رئيس الحكومة يترأس اجتماع مجلس الرقابة للقرض الفلاحي للمغرب    أسبوع دامٍ في المدن المغربية.. مصرع 23 شخصًا وإصابة أزيد من 2800 في حوادث سير    تطورات مأساة طنجة.. وفاة الشخص الذي أضرم النار في جسده بعد خلاف تجاري    ابتلاع كيس يحتوي على مخدرات يودي بحياة موقوف بطنجة خلال تدخل أمني    انقلاب شاحنة على الطريق الوطنية رقم 2 باقليم الحسيمة يخلف اصابات    بعد وفاة مؤسسه بنعيسى... موسم أصيلة الثقافي الدولي يواصل مسيرته بصيغة صيفية حافلة بالفنون    "كوبكو" تدشن أول وحدة لصناعة بطاريات الليثيوم في الجرف الأصفر بطاقة 40 ألف طن    السياحة المغربية تحقق أداء قويا في 2025 بارتفاع العائدات وعدد السياح    انطلاق أول عملية توريق للديون المتعثرة وأخرى قيد الإعداد    ارتفاع حصيلة شهداء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 56 ألفا و156 منذ بدء الحرب    إيران تؤكد أن منشآتها النووية "تضررت بشدة" جراء الهجمات الأميركية    اجتماع بوزارة الداخلية لتحديد معايير استخراج أسماء المدعوين لأداء الخدمة العسكرية برسم الفوج المقبل للمجندين    مبادرة مدنية ترفض حرمان الجمعيات من التبليغ عن الفساد وتعتبره دوسا على الدستور والالتزامات الدولية للمغرب    الملك محمد السادس يهنئ أمير قطر بذكرى توليه الحكم    نشرة إنذارية: موجة حر مع الشركي من الأربعاء إلى الاثنين بعدد من مناطق المملكة    ولد الرشيد: الأقاليم الجنوبية أصبحت منصة اقتصادية إستراتيجية تربط بين إفريقيا وأمريكا اللاتينية    دراسة تحذر: انتكاسات كبيرة في برامج التلقيح تعرض الأطفال لخطر الأمراض القاتلة        مع استمرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران جيش الاحتلال يواصل استهداف غزة واتصالات لوقف الحرب وسط وعود جديدة لترامب    كأس العالم للأندية.. طاقم تحكيم كندي بقيادة درو فيشر يدير مباراة العين الإماراتي والوداد الرياضي    موجة حرّ شديدة تضرب مناطق بالمغرب    طنجة.. كلب يهاجم فتاة وسائق يدهس شابا ويلوذ بالفرار    ربط "أخضر" بين إسبانيا والمغرب.. بواخر كهربائية دون انبعاثات تبدأ الإبحار في 2027    المنتخب المغربي النسوي يبدأ تحضيراته استعدادا لكأس أمم إفريقيا    بنكراد: معظم المحتجين في 20 فبراير بمجرد ما عرضت عليهم المناصب ذهبوا لها وانفضوا    بكين.. مؤتمر يستكشف أوجه التعاون الصيني – المغربي في قطاع السياحة    هولوغرام "العندليب" يجر إدارة مهرجان "موازين" إلى ردهات المحاكم        الرباط.. انعقاد الاجتماع ال74 للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء العدل العرب    عودة الدواجن البرازيلية إلى الأسواق المغربية بعد زوال المخاطر الصحية    بسبب أزمة مالية خانقة.. معاقبة نادي أولمبيك ليون الفرنسي بالهبوط للدرجة الثانية    استقالة "قاضية الفضيحة" تُعيد محاكمة مارادونا إلى نقطة الصفر    إيران تنظم السبت جنازة قادة وعلماء    أكاديمية المملكة تنظم تظاهرة دولية    المغرب يستهدف 52% من إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة العام المقبل    النقابة الوطنية للعاملين بالتعليم العالي تجدد تمسكها بالوحدة النقابية وتدعو إلى الإضراب يوم 2 يوليوز    مقتل 6 من جنود اسرائيليين