تلوح أزمة جديدة في قطاع سيارات الأجرة الصغيرة بطنجة، بعدما طالبت الهيئات النقابية والجمعوية الممثلة للمهنيين بعقد لقاء عاجل مع والي جهة طنجةتطوانالحسيمة، يونس التازي، لمناقشة ما وصفته ب"الاختلالات العميقة" التي تهدد استقرار القطاع ومردودية العاملين به. ويأتي هذا التحرك في وقت يتصاعد فيه منسوب الاحتقان داخل المهنة، تحت وطأة ارتفاع تكاليف المعيشة وأسعار المحروقات، مقابل تسعيرة يعتبرها السائقون "غير منصفة" ولا تواكب التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها المدينة. في مراسلة رسمية اطلعت عليها "طنجة 24″، شددت الهيئات المهنية على ضرورة فتح قنوات حوار فعلي مع السلطات الولائية لإيجاد حلول عملية، محذرة من أن تفاقم الإكراهات الراهنة قد يهدد بتقويض السلم الاجتماعي وسط فئة ظلت تلعب دورا محوريا في ضمان استمرارية النقل الحضري بالمدينة. وتطالب الأطر النقابية بمراجعة نظام التسعيرة الحالي، مقترحة تعديل قاعدة احتساب الكيلومتر إلى 30 سنتيما لكل 100 متر، بدلاً من 120 مترا كما هو معمول به، مع رفع الحد الأدنى للأجرة إلى 7 دراهم، بدلا من 5 دراهم، المعتمدة منذ سنوات، دون أن تأخذ بعين الاعتبار التحولات الاقتصادية المتسارعة. كما دعت المراسلة إلى اعتماد تسعيرة ليلية محددة، تبدأ من الثامنة والنصف مساءً خلال فصل الشتاء، ومن التاسعة والنصف ليلا في فصل الصيف، انسجاما مع ظروف العمل في المدينة التي تعرف دينامية ليلية متزايدة. مصادر نقابية أكدت ل"طنجة 24 24" أن من بين أبرز الإكراهات أيضا مشروع إنشاء شبابيك أداء مسبق خاص بسيارات الأجرة في بعض المنشآت الكبرى كالمطارات، وهو الإجراء الذي يعتبره المهنيون تهديدا لمبدأ حرية الولوج إلى الخدمة، ويرون أنه تم تنزيله دون استشارتهم بالشكل الكافي. وفي سياق مواز، يحذر مهنيو القطاع من تصاعد ظاهرة النقل السري، الذي بات ينافس سيارات الأجرة بشكل غير قانوني، وسط غياب تدخلات رادعة من السلطات المختصة، مما زاد من تدهور أوضاع السائقين العاملين في إطار قانوني. ويلفت السائقون إلى أن مصاريف التأمين، وكلفة الصيانة الدورية، ورسوم تجديد الوثائق الإدارية، إلى جانب الارتفاع الحاد في أسعار الوقود، باتت تستنزف جزءا كبيرا من دخلهم اليومي، مما جعل مهنة سائق سيارة الأجرة الصغيرة مهددة بفقدان جاذبيتها بالنسبة لفئات واسعة من العاملين. ويشدد عدد من المهنيين على أن التسعيرة الحالية لا تعكس التغيرات الحاصلة في بنية الأسعار بطنجة، المدينة التي تعرف وتيرة غلاء أسرع مقارنة بمناطق مجاورة مثل تطوان والمضيق، حيث يتم تطبيق حد أدنى للأجرة لا يقل عن 7 دراهم، رغم أن كلفة المعيشة هناك، بحسب تقديرات مهنية، أقل بكثير مما هو عليه الوضع في العاصمة الاقتصادية للشمال. في المقابل، تتعامل السلطات بحذر مع هذه المطالب. وتؤكد مصادر قريبة من لجنة دراسة ملفات النقل، في تصريحات متطابقة ل"طنجة 24″، أن مراجعة التسعيرة تطرح إشكاليات اجتماعية واقتصادية حساسة، بالنظر إلى أن نسبة كبيرة من ساكنة المدينة تعتمد بشكل شبه كلي على سيارات الأجرة الصغيرة كوسيلة أساسية للتنقل، خاصة في ظل محدودية منظومة النقل الجماعي البديل. وتوضح المصادر ذاتها أن رفع التسعيرة قد يؤدي إلى إثقال كاهل الفئات ذات الدخل المحدود، ويعمق الشعور بالاحتقان الاجتماعي، وهو ما يجعل السلطات تفضل نهج مقاربة حذرة تقوم على دراسة التأثيرات المتعددة لأي قرار قد يمس أسعار النقل الحضري. وتضيف أن مدينة طنجة، بحكم طابعها السياحي والتجاري، مطالبة بالحفاظ على جاذبية خدماتها الحضرية، مشيرة إلى أن ارتفاع كلفة التنقل قد ينعكس سلباً على صورة المدينة كوجهة مفضلة للاستثمار والسياحة. وبالرغم من التحفظ الرسمي، يؤكد المهنيون أن تجاهل أو تأجيل الاستجابة لمطالبهم لن يؤدي إلا إلى مزيد من الاحتقان، خاصة وأن محاولات مماثلة لرفع التسعيرة سبق أن طُرحت سنوات 2014 و2018 و2021، دون أن تتمخض عنها أي استجابة عملية تذكر. وفي ظل غياب قنوات مؤسسية دائمة للحوار بين الهيئات المهنية والسلطات، يظل ملف تسعيرة سيارات الأجرة الصغيرة بطنجة معلقا، في انتظار حلول قادرة على التوفيق بين ضمان استدامة مرفق النقل الحضري وحق المواطنين في الولوج إلى خدمات تنقل بأسعار معقولة.