إدريس لشكر يؤكد أن تجديد ولايته على رأس "الاتحاد الاشتراكي" جاء بإرادة القواعد الحزبية    الزمامرة يخطف فوزا ثمينا من الدشيرة    وهبي: لا وجود لمنتخب لا يُهزم.. وسنفعل كل ما يلزم للتتويج بالمونديال    جشع الباعة بالتقسيط ينفخ أسعار "اللحوم البرازيلية" في مجازر المغرب    فتح: حماس تتجاهل آلام الفلسطينيين    "تناقضات Z" تغضب "شباب الشرق"    شركة يابانية تختار تطوان لبناء مصنع ضخم للسجائر    الوداد يكمل الاستعداد للتنافس بأكرا    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    إدانة ثلاثة صيادين من بليونش بسبب صيد التونة الحمراء    "مرحبا بيك" تنشط مونديال الفتيات    أشبال الأطلس في موعد مع التاريخ أمام الأرجنتين لانتزاع المجد العالمي    بميزانية 42 مليار يورو.. أوروبا توجه برنامج "إيراسموس" نحو المغرب وباقي الدول المغاربية    الصعود عنوانا    فتح بحث قضائي لتحديد ظروف وملابسات وخلفيات إقدام موظف شرطة على محاولة الانتحار    الهندسة رافعة التنمية... سودو يؤكد أن المهندس المغربي في قلب مشروع مغرب 2030    المحكمة "الجنائية الدولية" تؤيد مجددا مذكرات توقيف مجرمي الحرب نتنياهو وغالانت    الفنان فؤاد عبدالواحد يطلق أحدث أعماله الفنية    خريبكة تحتضن الدورة 16 للمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بمشاركة دولية ومحلية واسعة    انتقاء أفلام المهرجان الوطني للفيلم.. جدلية الاستقلالية والتمويل في السينما    ارتفاع المداخيل الجبائية إلى 258 مليار درهم خلال الأشهر التسعة الأولى من 2025    البرلمان الياباني يصوت الثلاثاء المقبل لاختيار رئيس وزراء جديد    نهضة بركان يواجه بيراميدز بطموح حصد لقب كأس السوبر الأفريقي للمرة الثانية في تاريخه    محلل برازيلي: المغرب يتوفر على فريق قادر على التتويج بلقب كأس العالم لأقل من 20 سنة    بالصور.. مدرسة سيدي عبدالله الإيكولوجية تخلد اليوم العالمي للتغذية    المخطط الخماسي الجديد للصين: الأولوية للابتكار في مواجهة القيود الأمريكية    وفاة العالم الصيني تشن نينغ يانغ عن 103 أعوام.. أحد أبرز عقول الفيزياء الحديثة    الصين تطلق مجموعة جديدة من الأقمار الصناعية    إصابة تلميذ في حادث دهس بالترامواي بعين السبع الحي المحمدي    باحث روسي: مؤشرات الاقتصاد المغربي تؤهله لشراكة استراتيجية مع موسكو    مشروع "ميهادرين" الإسرائيلي لإنتاج الأفوكادو بالمغرب يثير جدلاً وسط أزمة المياه وتزايد الدعوات لوقف التطبيع    لشكر يواصل قيادة الاتحاد الاشتراكي    الإحصاء المدرسي ينطلق في المغرب    الدفاع المدني ينعى 9 أشخاص في غزة    واشنطن تسمح بزيادة إنتاج "بوينغ 737 ماكس"    "الاتحاد الاشتراكي" من الانتخاب إلى التمديد.. لشكر يمدد لنفسه لولاية رابعة في ظل تراجع قاعدة الحزب وتزايد الانتقادات لقيادته    "جيل زد الأمازيغي" يعلن التمسك بقرار الانسحاب ويرفض "الوصاية الفكرية"    "الحال" يفتتح فعاليات الدورة 25 من المهرجان الوطني للفيلم في طنجة    وفاة الفيزيائي تشين نينج يانج الفائز بجائزة نوبل    مغينية: فارق السن والخبرة أثر في النتيجة لكن الأداء كان مشرفا    المنتخب المغربي للفتيات ينهزم أمام البرازيل بثلاثية في مستهل مشاركته في كأس العالم    الدرك الملكي بالجديدة يلقي القبض على شخصين قاما بالتبليغ عن عملية سطو مفبركة    غموض لافت في مشروع قرار مجلس الأمن حول الصحراء: بين دعم الحكم الذاتي وضمان حق تقرير المصير    المصادقة على 344 مشروعا بالشمال    توقيع اتفاق جديد للتعاون في مجال الصيد البحري بين المغرب وروسيا    بورصة البيضاء