أعادت السلطات المغربية، فتح المعابر التجارية المؤدية إلى سبتة ومليلية، بعد تعليق مؤقت دام لأسابيع تزامن مع فترة الذروة الصيفية لحركة العبور. ويندرج القرار في إطار مقاربة سيادية شاملة تعيد تنظيم المبادلات التجارية مع الثغرين المحتلين وفق تصور تدريجي يأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الميدانية والرهانات الاقتصادية والأمنية. وكانت الأنشطة الجمركية قد توقفت بشكل مرحلي خلال موسم الصيف في خضم عملية مرحبا التي تعرف سنويا تدفقات بشرية كثيفة عبر المضيق، ما يفرض ضغطا لوجستيا استثنائيا على المعابر البرية. وقد اختارت الرباط ترتيب الأولويات الميدانية بتعليق المبادلات التجارية مؤقتا حفاظا على سلاسة التنقل وضمان انسيابية مرور أعداد كبيرة من المسافرين خلال أشهر يوليوز وغشت. وبعيدا عن أي تأويل خارجي لطبيعة القرار، جاء التفعيل الأخير للجمارك التجارية ليكرس مقاربة مؤسساتية تستند إلى التدرج والملاءمة بين الاعتبارات التنظيمية للمعابر والخيارات الاستراتيجية للمملكة. ولا يتعامل المغرب مع معابر سبتة ومليلية، كقنوات عبور ظرفية، بل كبنى سيادية خاضعة لتقدير تقني وأمني وإداري مستمر يعيد تقييمها حسب السياقات. وتسعى الرباط منذ سنوات إلى إعادة ضبط العلاقة الاقتصادية مع سبتة ومليلية عبر الخروج التدريجي من منطق التهريب غير المهيكل نحو منظومة تبادل منظم خاضع للرقابة الجمركية ومؤطر بالقانون. وقد تجسد ذلك عبر سلسلة من الإجراءات شملت إغلاق المعابر المخصصة للحمل اليدوي، واعتماد بوابات جمركية رسمية، وتنظيم عمليات تصدير محددة ومراقبة من طرف مصالح الدولة، في سبتة أولا ثم في مليلية تدريجيا. وتندرج إعادة فتح المسارات التجارية بعد نهاية موسم العبور ضمن هذا النسق السيادي، إذ ينظر إليها داخليا كحلقة في مسار طويل من إعادة ترتيب العلاقة مع المدينتين المحتلتين بشكل ينسجم مع السياسات التنموية الوطنية ويواكب صعود أقطاب صناعية ولوجستية بشمال المملكة، وعلى رأسها ميناء طنجة المتوسط ومنطقة الفنيدق الاقتصادية، التي باتت تستقطب جزءا من الحركة التجارية التي كانت تمر سابقا خارج القنوات الرسمية. وتؤكد السلطات المغربية في كل محطات هذا المسار أن تدبيرها لنقاط العبور يتم بمنطق مؤسساتي خالص يخضع لاعتبارات تتجاوز اللحظة السياسية أو الاستجابة لخطاب خارجي. حيث تشكل هذه النقاط امتدادا للسيادة الترابية مجالا لتكريس نمط جديد من تدبير العبور الى الثغرين المحتلين، قوامه احترام القانون، حماية النسيج الاقتصادي المحلي، وتحصين الأمن الجمركي الوطني. ولا تصدر المصالح الرسمية في الرباط توضيحات دورية بشأن إيقاع هذه الخطوات، إذ تفضل التدرج الهادئ دون انجرار إلى سجالات ظرفية، في وقت يستمر فيه جزء من الإعلام الإسباني في تأويل القرارات المغربية بمنطق الرسائل المتبادلة. لكن القراءة من الداخل تشير إلى ثبات في المرجعيات وتناسق في منطق الضبط، وتحول تدريجي يستند إلى ما يعرف في الخطاب الرسمي بالمعالجة الهيكلية للمعابر البرية مع الثغرين المحتلين. وتسير هذه المقاربة على إيقاع مؤسساتي يوازي مشاريع التنمية الكبرى التي تشهدها مناطق الشمال، حيث لم يعد ينظر إلى المعابر كاستثناء قانوني أو ممر اقتصادي غير مهيكل، بل كجزء من منظومة وطنية تسعى الدولة إلى توحيدها تحت قواعد الحماية والمراقبة والشفافية.