صدرت هذه الأيام رواية الغوريلا للروائي التونسي كمال الرياحي في واحدة من أهم دور النشر العربية دار الساقي بلندن في 192 صفحة في قطع متوسط. رواية تدور رحاها حول الواقع الذي أفرز ثورة 14 جانفي بتونس وينهيها الكاتب أثناء الأحداث. رواية تلاقي نجاحا كبيرا قبل حتى صدورها بالعربية منذ نشر قسمها الأول في كتاب جماعي نشرته جائزة البوكر وترجم جزء من الرواية المترجم البريطاني بيتر كلارك الى الانجليزية واستدعي كمال الرياحي لمهرجان هاي فيستفال بانجلترا للحديث عنها ثم الى رافينا بايطاليا وترجمت مقاطع منها الى الايطالية. وهي بصدد الترجمة الى البرتغالية والعبرية. الرواية تبدو الشهادة الابداعية للثورة التونسية خاصة ان كاتبها كان واحدا من المبدعين التونسيين المغضوب عليهم مما اضطره سنة 2009 لمغادرة تونس الى الجزائر بعد ان مر باضراب جوع بسبب سياسة النظام البائد الذي منعه من العمل مدة 11 سنة بسبب مواقفه وروايته المشرط التي لاقت نجاحا كبيرا وكانت قد كشفت وجها قبيحا لنظام بن علي. إلى جانب نشاطه الصحفي في المجال الثقافي في الصحافة العالمية. كمال الرياحي متحصل على الجائزة الذهبية للرواية التونسية وجائزة بيروت 39 لافضل 39 كاتبا عربيا دون سن الاربعين وحقق نجاحا لافتا في جائزة البوكر العربية. وباحث متحصل على شهادة الماجستير وله اكثر 8 كتب بين رواية وقصة قصيرة ونقد. في صيف 2009 تفاجا الناس بالعاصمة التونسية برجل يتسلق برج ساعة 7 نوفمبر رمز نظام الجنرال بن علي والتي كان مكانها تمثال الرئيس المخلوع الحبيب بورقيبة. حدث ارتباك كبير بالشارع ولم تتمكن الشرطة وكل أعوان الأمن والحماية المدنية في اقناع الرجل بالنزول من على قمة الساعة. وبقي فوق البرج لمدة سبع ساعات ثم نزل فاخذ إلى مكان مجهول للتحقيق معه ومن يومه لم يسمع به احد. نشرت كل الصحف ووكالات الأنباء خبرا مفاده ن هناك مختل عقليا تسلق برج الساعة وهدد بالانتحار لكن رجال الأمن تمكنوا من إنقاذه. هذه الرواية الرسمية للحدث لم تقنع الروائي كمال الرياحي وقرر أن يكتب لهذا الرجل سيرة تليق بجرأته غير المسبوقة. فقد اخترق محظورا كبيرا في تونس بانتهاك حرمة برج الساعة رمز النظام الحاكم والتي تنتصب قرب وزارة الداخلية. تدور أحداث الرواية عن رجل أسود تسلق برج ساعة 7 نوفمبر في وضح النهار ورفض النزول وأحدى حالة من الفوضى في العاصمة التونسية. فتجمعت الناس من حول الساعة ينظرون إلى هذا الرجل الذي تجرّأ على المحظور. ساعة النظام التي تنتصب قريبا من وزارة الداخلية. تحت البرج يتوافد الناس على المشهد الذي يذكرنا بفيلم "كينغ كونغ" لكن على الطريقة التونسية ففوق البرج انسان لكن باسم الغوريلا، سموه أصحابه لكونه زنجيا، وبهذا يقتحم كمال الرياحي كأول كاتب عربي موضوع التمييز العنصري في الشعوب العربية ويروي عذابات هذا الزنجي منذ الطفولة إلى أن يتسلق برج الساعة. صالح أو الغوريلا الذي اختفى قبل سنتين ثم ظهر فوق البرج ليس زنجيا فقط وليست من المهمشين فقط بل حشد فيه الكاتب كل متطلبات التراجيديا فهو لقيط أو ابن بالتبني أخذته عائلة فقيرة من ملجأ الأيتام لتربيه في إحدى القرى التونسية وهنا اكتشف بالصدف وهو طفل انه لقيط. هكذا مرة أخرى يطرق كمال الرياحي موضوعا مسكوتا عنه في تونس وهم اللقطاء أو ما يسمون ب"أطفال بورقيبة" فقد أطلق عليهم في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة هذه التسمية التي تشير إلى كونهم لقطاء بلا أب. هذه التسمية ستشكل حبكة الرواية انطلاقا من الصدمة التي عاشها صالح وهو يتلقى خبر لقاطته "طفل من أطفال بورقيبة" ورأى نفسه مثل قطعة نقدية غريبة ؛ وجده يقول انه ابن لأهم رجل بالبلاد: رئيس الدولة . ووجه العملة الآخر يقول أنه ليس ابنا لأحد...