انتصار البداية يعزز ثقة "أسود الأطلس" في بقية مسار كأس إفريقيا للأمم    الاستيطان يتسارع في الضفة الغربية ويقوّض فرص قيام دولة فلسطينية    أزيد من 60 ألف متفرج في المنتخب    بعد الفوز على جزر القمر .. الركراكي يؤكد صعوبة مباريات افتتاح "الكان"    رصيف الصحافة: النيابة العامة تنتظر نتائج تشريح جثة رضيعة في فاس        أمطار غزيرة تعم جماعات إقليم الحسيمة وتنعش آمال الفلاحين    المديرية العامة للأمن الوطني ترفع جاهزيتها لإنجاح العرس الإفريقي    ولي العهد يترأس حفل افتتاح كأس إفريقيا للأمم    تعليق الدراسة بعدد من المؤسسات التعليمية بإقليم الحسيمة بسبب الامطار والثلوج            تصعيد ديموقراطي ضد إدارة ترامب لمحاولتها التعتيم على "وثائق إبستين"    تصعيد خطير بعد دعوات لطرد الإماراتيين من الجزائر    فرض مبالغ إضافية دون مقابل يثير الجدل في مقاهي طنجة خلال كأس أمم إفريقيا    في الذكرى الخامس للتطبيع.. تظاهرات بالمدن المغربية للمطالبة بإسقاطه ووقف الجرائم في فلسطين    ماكرون يبحث في أبوظبي فرص التعاون    الليلة تبدأ الحكاية    نشرة إنذارية.. تساقطات ثلجية وأمطار قوية أحيانا رعدية وهبات رياح من اليوم الأحد إلى الأربعاء المقبل    وكالة بيت مال القدس الشريف تقدم إستراتيجيتها لدعم قطاع التجارة في القدس برسم سنة 2026    القوات المسلحة الملكية تنشئ ثلاث مستشفيات عسكرية ميدانية بأقاليم أزيلال والحوز وميدلت    إنفانتينو يشيد بالمملكة المغربية مؤكدا قيادتها كرة القدم الإفريقية    دليلة الشعيبي نمودج الفاعلة السياحية الغيورة على وجهة سوس ماسة    أدب ومحاكمة ورحيل    "مجموعة نسائية": الأحكام في حق نزهة مجدي وسعيدة العلمي انتهاك يعكس تصاعد تجريم النضال    "محمد بن عبد الكريم الخطابي في القاهرة من خلال الصحافة المصرية" موضوع اطروحة دكتوراه بكلية عين الشق    أزمة المقاولات الصغيرة تدفع أصحابها لمغادرة الحسيمة ومهنيون يدقون ناقوس الخطر    مغربي مرتبط بالمافيا الإيطالية يُدوّخ الشرطة البلجيكية    ضيعة بكلميم تتحول إلى مخزن للشيرا    التعويض عن الكوارث جزء أصيل من إدارة الأزمة..    مسلحون مجهولون يفتحون النار على المارة في جنوب إفريقيا    السعدي: أعدنا الاعتبار للسياسة بالصدق مع المغاربة.. ولنا العمل وللخصوم البكائيات    "فيسبوك" تختبر وضع حد أقصى للروابط على الصفحات والحسابات المهنية    حركة "التوحيد والإصلاح" ترفض إعلانًا انفصاليًا بالجزائر وتدعو إلى احترام سيادة الدول    مشروبات الطاقة تحت المجهر الطبي: تحذير من مضاعفات دماغية خطيرة    اختتام حملتي "حومتي" و"لقلب لكبير" بجهة طنجة تطوان الحسيمة: مسيرة وطنية بروح التضامن والعطاء    نقابة التعليم بالحزام الجبلي ببني ملال تنتقد زيارة المدير الإقليمي لثانوية بأغبالة وتحمّله مسؤولية تدهور الأوضاع    أجواء ممطرة في توقعات اليوم الأحد بالمغرب    "تيميتار" يحوّل أكادير عاصمة إفريقية    "أفريقيا" تحذر من "رسائل احتيالية"    