المجلس الأعلى للسلطة القضائية اتخذ سنة 2024 إجراءات مؤسسية هامة لتعزيز قدرته على تتبع الأداء (تقرير)    ابتداء من اليوم.. طرح تذاكر المباراة الودية بين المغرب وأوغندا إلكترونيا    لجنة الإشراف على عمليات انتخاب أعضاء المجلس الإداري للمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة تحدد تاريخ ومراكز التصويت    "الإسلام وما بعد الحداثة.. تفكيك القطيعة واستئناف البناء" إصدار جديد للمفكر محمد بشاري    تقرير: احتجاجات "جيل زد" لا تهدد الاستقرار السياسي ومشاريع المونديال قد تشكل خطرا على المالية العامة    القضاء الفرنسي يواقف على طلب الإفراج عن الرئيس السابق نيكولا ساركوزي    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة إلى 69 ألفا و179    ليلى علوي تخطف الأنظار بالقفطان المغربي في المهرجان الدولي للمؤلف بالرباط    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    ألمانيا تطالب الجزائر بالعفو عن صنصال    باريس.. قاعة "الأولمبيا" تحتضن أمسية فنية بهيجة احتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    الوداد ينفرد بصدارة البطولة بعد انتهاء الجولة الثامنة    82 فيلما من 31 دولة في الدورة ال22 لمهرجان مراكش الدولي للفيلم    قتيل بغارة إسرائيلية في جنوب لبنان    احتقان في الكلية متعددة التخصصات بالعرائش بسبب اختلالات مالية وإدارية    مصرع أربعيني في حادثة سير ضواحي تطوان    200 قتيل بمواجهات دامية في نيجيريا    رئيس الوزراء الاسباني يعبر عن "دهشته" من مذكرات الملك خوان كارلوس وينصح بعدم قراءتها    عمر هلال: نأمل في أن يقوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بزيارة إلى الصحراء المغربية    المغرب يتطلع إلى توقيع 645 اتفاقية وبروتوكولا ومعاهدة خلال سنة 2026.. نحو 42% منها اقتصادية    الحكومة تعلن من الرشيدية عن إطلاق نظام الدعم الخاص بالمقاولات الصغيرة جداً والصغرى والمتوسطة    حقوقيون بتيفلت يندّدون بجريمة اغتصاب واختطاف طفلة ويطالبون بتحقيق قضائي عاجل    اتهامات بالتزوير وخيانة الأمانة في مشروع طبي معروض لترخيص وزارة الصحة    مكتب التكوين المهني يرد بقوة على السكوري ويحمله مسؤولية تأخر المنح    برشلونة يهزم سيلتا فيغو برباعية ويقلص فارق النقاط مع الريال في الدوري الإسباني    إصابة حكيمي تتحول إلى مفاجأة اقتصادية لباريس سان جيرمان    الإمارات ترجّح عدم المشاركة في القوة الدولية لحفظ الاستقرار في غزة    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بانخفاض    البرلمان يستدعي رئيس الحكومة لمساءلته حول حصيلة التنمية في الصحراء المغربية    كيوسك الإثنين | المغرب يجذب 42.5 مليار درهم استثمارا أجنبيا مباشرا في 9 أشهر    توقيف مروج للمخدرات بتارودانت    لفتيت: لا توجد اختلالات تشوب توزيع الدقيق المدعم في زاكورة والعملية تتم تحت إشراف لجان محلية    العالم يترقب "كوب 30" في البرازيل.. هل تنجح القدرة البشرية في إنقاذ الكوكب؟    الركراكي يستدعي أيت بودلال لتعزيز صفوف الأسود استعدادا لوديتي الموزمبيق وأوغندا..    