في قطاع غزة    مجلس النواب الأميركي يرفض مبادرة لعزل ترامب    جدول أعمال دورة يوليوز يكشف إفلاس مجلس جهة سوس ماسة وافتقاده للرؤية التنموية.. وأشنكلي يصدم رؤساء جماعات    ترامب يؤكد مجددا أن المواقع النووية في إيران "دمرت بالكامل"    كأس العالم للأندية 2025.. تعادل بوكا جونيورز الأرجنتيني وأوكلاند سيتي النيوزلندي (1-1)    كأس العالم للأندية لكرة القدم.. فلامنجو البرازيلي يتعادل مع لوس أنجلوس الأمريكي (1-1)    مجموعة بريكس تدعو إلى "كسر حلقة العنف" في الشرق الأوسط    ثلاثية تشيلسي تقصي الترجي التونسي    أموال الناظور تمول مدنا أخرى.. أين الأبناك من تنمية المنطقة ودعم الرياضة والثقافة كما أرادها جلالة الملك؟    تقنية الهولوغرام تعيد جمهور مهرجان موازين لزمن عبد الحليم حافظ    الرجاء ينال المركز الثالث بكأس التميز    والي بنك المغرب يدعو الحكومة إلى إنجاح برامج تمويل المقاولات الصغرى    مؤسسة أحمد الوكيلي تطمح إلى إخراج "الآلة" من النخبوية الموسيقية    بعد غياب طويل.. عودة الإعلامية لمياء بحرالدين للساحة الإعلامية بشكل جديد    دراسة تكشف ارتفاع معدلات الإصابة بالتهاب المفاصل حول العالم    قهوة بالأعشاب الطبية تثير فضول زوار معرض الصين – جنوب آسيا في كونمينغ    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بعد عامين عن مؤتمره التاسع
نشر في الشرق المغربية يوم 06 - 01 - 2015

ليس في نيتي التأريخ للأحداث التي عاشها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية خلال عامين؛ فهذا شأن له أهله وله قواعده؛ ولا أنوي القيام بجرد تلك الأحداث وتصنيفها حسب أهميتها ونوعيتها ومجالها؛ فهذا، أيضا، يحتاج إلى مهارات خاصة وإلى وقت ليس باليسير. كل ما هناك، أني فكرت، في البداية، أن أقدم قراءة لبيان اللجنة الإدارية الوطنية، الصادر عن اجتماعها يوم السبت 27 دجنبر2014 ، لأهمية هذا البيان وظرفية إنتاجه؛ وكذا لقوته صياغة ومضمونا.
وبعد قراءتي للبيان وبداية التفكير في طريقة تناوله ومنهجية قراءته، بدت لي فكرة التركيز، أساسا، على السياق العام الداخلي (أقصد الحزبي) الذي انعقد فيه الاجتماع المذكور، نظرا لأهمية هذا السياق من حيث الظرف التاريخي والسياسي والاجتماعي والتنظيمي...ونظرا، كذلك، لكون اجتماع اللجنة الإدارية تلاه اجتماع هيئة تقريرية أخرى لا تقل أهميته عن الاجتماع الأول.
واعتبارا لأهمية القرارات المتخذة في اجتماع اللجنة الإدارية في شأن قضايا التنظيم والإعلام والممتلكات الحزبية؛ ونظرا لأهمية المواقف السياسية المعبر عنها في بيان المجلس الوطني في اجتماعه يوم الأحد 28 دجنبر 2014، فقد بدا لي أن المحطتين التنظيميتين المذكورتين تشكلان مرحلة فارقة وفاصلة في تاريخ الحزب. لذلك، فضلت الحديث عن الاتحاد بعد عامين عن مؤتمره الوطني التاسع.
لقد أصبح، الآن، ممكنا القيام بتقييم موضوعي لعمل القيادة المنبثقة عن المؤتمر المذكور الذي كرس- بفعل التمرين الديمقراطي غير المسبوق الذي عرفه(بغض النظر عن بعض الجزئيات البسيطة التي اتخذها البعض ذريعة، وبإصرار، لتحويل النجاح إلى فشل) - الشرعية الديمقراطية وأسس للشروط الموضوعية لتطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وبناء الحزب المؤسسة.