تنهي التداولات بارتفاع    مغربيان ضمن المتوجين بجائزة كتارا للرواية العربية    وفاة والدة الفنانة لطيفة رأفت بعد معاناة مع المرض    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    414 مليار درهم قيمة 250 مشروعا صادقت عليها اللجنة الوطنية للاستثمار    ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة بشكل يومي مفيدة لصحة القلب (دراسة)    "الصحة العالمية": الاضطرابات العصبية تتسبب في 11 مليون وفاة سنويا حول العالم    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بعد عامين عن مؤتمره التاسع
نشر في الشرق المغربية يوم 06 - 01 - 2015

ليس في نيتي التأريخ للأحداث التي عاشها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية خلال عامين؛ فهذا شأن له أهله وله قواعده؛ ولا أنوي القيام بجرد تلك الأحداث وتصنيفها حسب أهميتها ونوعيتها ومجالها؛ فهذا، أيضا، يحتاج إلى مهارات خاصة وإلى وقت ليس باليسير. كل ما هناك، أني فكرت، في البداية، أن أقدم قراءة لبيان اللجنة الإدارية الوطنية، الصادر عن اجتماعها يوم السبت 27 دجنبر2014 ، لأهمية هذا البيان وظرفية إنتاجه؛ وكذا لقوته صياغة ومضمونا.
وبعد قراءتي للبيان وبداية التفكير في طريقة تناوله ومنهجية قراءته، بدت لي فكرة التركيز، أساسا، على السياق العام الداخلي (أقصد الحزبي) الذي انعقد فيه الاجتماع المذكور، نظرا لأهمية هذا السياق من حيث الظرف التاريخي والسياسي والاجتماعي والتنظيمي...ونظرا، كذلك، لكون اجتماع اللجنة الإدارية تلاه اجتماع هيئة تقريرية أخرى لا تقل أهميته عن الاجتماع الأول.
واعتبارا لأهمية القرارات المتخذة في اجتماع اللجنة الإدارية في شأن قضايا التنظيم والإعلام والممتلكات الحزبية؛ ونظرا لأهمية المواقف السياسية المعبر عنها في بيان المجلس الوطني في اجتماعه يوم الأحد 28 دجنبر 2014، فقد بدا لي أن المحطتين التنظيميتين المذكورتين تشكلان مرحلة فارقة وفاصلة في تاريخ الحزب. لذلك، فضلت الحديث عن الاتحاد بعد عامين عن مؤتمره الوطني التاسع.
لقد أصبح، الآن، ممكنا القيام بتقييم موضوعي لعمل القيادة المنبثقة عن المؤتمر المذكور الذي كرس- بفعل التمرين الديمقراطي غير المسبوق الذي عرفه(بغض النظر عن بعض الجزئيات البسيطة التي اتخذها البعض ذريعة، وبإصرار، لتحويل النجاح إلى فشل) - الشرعية الديمقراطية وأسس للشروط الموضوعية لتطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وبناء الحزب المؤسسة.
وبالنظر إلى العرض السياسي القوي الذي قدمه الكاتب الأول باسم المكتب السياسي أمام اللجنة الإدارية والمجلس الوطني، وإلى المداولات والقرارات التي تمخضت عن هاتين المؤسستين التقريريتين، فيمكن الحديث، وبكل وثوقية، عن دخول الاتحاد الاشتراكي منعطفا حاسما في تاريخيه، قد يضاهي، في الأهمية، المنعطف الذي شكلته قرارات 30 يوليوز 1972؛ مع فارق في السياق السياسي والتنظيمي، طبعا؛ ذلك أن قرارات 30 يوليوز أسست للمؤتمر الاستثنائي لسنة 1975، الذي أخرج حزب الاتحاد الوطني/الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من الانتظارية والغموض الإيديولوجي والجمود التنظيمي الذي كان سائدا فيه بفعل إرادي من بعض المنتسبين للقيادة (الكتابة العامة آنذاك)؛ بينما قرارات اللجنة الإدارية ل27 دجبر 2014، والتي ثمنها بيان المجلس الوطني، أتت كتتويج لسنتين من العمل الدئوب على المستوى التنظيمي والسياسي والمؤسساتي والدبلوماسي والثقافي والفكري...أعاد حزب القوات الشعبية إلى الواجهة ودبت الحياة، من جديد، في شرايينه، رغم محاولة البعض التشويش عليه بشتى الوسائل.