الدكيك: المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة أدار أطوار المباراة أمام المنتخب السعودي على النحو المناسب    ساعة من ماركة باتيك فيليب تباع لقاء 17,6 مليون دولار    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    العيون.. سفراء أفارقة معتمدون بالمغرب يشيدون بالرؤية الملكية في مجال التكوين المهني    زايو على درب التنمية: لقاء تشاوري يضع أسس نموذج مندمج يستجيب لتطلعات الساكنة    احتجاجات حركة "جيل زد " والدور السياسي لفئة الشباب بالمغرب    حسناء أبوزيد تكتب: قضية الصحراء وفكرة بناء بيئة الحل من الداخل    لقاء الجيش و"الماص" ينتهي بالبياض    تراجع عجز السيولة البنكية إلى 142,1 مليار درهم    تتويج المغربي بنعيسى اليحياوي بجائزة في زيورخ تقديرا لالتزامه بتعزيز الحوار بين الثقافات    "أونسا" ترد على الإشاعات وتؤكد سلامة زيت الزيتون العائدة من بلجيكا    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    المنتخب المغربي الرديف ..توجيه الدعوة ل29 لاعبا للدخول في تجمع مغلق استعدادا لنهائيات كأس العرب (قطر 2025)    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفكر الإسلامي ومسؤوليات القرن جديد
نشر في صحراء بريس يوم 09 - 04 - 2012

التعميم لم يعد كافيا .. والتعامل مع العصربحاجة الى صياغة جديدة
المسلمون مدعوون لأن يستقبلوا القرن الجديد بنهج ايجابي يزيد من حيويتهم وقدراتهم وفعاليتهم ، فلا يقنعوا التحسر على الماضي المجيد ، ولا يقطنوا من تغيير الحاضر المتخلف والامل في مستقبل أفضل.
والفكر الإسلامي أحوج ما يكون أن النهوض والإنطلاق ... فلم يع يكفي العقول تلك التعميمات والانطلاقات التي تؤكد أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان . بل لابد من تفصيل وتدقيق لتبين أن الإسلام صالح لعلاج مشكلات زماننا ومجتمعاتنا ... وإذا كانت التعميمات قد فعلت شيئا فيما مضى لإعادة ثقة المسلمين في دينهم وأنفسهم حين تعرض كيانهم المتداعي للهجمات الضروس ، وحين بلغ منهم اليأس مبلغه ورأى بعضهم أمل لإنقاذ في الانسلاخ من تاريخهم وشخصيتهم ومتابعة " الغرب " المظفر في كل شيء ما تحب منه وما تكره " وانقياد اكثرهم لهذا الرأي ، فأن العبارات الساذجة المتفائلة لم تعد تغني العقل الإسلامي المعاصر فضلا عن غيره ن وهو يحتاج الى معالجة أكثر تعميقا لمشكلات المسلم والإنسان بوجه عام في القرن الجديد .
من التعميم الى التجديد .
ويتندر البعض للأقوال المجملة المتفائلة عن الإسلام بان هذه طبيعة " الدين " الذي يخاطب به منزل الكتاب مختلف العقول أفرادا وجماعات في مختلف العصور والبيئات ... ولا ينكر أحد طبيعة " الدين " ورسالته العامة الخالدة . ولكن واجب المسلمين في كل عصر ومصر ان يحيلوا المبادئ العامة إلى صيغ أكثر تحديدا ، وتعالج المشكلات القائمة معالجة خاصة . وتخاطب الناس بما يفهمون وتبين لهم طريق الخلاص مما يعانون بالذات . ولا تضيع في تيه التعميمات السطحية التي لا تحدد الداء والدواء . ولعلها تقنع بترداد أن الداء والداء المتعب هو غفلة الناس عن ربهم وأن الدواء الناجع هو الرجوع إليه ... وليس ثمة اختلاف في آن واحد هو الأصل العام بالنسبة لدعاة أي دين ، ولكن يبقى بعد ذلك واجب " المفكر " الذي يختلف عن واجب " الواعظ " وهو أن يبرز " المشكلة " في الانحراف عن الدين ن ويحدد " العلاج " في تعاليم الدين ، في بيان مفصل دقيق .
