تواصل الإجراءات المغربية على مستوى المعابر الفاصلة عن الثغرين المحتلين، اثارة مزيد من النقاش داخل الأوساط الإسبانية حول ضرورة التأقلم مع الواقع الجديد، الذي تمليه رغبة الرباط في هيكلة نشاطها التجاري وحماية نسيجها الاقتصادي، في اطار ممارسة حقوقها السيادية المشروعة بتنظيم المبادلات بعيدا عن اي منطق للمواجهة. وتلقي هذه المقاربة السيادية بظلالها على المشهد الاقتصادي في سبتة ومليلية، حيث يواجه الفاعلون الاقتصاديون واقعا مغايرا لما ألفوه لعقود. ويتزامن هذا التحول مع تصاعد شكاوى رجال الأعمال في المدينتين المحتلتين قبيل اجتماع رفيع المستوى بين مدريدوالرباط، متهمين الاجراءات التنظيمية المغربية بالتسبب في ما يصفونه ب"الخنق الاقتصادي"، بينما تؤكد المعطيات أن المغرب ماض في تطبيق خارطة طريق واضحة تقطع مع عشوائية الماضي. وفي مليلية، يلخص رئيس اتحاد ارباب العمل، انريكي الكوبا، عمق الازمة البنيوية لنموذج المدينة القديم بعبارة "المغرب يخنقنا"، مشيرا الى غياب دفاع حقيقي من مدريد عن مصالحهم. وتتقاطع هذه التصريحات مع مطالب في سبتة ب"جمارك حقيقية"، وهو مطلب يصطدم بواقع أن المعابر باتت تخضع لمعايير تقنية وصحية مغربية صارمة لا تتساهل مع السلع التي لا تستوفي شروط الاستيراد القانوني، مما جرد هذه النقاط من وظيفتها السابقة كشرايين للاقتصاد غير الرسمي. وتدعم لغة الارقام هذا التوجه السيادي؛ فمنذ الفتح الجزئي لمعبر مليلية في يناير 2025، ظلت حركة البضائع محدودة جدا وضخعت لرقابة دقيقة، حيث لم تتجاوز العمليات التجارية 19 عملية، سبع منها فقط اتجهت صوب مدينة الفنيدق. فيما سجلت 42 عملية عبور بسبتة، واحدة منها فقط استوفت شرط "المنشأ المحلي". وتعتبر هذه الحصيلة دليلا ملموسا على ان "الجمارك التجارية" لم تعد ورقة سياسية للتفاوض، بل مسطرة ادارية تقنية يمتلك المغرب مفاتيح تفعيلها وفق مصالحه. وامام هذا الطوق التنظيمي المحكم، بدأت تبرز تحولات هيكلية في اقتصاد المدينتين، حيث تراجع الاعتماد على التجارة التقليدية مع المغرب لفائدة قطاعات بديلة مثل خدمات الرهان الرقمي. ويؤشر هذا التحول على بداية اقتناع ضمني لدى الاوساط الاسبانية بأن عهد "التهريب المعيشي" قد ولى، وأن الخيار الوحيد المتاح هو البحث عن بدائل داخلية، في وقت يدخل فيه المغرب جولات الحوار الثنائي من موقع قوة، مرتكزاً على شرعية تنظيم مجاله الاقتصادي وحماية حدوده.