البسيج يفكك خلية إرهابية موالية ل"داعش"    بنطلحة يكتب: خطاب تبون والحرب على الوعي    تفاصيل مثول لطيفة رأفت أمام استئنافية الدار البيضاء    أسعار النفط تواصل الارتفاع وسط توقعات شح الإمدادات    هل تكون إسبانيا القاطرة الجديدة للاقتصاد الأوروبي ؟    توظيف مالي لمبلغ 3,8 مليار درهم من فائض الخزينة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    الصين تدعو لعلاقات سليمة ومستقرة مع كوريا    بدء أعمال مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية تمهيدا للقمة العربية بالمنامة    المخرج الإيراني محمد رسولوف يفر من بلاده "سرا" بعد الحكم عليه بالجلد والسجن    سلطات سبتة تدعو وزارة الخارجية الإسبانية لمساعدة قطاع غزة    10 لاعبين يحرجون ريال مدريد قبل انطلاق الميركاتو    الجمعية الرياضية السلاوية للدراجات تتوج بسباقي القصر الكبير وأصيلا    اختتام البطولة الوطنية المدرسية لكرة اليد كرة الطائرة والسلة 5*5 والجولف والرماية بالنبال    "الكوديم" يحسم "ديربي سايس" ويقترب من دوري الأضواء والاتفاق يعقد مهمة جمعية سلا في النجاة من جحيم الهواة    المغرب يفكك خلية إرهابية موالية ل"داعش" ينشط أعضاؤها بتزنيت وسيدي سليمان    تفاصيل مثول لطيفة رأفت أمام قاضي التحقيق بالدار البيضاء    هذا الثلاثاء في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية: جلسة فكرية مع الناقدة والباحثة الأدبية الدكتورة حورية الخمليشي    دراسة: الهواء البحري يقوي الجهاز المناعي    جامعة شعيب الدكالي تنظم الدورة 13 للقاءات المغربية حول كيمياء الحالة الصلبة    توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء    نقيب المحامين بالرباط يتحدث عن المهنة وعن المشاركة في المعرض الدولي للكتاب    الدورة الثالثة للمشاورات السياسية المغربية البرازيلية: تطابق تام في وجهات النظر بين البلدين    موعد لقاء الرجاء الرياضي والنهضة البركانية    الشيلي والمغرب يوقعان اتفاقية للتعاون في مجال التراث الوثائقي    المغرب يستعيد من الشيلي 117 قطعة أحفورية يعود تاريخها إلى 400 مليون سنة    بطولة فرنسا: مبابي يتوج بجائزة أفضل لاعب للمرة الخامسة على التوالي    اعتقالات و"اقتحام" وإضراب عام تعيشه تونس قبيل الاستحقاق الانتخابي    عجز الميزانية المغربية يفوق 1,18 مليار درهم عند متم أبريل    العثور على باندا عملاقة نادرة في شمال غرب الصين    إسطنبول.. اعتقال أمين متحف أمريكي بتهمة تهريب عينات مهمة من العقارب والعناكب    الإعلان عن موعد مقابلتين للمنتخب المغربي برسم التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2026    بنموسى يكشف العقوبات ضد الأساتذة الموقوفين    قناة أرضية تعلن نقلها مباراة الإياب بين بركان والزمالك    إسبانيا ترد على التهديد الجزائري بتحذير آخر    كيف بدأت حملة "مقاطعة المشاهير" التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي؟    بنموسى يعلن قرب إطلاق منصة رقمية لتعلم الأمازيغية عن بعد    لماذا يجب تجنب شرب الماء من زجاجة بلاستيكية خصوصا في الصيف؟    مخرج مصري يتسبب في فوضى بالمهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة    انقلاب سيارة يخلف إصابات على طريق بني بوعياش في الحسيمة    القوات المسلحة الملكية.. 