ومهمة " المفكر " بطبيعتها محدودة بحدود زمانه ومكانه ، فينبغي الا يخشى الخطأ والقصور ، وينبغي الا يخشى الحوار والنقاش ، ولا يحسبن أن اختلاف الأراء مما يذهب بروعة الدين ووحدة المؤمنين ... أن مهمة المفكرين ليست أن يصوغوا دينا عاما خالدا تقبله الإنسانية في جميع عصورها ومجتمعاتها فهذا ما استأثر به رب الناس الذي نزل الكتاب " تبيانا وهدى ورحمة وبشرى للمؤمنين " ... وإنما مهمة المفكرين أن يقدموا " فكرا بشريا " واجتهادا إنسانيا يستلهم مبادئ الدين وأصوله ليصوغ تعاليم الدين الخالدة في قوالب أكثر تحديدا وتفصيلا وأقرب لمعالجة الواقع الذي يعاتبه الناس وأبعد عن التجريد والتعميم . وهي بطبيعة ملامسة الواقع وتفصيل القول ادعى لاختلاف وجهات النظر وأولى بمولاة التعديل ابتغاء الأفضل والأكثر ملائمة لواقع المتغير دائما ... ومن ثم فلا حرج ان تختلف الأراء في شأن من الشؤون وإن كانت كلها تستلهم مصدرا واحدا ، بل لا حرج أن يختلف رأي المفكر الواحد من وقت لأخر فيصدر منه رأيان متباينان وفقا لتغيره نظره ، فيكون ذاك على ما " قضى " وهذا " ما لا يقضي" ... وتشهد بهذه "الدينامية " الرائعة ذخائر الفكر الإسلامي منذ عهد رسول الإسلام صلوات الله عليه الذي علم أمته بمحكم قوله كنت " كنتت نهيتكم عن زيارة القبور ، والا فتزوروها ... " " كنت نهيتهم عن اذخار لحوم الأضاحي ، وإنما كان ذلك لأجل الدافة ... " وسواء اكان دلك منخ صلى الله علي وسلم اجتهادا بالرأي تغير ، أم كان تشريعا موحى به نسخ ، فإن الحقيقة تبقى قائمة تعلم المسلمين كيف يواجهون الظروف بالأحكام المتباينة ، وكيف يواجهون بحركة الفكر و " وديداكييكيته " ، حركة المادة والاحياء في هذا الكون " وديناميته " ...ثم تتوالى الشواهد على هذه الدينامية في أحكام الخليفة الراشد عمر واجتهاداته ، وفي فقه مالك الأخذ بالمصلحة المعتبرة المرسلة ، وفقه ابي حنيفة الأخذ بالإستحسان وفقه الشافعي المتقل من القديم للجديد يحسب ما تغير من ظروف الامام المجتهد ومن ظروف الناس ، وفقه مجتهدي الاسلام رضى الله عنهم اجمعين .
.العالم بتطور .
وليأخذ المسلمون ومفكروهم من تطور الفكر العالمي خلال القرن العشرين الميلادي وحده العبرة والمثال فالليبرالية " الكلاسيكية المطلقة المعروفة منذ الثورة الفرنسية في أواخر القرن الثامن الميلادي والتي لا ترى قيدا على حرية الفرد أكثر من واجب ضمان حريات الأفراد الأخرين ، قد تعرضت لتعديلات وتعديلات في المجالات الاقتصادية والسياسية ...فاضطرت الولايات المتحدة الأمريكية إزاء كساد الثلاثينات من القرن العشرين الى سياسة النيوديل (new deal ) التي تعلن ضرورة التدخل الحكومي في مجال التنظيم الاقتصادي ، ونعلن بذلك حطأ نظرية التوازن الميكانيكي ، والمفروض في السوق بالنسبة للعرض والطلب ، وفي عير دلك من صور الأنساق الطبيعي المزعوم في المجالات الاقتصادية .. واضطرت بريطانيا إزاء أزمات الحرب العالمية الأخيرة وما بعدها الى صور متزايدة من التدخل الحكومي لضمان عدالة التوزيع والتأمين الاجتماعي ، وارتأى الاقتصادي البريطاني المعروف " كينز " في " الاتفاق الاجتماعي " ضرورة لتعديل المسيرة الاقتصادي ومواجهة الانكماش والبطالة ، ولم يعد " سعر الفائدة" وحده هو العصا السحرية التي تعدل ميزان الاقتصاد .. وتزايدت أهمية العمال الفنيين الخبراء ، ناهيك بالتأميم " لبعض مرافق الانتاج والخدمات تحت حكم العمال ، إلى جانب الضرائب التصاعدية على الدخول المتطورة والمعقدة نتيجة التقدم التكنولوجي الهائل فغدوا قوة ضاغطة لها وزنها وحسابها ازاء قوة رأس المال ، واسم يعودوا مجرد " ناخبين " كل قوتهم في اصواتهم بل مارسوا حقوقهم النقابية وسائر حقوقهم في الاجتماع والتظاهر والاضراب . بل استخدموا العنف في بريطانيا ، موطن الديمقراطية الكلاسيكية ن حتى شكت الحكومة العمالية من ان العنف العمالي يهدد حقوق السلطة التشريعية والنظام البرلماني الحزبي العريق في بريطانيا وارتأت فرنسا بعد حركة الطلاب في الستينات أن تعدل عن فكرة "رئيس الدولة " (الرمز ) الذي يملك ولا يحكم واستشعرت منذ زعامة ديجول أنها في حاجة الى الرئيس (الزعيم ) الذي يحكم ويتدخل ويسعى الى تعديل الموازين بين الأحزاب وبين الحكومة والبرلمان.
حدث هذا في العالم الرأسمالي .. وحدث في الكتلة الشرقية الماركسية ما يعرفه الجميع من انشقاق تورتسكي عن لينين في الاتحاد السوفيتي ومن اختلاف خورتشوف عن سياسة سلفه ستلين بالدعوة الى " التعايش السلمي " بدلا من الحرب المحتومة بين العالم الاشتراكي والعالم الرأسمالي وبتقرير عن انتصار الأشتراكية قد يأتي عن طريق ما تعانيه الرأسمالية من تناقضات داخلها وتكلم ليبيرمان عن ضرورة الحوافز الاقتصادية للعمال . وتكلم غيره عن وجوب مراعاة مطالب المستهلكين كما حدث تطور في " الشيوعية الاوروبية منذ ايام تولياتي الأخيرة في زعامة الحزب الشيوعي الايطالي فاعلنت ايمانها بالنهج الديمقراطي وعدم ضرورة اعتبار العنف الثوري ودكتاتورية البروليتاريا النهج الأوحد لتحقيق الاشتراكية ... كذلك حدث الانقسام والخلاف الخظير بين يوغوسلافيا والاتحاد السوفيتي ، ثم الانقسام والخلاف الأخطر بين الصين والاتحاد السوفيتي .
خشية التيه والضلال
فإذا كانت هذه حصيلة التطور داخل كل من الإيديولوجيات العالمية في مدى قرن من الزمان فما احوج الفكر الاسلامي الى التطور وقد جمد طيلة قرون متتابعة ... ولا يقال هنا : أن الدين إلهي خالد لا يحتاج ليتطور كما تتطور افكار البشر . فإنما الحاجة هنا الى تطور الفكر الانساني المتجدد المستمد من المبادئ والاصول الاهية الخالدة ، والى الاجتهاد في الفهم والاستنباط من النصوص وفي الحكم فيما لا نص فيه . كما لا يقال هنا : أن الخلاف والانقسام والشقاق نذير موت لا امارة حياة ، فان اختلاف الاراء ظاهرة صحية اذا توافرت له الشروط المنهجية والاخلاقية ، فلا يصدر عن هوى وفتنة بل يكون تمحيصا رشيدا ، وحوارا بناءا وغنيا للفكر معينا على تلمس وجه الحق .
ان المسلمين اثبتوا ازاء دورات الزمن وما واجهوه من اهوال ومحن جسام قدرتهم على الصمود والبقاء . وقدرتهم على التحرك من حين الى آخر للخروج من بوثقة الاستعمار والاستبداد . ولكن يبقى ان يثبت المسلمون قدراتهم في مجالات الوجود الفكري والحركة الفكرية .