هذه المفارقة شكلت علاقته بالعالم وببورقيبة تحديدا. فقضى عمره يريد أن يقابله إلى أن يموت بورقيبة ويمشي في جنازته حاملا كل أسئلته التي خزنها من الطفولة . ينتهي به المطاف بعد حياة قضاها في السجون والإصلاحيات والشوارع الخلفية مع المهمشين إلى أن يلتحق بشركة حراسة المؤسسات التي ترسله ليحرس قبر الزعيم بورقيبة. كان الغوريلا يعيش استهامات وفي لحظة مواجهة مع بورقيبة أفرغ في القبر وفي صورته رشاشه ثم القى به وهرب في الجبال وهو يحسب انه قتل عشرات السياح الذين كانوا بحديقة القبر. تزامنت تلك الحادثة مع حادثة ارهابية بالعاصمة عرفت بحوادث مدينة سيلمان التي ادت الى مقتل 15 ارهابيا مسلحا. اتهم الغوريلا بأنه واحد من ذلك التنظيم السري وأصبح مطاردا لسبب آخر. التهمة لفقها له ضابط شرطة مرتشي تروي الرواية قصته فاتحة بذلك موضوع الفساد السياسي في تونس والقمع . يسقط الغوريلا في تيهه بين يدي تنظيم إرهابي فعلا يقومون بالتدريب في الجبال ويصطادون الرجال لتعزيز صفوفهم. وقد انتشرت بتونس عمليات خطف منظم أدت إلى اختفاء الآلاف من المواطنين. وفي أسلوب من التشويق والرعب يصف الرياحي عوالم هذا التنظيم الذي يكشف في النهاية انه ليس بالتنظيم الديني المتطرف إنما هو جيش ليلى الطرابلسي زوجة بن علي كانت تجهزه في شكل ميليشيات مدربة للانقضاض على الحكم سنة 2013 واختارت ان يتقنعوا وراء لباس وهيئة ولحى الإسلاميين حتى إذا حدثت أي خيانة أو أي طارئ يقع تصفيتهم دون ادني خطر. تصف الرواية أجواء هذا التنظيم السري المتخفي وراء ازياء المتطرفين لتكشف في أسلوب سخرية واقع الفساد السياسي والتطرف الديني وأصوله العميقة. ينتهي الأمر باكتشاف الغوريلا ورفاقه حقيقة هذا التنظيم الذي يبدأ في تصفيه بعضه. يهرب الغوريلا وينجو من القتل ليظهر فوق برج الساعة يوم 3 أغسطس. تاريخ يذكر التونسيين بعيد ميلاد الرئيس الاسبق الحبيب بورقيبة الذي انقلب عليه زين العابدين بن علي. تنفتح الرواية من خلال الشخصيات الاخرى :علي كلاب وحبيبة والجط وشكيرا وبوخا وبهته على عالم المهمشين فتلتفت الرواية إلى ظاهرة الفقر وعوالم الجريمة في تونس وعلاقة العائلة الحاكمة بالمشبوهين في عالم المخدرات والقتل والسرقة ورجال الأمن المرتشين. رواية تصف ميكانيزمات استغال الدولة البوليسية. تعتمد الرواية تقنية الكتابة السينمائية المشهدية فتلتحق برج الساعة كل مرة شخصية تروي بعض مما عرفته عن الغوريلا الذي يتمسك بمكانه فوق البرج إلى أن يأتي علي كلاب ضابط الشرطة الفاسد المعروف بتاريخه الأسود في قضايا التعذيب ويقرر انزاله بالصعقات الكهربائية. يصاب الغوريلا بصعقة كهربائية قوية فيسقط حترقا. تتحرك الجماهير التي تحت البرج وتهجم على الشرطة التي ترد عليها بالرصاص الحي وتبدأ عملية تمرّد بمظاهرة يحمل فيها الغوريلا المحترق على الاكتاف وتندلع الثورة في كل الشوارع .