احتضان المغرب للدورة ال93 للجمعية العامة للإنتربول يعكس مكانته كشريك موثوق به في مواجهة التحديات الأمنية العالمية (مسؤول أمني)    استثمار تاريخي بقيمة 15 مليار دولار ينطلق بالمغرب ويعد بتحول اقتصادي غير مسبوق    حديث الصمت    وزيرة الدولة لشؤون وزارة الخارجية الفلسطينية تعرب عن شكرها للملك محمد السادس رئيس لجنة القدس على الجهود المبذولة لدعم القضية الفلسطينية والدفع نحو حل الدولتين    الحسيمة.. 20 سنة سجنا ل"بزناز" متهم بالاختطاف والتعذيب وطلب فدية    بركة: حماية وتثمين الملك العمومي البحري مسؤولية مشتركة    مهرجان سينما الذاكرة المشتركة بالناظور يُكرّم الشيخة سعاد الصباح في دورته المقبلة    الخارجية الصينية: ليس لدى تايوان أساس أو سبب أو حق للمشاركة في جمعية الصحة العالمية    عامل شفشاون: مشاريع المبادرة ساهمت في تحسين المعيشة وتنزيل مشاريع مهمة    أخنوش: إصلاح التعليم خيار سيادي وأولوية وطنية    قمة الصعود تُشعل الجدل..شباب الريف يرفض ملعب الزياتن    وزير العدل: كنت سأستغرب لو وقع نواب "الاتحاد الاشتراكي" مع المعارضة على ملتمس الرقابة    الأخضر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    بعد مشاركتها في معرض للصناعة التقليدية بإسبانيا.. مغربية ترفض العودة إلى المغرب    ثلاثة مراسيم على طاولة المجلس الحكومي    نقل إياب نهائي كأس الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم إلى زنجبار    وهبي: رفضنا تعديلات على المسطرة الجنائية لمخالفتها مرجعيات الإصلاح أو لمتطلباتها المادية الضخمة    تلك الرائحة    انقطاع واسع في خدمات الهاتف والإنترنت يضرب إسبانيا    الملك يهنئ رئيس جمهورية الكاميرون    عصابة المخدرات تفشل في الفرار رغم الرصاص.. والأمن يحجز كمية ضخمة من السموم    مجلس النواب يقر قانون المفوضين القضائيين الجديد في قراءة ثانية    كيف تعمل الألعاب الإلكترونية على تمكين الشباب المغربي؟    الناظور.. المقر الجديد للمديرية الإقليمية للضرائب يقترب من الاكتمال    بوريطة: دعم المغرب لفلسطين يومي ويمزج بين الدبلوماسية والميدان    موريتانيا تقضي نهائيا على مرض الرمد الحبيبي    هذا المساء في برنامج "مدارات" : لمحات عن علماء وأدباء وصلحاء منطقة دكالة    استئنافية الرباط تؤجل محاكمة الصحافي حميد المهدوي إلى 26 ماي الجاري    الوداد الرياضي يُحدد موعد سفره إلى الولايات المتحدة الأمريكية    40.1% نسبة ملء السدود في المغرب    "حماة المال العام" يؤكدون غياب الإرادة السياسية لمكافحة الفساد ويحتجون بالرباط على منعهم من التبليغ    رئيس حزب عبري: إسرائيل تقتل الأطفال كهواية.. وفي طريقها لأن تصبح "دولة منبوذة" مثل نظام الفصل العنصري    دو فيلبان منتقدا أوروبا: لا تكفي بيانات الشجب.. أوقفوا التجارة والأسلحة مع إسرائيل وحاكموا قادتها    مسؤولون دوليون يشيدون بريادة المغرب في مجال تعزيز السلامة الطرقية    صلاح رابع لاعب أفريقي يصل إلى 300 مباراة في الدوري الإنجليزي    يوسف العربي يتوج بجائزة هداف الدوري القبرصي لموسم 2024-2025    لهذه الأسباب قلق كبير داخل الوداد … !    مشاركة أعرق تشكيلات المشاة في الجيش الإسرائيلي في مناورات "الأسد الإفريقي" بالمغرب    توقيع مذكرة تفاهم بين شركة موانئ دبي العالمية والهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    ماكرون وستارمر وكارني يهددون إسرائيل بإجراءات "عقابية" بسبب أفعالها "المشينة" في غزة    مكالمة الساعتين: هل يمهّد حوار بوتين وترامب لتحول دراماتيكي في الحرب الأوكرانية؟    