لقد مضى القرن المنصرم والمسلمون يلجون على فتح باب الاجتهاد وولكن ما يكاد يحكون رؤوسهم ويعملون أذهانهم ويقدمون للناس ما يكاد أحاد يحكمون رؤوسهم ويعملون اذانهم ويقدمون للناس رأيا – صوابا او خطأ – حتى تنقض عليهم الغالبية العظمى من متعلمين وغير متعلمين بحجارة المروق والضلال واحيانا الزندقة والكفر ، وتصب عليهم اسواط عذاب لهم وارهاب لمن قد يتأثر بهم ، ولعل المسلمين مع اطلالة القرن الجديد يضمن للمجتهدين أن تزامن مع فتح باب الاجتهاد وهذا الأخير يقتضي ضمان حريات المجتهدين وحرماتهم اصابوا أم أخطأوا ّ، ويستلزم الحفاظ على الحق في الخطأ غير العمدي . وما أروع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ضمن للمحتهد المخظئ اجرا حين قرر للمصيب اجرين ! ولعل المسلمين قد تبينوا ان الاجتهاد أو وجوب الاجتهاد لن يخرج مجتهدين وإنما يتكون المجتهد الذي استكمل أدوات الاجتهاد وعدته ومقوماته وشرائطه بممارسة الاجتهاد فعلا والوقوع في الخطأ الى جانب ادراك الصواب .
وأمام المسلمين المفكرين مجالات متعددة وواسعة لتقديم صيغ اسلامية لمقتضيات العصر وحصيلة التطور الانساني الجاد والتمنجزات التي حققها البشر بكد الفكر.
.مجالات واسعة للحركة .
نعم وما أحوج المسلمين في هذا القرن الى صياغة اسلامية لمقتضيات العصر وقضايا ، على هدى الاسلام ووفقا لمناهجه وأساليبه : حقوق الانسان وحرياته العامة وفي مقدمتها حرية التعبير والرأي ، وحرية الإجتماع وما ينبثق عنها ويترتب عليها ، وحرية إقامة الجمعيات ومنها الأحزاب ... الخ ) متوازنة مع واجبات الفرد والتزاماته إزاء الأفراد الأخرين وازاء الجماعة والدولة ... والمؤسسات السياسية وطبيعة وضعها ومهامها وحقوقها وواجباتها ... المساواة الدستورية والقانونية والاقتصادية طبيعتها حدودها وضماناتها وفعالياتها في مجال التطبيق وبخاصة بالنسبة للمرأة ولغير المرأة ... المؤسسات الاقتصادية في مجالات الانتاج والخدمات والنشاط الرأسمالي والفعاليات الممكنة للقطاعين العام والخاص ونشاطات المؤسسات المصرفية ومؤسسات التأمين حكومية وأهلية ...
ولن يقنع أولى الالباب في القرن الجديد بين المسلمين وفي العالم أجمع ، أن يقال أن حقوق الانسان تكفي في بيانها تفصيلها أية من القرأن وذكرت كرامة الانسان وما يضمن انقاذ الحقوق المقررة ... ولن يقنع أحدا من الذين يعقلون أن في الآيتين اللتين ذكرتا الشورى في القرأن غناء عن معالجة طبيعة هذه الشورى وحدودها ومجالاتها والاجهزة القائمة على تحقيقها ... ولم يعد مقنعا أن يذكر تحريم الربا بنصوص محدودة معدودة من القرأن والسنة دون نفاذ ال تطوره التاريخي وصور المعاملات الواقعية التي ورد عليها حكم التحريم وحكمه التحريم بالنسبة لتلك المعاملات في اطار الاوضاع الاقتصادية السائدة وقتذاك ، ودون متابعة للتطور الاقتصادي وأثاره بالنسبة ليقام المؤسسات الرأسمالية والمصرفية والتأمينية ونشاطها حتى تتمكن المقارنة عن بينة ويصدر الحكم بقبول معاملة معاصرة أو رفضها أو تعديلها بناء على البحث المستوعب والمتعمق ، ولن يقبل المسلمون اليوم ما يكون بعضهم قد فبله بالأمس وما يكون أفراد منهم افتتنوا به فيما مضى من تصيد شيء من النصوص تعالج بالتأويل السطحي لتتسع لتأميم للتأميم والاشتراكية تارة ، أو لتوجه لنقيض ذلك تارة اخرى .