خطر التوقف عن التفكير وعصر سمو التفاهة    أكادير تحتفي بالعالم بصوت أمازيغي    الدرهم في ارتفاع أمام اليورو والدولار    مهرجان ربيع وزان السينمائي الدولي في دورته الثانية يشرع في تلقي الأفلام    كأس إفريقيا .. مطارات المغرب تحطم أرقاما قياسية في أعداد الوافدين    الفنانة سمية الألفي تغادر دنيا الناس    البنك الدولي يوافق على منح المغرب أربعة ملايين دولار لتعزيز الصمود المناخي    فتح الله ولعلو يوقّع بطنجة كتابه «زمن مغربي.. مذكرات وقراءات»    الشجرة المباركة تخفف وطأة البطالة على المغاربة    العاصمة الألمانية تسجل أول إصابة بجدري القردة    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    السعودية تمنع التصوير داخل الحرمين خلال الحج    منظمة الصحة العالمية تدق ناقوس انتشار سريع لسلالة جديدة من الإنفلونزا    7 طرق كي لا يتحوّل تدريس الأطفال إلى حرب يومية    سلالة إنفلونزا جديدة تجتاح نصف الكرة الشمالي... ومنظمة الصحة العالمية تطلق ناقوس الخطر    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بعد عامين عن مؤتمره التاسع
نشر في الشرق المغربية يوم 06 - 01 - 2015

ليس في نيتي التأريخ للأحداث التي عاشها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية خلال عامين؛ فهذا شأن له أهله وله قواعده؛ ولا أنوي القيام بجرد تلك الأحداث وتصنيفها حسب أهميتها ونوعيتها ومجالها؛ فهذا، أيضا، يحتاج إلى مهارات خاصة وإلى وقت ليس باليسير. كل ما هناك، أني فكرت، في البداية، أن أقدم قراءة لبيان اللجنة الإدارية الوطنية، الصادر عن اجتماعها يوم السبت 27 دجنبر2014 ، لأهمية هذا البيان وظرفية إنتاجه؛ وكذا لقوته صياغة ومضمونا.
وبعد قراءتي للبيان وبداية التفكير في طريقة تناوله ومنهجية قراءته، بدت لي فكرة التركيز، أساسا، على السياق العام الداخلي (أقصد الحزبي) الذي انعقد فيه الاجتماع المذكور، نظرا لأهمية هذا السياق من حيث الظرف التاريخي والسياسي والاجتماعي والتنظيمي...ونظرا، كذلك، لكون اجتماع اللجنة الإدارية تلاه اجتماع هيئة تقريرية أخرى لا تقل أهميته عن الاجتماع الأول.
واعتبارا لأهمية القرارات المتخذة في اجتماع اللجنة الإدارية في شأن قضايا التنظيم والإعلام والممتلكات الحزبية؛ ونظرا لأهمية المواقف السياسية المعبر عنها في بيان المجلس الوطني في اجتماعه يوم الأحد 28 دجنبر 2014، فقد بدا لي أن المحطتين التنظيميتين المذكورتين تشكلان مرحلة فارقة وفاصلة في تاريخ الحزب. لذلك، فضلت الحديث عن الاتحاد بعد عامين عن مؤتمره الوطني التاسع.
لقد أصبح، الآن، ممكنا القيام بتقييم موضوعي لعمل القيادة المنبثقة عن المؤتمر المذكور الذي كرس- بفعل التمرين الديمقراطي غير المسبوق الذي عرفه(بغض النظر عن بعض الجزئيات البسيطة التي اتخذها البعض ذريعة، وبإصرار، لتحويل النجاح إلى فشل) - الشرعية الديمقراطية وأسس للشروط الموضوعية لتطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وبناء الحزب المؤسسة.