طقس حار نسبيا في توقعات اليوم الثلاثاء    الاقتصاد الاجتماعي والتضامني رافعة أساسية لتنمية شاملة ومستدافة" شعار النسخة 6 للمعرض الجهوي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني بوجدة    نداء إلى القائمين على الشأن الثقافي: لنخصص يوماً وطنياً للمتاحف في المغرب    مسرح رياض السلطان يواصل مسيرة الامتاع الفني يستضيف عوزري وكسيكس والزيراري وكينطانا والسويسي ورفيدة    شاطئ رأس الرمل... وجهة سياحية برؤية ضبابية ووسائل نقل "خردة"!    "win by inwi" تُتَوَّج بلقب "انتخب منتج العام 2025" للسنة الثالثة على التوالي!    مستشفى صيني ينجح في زرع قلب اصطناعي مغناطيسي لطفل في السابعة من عمره    تفشي إنفلونزا الطيور .. اليابان تعلق استيراد الدواجن من البرازيل    مهرجان "ماطا" للفروسية يحتفي بربع قرن من الازدهار في دورة استثنائية تحت الرعاية الملكية    ورشة مغربية-فرنسية لدعم أولى تجارب المخرجين الشباب    تشخيص إصابة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن بنوع "عدواني" من سرطان البروستاتا    من المغرب.. مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة"    التوصيات الرئيسية في طب الأمراض المعدية بالمغرب كما أعدتهم الجمعية المغربية لمكافحة الأمراض المعدية    رحيل الرجولة في زمنٍ قد يكون لها معنى    بمناسبة سفر أول فوج منهم إلى الديار المقدسة ..أمير المؤمنين يدعو الحجاج المغاربة إلى التحلي بقيم الإسلام المثلى    فتوى تحرم استهلاك لحم الدجاج الصيني في موريتانيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا الحرف اللاتيني هو الأنفع للأمازيغية؟ (الجزء 1)
نشر في ناظور سيتي يوم 08 - 08 - 2011

يعود النقاش حول حرف كتابة الأمازيغية من جديد بعد أن جرت جولته الماراطونية الأولى عامي 2002 و2003 على صفحات جرائد عديدة مثل "تاويزا" و"العالم الأمازيغي" و"الأحداث المغربية" و"التجديد"، وأيضا داخل عدد من الأحزاب والجمعيات، بالإضافة إلى المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (IRCAM). وعودة هذا النقاش المُسيّس مرة أخرى إلى الواجهة دليل على أن "خيار تيفيناغ" لم يكن حاسما ولا ضمن أي "إجماع وطني"، وإنما كان فقط تأجيلا سياسيا للمسألة. وها هي أطراف "الإجماع الوطني" (الحزبي) بدأت هي نفسها تنكر وجود أي "إجماع وطني" حول تيفيناغ وبدأت تروج للحرف العربي!
وحتى التجربة المدرسية في تعليم الأمازيغية لا يمكن اعتبارها ناجحة على الإطلاق، حيث لم تتجاوز نسبة تلاميذ الإبتدائي الذين يتعلمون الأمازيغية بتيفيناغ ال15% حسب أرقام وزارة التربية الوطنية، وهي حصيلة هزيلة إذا نظرنا إلى مرور 8 سنوات على دخولها المدرسة، وإلى تعهد الوزارة أمام الرأي العام بالوصول إلى تغطية 100% من التلاميذ قبل نهاية 2012 عبر مجموع المدارس!
ومازالت الأمازيغية غائبة تماما عن أقسام الإعدادي والباكالوريا. ولا يبدو أن المعهد الملكي والوزارة المعنية لديهما أية خطة (أو حتى نية) في تعميم الأمازيغية على المدارس الثانوية. في حين أنه من الأجدر أن يبدأ تدريس الأمازيغية من السنة الأخيرة من الباكالوريا تنازليا وبالتزامن مع الإتجاه التصاعدي في الأقسام الإبتدائية.