وبالنظر إلى العرض السياسي القوي الذي قدمه الكاتب الأول باسم المكتب السياسي أمام اللجنة الإدارية والمجلس الوطني، وإلى المداولات والقرارات التي تمخضت عن هاتين المؤسستين التقريريتين، فيمكن الحديث، وبكل وثوقية، عن دخول الاتحاد الاشتراكي منعطفا حاسما في تاريخيه، قد يضاهي، في الأهمية، المنعطف الذي شكلته قرارات 30 يوليوز 1972؛ مع فارق في السياق السياسي والتنظيمي، طبعا؛ ذلك أن قرارات 30 يوليوز أسست للمؤتمر الاستثنائي لسنة 1975، الذي أخرج حزب الاتحاد الوطني/الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من الانتظارية والغموض الإيديولوجي والجمود التنظيمي الذي كان سائدا فيه بفعل إرادي من بعض المنتسبين للقيادة (الكتابة العامة آنذاك)؛ بينما قرارات اللجنة الإدارية ل27 دجبر 2014، والتي ثمنها بيان المجلس الوطني، أتت كتتويج لسنتين من العمل الدئوب على المستوى التنظيمي والسياسي والمؤسساتي والدبلوماسي والثقافي والفكري...أعاد حزب القوات الشعبية إلى الواجهة ودبت الحياة، من جديد، في شرايينه، رغم محاولة البعض التشويش عليه بشتى الوسائل.
نتذكر جميعا الحملة الإعلامية التي انطلقت ضد الاتحاد الاشتراكي ومؤتمره التاسع مباشرة بعد معرفة الفائز بالكتابة الأولى للحزب. وقد غذى هذه الحملة المسعورة والمشبوهة أناس منتسبين إلى الحزب بمعطيات كاذبة وأحداث مختلقة (أكتفي، هنا، بالإحالة على جريدة "المساء" التي خصصت ملفها الأسبوعي -السبت/ الأحد 23 -24 فبراير 2013- لما أسمته "التفاصيل السرية ل'تزوير' مؤتمر الاتحاد الاشتراكي"، مصدرة هذا العنوان بادعائها الحصول على وثائق وصور وشهادات تؤكد «التلاعبات» التي شابت المؤتمر، ومذيلة إياه بعبارة:"تحقيق مثير"، والذي يغطي أربع صفحات بالكامل).
وقد عملت، قدر المستطاع وبكل تواضع، على تفنيد ادعاءات الجريدة المذكورة و"مصادرها" المشبوهة بمقال بعنوان "احتراف التلفيق باسم التحقيق: جريدة المساء نموذجا" (انظر الموقع الإليكتروني "إكسير"، صفحة "محمد إنفي"). وستُبرز الأحداث المتتالية الأهداف الحقيقية لهذه الحملة الممنهجة التي انطلقت على أكثر من واجهة، وقودها الأساسي الإشاعة التي يطلقها المتناضلون (أي الذين يدعون النضال) والتي تجد فيها المنابر والأقلام الحاقدة على الاتحاد الاشتراكي مادتها الخام، فتسوقها بالشكل الذي يخدم أهدافها وأهداف مزوديها بالأخبار الكاذبة.
وهكذا، تم ترويج إشاعة، فيها إهانة كبيرة لكل المؤتمرات والمؤتمرين؛ وفيها محاولة لتضليل المناضلات والمناضلين والعاطفين والمتتبعين، في احتقار واضح لذكاء الجميع، مفادها أن جهات خارجية هي التي كانت وراء فوز الأخ "إدريس لشكر" بالكتابة الأولى للاتحاد الاشتراكي؛ وكأن المؤتمرات والمؤتمرين آلات تسير بجهاز التحكم عن بعد.
وقد كان تأسيس ما سمي بتيار "الانفتاح والديمقراطية"، ضدا على قرارات ومقررات المؤتمر وتطاولا على اختصاصات الأجهزة الحزبية المقررة، في خرق سافر للأنظمة الأساسية والداخلية، هو التجسيد الفعلي للتشويش المنظم على الحزب وعلى أجهزته التنفيذية والتقريرية.
وأسجل، هنا، بكل إعجاب وتقدير، مستوى النضج والوعي والثبات الذي أبانت عنه القيادة الحالية بقيادة الأستاذ "إدريس لشكر". ويزيد إعجابي حين أتأمل الهجمات القوية المتتالية التي كانت توجه لهذا الأخير، في تركيز على شخصه بالذات بطريقة، اعتبرتها في مقالات سابقة حالة مرضية؛ والحال أن الأمر أكبر من ذلك بكثير.