وبالنظر إلى العرض السياسي القوي الذي قدمه الكاتب الأول باسم المكتب السياسي أمام اللجنة الإدارية والمجلس الوطني، وإلى المداولات والقرارات التي تمخضت عن هاتين المؤسستين التقريريتين، فيمكن الحديث، وبكل وثوقية، عن دخول الاتحاد الاشتراكي منعطفا حاسما في تاريخيه، قد يضاهي، في الأهمية، المنعطف الذي شكلته قرارات 30 يوليوز 1972؛ مع فارق في السياق السياسي والتنظيمي، طبعا؛ ذلك أن قرارات 30 يوليوز أسست للمؤتمر الاستثنائي لسنة 1975، الذي أخرج حزب الاتحاد الوطني/الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من الانتظارية والغموض الإيديولوجي والجمود التنظيمي الذي كان سائدا فيه بفعل إرادي من بعض المنتسبين للقيادة (الكتابة العامة آنذاك)؛ بينما قرارات اللجنة الإدارية ل27 دجبر 2014، والتي ثمنها بيان المجلس الوطني، أتت كتتويج لسنتين من العمل الدئوب على المستوى التنظيمي والسياسي والمؤسساتي والدبلوماسي والثقافي والفكري...أعاد حزب القوات الشعبية إلى الواجهة ودبت الحياة، من جديد، في شرايينه، رغم محاولة البعض التشويش عليه بشتى الوسائل.
نتذكر جميعا الحملة الإعلامية التي انطلقت ضد الاتحاد الاشتراكي ومؤتمره التاسع مباشرة بعد معرفة الفائز بالكتابة الأولى للحزب. وقد غذى هذه الحملة المسعورة والمشبوهة أناس منتسبين إلى الحزب بمعطيات كاذبة وأحداث مختلقة (أكتفي، هنا، بالإحالة على جريدة "المساء" التي خصصت ملفها الأسبوعي -السبت/ الأحد 23 -24 فبراير 2013- لما أسمته "التفاصيل السرية ل'تزوير' مؤتمر الاتحاد الاشتراكي"، مصدرة هذا العنوان بادعائها الحصول على وثائق وصور وشهادات تؤكد «التلاعبات» التي شابت المؤتمر، ومذيلة إياه بعبارة:"تحقيق مثير"، والذي يغطي أربع صفحات بالكامل).
وقد عملت، قدر المستطاع وبكل تواضع، على تفنيد ادعاءات الجريدة المذكورة و"مصادرها" المشبوهة بمقال بعنوان "احتراف التلفيق باسم التحقيق: جريدة المساء نموذجا" (انظر الموقع الإليكتروني "إكسير"، صفحة "محمد إنفي"). وستُبرز الأحداث المتتالية الأهداف الحقيقية لهذه الحملة الممنهجة التي انطلقت على أكثر من واجهة، وقودها الأساسي الإشاعة التي يطلقها المتناضلون (أي الذين يدعون النضال) والتي تجد فيها المنابر والأقلام الحاقدة على الاتحاد الاشتراكي مادتها الخام، فتسوقها بالشكل الذي يخدم أهدافها وأهداف مزوديها بالأخبار الكاذبة.
وهكذا، تم ترويج إشاعة، فيها إهانة كبيرة لكل المؤتمرات والمؤتمرين؛ وفيها محاولة لتضليل المناضلات والمناضلين والعاطفين والمتتبعين، في احتقار واضح لذكاء الجميع، مفادها أن جهات خارجية هي التي كانت وراء فوز الأخ "إدريس لشكر" بالكتابة الأولى للاتحاد الاشتراكي؛ وكأن المؤتمرات والمؤتمرين آلات تسير بجهاز التحكم عن بعد.
وقد كان تأسيس ما سمي بتيار "الانفتاح والديمقراطية"، ضدا على قرارات ومقررات المؤتمر وتطاولا على اختصاصات الأجهزة الحزبية المقررة، في خرق سافر للأنظمة الأساسية والداخلية، هو التجسيد الفعلي للتشويش المنظم على الحزب وعلى أجهزته التنفيذية والتقريرية.
وأسجل، هنا، بكل إعجاب وتقدير، مستوى النضج والوعي والثبات الذي أبانت عنه القيادة الحالية بقيادة الأستاذ "إدريس لشكر". ويزيد إعجابي حين أتأمل الهجمات القوية المتتالية التي كانت توجه لهذا الأخير، في تركيز على شخصه بالذات بطريقة، اعتبرتها في مقالات سابقة حالة مرضية؛ والحال أن الأمر أكبر من ذلك بكثير.