ولكن أطرف ما في مسألة الحرف على الإطلاق هو أن الجهات المضادة للأمازيغية هي التي تعود الآن إلى إثارة مسألة الحرف، وكأنها لم تقنع بحرمان الأمازيغية من الحرف اللاتيني، وب"الحل الوسط" الذي يمثله حرف تيفيناغ لدى البعض.
فما العمل مع من يجهلون لغتك ويحتقرونها، ورفضوا دائما مبدأ ترسيمها، ثم فوق ذلك كله يأتون ليخبروك بالحرف الذي يجب عليك أن تستعمله لكتابتها؟!
هناك شيء جوهري يجب ذكره قبل الخوض في الموضوع وهو أنه هناك نوعان من النقاش حول الحرف:
1) نقاش قديم ظهر منذ السبعينات من القرن الماضي بين الناشطين في ميدان الأمازيغية (لغويون، باحثون أكاديميون، كتاب، مناضلون..)، حيث اتفقوا في غالبيتهم على ضرورة كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني لأسباب عملية، مع وجود نسبة صغيرة من المساندين لحرف تيفيناغ.
2) نقاش حديث ظهر بعد تأسيس المعهد عام 2001 ومع بداية الإعداد لتدريس الأمازيغية. هذا النقاش كان بين الناشطين في ميدان الأمازيغية من جهة، وسياسيين ومثقفين لا علاقة لهم باللغة الأمازيغية من جهة أخرى. حيث ظهر أن كثيرا من السياسيين والمثقفين غير الناطقين بالأمازيغية كانت لهم آراء وفتاوى جاهزة ومبنية على أساس سياسي وأيديولوجي صرف، دون معرفة ولو سطحية باللغة الأمازيغية.
لماذا يتدخل السياسيون في الشؤون الدقيقة للأمازيغية؟!
إن المرء ليندهش وهو يرى سياسيين يتدخلون بشكل سافر في مسألة الحرف الأمازيغي مثلا ويجعلونه جزءا من برنامجهم السياسي رغم استبعادهم لمسألة ترسيم الأمازيغية من نفس البرنامج السياسي!
هذا طبعا دون أن ننسى أن المكان الطبيعي للسياسيين هو الإنشغال بهموم المواطنين حول الشغل والسكن والصحة وحقوق الإنسان، وليس التدخل في حروف اللغات.
أين ينتهي مجال السياسيين ويبدأ مجال اللغويين المتخصصين والكتاب الممارسين للكتابة باللغة؟ هل يحق للسياسيين التدخل في قاموس اللغة ومنع الكلمات الأجنبية أو "المشبوهة" من التداول؟! هل يحق لهم أن يقننوا عدد كلمات القاموس الأمازيغي منعا ل"التضخم"؟!
أليس تدخل السياسيين في مسألة حرف كتابة الأمازيغية بمثابة التدخل في حرية الأفراد في اللباس أو التدين أو الترفيه أو التجول أو الكتابة باليمنى أو باليسرى؟!
أليس ذلك التدخل في مسألة الحرف بمثابة التدخل في الأدوات التي يستخدمها الطبيب في عمله أو البنّاء في ورشته أو العالِم في مختبره؟!
دعاة الحرف العربي يريدون تركيع الأمازيغية:
من هم دعاة فرض الحرف العربي على الأمازيغية؟ إنهم إسلاميو أو عروبيو الأيديولوجية في غالبيتهم الساحقة. فبعد أن كانوا يرفضون ترسيم الأمازيغية رفضا قاطعا، وبعد أن كان كثيرون منهم ينكرون وجود الأمازيغية كلغة ويعتبرونها مجرد لهجات أو مجرد لغة مختبرية اصطناعية أو مؤامرة صهيونية فرنكوفونية؛ وجدوا أن تلك الآراء المتطرفة أصبحت اليوم غير قابلة للترويج في الأوساط الشعبية بسبب بروز الأمازيغية أكثر فأكثر إلى الواجهة. وهكذا "تنازلوا" (مكره أخوك لا بطل) فأقروا بأن الأمازيغية لغة كغيرها من اللغات. وأقروا ضمنيا بأنها ليست مجرد لهجات بدائية وبأنها ليست مؤامرة صهيونية فرنكوفونية. إلا أنهم الآن يصرون على رسم مستقبل الأمازيغية بشكل لا يشوش على توجهاتهم وبرامجهم السياسية والأيديولوجية ولا يلحق أي "ضرر" بالوضع القائم.
