فاقد الأمانة الخاصة لا يصلح للأمانة العامة. إن هذه الفضائح الأخلاقية والجنائية هي السبب الجذري في تآكل الثقة وعزوف الشباب عن المشاركة السياسية، حين يرون قبة البرلمان تتحول إلى ملجأ للمدانين. وهو ما يتناقض تماما مع ما نبه إليه جلالة الملك البرلمانيين في خطاب 13 أكتوبر 2017: "…فأنتم مسؤولون أمام الله، وأمام الشعب وأمام الملك…". فكيف يستقيم أن يتحول المسؤول أمام الشعب إلى متهم في قضايا تمس شرف الأمة؟ إن الديمقراطية النزيهة والمساءلة الفعالة هي التي أوصلت مؤخرا شابا مسلما، معارضا بارزا لسياسات ترامب، إلى منصب حاكم إحدى أهم الولاياتالأمريكية، في إشارة واضحة إلى أن الكفاءة والأخلاق هما المعيار. ولهذا، يرتد جانب كبير من المسؤولية إلى الناخب، لقطع الطريق عبر صناديق الاقتراع على كل من يفتقر للشهامة والمروءة قبل وصولهم إلى قبة البرلمان.