من المؤكد أن التركيز على شخص الكاتب الأول هو من الأعراض المرضية عند البعض، سببه الغل والحقد والحسد والبغض والكراهية...لأسباب يصعب علينا صبر أغوارها. لكن الأخطر هو أن سبب التركيز على شخص "إدريس لشكر"، عند البعض الآخر، هو، بكل تأكيد، تنفيذ لمخطط جهنمي(هدفه إضعاف"لشكر" بعزله عن المجموعة)، لأسباب وأهداف، ليس أقلها ترسيم وتكريس الوضع القائم داخل الاتحاد الاشتراكي؛ ألا وهو الضعف والوهن، إما خدمة لمصلحة جهات معينة وإما لاستدامة شروط الاستفادة من الريع الحزبي.
وقد أثبت الأستاذ "إدريس لشكر" لخصومه وأعدائه قبل أصدقائه بأنه أذكى منهم وأقوى منهم...فرغم الضربات الموجعة، لم يضعف ولم ينهار ولم يستسلم للابتزاز والضغوطات النفسية؛ إذ ظل حاضرا في كل المناسبات وكل الواجهات، متحديا خصومه بالعمل في الميدان وفي القرب، غير آبه بالحرب الإعلامية التي شُنت ضده من كل الجهات. فحضوره اليومي بالمقر المركزي للحزب، حوَّل هذا المقر إلى خلية دبت فيها الحياة من جديد، إداريا وتنظيميا. وحرصه على انتظام اجتماعات المكتب السياسي، أعطى لهذه المؤسسة دينامية وحيوية وفعالية غير مسبوقة، تمثلت في اللقاءات الثقافية والفكرية والسياسية والدبلوماسية والتنظيمية... التي شهدها مقر شارع العرعار .
شخصيا، لا أعتقد أن الحزب كان سيكون، تنظيميا وسياسيا... في المستوى الذي هو عليه الآن لو كان شخص آخر غير "إدريس لشكر"، هو المسؤول الأول في الحزب. فربما كان سيحدث، فعليا، الانتحار الجماعي الذي تحدث عنه الكاتب الأول السابق، الأخ "عبد الواحد الراضي"، نظرا للوضع التنظيمي المشلول الذي كان عليه الحزب، والذي شجع على سيادة الحلقية في صفوفه.
وتقتضي الموضوعية والنزاهة الفكرية وفضيلة الإنصاف أن نعترف للرجل بالفضل في تحريك عجلة التنظيم، بعد ما كان قد علاها الصدأ بسبب الجمود الذي أصاب كل الأجهزة. فبمساعدة إخوانه في المكتب السياسي، استطاع الكاتب الأول أن ينجز الكثير مما وعد به المؤتمرات والمؤتمرين. لقد أثبت، قولا وفعلا، بأنه رجل المرحلة. وقد سفه كل الأحكام المسبقة التي كانت تُروَّج عنه من قبل خصومه للنيل منه. ولن أخجل من القول بأني كنت، قبل المؤتمر، من الذين خدعتهم هذه الأحكام. لكن نتائج الدور الأول في المؤتمر والتي لم تكن منتظرة عند الكثير، حتى لا أقول الجميع، غيرت كل شيء وحسمت الاختيار دون تردد لأسباب شرحتها في مقالات سابقة، آخذت فيها على المرحوم "أحمد الزيدي" تأسيسه وتزعمه لتيار لم يرد حتى ذكره وأحرى الدفاع عنه في الوثيقة التي قدمها للمؤتمر كمرشح للكتابة الأولى.
ورغم الجعجعة المتدثرة بالشعارات المغرية والتي، ولا شك، قد خدعت بعض المناضلات والمناضلين الذين انساقوا وراءها لكونها صادفت هوى في نفوسهم- إما حقدا وغلا وإما جهلا وضعفا وإما طمعا في الحفاظ على موقع ما وإما فقط تعاطفا مع هذا أو ذاك أو تحرجا من هذا أو ذك، نظرا للعلاقات الإنسانية والاجتماعية، وحتى العائلية التي توطدت عبر السنين وأصبح من الصعب تجاوزها- فإن العمل في الميدان لم يتوقف. فالدينامية التنظيمية عرفت انبعاثا حقيقيا؛ والحياة السياسية والدبلوماسية والثقافية والفكرية انتعشت، في مؤسساتنا الحزبية، بشكل ملحوظ. مما أجج حملات التشويش، سواء عن طريق الصحافة المأجورة أو بواسطة الفوضى التنظيمية، بهدف إيقاف هذه الدينامية التي رأى فيها أصحاب الريع تهديدا مباشرا لمصالحهم الخاصة، سواء كانت هذه المصالح مادية أو معنوية.