ومادام أن الأمازيغية عصية على الإخماد والتصفية فقد انتقلوا الآن من معارضة الترسيم في حد ذاته إلى محاولة التحكم في شروط وظروف الترسيم (المنقوص)، عملا بالمبدإ المعروف "ما لا يُدرَك كله لا يُترَك جله".
فاليوم يريدون فرض الحرف العربي على الأمازيغية، وغدا سيتدخلون في عدد ساعات تدريسها وكيفية استخدامها في الإدارات وجوازات السفر واللوحات الطرقية، وبعد غد سيجادلون فيما إذا كان من حق البرلمانيين والمحامين المداخلة والمرافعة بالأمازيغية أم لا، أو ما إذا كانت هناك حاجة لإدماجها في الأكاديمية العسكرية أو في المعهد الملكي للشرطة!
إن المنادين باعتماد الحرف العربي لا يتقنون، في أغلبيتهم الساحقة، الكلام بالأمازيغية ولا قراءتها ولا كتابتها بذلك الحرف الذي يروجون له. ولم يكلفوا أنفسهم يوما عناء دراسة نحوها ومعاجمها وأدبها وشعرها. إنهم سياسيون بأجندات سياسية أو هم مثقفون ذوو أيديولوجيات. وكل ما يريدونه هو تحييد Neutralization الأمازيغية وفرض وصايتهم عليها لتخفيف أثرها المحتمل على مشاريعهم السياسية أو الأيديولوجية. إن فرض الحرف العربي على الأمازيغية هو تركيع لها غرضه هو إبقاؤها تحت السيطرة والمراقبة.
الحرف اللاتيني حلال على الفرنسية وحرام على الأمازيغية!
يبدو أن الهاجس الجوهري الذي يحرك الإسلاميين والعروبيين الرافضين لكتابة الأمازيغية رسميا بالحرف اللاتيني هو خليط من خوفهم أن تنافس الأمازيغية العربية أو تتساوى معها في الحضور والتأثير الإعلامي والسياسي، مع تخوفهم من تراجع أنماط الفكر الإسلامي والعربي المشرقي التقليدي وشيوع الأفكار العلمانية والغربية في المحيط الثقافي الأمازيغي. كما أن هناك تيمة التنصير والتغريب والإستعمار والمؤامرة الصهيونية وخرافة "الظهير البربري" التي تتكرر في خطاباتهم بشكل مكشوف أو مقنّع، يربطون فيها بين الحرف اللاتيني والمسيحية والإستعمار الفرنسي والإختراق الأجنبي مثلا.
العجيب هو أن الإسلاميين والعروبيين لا يرون بأن وجود الفرنسية والحرف الفرنسي اللاتيني في كل مناحي الحياة الرسمية والعامة بالمغرب يشكل أي خطر على الإسلام أو على العربية أو على عقيدة المغاربة أو على أمن ووحدة المغرب. وعتابهم الخفيف لسياسة الدولة المغربية المعتنقة للفرنكوفونية لا يرقى إلى ذلك التهويل والتجييش والتعبئة الجهنمية ضد كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني.
وهكذا فالأطفال المغاربة حينما يتعلمون الفرنسية والإنجليزية والإسبانية في المدارس المغربية ويكتبونها وينشدون بها الأناشيد، وحينما يشاهدون الرسوم المتحركة بالفرنسية على 2M والرابعة والثالثة والأولى، هم في أمن وأمان من التنصير والإلحاد والفرنسة والأمركة والتغريب والعلمنة!