نتذكر جميعا الحملة الإعلامية التي انطلقت ضد الاتحاد الاشتراكي ومؤتمره التاسع مباشرة بعد معرفة الفائز بالكتابة الأولى للحزب. وقد غذى هذه الحملة المسعورة والمشبوهة أناس منتسبين إلى الحزب بمعطيات كاذبة وأحداث مختلقة (أكتفي، هنا، بالإحالة على جريدة "المساء" التي خصصت ملفها الأسبوعي -السبت/ الأحد 23 -24 فبراير 2013- لما أسمته "التفاصيل السرية ل'تزوير' مؤتمر الاتحاد الاشتراكي"، مصدرة هذا العنوان بادعائها الحصول على وثائق وصور وشهادات تؤكد «التلاعبات» التي شابت المؤتمر، ومذيلة إياه بعبارة:"تحقيق مثير"، والذي يغطي أربع صفحات بالكامل).
وقد عملت، قدر المستطاع وبكل تواضع، على تفنيد ادعاءات الجريدة المذكورة و"مصادرها" المشبوهة بمقال بعنوان "احتراف التلفيق باسم التحقيق: جريدة المساء نموذجا" (انظر الموقع الإليكتروني "إكسير"، صفحة "محمد إنفي"). وستُبرز الأحداث المتتالية الأهداف الحقيقية لهذه الحملة الممنهجة التي انطلقت على أكثر من واجهة، وقودها الأساسي الإشاعة التي يطلقها المتناضلون (أي الذين يدعون النضال) والتي تجد فيها المنابر والأقلام الحاقدة على الاتحاد الاشتراكي مادتها الخام، فتسوقها بالشكل الذي يخدم أهدافها وأهداف مزوديها بالأخبار الكاذبة.
وهكذا، تم ترويج إشاعة، فيها إهانة كبيرة لكل المؤتمرات والمؤتمرين؛ وفيها محاولة لتضليل المناضلات والمناضلين والعاطفين والمتتبعين، في احتقار واضح لذكاء الجميع، مفادها أن جهات خارجية هي التي كانت وراء فوز الأخ "إدريس لشكر" بالكتابة الأولى للاتحاد الاشتراكي؛ وكأن المؤتمرات والمؤتمرين آلات تسير بجهاز التحكم عن بعد.
وقد كان تأسيس ما سمي بتيار "الانفتاح والديمقراطية"، ضدا على قرارات ومقررات المؤتمر وتطاولا على اختصاصات الأجهزة الحزبية المقررة، في خرق سافر للأنظمة الأساسية والداخلية، هو التجسيد الفعلي للتشويش المنظم على الحزب وعلى أجهزته التنفيذية والتقريرية.
وأسجل، هنا، بكل إعجاب وتقدير، مستوى النضج والوعي والثبات الذي أبانت عنه القيادة الحالية بقيادة الأستاذ "إدريس لشكر". ويزيد إعجابي حين أتأمل الهجمات القوية المتتالية التي كانت توجه لهذا الأخير، في تركيز على شخصه بالذات بطريقة، اعتبرتها في مقالات سابقة حالة مرضية؛ والحال أن الأمر أكبر من ذلك بكثير.