68 عاماً من الالتزام الوطني والقومي والأممي    الأمثال العامية بتطوان... (597)    الجمعية المهنية تكشف عدد مبيعات الإسمنت خلال أبريل    المركز الثقافي بتطوان يستضيف عرض مسرحية "أنا مرا"    أمن ميناء طنجة يحبط تهريب الآلاف من الأقراص الطبية    طقس الثلاثاء.. عودة التساقطات المطرية بعدد من الأقاليم    شح الوقود يهدد خدمات الصحة بغزة    الطلب والدولار يخفضان أسعار النفط    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    الأساطير التي نحيا بها    فيلم الحساب يتوج بالجائزة الكبرى في برنامج Ciné Café    نقابة تُطالب بفتح تحقيق بعد مصرع عامل في مصنع لتصبير السمك بآسفي وتُندد بظروف العمل المأساوية    وفاة أول مريض يخضع لزرع كلية خنزير معدل وراثيا    مركز متخصص في التغذية يحذر من تتناول البطاطس في هذه الحالات    العنف الغضبي وتأجيجه بين العوامل النفسية والشيطانية!!!    الأمثال العامية بتطوان... (596)    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقال: سيناريو التخلص من عرفات يكاد يتكرر مع عباس
نشر في الشرق المغربية يوم 28 - 02 - 2015

إن العقوبات المشددة المتصاعدة حاليا ضد "السلطة الفلسطينية" لا تنذر بانهيارها بقدر ما تنذر بخطرتكرار سيناريو "التخلص" من عرفات و"تغيير" نظامه السياسي مع الرئيس محمود عباس
بقلم نقولا ناصر*
لقد كان مشروع سلطة الحكم الذاتي (للسكان لا للأرض) الفلسطينية المخرج الذي اختارته دولة الاحتلال الإسرائيلي للخروج من المأزق الذي وضعتها فيه الانتفاضة الفلسطينية الأولى أواخر ثمانينيات القرن العشرين المنصرم، وأرادت أن تظل هذه "السلطة" ترتيبا مؤقتا دائما يستمر حتى تنتهي من خلق ما يكفي من حقائق الاستيطان الاستعماري والتهويد على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 لجعل تحوّل الحكم الذاتي إلى دولة مستحيلا كحل نهائي لمستقبل هذه الأراضي، بالغطاء الفلسطيني الذي توفره "السلطة" كضامن لمنع تجدد الانتفاضة ضد احتلالها.
وكلما كانت تلوح بوادر تمرد فلسطيني على هذا الترتيب، مثل تطور حركات مقاومة ك"حماس" و"الجهاد الإسلامي" خارج إطار منظمة التحرير الفلسطينية التي وقعت اتفاقيات "أوسلو" مع دولة الاحتلال فكانت قابلة قانونية لشرعية هذا الترتيب فلسطينيا وعربيا ودوليا، كانت دولة الاحتلال تسارع إلى تشديد الحصار والعقوبات التي تستهدف "تغيير" القيادات الفلسطينية المتمردة في "السلطة" أو خارجها أو تغيير سياساتها أو تصفيتها جسديا إن عجزت عن تغييرها أو تغيير سياساتها، لكنها ظلت حريصة دائما على بقاء سلطة الحكم الذاتي حتى تنتهي وظيفتها من منظور دولة الاحتلال.
وكان القرار "الأميركي – الإسرائيلي" ب"تغيير النظام" السياسي الفلسطيني وب"التخلص" من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بعد تمرده على هذا الترتيب من دون حل "السلطة" أو إنهائها مثالا ملموسا على أن الهدف من تشديد الحصار والعقوبات على "السلطة" لا يستهدف حلها بل يستهدف تغيير قيادتها كي تظل الوظيفة المرسومة لها من دولة الاحتلال وراعيها الأميركي من دون تغيير.
كان أي تحرك فلسطيني خارج إطار هذا الترتيب "المؤقت – الدائم" يعد "خطأ (فلسطينيا) فادحا" وتجاوزا ل"الخط الأحمر" كما قال مؤخرا وزير الخارجية الكندي المستقيل جون بيرد، ومن وجهة نظر دولة الاحتلال وراعيها الأميركي وتوابعه في كندا وأوروبا فإن منظمة التحرير قد أخطأت خطأ فادحا وتجاوزت الخط الأحمر عندما سعت أولا إلى اعتراف الأمم المتحدة بفلسطين دولة مراقبة غير عضو فيها، بينما تستمر في سعيها من أجل اعتراف المنظمة الأممية بالعضوية الكاملة لدولة فلسطين فيها. وهي قد أخطأت خطأ فادحا وتجاوزت الخط الأحمر ثانيا عندما وقعت طلبات الانضمام إلى المعاهدات والمنظمات الدولية وبخاصة ميثاق روما ومحكمة الجنايات الدولية المنبثقة عنه.