ولكن إذا تعلم الأطفال المغاربة قراءة وكتابة لغتهم الأمازيغية باستخدام الحرف اللاتيني، فالمغرب سيكون حينئذ في خطر داهم أمام "الهجمة اللاتينية الفرنكوفونية التنصيرية العلمانية الإلحادية الأوروبية المضادة للإسلام والعربية"!
هل هناك عبث واستخفاف بالعقول أكثر من هذا؟!
لماذا الحرف اللاتيني حلال على الفرنسية والإنجليزية والإسبانية في المدارس والجامعات والإدارات
المغربية، بينما هو حرام على الأمازيغية؟!
ماهي الحروف المستخدمة في لغات الشعوب المسلمة؟
يحلو لكثير من دعاة الحرف العربي للأمازيغية الإستشهاد ببعض لغات الشعوب المسلمة كاللغتين الفارسية والأردية اللتان تستخدمان الحرف العربي، ك"قدوة حسنة" للأمازيغية. ولكنهم يتجاهلون أو ربما يجهلون أن هناك عددا أضخم من لغات الشعوب المسلمة التي تستخدم الحرف اللاتيني أو حروفا أخرى. لنقارن بلغة الأرقام:
1- لغات مكتوبة بالحرف اللاتيني: اللغة الإندونيسية (230 مليون متكلم). التركية (70 مليون متكلم). لغة الهوسا في شمال نيجيريا وغانا (30 مليونا). الأوزبكية (25 مليونا). الماليزية (20 مليونا). الأذربيجانية (10 ملايين). لغة Wolof في السنغال وغامبيا (10 ملايين). الصومالية (9 ملايين). لغة Bambara في جنوب مالي وبوركينافاسو (6 ملايين). الألبانية (5 ملايين). لغة تركمانستان (3 ملايين). اللغة البوسنية (3 ملايين).
2- لغات مكتوبة بالحرف العربي: الأوردو والبنجابية والسندية في باكستان (150 مليون متكلم في المجموع). الفارسية في إيران وأفغانستان (80 مليونا). البشتونية في باكستان وأفغانستان (40 مليون متكلم). الأويغورية في غرب الصين (11 مليونا).
3- لغات مكتوبة بحروف أخرى: اللغة البنغالية في بنغلادش والهند (260 مليون متكلم) تستعمل الحرف البنغالي. اللغة الكردية (حوالي 25 مليونا) مكتوبة بالحرف اللاتيني و العربي والروسي وهي تتجه لتبني الحرف اللاتيني كحرف موحد. أما اللغات الطاجيكية (25 مليونا) والكازاخستانية (8 ملايين) والقرغيزية (4 ملايين) فتستعمل حاليا الحرف الروسي.
اللغات تختار حروفها:
إن تخلي اللغات عن حروف واختيار أخرى بسبب تأثيرات ثقافية ودينية أو لدواع عملية ومنفعية هو شيء شائع جدا في تاريخها. فالإنجليزية القديمة Old English كانت لديها أبجديتها الرونية Runic الجرمانية الخاصة بها والمختلفة عن الحروف اللاتينية. وتحولت الإنجليزية إلى الحرف اللاتيني منذ القرن 9 ميلادي.
أما الفارسية فانتقلت من الكتابة المسمارية على الألواح الطينية منذ عام 525 قبل الميلاد، إلى الأبجديتين الفهلوية Pahlavi والآفستانية Avestan، ثم إلى الحرف العربي بعد قرن ونصف من دخول الإسلام إلى فارس.
والتركية انتقلت من الحرف العربي إلى الحرف اللاتيني عام 1928. وبقية لغات آسيا الوسطى انتقلت من الأبجدية التركية القديمة Göktürk script إلى الحرف العربي الفارسي (خلال عصر دخول الإسلام)، ثم إلى الحرف الروسي (الفترة السوفياتية)، وبعضها انتقل إلى الحرف اللاتيني. فدولة أوزبكستان مثلا تخلت عن الحرف الروسي واعتمدت الحرف اللاتيني رسميا عام 1992 بعد استقلالها عن الإتحاد السوفياتي عام 1991. ومن بين الدوافع لاعتماد الأوزبكية للحرف اللاتيني هي الرغبة في التقارب مع أخواتها اللغات التركية والتركمانستانية والأذربيجانية المكتوبة باللاتيني أيضا.