من المؤكد أن التركيز على شخص الكاتب الأول هو من الأعراض المرضية عند البعض، سببه الغل والحقد والحسد والبغض والكراهية...لأسباب يصعب علينا صبر أغوارها. لكن الأخطر هو أن سبب التركيز على شخص "إدريس لشكر"، عند البعض الآخر، هو، بكل تأكيد، تنفيذ لمخطط جهنمي(هدفه إضعاف"لشكر" بعزله عن المجموعة)، لأسباب وأهداف، ليس أقلها ترسيم وتكريس الوضع القائم داخل الاتحاد الاشتراكي؛ ألا وهو الضعف والوهن، إما خدمة لمصلحة جهات معينة وإما لاستدامة شروط الاستفادة من الريع الحزبي.
وقد أثبت الأستاذ "إدريس لشكر" لخصومه وأعدائه قبل أصدقائه بأنه أذكى منهم وأقوى منهم...فرغم الضربات الموجعة، لم يضعف ولم ينهار ولم يستسلم للابتزاز والضغوطات النفسية؛ إذ ظل حاضرا في كل المناسبات وكل الواجهات، متحديا خصومه بالعمل في الميدان وفي القرب، غير آبه بالحرب الإعلامية التي شُنت ضده من كل الجهات. فحضوره اليومي بالمقر المركزي للحزب، حوَّل هذا المقر إلى خلية دبت فيها الحياة من جديد، إداريا وتنظيميا. وحرصه على انتظام اجتماعات المكتب السياسي، أعطى لهذه المؤسسة دينامية وحيوية وفعالية غير مسبوقة، تمثلت في اللقاءات الثقافية والفكرية والسياسية والدبلوماسية والتنظيمية... التي شهدها مقر شارع العرعار .
شخصيا، لا أعتقد أن الحزب كان سيكون، تنظيميا وسياسيا... في المستوى الذي هو عليه الآن لو كان شخص آخر غير "إدريس لشكر"، هو المسؤول الأول في الحزب. فربما كان سيحدث، فعليا، الانتحار الجماعي الذي تحدث عنه الكاتب الأول السابق، الأخ "عبد الواحد الراضي"، نظرا للوضع التنظيمي المشلول الذي كان عليه الحزب، والذي شجع على سيادة الحلقية في صفوفه.
وتقتضي الموضوعية والنزاهة الفكرية وفضيلة الإنصاف أن نعترف للرجل بالفضل في تحريك عجلة التنظيم، بعد ما كان قد علاها الصدأ بسبب الجمود الذي أصاب كل الأجهزة. فبمساعدة إخوانه في المكتب السياسي، استطاع الكاتب الأول أن ينجز الكثير مما وعد به المؤتمرات والمؤتمرين. لقد أثبت، قولا وفعلا، بأنه رجل المرحلة. وقد سفه كل الأحكام المسبقة التي كانت تُروَّج عنه من قبل خصومه للنيل منه. ولن أخجل من القول بأني كنت، قبل المؤتمر، من الذين خدعتهم هذه الأحكام. لكن نتائج الدور الأول في المؤتمر والتي لم تكن منتظرة عند الكثير، حتى لا أقول الجميع، غيرت كل شيء وحسمت الاختيار دون تردد لأسباب شرحتها في مقالات سابقة، آخذت فيها على المرحوم "أحمد الزيدي" تأسيسه وتزعمه لتيار لم يرد حتى ذكره وأحرى الدفاع عنه في الوثيقة التي قدمها للمؤتمر كمرشح للكتابة الأولى.
ورغم الجعجعة المتدثرة بالشعارات المغرية والتي، ولا شك، قد خدعت بعض المناضلات والمناضلين الذين انساقوا وراءها لكونها صادفت هوى في نفوسهم- إما حقدا وغلا وإما جهلا وضعفا وإما طمعا في الحفاظ على موقع ما وإما فقط تعاطفا مع هذا أو ذاك أو تحرجا من هذا أو ذك، نظرا للعلاقات الإنسانية والاجتماعية، وحتى العائلية التي توطدت عبر السنين وأصبح من الصعب تجاوزها- فإن العمل في الميدان لم يتوقف. فالدينامية التنظيمية عرفت انبعاثا حقيقيا؛ والحياة السياسية والدبلوماسية والثقافية والفكرية انتعشت، في مؤسساتنا الحزبية، بشكل ملحوظ. مما أجج حملات التشويش، سواء عن طريق الصحافة المأجورة أو بواسطة الفوضى التنظيمية، بهدف إيقاف هذه الدينامية التي رأى فيها أصحاب الريع تهديدا مباشرا لمصالحهم الخاصة، سواء كانت هذه المصالح مادية أو معنوية.