وتشاء الأقدار أن يرحل عنا الأخ "أحمد الزيدي" إلى جوار ربه في ظروف يصعب إخضاعها، في محاولة فهمها وتفسيرها، لمنطق البشر. فالحكمة الربانية في ذلك، لا يعلمها إلا الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. لكن ما تلا تلك الفاجعة كشف أشياء كثيرة، ليس أقلها غياب الاحترام الواجب للأموات، مما يتعارض وتقاليدنا وثقافتنا الاجتماعية والدينية. فقد غلَّب أصحاب ما يسمى ب"التيار" الحسابات السياسية الضيقة والرخيصة في ظروف الحزن والألم الذي اعتصر قلوب كل الاتحاديات والاتحاديين، سواء كانوا على خلاف أو على وفاق مع المرحوم. وهو ما كشف حقيقة "زعماء" التهافت و"الهمزة" الذين وصلت بهم الوقاحة والخسة إلى مستوى منع الأخ "عبد الواحد الراضي" في المقبرة وأمام الحشود الحاضرة من إلقاء كلمة التأبين في حق الراحل، ضاربين بالاتفاق المسبق في هذا الشأن عرض الحائط (وما هذا إلا غيض من فيض؛ فما تلا ذلك كان أعظم). ولا أجد، في وصف هذه الطينة من البشر، أفضل من هذا العنوان "منافقون ومرتزقة يطوفون حول جثة الزايدي لزرع الفتنة في الاتحاد". وهو عنوان اختارته جريدة "نبأبريس" الإليكترونية لمقال متميز للبلاغي المغربي اللامع، الأستاذ "محمد العمري"، يصف فيه هؤلاء الناس (دون ذكر الأسماء، طبعا) بالكواسر والضواري، تاركا للمعنيين أن يحدد كل واحد منهم الصنف الذي ينتمي إليه. فهل هناك كلام أبلغ من هذا في حق من يتسولون، سياسيا، بأرواح الأموات؟
وبعد الحصيلة الإيجابية جدا في إعادة بناء الأداة التنظيمية (تجديد الفروع؛ عقد المؤتمرات الإقليمية والقطاعية، بما فيها القطاعات الموازية؛ عقد المجالس الإقليمية...)؛ واعتبارا للتصعيد في التشويش على بناء حزب المؤسسات بهدف عرقلة هذا البناء، مرة بمحاولة الابتزاز باسم وحدة الحزب، وأخرى بالتهديد بالانشقاق؛ ونظرا للإسفاف الأخلاقي والسياسي الذي انحط إليه البعض، كان لا بد من وضع حد للعبث الذي وصل حدا لا يطاق. وقد عكس بلاغ المكتب السياسي ل 22 دجنبر 2014 هذا الوضع بكل التفاصيل السياسية والتنظيمية والقانونية والمسطرية... ليخلص إلى قرار التوقيف "عن جميع المهام والمسؤوليات داخل الحزب" في حق كل من "أحمد رضا الشامي" و"عبد العالي دومو" بسبب لجوئهما "إلى السب والقذف من قبيل نعت المناضلات والمناضلين، قيادة وقواعد، ''بالفساد'' ''والانحراف''، الأمر الذي يخالف قوانين الحزب وأعرافه التنظيمية والأخلاقية، ويطعن في الكرامة الشخصية لعضوات وأعضاء الحزب، ويناقض المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان...".
وإيمانا بالمؤسسات واحتراما لمبدأ فصل السلط، فقد قرر المكتب السياسي "التوجه إلى اللجنة الإدارية والمجلس الوطني، في دورتيهما المقبلة، لعرض مجمل هذا المسار الانشقاقي، على مختلف المستويات السياسية والتنظيمية والأخلاقية، قصد اتخاذ الموقف المناسب، طبقا للقانون الأساسي للحزب، ونظامه الداخلي، دفاعا عن مؤسساته وحماية له من كل ما يستهدف إضعافه في هذه المرحلة، لصالح خصومه".