وفي الحالتين كان الموقف الأميركي مشجعا لدولة الاحتلال كي تشدد حصارها وعقوباتها على سلطة الحكم الذاتي لأن "الولايات المتحدة لا تعتقد بأن دولة فلسطين مؤهلة كدولة ذات سيادة وهي لا تعترف بها كذلك ولا تعتقد بأنها تستحق الانضمام لميثاق روما" كما قالت الناطقة بلسان الخارجية الأميركية جنيفر بساكي مكررة ما كرره وزيرها جون كيري.
إن العقوبات المشددة المتصاعدة حاليا ضد "السلطة الفلسطينية" التي تنذر بانهيارها حسب تحذيرات العديد من المسؤولين الغربيين الذين رعت بلدانهم "مشروع الحكم الذاتي الفلسطيني" وكذلك تحذيرات مؤسسات دولية مثل البنك وصندوق النقد الدوليين لا تنذر بانهيار "السلطة" بقدر ما تنذر بخطر تكرار سيناريو "التخلص" من عرفات و"تغيير" نظامه السياسي مع الرئيس محمود عباس.
وكانت دولة الاحتلال تلجأ إلى فرض العقوبات على السلطة في ثلاث حالات، الأولى محاولة المنظمة البحث عن حل دولي لإنهاء احتلال عام 1967 خارج نطاق التفاوض الثنائي حصرا مع دولة الاحتلال وخارج نطاق الرعاية الأميركية لهذا التفاوض، والثانية الانضمام الفلسطيني إلى محكمة الجنايات الدولية بخاصة، والثالثة السعي الجاد للمصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام الفلسطيني.
ومن الواضح أن الرئيس عباس قد وضع قدما في كل حالة من الحالات الثلاث، ما يفسر تشديد الحصار والعقوبات الحالية عليه، لكنه ما زال يحتفظ بقدمه الأخرى حيث كانت طوال ما يزيد على عقدين من الزمن، وهو ما يفسر بقاء استئناف المفاوضات احتمالا قائما، وعدم القطع مع الولايات المتحدة، والتردد في إنجاز المصالحة الوطنية، وهو ما يفسر كذلك توقف المنظمة عن السعي مجددا لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يعترف بدولة فلسطين ويحدد سقفا زمنيا لإنهاء الاحتلال وهو المسعى التي تدور اسئلة فلسطينية الآن عن الأسباب التي حالت دون وفاء قيادة المنظمة بعزمها المعلن على متابعته في مجلس الأمن الدولي للمرة الثانية مطلع العام الجديد بعد فشل محاولتها الأولى أواخر العام الماضي.
منذ انتخابه قبل حوالي عشر سنوات كرر الرئيس عباس وفريقه تهديدهم بحل السلطة الفلسطينية و"تسليم" مفاتيحها لحكومة الاحتلال مرات بالكاد يستطيع المراقب عدّها حتى فقد هذا التهديد، الذي تصاعد مؤخرا مع تصاعد عقوبات الاحتلال وتهديداته لهم، أي صدقية له ولم يعد لا شعبه ولا أعداء هذا الشعب يأخذونه على محمل الجد.
لكن هذا التهديد تقزّم مؤخرا إلى تكرار التهديد المماثل بوقف "التنسيق الأمني" مع دولة الاحتلال، وهو التنسيق الذي كان عباس قد وصفه ب"المقدس"، غير أن التهديد بوقفه هذه المرة له عدة أسباب موضوعية "براغماتية" كانت مفقودة في السابق لا علاقة لها بأي نية في "حل السلطة".
ف"التنسيق الأمني"، أولا، هو الوظيفة الأساسية لسلطة الحكم الذاتي وهو مطلب يجمع عليه كل الداعمين لمشروع سلطة الحكم الذاتي، عربا وأجانب، وهؤلاء هم "المانحون" للسلطة والممولون لتنسيقها الأمني مع دولة الاحتلال، وقد حجبوا تمويلهم قبل ان تفرض دولة الاحتلال عقوباتها المالية الأخيرة على السلطة، لأنهم مثل دولة الاحتلال "يعتقدون" بأن منظمة التحرير قد تجاوزت "الخط الأحمر" المرسوم لها، لذلك جف تمويلهم ولم يفوا بتعهداتم المالية ويشمل ذلك التعهد العربي بتوفير "شبكة أمان" مالية للسلطة، والرسالة واضحة: فاستمرار تدفق "المنح" المالية مشروط بتغيير سياسات المنظمة وإلا فإن تغيير قيادتها بأخرى يكون هو الحل الوحيد للمحافظة على الوظيفة الأساسية لمشروع سلطة الحكم الذاتي، وإذا تعذر تغييرها "ديموقراطيا" فإن سيناريو "التخلص" من عرفات جاهز للتكرار.