وتشاء الأقدار أن يرحل عنا الأخ "أحمد الزيدي" إلى جوار ربه في ظروف يصعب إخضاعها، في محاولة فهمها وتفسيرها، لمنطق البشر. فالحكمة الربانية في ذلك، لا يعلمها إلا الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. لكن ما تلا تلك الفاجعة كشف أشياء كثيرة، ليس أقلها غياب الاحترام الواجب للأموات، مما يتعارض وتقاليدنا وثقافتنا الاجتماعية والدينية. فقد غلَّب أصحاب ما يسمى ب"التيار" الحسابات السياسية الضيقة والرخيصة في ظروف الحزن والألم الذي اعتصر قلوب كل الاتحاديات والاتحاديين، سواء كانوا على خلاف أو على وفاق مع المرحوم. وهو ما كشف حقيقة "زعماء" التهافت و"الهمزة" الذين وصلت بهم الوقاحة والخسة إلى مستوى منع الأخ "عبد الواحد الراضي" في المقبرة وأمام الحشود الحاضرة من إلقاء كلمة التأبين في حق الراحل، ضاربين بالاتفاق المسبق في هذا الشأن عرض الحائط (وما هذا إلا غيض من فيض؛ فما تلا ذلك كان أعظم). ولا أجد، في وصف هذه الطينة من البشر، أفضل من هذا العنوان "منافقون ومرتزقة يطوفون حول جثة الزايدي لزرع الفتنة في الاتحاد". وهو عنوان اختارته جريدة "نبأبريس" الإليكترونية لمقال متميز للبلاغي المغربي اللامع، الأستاذ "محمد العمري"، يصف فيه هؤلاء الناس (دون ذكر الأسماء، طبعا) بالكواسر والضواري، تاركا للمعنيين أن يحدد كل واحد منهم الصنف الذي ينتمي إليه. فهل هناك كلام أبلغ من هذا في حق من يتسولون، سياسيا، بأرواح الأموات؟
وبعد الحصيلة الإيجابية جدا في إعادة بناء الأداة التنظيمية (تجديد الفروع؛ عقد المؤتمرات الإقليمية والقطاعية، بما فيها القطاعات الموازية؛ عقد المجالس الإقليمية...)؛ واعتبارا للتصعيد في التشويش على بناء حزب المؤسسات بهدف عرقلة هذا البناء، مرة بمحاولة الابتزاز باسم وحدة الحزب، وأخرى بالتهديد بالانشقاق؛ ونظرا للإسفاف الأخلاقي والسياسي الذي انحط إليه البعض، كان لا بد من وضع حد للعبث الذي وصل حدا لا يطاق. وقد عكس بلاغ المكتب السياسي ل 22 دجنبر 2014 هذا الوضع بكل التفاصيل السياسية والتنظيمية والقانونية والمسطرية... ليخلص إلى قرار التوقيف "عن جميع المهام والمسؤوليات داخل الحزب" في حق كل من "أحمد رضا الشامي" و"عبد العالي دومو" بسبب لجوئهما "إلى السب والقذف من قبيل نعت المناضلات والمناضلين، قيادة وقواعد، ''بالفساد'' ''والانحراف''، الأمر الذي يخالف قوانين الحزب وأعرافه التنظيمية والأخلاقية، ويطعن في الكرامة الشخصية لعضوات وأعضاء الحزب، ويناقض المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان...".
وإيمانا بالمؤسسات واحتراما لمبدأ فصل السلط، فقد قرر المكتب السياسي "التوجه إلى اللجنة الإدارية والمجلس الوطني، في دورتيهما المقبلة، لعرض مجمل هذا المسار الانشقاقي، على مختلف المستويات السياسية والتنظيمية والأخلاقية، قصد اتخاذ الموقف المناسب، طبقا للقانون الأساسي للحزب، ونظامه الداخلي، دفاعا عن مؤسساته وحماية له من كل ما يستهدف إضعافه في هذه المرحلة، لصالح خصومه".