من المؤكد أن التركيز على شخص الكاتب الأول هو من الأعراض المرضية عند البعض، سببه الغل والحقد والحسد والبغض والكراهية...لأسباب يصعب علينا صبر أغوارها. لكن الأخطر هو أن سبب التركيز على شخص "إدريس لشكر"، عند البعض الآخر، هو، بكل تأكيد، تنفيذ لمخطط جهنمي(هدفه إضعاف"لشكر" بعزله عن المجموعة)، لأسباب وأهداف، ليس أقلها ترسيم وتكريس الوضع القائم داخل الاتحاد الاشتراكي؛ ألا وهو الضعف والوهن، إما خدمة لمصلحة جهات معينة وإما لاستدامة شروط الاستفادة من الريع الحزبي.
وقد أثبت الأستاذ "إدريس لشكر" لخصومه وأعدائه قبل أصدقائه بأنه أذكى منهم وأقوى منهم...فرغم الضربات الموجعة، لم يضعف ولم ينهار ولم يستسلم للابتزاز والضغوطات النفسية؛ إذ ظل حاضرا في كل المناسبات وكل الواجهات، متحديا خصومه بالعمل في الميدان وفي القرب، غير آبه بالحرب الإعلامية التي شُنت ضده من كل الجهات. فحضوره اليومي بالمقر المركزي للحزب، حوَّل هذا المقر إلى خلية دبت فيها الحياة من جديد، إداريا وتنظيميا. وحرصه على انتظام اجتماعات المكتب السياسي، أعطى لهذه المؤسسة دينامية وحيوية وفعالية غير مسبوقة، تمثلت في اللقاءات الثقافية والفكرية والسياسية والدبلوماسية والتنظيمية... التي شهدها مقر شارع العرعار .
شخصيا، لا أعتقد أن الحزب كان سيكون، تنظيميا وسياسيا... في المستوى الذي هو عليه الآن لو كان شخص آخر غير "إدريس لشكر"، هو المسؤول الأول في الحزب. فربما كان سيحدث، فعليا، الانتحار الجماعي الذي تحدث عنه الكاتب الأول السابق، الأخ "عبد الواحد الراضي"، نظرا للوضع التنظيمي المشلول الذي كان عليه الحزب، والذي شجع على سيادة الحلقية في صفوفه.
وتقتضي الموضوعية والنزاهة الفكرية وفضيلة الإنصاف أن نعترف للرجل بالفضل في تحريك عجلة التنظيم، بعد ما كان قد علاها الصدأ بسبب الجمود الذي أصاب كل الأجهزة. فبمساعدة إخوانه في المكتب السياسي، استطاع الكاتب الأول أن ينجز الكثير مما وعد به المؤتمرات والمؤتمرين. لقد أثبت، قولا وفعلا، بأنه رجل المرحلة. وقد سفه كل الأحكام المسبقة التي كانت تُروَّج عنه من قبل خصومه للنيل منه. ولن أخجل من القول بأني كنت، قبل المؤتمر، من الذين خدعتهم هذه الأحكام. لكن نتائج الدور الأول في المؤتمر والتي لم تكن منتظرة عند الكثير، حتى لا أقول الجميع، غيرت كل شيء وحسمت الاختيار دون تردد لأسباب شرحتها في مقالات سابقة، آخذت فيها على المرحوم "أحمد الزيدي" تأسيسه وتزعمه لتيار لم يرد حتى ذكره وأحرى الدفاع عنه في الوثيقة التي قدمها للمؤتمر كمرشح للكتابة الأولى.
ورغم الجعجعة المتدثرة بالشعارات المغرية والتي، ولا شك، قد خدعت بعض المناضلات والمناضلين الذين انساقوا وراءها لكونها صادفت هوى في نفوسهم- إما حقدا وغلا وإما جهلا وضعفا وإما طمعا في الحفاظ على موقع ما وإما فقط تعاطفا مع هذا أو ذاك أو تحرجا من هذا أو ذك، نظرا للعلاقات الإنسانية والاجتماعية، وحتى العائلية التي توطدت عبر السنين وأصبح من الصعب تجاوزها- فإن العمل في الميدان لم يتوقف. فالدينامية التنظيمية عرفت انبعاثا حقيقيا؛ والحياة السياسية والدبلوماسية والثقافية والفكرية انتعشت، في مؤسساتنا الحزبية، بشكل ملحوظ. مما أجج حملات التشويش، سواء عن طريق الصحافة المأجورة أو بواسطة الفوضى التنظيمية، بهدف إيقاف هذه الدينامية التي رأى فيها أصحاب الريع تهديدا مباشرا لمصالحهم الخاصة، سواء كانت هذه المصالح مادية أو معنوية.