والسبب "البراغماتي" الثاني يتمثل في توقف دولة الاحتلال عن تحويل المستحقات المالية للسلطة ما يجعل تمويل التنسيق الأمني متعذرا من الناحية العملية، وهذه هي الحجة المعلنة التي تتذرع بها قيادة المنظمة للتهديد بوقف التنسيق الأمني، وهي عذر أقبح من ذنب كون وقف هذا التنسيق قد تحول إلى مطلب وطني وشعبي فلسطيني يسوغه فشل مشروع "الحل السلمي" بالتفاوض الثنائي حصرا مع دولة الاحتلال وفشل رعاية هذا الحل التي كانت تحتكرها الولايات المتحدة.
أما السبب الثالث فيتمثل في عزم فصائل فلسطينية أعضاء في منظمة التحرير وضع وقف التنسيق الأمني على جدول أعمال المجلس المركزي للمنظمة المقرر انعقاده أوائل الشهر المقبل، وهو جدول أعمال أثارت أخبار عن مناقشته بين الرئيس عباس وبين الوزير الأميركي كيري نقدا فلسطينيا، هذا إذا لم يتأجل انعقاد مركزي المنظمة كما تأجل مؤتمر حركة "فتح" التي تقود المنظمة إلى مطلع العام الجديد قبل أن يتأجل ثانية إلى أجل غير مسمى، ربما بانتظار نتائج الانتخابات في دولة الاحتلال الشهر المقبل!
لطالما عدّت قيادة المنظمة سلطة الحكم الذاتي "إنجازا" يعطي للشعب الفلسطيني موطئ قدم في وطنه التاريخي، ومشروعا انتزع من المجتمع الدولي اعترافا بأن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 هي ملك للشعب الفلسطيني وليست جزءا من دولة الاحتلال، ووعدا دوليا كالسراب بتطوير "السلطة" إلى دولة فلسطينية ذات سيادة. لكن هذا "الانجاز" قد أفرغ من كل مضامينه المأمولة فلسطينيا، ليتحول إلى مجرد مظلة فلسطينية لاستعمار الضفة الغربية والقدس استيطانيا. ولم يكن توجه قيادة المنظمة نحو الأمم المتحدة والمنظمات الدولية إلا محاولة يائسة متأخرة لتدارك الانهيار التام لذلك "الإنجاز".
غير أن الدلائل تشير إلى أن قيادة المنظمة ما زالت متمسكة قدر دولة الاحتلال نفسها بسلطة الحكم الذاتي كقاعدة انطلاق فلسطينية مرحلية إلى دولة مستقلة وكمحطة مؤقتة للاحتلال لاستكمال تهويد القدس وتغيير الوضع على الأرض في الضفة الغربية تغييرا يجعل من المستحيل قيام أي دولة فلسطينية، وإن لم يعد خافيا أن منظمة التحرير لن تكسب شيئا من استمرار السلطة بوضعها الراهن ولن تخسر من انهيارها إلا ما استفاده المنتفعون من وجودها.
وتخشى دولة الاحتلال انهيار "السلطة" أكثر مما تخشاه منظمة التحرير، فانهيارها سوف يزيل الحاجز الفلسطيني بينها وبين المقاومة الفلسطينية، ويجرد مشروعها الاستيطاني من حماية "التنسيق الأمني" الفلسطيني له، ويحملها المسؤولية المالية عن إدارة شؤون الأراضي المحتلة التي يعفيها منها المانحون، لكن الأخطر من كل ذلك بالنسبة للاحتلال ودولته أن انهيار السلطة سوف يقود إلى انتهاء "حل الدولتين" ليضع دولة الاحتلال وجها لوجه أمام "حل الدولة الواحدة" الذي سوف يخيّرها بين منح "مواطنتها" و"جنسيتها" لعرب فلسطين تحت الاحتلال وبين تحوّلها إلى دولة "أبارتهايد" عنصرية في حال امتناعها عن ذلك بكل ما يعنيه الخياران من مضاعفات تهدد المشروع الصهيوني في فلسطين برمته.
* كاتب عربي من فلسطي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.