أما لغة الملايو (أي الماليزية والإندونيسية) فكانت مكتوبة في القديم بحروف آسيوية وهي Kawi script وGrantha script وPallava script، ثم انتقلت إلى تبني الحرف العربي خلال فترة انتشار الإسلام، ثم انتقلت إلى الحرف اللاتيني في العصر الحديث.
مبرر المخطوطات الأمازيغية المكتوبة بالحرف العربي:
يقول مساندو كتابة الأمازيغية رسميا بالحرف العربي إن وجود المخطوطات الأمازيغية (المكتوبة بحرف عربي منذ القرن 9 ميلادي) يبرر إلزامية كتابة الأمازيغية اليوم بحرف عربي انسجاما مع هذا التقليد. وهذا "المبرر التاريخي" قد يبدو معقولا للوهلة الأولى لمن لم يطلع على مجموع تاريخ كتابة الأمازيغية. ولكن إذا أخذنا منطق الأسبقية التاريخية وحده في الحسبان فالحرف الأجدر بالأمازيغية هو حرف تيفيناغ لأنه اختراع أمازيغي صرف، ولأنه سابق لكل الحروف الأخرى في العالم الأمازيغي القديم، وهو مازال راسخا في آلاف النقوش الحجرية عبر مجموع شمال أفريقيا وجزر الكناري.
والأرجح هو أن تيفيناغ لم يكن يستخدم فقط في المنقوشات الحجرية من طرف الهواة والنقاشين القدامى، وإنما كان أيضا حرفا رسميا تستعمله الممالك الأمازيغية القديمة مثل مملكة نوميديا. والدليل على ذلك هو مثلا تلك اللوحة الحجرية الشهيرة من مدينة Thugga التاريخية في تونس، والتي كتبت بحرف تيفيناغ على ضريح الملك ماسينيسا في معبد المدينة الذي بني تكريما له. وهذه اللوحة توجد الآن في المتحف البريطاني في لندن. كما أنه توجد في شمال أفريقيا نقوش قديمة مزدوجة الحرف: تيفيناغ/بونيقي (في بعض المناطق التي استوطنها الفينيقيون)، وتيفيناغ/لاتيني (في بعض المناطق التي استوطنها الرومان). وهذا كله يدل على مكانة رسمية أو اعتبارية كان يتمتع بها حرف تيفيناغ آنذاك.
أما إذا فحصنا تاريخ كتابة الأمازيغية بشكل شمولي فسنجد أن تغير حروف كتابة الأمازيغية من تيفيناغ (ما قبل الميلاد، مملكة نوميديا، والطوارق)، إلى الحرف العربي (مع انتشار الإسلام)، إلى الحرف اللاتيني (النهضة الثقافية الأمازيغية في القرن ال20)، كان يعكس تغير الظروف التاريخية والثقافية في كل فترة من تاريخ الشعب الأمازيغي. وانتقال الأمازيغية إلى الحرف اللاتيني في عصرنا الحالي ناتج من الظرفية الحالية المتميزة بشيوع الحرف اللاتيني عالميا، واستخدامه في الدراسات اللغوية الأمازيغية الحديثة، ورغبة المهتمين الحقيقيين بالأمازيغية في الإستفادة من منافعه العملية من أجل تطوير هذه اللغة.
حرف تيفيناغ لن ينفع الأمازيغية كثيرا في هذه المرحلة:
يمكن لأي إنسان أن يتعلم حرف تيفيناغ بمنتهى السهولة. وكذلك يمكن تعلم الحرف الروسي أو اليوناني أو البنغالي بسهولة عظيمة. ولكن المسألة ليست متعلقة بمدى سهولة تعلم الحروف. وإنما هي مسألة أعقد بكثير تتداخل فيها عوامل الإرادة الشخصية، والنظام التعليمي، والإعلام، والإقتصاد، وتكنولوجيا المعلومات، والعولمة، فضلا عن احتياجات اللغة نفسها.