وتشاء الأقدار أن يرحل عنا الأخ "أحمد الزيدي" إلى جوار ربه في ظروف يصعب إخضاعها، في محاولة فهمها وتفسيرها، لمنطق البشر. فالحكمة الربانية في ذلك، لا يعلمها إلا الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. لكن ما تلا تلك الفاجعة كشف أشياء كثيرة، ليس أقلها غياب الاحترام الواجب للأموات، مما يتعارض وتقاليدنا وثقافتنا الاجتماعية والدينية. فقد غلَّب أصحاب ما يسمى ب"التيار" الحسابات السياسية الضيقة والرخيصة في ظروف الحزن والألم الذي اعتصر قلوب كل الاتحاديات والاتحاديين، سواء كانوا على خلاف أو على وفاق مع المرحوم. وهو ما كشف حقيقة "زعماء" التهافت و"الهمزة" الذين وصلت بهم الوقاحة والخسة إلى مستوى منع الأخ "عبد الواحد الراضي" في المقبرة وأمام الحشود الحاضرة من إلقاء كلمة التأبين في حق الراحل، ضاربين بالاتفاق المسبق في هذا الشأن عرض الحائط (وما هذا إلا غيض من فيض؛ فما تلا ذلك كان أعظم). ولا أجد، في وصف هذه الطينة من البشر، أفضل من هذا العنوان "منافقون ومرتزقة يطوفون حول جثة الزايدي لزرع الفتنة في الاتحاد". وهو عنوان اختارته جريدة "نبأبريس" الإليكترونية لمقال متميز للبلاغي المغربي اللامع، الأستاذ "محمد العمري"، يصف فيه هؤلاء الناس (دون ذكر الأسماء، طبعا) بالكواسر والضواري، تاركا للمعنيين أن يحدد كل واحد منهم الصنف الذي ينتمي إليه. فهل هناك كلام أبلغ من هذا في حق من يتسولون، سياسيا، بأرواح الأموات؟
وبعد الحصيلة الإيجابية جدا في إعادة بناء الأداة التنظيمية (تجديد الفروع؛ عقد المؤتمرات الإقليمية والقطاعية، بما فيها القطاعات الموازية؛ عقد المجالس الإقليمية...)؛ واعتبارا للتصعيد في التشويش على بناء حزب المؤسسات بهدف عرقلة هذا البناء، مرة بمحاولة الابتزاز باسم وحدة الحزب، وأخرى بالتهديد بالانشقاق؛ ونظرا للإسفاف الأخلاقي والسياسي الذي انحط إليه البعض، كان لا بد من وضع حد للعبث الذي وصل حدا لا يطاق. وقد عكس بلاغ المكتب السياسي ل 22 دجنبر 2014 هذا الوضع بكل التفاصيل السياسية والتنظيمية والقانونية والمسطرية... ليخلص إلى قرار التوقيف "عن جميع المهام والمسؤوليات داخل الحزب" في حق كل من "أحمد رضا الشامي" و"عبد العالي دومو" بسبب لجوئهما "إلى السب والقذف من قبيل نعت المناضلات والمناضلين، قيادة وقواعد، ''بالفساد'' ''والانحراف''، الأمر الذي يخالف قوانين الحزب وأعرافه التنظيمية والأخلاقية، ويطعن في الكرامة الشخصية لعضوات وأعضاء الحزب، ويناقض المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان...".
وإيمانا بالمؤسسات واحتراما لمبدأ فصل السلط، فقد قرر المكتب السياسي "التوجه إلى اللجنة الإدارية والمجلس الوطني، في دورتيهما المقبلة، لعرض مجمل هذا المسار الانشقاقي، على مختلف المستويات السياسية والتنظيمية والأخلاقية، قصد اتخاذ الموقف المناسب، طبقا للقانون الأساسي للحزب، ونظامه الداخلي، دفاعا عن مؤسساته وحماية له من كل ما يستهدف إضعافه في هذه المرحلة، لصالح خصومه".