وعشية انعقاد الجهازين التقريرين المشار إليهما في الفقرة أعلاه، دعا المكتب السياسي مؤسسة كتاب الجهات والأقاليم (أي كتاب الأجهزة التنفيذية، الجهوية والإقليمية) للاجتماع. وللأمانة، فإن القيادة الحالية، وتفعيلا للمادة 56 من النظام الأساسي للحزب، قد جعلت من كتاب هذه المؤسسات الجهوية والإقليمية مؤسسة وطنية استشارية بامتياز؛ إذ تدعوها للاجتماع قبل كل دورة من دورات اللجنة الإدارية الوطنية للحزب (وكذا المجلس الوطني)، سواء كانت هذه الدورات عادية أو استثنائية. وهو ما يعني أن القيادة الحالية تولي أهمية قصوى لأجهزة القرب وللمؤسسات التنظيمية.
وبعد أن التأمت الهيئتان التقريريتان للحزب، بعد تأجيلات متتالية، أملا في أن يتعقل من ركبه الغرور وأعماه الطمع، واتخذت قراراتها الحاسمة التي تعلي من شأن المؤسسات والقوانين والأنظمة- مما يعني القطع مع ثقافة التسيب والفوضى-، يمكن القول بأن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قد استعاد المبادرة ، بعد أن استرد عافيته التنظيمية والسياسية أو على الأقل وجد الطريق الصحيح لاستردادها. وتكفي الإشارة إلى أن أنشطته الإشعاعية أصبحت تستحق استعادة صفة الجماهيرية نظرا للحشود التي تحضرها (مهرجان 5 أكتوبر 2013 بمركب مولاي عبد الله بالرباط؛ ذكرى يوم الوفاء 29 أكتوبر 2013 و 2014 بالدار البيضاء ومكناس، على التوالي، كأمثلة)؛ أما مؤتمراته الإقليمية والقطاعية، فقد أكدت جلساتها الافتتاحية - وعلى امتداد الوطن، بل وحتى بالمهجر، بالنظر لاستقطابها ليس فقط للاتحاديات والاتحاديين، بل وللمواطنين والمواطنات أيضا- أن الاتحاد قد أعاد واستعاد (أو على الأقل، هو في الاتجاه الصحيح من أجل تحقيق ذلك)، من جهة، مكانته في المجتمع، ومن جهة أخرى، ارتباطه بالقوات الشعبية.
ومهما يكن، فقد استطاعت القيادة الحالية، وفي ظرف سنتين فقط، بناء الأداة التنظيمية (والأصح إعادة بنائها) على مستوى الأقاليم والقطاعات، تنفيذا لقرارات المؤتمر واللجنة الإدارية والمجلس الوطني؛ كما استطاعت، أيضا، تفعيل جزء هام من قرارات هذه الهيئات فيما يخص المجال السياسي والمؤسساتي وغيرهما؛ وهي ماضية بعزم وإصرار في مواصلة تنفيذ القرارات الخاصة بالإعلام والممتلكات وغيرهما. وكنتيجة لهذا التفعيل على المستوى التنظيمي والسياسي...، فقد انكشف أصحاب الريع الحزبي والمصالح الذاتية المستفيدين من وضعية الجمود التي كان عليها الحزب لمدة لا تقل عن عشر سنوات؛ مما جعلهم يكشرون عن أنيابهم ويسلكون سياسة الهروب إلى الأمام، في محاولة مكشوفة وبئيسة للنيل من هذا الانبعاث الجديد لحزب القوات الشعبية. لكن المشروعية الديمقراطية كفيلة بقطع الطريق عن محاولات تحفيظ "مكتسبات" الريع وتوريثها أو ترسيم الاستفادة التي تمت عن طريق المحسوبية أو النصب والاحتيال باسم النضال...
ومن حسن الحظ أن التاريخ كشاف. فقد بدأ أمر هؤلاء (ونحمد الله على أنهم قلة) ينكشف أمام المناضلين والمواطنين. ونهايتهم لن تكون إلا مزبلة التاريخ؛ ولن تنفعهم لا الشعارات ولا المزايدات ولا المغالطات ولا كثرة اللغظ... مصداقا لقوله تعالى:"فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.