النقطتان الإيجابيتان الأساسيتان في حرف تيفيناغ هما: أصالته وتميزه عن كل الحروف الأخرى، وعراقته التي تعود إلى آلاف السنين. إلا أن استخدامه اليوم على أساس هاتين النقطتين الإيجابيتين سيمر عبر دفع ضريبة باهضة وهي عدم قدرة 95% من الشباب والمتعلمين على قراءته والكتابة به في الظروف الحالية وقلة استعدادهم لتعلمه، وبالتالي انعزالهم عن ديناميكية تطور الأمازيغية. استبعاد الحرف اللاتيني واعتماد تيفيناغ حرفا رسميا هو إذن إضاعة للوقت وإضاعة لفرصة نشر الأمازيغية وتطويرها وإقلاعها إقلاعا قويا.
أما الرهان على تعليم الأمازيغية بتيفيناغ للصغار فقط، مع تجاهل جيل الشباب المغربي الحالي الذي فاته تعلم الأمازيغية في الإبتدائي، فسيضر بالأمازيغية كثيرا في ما يخص انتشارها على المدى القصير والمتوسط، أي على مدى العقدين المقبلين اللذين سيحددان مصير الأمازيغية. حينما نتحدث عن تعليم الأمازيغية يجب أن نأخذ في الحسبان شباب الثانويات والجامعات والشباب العامل والمثقف ومسألة التكوين المستمر للموظفين، وليس فقط أطفال المستوى الإبتدائي. نحن نعلم أن كثيرا من الشباب المغربي المتعلم اليوم لم يتعلموا الإنجليزية مثلا إلا بعد اجتياز الباكالوريا أو حتى بعد دخولهم سوق العمل.
حروف تيفيناغ غريبة ومنفرة بالنسبة للبعض وجميلة ظريفة بالنسبة لآخرين. ولكنك تجد أغلب الذين يمدحونها أو يستظرفونها غير مبالين بتعلمها والكتابة بها (ربما لضيق الوقت وكثرة المشاغل!) وإنما ينظرون فقط إلى مظهرها الخارجي ويخيل إليهم أنها نقوش تصلح لمزينات الصناعة التقليدية واللوحات التشكيلية، وبالمقابل تجدهم يأخذون الحرف اللاتيني بمنتهى الجدية ويجهدون أنفسهم في إتقان الفرنسية وغيرها من اللغات الأوروبية. الأمازيغية لا تحتاج إلى "سياح مغاربة" أو أجانب يستمتعون بمشاهدة حروف تيفيناغ كأنها نقوش أثرية أو زركشات على الزرابي، وإنما تحتاج لأن تكون متاحة للدارسين والمواطنين أولا وقبل كل شيء.
لا بأس من استخدام تيفيناغ في بعض الحقول الرمزية مثل لوحات الإدارات الرسمية وأسماء الشوارع وعلى النقود وجوازات السفر والطوابع البريدية (رغم أن اللاتيني أنفع للأمازيغية من الناحية العملية)، ولكن حينما يتعلق الأمر بالتعليم واشتغال المؤسسات والنشر الورقي والإلكتروني فالأمازيغية تحتاج اليوم إلى الحرف الذي يضمن اندماجها السريع والفعال في تلك الميادين. الأمازيغية تحتاج إلى ما يقربها من الجمهور الواسع والشباب المغربي، شباب الفيس بوك والتويتر، شباب الآيفون والبلاك بيري، شباب الثانويات والجامعات، الشباب المتمرس بالحرف اللاتيني، شباب 2011. الأمازيغية تحتاج إلى ما يسهل اندماجها في تكنولوجيا الكومبيوتر وشبكة الإنترنت وعالم العلوم والمعرفة. ولكي تنجح اللغة الأمازيغية كلغة علم وتكنولوجيا وإدارة وتعليم، يجب عليها أن تقتحم تلك الميادين بالعتاد المناسب والأدوات الفعالة وعلى رأسها يأتي الحرف اللاتيني.
للحديث بقية...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.