وعشية انعقاد الجهازين التقريرين المشار إليهما في الفقرة أعلاه، دعا المكتب السياسي مؤسسة كتاب الجهات والأقاليم (أي كتاب الأجهزة التنفيذية، الجهوية والإقليمية) للاجتماع. وللأمانة، فإن القيادة الحالية، وتفعيلا للمادة 56 من النظام الأساسي للحزب، قد جعلت من كتاب هذه المؤسسات الجهوية والإقليمية مؤسسة وطنية استشارية بامتياز؛ إذ تدعوها للاجتماع قبل كل دورة من دورات اللجنة الإدارية الوطنية للحزب (وكذا المجلس الوطني)، سواء كانت هذه الدورات عادية أو استثنائية. وهو ما يعني أن القيادة الحالية تولي أهمية قصوى لأجهزة القرب وللمؤسسات التنظيمية.
وبعد أن التأمت الهيئتان التقريريتان للحزب، بعد تأجيلات متتالية، أملا في أن يتعقل من ركبه الغرور وأعماه الطمع، واتخذت قراراتها الحاسمة التي تعلي من شأن المؤسسات والقوانين والأنظمة- مما يعني القطع مع ثقافة التسيب والفوضى-، يمكن القول بأن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قد استعاد المبادرة ، بعد أن استرد عافيته التنظيمية والسياسية أو على الأقل وجد الطريق الصحيح لاستردادها. وتكفي الإشارة إلى أن أنشطته الإشعاعية أصبحت تستحق استعادة صفة الجماهيرية نظرا للحشود التي تحضرها (مهرجان 5 أكتوبر 2013 بمركب مولاي عبد الله بالرباط؛ ذكرى يوم الوفاء 29 أكتوبر 2013 و 2014 بالدار البيضاء ومكناس، على التوالي، كأمثلة)؛ أما مؤتمراته الإقليمية والقطاعية، فقد أكدت جلساتها الافتتاحية - وعلى امتداد الوطن، بل وحتى بالمهجر، بالنظر لاستقطابها ليس فقط للاتحاديات والاتحاديين، بل وللمواطنين والمواطنات أيضا- أن الاتحاد قد أعاد واستعاد (أو على الأقل، هو في الاتجاه الصحيح من أجل تحقيق ذلك)، من جهة، مكانته في المجتمع، ومن جهة أخرى، ارتباطه بالقوات الشعبية.
ومهما يكن، فقد استطاعت القيادة الحالية، وفي ظرف سنتين فقط، بناء الأداة التنظيمية (والأصح إعادة بنائها) على مستوى الأقاليم والقطاعات، تنفيذا لقرارات المؤتمر واللجنة الإدارية والمجلس الوطني؛ كما استطاعت، أيضا، تفعيل جزء هام من قرارات هذه الهيئات فيما يخص المجال السياسي والمؤسساتي وغيرهما؛ وهي ماضية بعزم وإصرار في مواصلة تنفيذ القرارات الخاصة بالإعلام والممتلكات وغيرهما. وكنتيجة لهذا التفعيل على المستوى التنظيمي والسياسي...، فقد انكشف أصحاب الريع الحزبي والمصالح الذاتية المستفيدين من وضعية الجمود التي كان عليها الحزب لمدة لا تقل عن عشر سنوات؛ مما جعلهم يكشرون عن أنيابهم ويسلكون سياسة الهروب إلى الأمام، في محاولة مكشوفة وبئيسة للنيل من هذا الانبعاث الجديد لحزب القوات الشعبية. لكن المشروعية الديمقراطية كفيلة بقطع الطريق عن محاولات تحفيظ "مكتسبات" الريع وتوريثها أو ترسيم الاستفادة التي تمت عن طريق المحسوبية أو النصب والاحتيال باسم النضال...
ومن حسن الحظ أن التاريخ كشاف. فقد بدأ أمر هؤلاء (ونحمد الله على أنهم قلة) ينكشف أمام المناضلين والمواطنين. ونهايتهم لن تكون إلا مزبلة التاريخ؛ ولن تنفعهم لا الشعارات ولا المزايدات ولا المغالطات ولا كثرة اللغظ... مصداقا لقوله تعالى:"فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.