تواجه جهود تعزيز العرض التربوي العمومي في مدينة طنجة عراقيل متزايدة، لا تتعلق فقط بندرة العقار، بل أيضا بممارسات بعض المنعشين العقاريين الذين لا يلتزمون بتخصيص الأوعية العقارية كما تنص عليها تصاميم التهيئة المعتمدة. وتفيد معطيات متقاطعة أن مشاريع سكنية حديثة شيدت في مناطق تشهد توسعا ديمغرافيا متسارعا، مثل بني مكادة والعوامة، تضمنت ضمن تصميمها الأصلي قطعا أرضية مخصصة لبناء مؤسسات تعليمية عمومية. غير أن هذه المخصصات، في عدد من الحالات، لم تُفعل وفق الغرض المعلن، وتم تحويلها لاحقا إلى مشاريع تعليم خصوصي أو تجميدها دون تبرير واضح. ويصف فاعلون تربويون هذه الظاهرة بأنها انحراف عن الوظفية الاجتماعية للتعمير، مشيرين إلى أن غياب التفعيل الصارم للتخصيصات المجالية يؤثر سلبا على التوازن بين القطاعين العام والخاص في المنظومة التعليمية، ويحد من قدرة الدولة على الاستجابة لحاجيات التمدرس في الأحياء الجديدة. وتسجل انتقادات متزايدة إزاء سلوك بعض الشركات العقارية التي تفرغ التزاماتها من مضمونها، عبر الاستفادة من أراض مخصصة أصلا للتعليم العمومي، ثم إعادة توجيهها نحو مشاريع خصوصية مغلقة، ما يعتبره مهتمون استحواذا مقنعا على الفضاء العمومي لصالح منطق السوق. وتشير تقارير صادرة عن الوكالة الحضرية لطنجة إلى أن المساحة الإجمالية المفتوحة للتعمير في المدينة تجاوزت 89 ألفا و600 هكتار بحلول سنة 2024، ما يعكس دينامية عمرانية متسارعة خلال السنوات الأخيرة. غير أن هذه الدينامية لم تُواكب بتخصيصات كافية للتجهيزات التعليمية، حيث تفيد معطيات مهنية أن جزءا محدودا فقط من هذه المساحات يُعبأ فعليا لفائدة التعليم العمومي، بسبب تأخر المصادقة على عدد من وثائق التعمير، إلى جانب محدودية تفعيل بعض المقتضيات المتعلقة بالمرافق العمومية داخل المشاريع السكنية الجديدة. وفي السياق ذاته، أقرت تقارير مؤسساتية بأن تصميم التهيئة الجديد لمدينة طنجة لم تتم المصادقة عليه بعد، ما يبقي عددا من التخصيصات العقارية في وضعية قانونية انتقالية، ويؤجل تعبئة عدد من المشاريع العمومية، خاصة في قطاع التعليم. وتُظهر المعطيات الرسمية الصادرة عن المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية أن المؤسسات التعليمية بعمالة طنجةأصيلة استقبلت، منذ بداية الموسم الدراسي وإلى غاية 22 شتنبر 2025، ما مجموعه 4225 تلميذا وافدا جديدا، منهم 3771 في القطاع العمومي. ورغم دخول خمس مؤسسات تعليمية جديدة حيز الخدمة هذا الموسم، بينها ابتدائية وثانويتان إعداديتان وثانويتان تأهيليتان، إلا أن الضغط ما يزال مرتفعا في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، التي لا يتوفر فيها عرض عمومي كاف. وتشير إحصائيات رسمية إلى أن عمالة طنجةأصيلة سجلت أعلى معدل نمو سكاني في جهة طنجةتطوانالحسيمة، بنسبة بلغت 3.44 في المئة سنويا بين 2014 و2024، وتضم حاليا أكثر من ثلث سكان الجهة، ونحو 53 في المئة من ساكنتها الحضرية، ما يجعلها مركز جذب داخلي يرتبط بتحديات استثنائية في مجالات الخدمات الأساسية، وعلى رأسها التعليم. ويحذر مهتمون بالشأن المجالي من أن غياب الانضباط في تفعيل المخصصات التعميرية، خاصة تلك المتعلقة بالتجهيزات العمومية، يفتح الباب أمام ممارسات تفرغ التخطيط العمراني من مضمونه الاجتماعي، ويكرس اختلالا بنيويا في توزيع فرص التمدرس بين مختلف الفئات الاجتماعية. ويُنتظر أن تطرح هذه الإشكالات ضمن برامج العمل الجماعي ومداولات المؤسسات الترابية المعنية، في أفق التفعيل المتوازن للعرض التربوي داخل النسيج الحضري المتسارع للمدينة.