بعد أسبوعين عن قرار المجلس الحكومي إرجاء المناقشة والمصادقة على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية بسبب تحفظ مجموعة من الوزراء على طريقة صياغة مجموعة من مواده التي تحتاج إلى مزيد من تعميق الدراسة، وما تلا هذه الخطوة الحكومية من انتقادات شديدة بخصوص هذا التأخير غير المتوقع، ينتظر أن يناقش المجلس المذكور يومه الخميس المشروع السالف الذكر، في انتظار إحالته على المجلس الوزاري ليصادق عليه أو يعرضه للنقاش من جديد. ويسود غليان كبير وسط نادي قضاة المغرب بعد تداولت بعض الأخبار التي تفيد سعي الحكومة إلى إبقاء جهاز النيابة العامة بين يدي وزير العدل والحريات، وهو الجهاز الذي يصر النادي على سحبه من السلطة التنفيذية وجعله ضمن نفوذ السلطة القضائية. واعتبر مصدر من داخل النادي الحديث عن رفض الحكومة لاستقلال النيابة العامة عن السلطة القضائية، " تهربا من تكاليف الإصلاح وانقلابا على توصيات الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة، التي دعت إلى إقرار استقلالية النيابة العامة عن سلطة وزير العدل والحريات". وأضاف المصدر ذاته، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن الحكومة إذا أصرت على إشرافها على النيابة العامة تكون قد لجأت إلى التصعيد في مواجهة استحقاق استقلال النيابة العامة، وأن رد فعل نادي قضاة المغرب، الذي عبر صراحة وبشكل مباشر عن هذا المطلب، سيكون قويا. واعتبر المصدر أن احتفاظ وزارة العدل والحريات بالإشراف على النيابة العامة يتجاهل حقيقة مهمة وهي قطع دستور 2011 مع مرحلة الإشراف الحكومي، الذي لم يكن أبدا في منأى عن الانتقاد من طرف منظمات وطنية ودولية ولم يساهم في تدعيم مبدأ المساواة أمام القانون، حيث نصت المقتضيات الدستورية على أن السلطة القضائية مستقلة عن السلطتين التشريعية التنفيذية. وذكر المصدر أن النقاش بخصوص القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية لم ينته عند هذا الحد، بل سيستمر من خلال عرضه أمام المحكمة الدستورية لممارسة دورها الإيجابي والبناء في مراقبة أحكام القانونين التنظيميين ومدى انسجام أحكامها مع الدستور. يذكر أن مذكرة نادي قضاة المغرب كانت قد تطرقت بوضوح للمقترحات المتعلقة بتشكيلة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، حيث اقترحت بالنسبة للأعضاء الدائمين من القضاة إقرار مبدأ الانتخاب كأسلوب لاختيار الرئيس الأول والوكيل العام للملك بمحكمة النقض من طرف القضاة شريطة توفرهما على شروط الترشيح المتمثلة في الكفاءة والنزاهة، وإقرار مبدأ انتخاب رئيس الغرفة الأولى بمحكمة النقض من طرف الجمعية العمومية التي يتعين اعتماد العمل بها على مستوى محكمة النقض. وأكدت المذكرة على عدم اشتراط أي سن أو أقدمية معينة للترشح لعضوية المجلس بالنسبة للأعضاء المنتخبين عن المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف، كما أكدت على أن يتم الانتخاب وفق أسلوب الاقتراع السري وبنمط الاقتراع الفردي بالأغلبية النسبية. وبالنسبة للأعضاء المعينين طبقا للفصل 115 من الدستور، يرى النادي وجوب توافر عدد من الشروط في الأشخاص المعينين طبقا لهذه المقتضيات أهمها الكفاءة والتجرد والنزاهة، والعطاء المتميز في سبيل استقلال القضاء وسيادة القانون، ويؤكد في هذا الصدد على عدم إمكانية تعيين شخصيات تنتمي إلى السلطة التنفيذية أو التشريعية. واعتبار الانتماء إلى إحدى السلطتين بمثابة حالة للتنافي , فضلا عن ضرورة التنصيص على حالات تضارب المصالح التي تتعارض مع تعيين هذه الشخصيات أو استمرار عملها بالمجلس، إلى جانب التنصيص على تحديد مدة ولاية الشخصيات المعينة من طرف الملك لنفس مدة التعيين التي يمارس فيها المجلس الذي ينتمون إليه مهامه؛ و ذلك من أجل ضمان انسجام الهيئة المكونة لذلك المجلس. ومن أجل ضمان فعالية طريقة اشتغال مؤسسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، اقترح النادي أيضا أن يتضمن القانون التنظيمي عددا من القواعد أهمها، إقرار مبدأ التفرغ لأعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية المنتخبين، صرف تعويضات عن مهام العضوية يتمتع بها أعضاء المجلس الاعلى للسلطة القضائية ويتم تحديد مبلغها وطريقة صرفها بقرار للرئيس المنتدب باعتباره آمرا بالصرف، والنص على واجبات أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية بصفتهم هاته، وإلغاء مبدأ تجميد الترقية بالنسبة للقضاة أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية و في المقابل التأكيد على عدم إمكانية نقلهم أو تعيينهم في مهام أخرى طيلة مدة انتدابهم ، مع تصور عدم حضور العضو المعني بالترقية خلال اجتماعات المجلس للبت في وضعيته تنزيلا لمبدأ الوقاية من تضارب المصالح . وشدد النادي على ضرورة تمكين القاضي من الحق في الطعن في كل قرار صادر عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، و ذلك أمام أعلى هيئة إدارية بالمملكة، في انتظار إنشاء مجلس الدولة وفق مسطرة خاصة تضمن من خلالها استقلالية القرار على أن توضع شروط خاصة من أجل البت في الطعون المعروضة عليها ضمانا للحياد و عدم التأثر . واقترحت مذكرة نادي قضاة المغرب كذلك أن يتولى المجلس الأعلى للسلطة القضائية وظيفة وضع مدونة أخلاقيات تعتبر الإطار المرجعي والسلوكي لتدعيم الأخلاقيات بالنسبة لأعضاء السلطة القضائية، و التي يجب أن تعتمد على أرضية قواعد بنغلور كأساس كوني يحتاج إلى التطوير بالنظر إلى طبيعة أدوار السلطة القضائية .