وعشية انعقاد الجهازين التقريرين المشار إليهما في الفقرة أعلاه، دعا المكتب السياسي مؤسسة كتاب الجهات والأقاليم (أي كتاب الأجهزة التنفيذية، الجهوية والإقليمية) للاجتماع. وللأمانة، فإن القيادة الحالية، وتفعيلا للمادة 56 من النظام الأساسي للحزب، قد جعلت من كتاب هذه المؤسسات الجهوية والإقليمية مؤسسة وطنية استشارية بامتياز؛ إذ تدعوها للاجتماع قبل كل دورة من دورات اللجنة الإدارية الوطنية للحزب (وكذا المجلس الوطني)، سواء كانت هذه الدورات عادية أو استثنائية. وهو ما يعني أن القيادة الحالية تولي أهمية قصوى لأجهزة القرب وللمؤسسات التنظيمية.
وبعد أن التأمت الهيئتان التقريريتان للحزب، بعد تأجيلات متتالية، أملا في أن يتعقل من ركبه الغرور وأعماه الطمع، واتخذت قراراتها الحاسمة التي تعلي من شأن المؤسسات والقوانين والأنظمة- مما يعني القطع مع ثقافة التسيب والفوضى-، يمكن القول بأن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قد استعاد المبادرة ، بعد أن استرد عافيته التنظيمية والسياسية أو على الأقل وجد الطريق الصحيح لاستردادها. وتكفي الإشارة إلى أن أنشطته الإشعاعية أصبحت تستحق استعادة صفة الجماهيرية نظرا للحشود التي تحضرها (مهرجان 5 أكتوبر 2013 بمركب مولاي عبد الله بالرباط؛ ذكرى يوم الوفاء 29 أكتوبر 2013 و 2014 بالدار البيضاء ومكناس، على التوالي، كأمثلة)؛ أما مؤتمراته الإقليمية والقطاعية، فقد أكدت جلساتها الافتتاحية - وعلى امتداد الوطن، بل وحتى بالمهجر، بالنظر لاستقطابها ليس فقط للاتحاديات والاتحاديين، بل وللمواطنين والمواطنات أيضا- أن الاتحاد قد أعاد واستعاد (أو على الأقل، هو في الاتجاه الصحيح من أجل تحقيق ذلك)، من جهة، مكانته في المجتمع، ومن جهة أخرى، ارتباطه بالقوات الشعبية.
ومهما يكن، فقد استطاعت القيادة الحالية، وفي ظرف سنتين فقط، بناء الأداة التنظيمية (والأصح إعادة بنائها) على مستوى الأقاليم والقطاعات، تنفيذا لقرارات المؤتمر واللجنة الإدارية والمجلس الوطني؛ كما استطاعت، أيضا، تفعيل جزء هام من قرارات هذه الهيئات فيما يخص المجال السياسي والمؤسساتي وغيرهما؛ وهي ماضية بعزم وإصرار في مواصلة تنفيذ القرارات الخاصة بالإعلام والممتلكات وغيرهما. وكنتيجة لهذا التفعيل على المستوى التنظيمي والسياسي...، فقد انكشف أصحاب الريع الحزبي والمصالح الذاتية المستفيدين من وضعية الجمود التي كان عليها الحزب لمدة لا تقل عن عشر سنوات؛ مما جعلهم يكشرون عن أنيابهم ويسلكون سياسة الهروب إلى الأمام، في محاولة مكشوفة وبئيسة للنيل من هذا الانبعاث الجديد لحزب القوات الشعبية. لكن المشروعية الديمقراطية كفيلة بقطع الطريق عن محاولات تحفيظ "مكتسبات" الريع وتوريثها أو ترسيم الاستفادة التي تمت عن طريق المحسوبية أو النصب والاحتيال باسم النضال...
ومن حسن الحظ أن التاريخ كشاف. فقد بدأ أمر هؤلاء (ونحمد الله على أنهم قلة) ينكشف أمام المناضلين والمواطنين. ونهايتهم لن تكون إلا مزبلة التاريخ؛ ولن تنفعهم لا الشعارات ولا المزايدات ولا المغالطات ولا كثرة اللغظ... مصداقا لقوله تعالى:"فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.