إن المسلمين في القرن الجديد يرشدوا عن نزعات الرفض المطلق لكل مؤسسات العصر السياسية والإقتصادية ولكل صور معاملاته واجتهاداته الفكرية والعلمية ، مثلما شرع مسلمو هذا القرن يرشدون عن نزعات القبول والمتابعة باطلاق لكل مؤسسات العصر ومعاملاته واجتهاداته ... أن التقليد مذموم في كل حال، والأصالة مطلوبة بالنسبة لمعالجة اجتهادات المعاصرين غير المسلمين واجتهادات الأسلاف المسلمين سواء بسواء ، والرد إلى كتاب الله وسنة رسوله بالنسبة للقديم والجديد يقتضي التمحيص والتعمق والحكم بعد قيام الدليل الناصع المبين.
المسلمون والأخرون
وحرى بالمسلمين في القرن الجدي ، كذلك وقادة الحركات الاسلامية منهم بوجه خاص . ّأن يتوصلوا الى صيغ لملائمة التعامل مع العاملين على أساس المصلحة الوطنية وحدها . مع اصحاب النزعات القومية بصورة بصورة من صورها فليس كل من اعتبر النطاق الوطني أم المجال القومي منطقا للعمل السياسي زنديقا لا يتعامل معه المسلمون وكأنه انكر معلومة من الدين بالضرورة .. وانما تعالج القضية بحوار منير لابعادها ، يوضح المكاسب والخسائر في كل حال ، والمسلمون مدعوون لأن يفرقوا بين تعاليم الاسلام في التآلف والتعاون وبين تصور لدولة الاسلام الشرعية وكأنما ينبغي ان تكون دولة عالمية واحدة ، وإن يفرقوا بين " الخلافة " باعتبارها صورة تطبيقية تاريخية ، وبين التعاون الدولي العالمي الاسلامي كهدف يمكن أن يتحقق في صور متباينة وفقا لتباين الظروف في العصور المتوالية ، ، وان يتبينوا أن الخلافة باعتبارها صورة للدولة الاسلامية العالمية الواحدة لم تعش طويلا وإن التطلع الى مثل هذه الدولة على أنها أمل بعيد منشود مثلما يتطلع مفكرون اخرون الى الحكومة العالمية الواحدة
ولا تزال نظرة المسلمين الى علاقاتهم الدولية مع العالم المعاصر الذي يعيشونه فيه تحتاج الى تأمل ومراجعة ... فاذا كان المسلمون قد عانوا من استعمالر الغرب وسيطرة عمالقته في مختلقغ المجالات وواجهوا في حضارة الغرب ايديولوجياته السائدة ما يخالف قيمهم ومبادئهم . فلا يعني هذا الرد المطلق لعالم اليوم والعزلة عن التعامل مع الدول القائمة ولا يعني الخلاف السياسي والاديولوجي رجوعا عن التعاون الدولي واعلان العزلة : أن الولايات المتحدة الدولة العملاقة الشبه قارية قد فشلت سياستها في النزوع الى العزلة ودول العالم محجتاجة كلها الى التعاون والتعامل : وعزلة المسلمين تزيدهم ضعفا وتزيد غيرهم فيهم شكا ويدنهم جهلا ومنهم ومن دينهم نفورا ... وتقسيم العالم الى دار اسلام ودار حرب ليس هو التقسيم الثابت المطرد الصجيح ، ولم يرد يه كتاب او سنة . وإنما قال به بعض الفقهاء وارتأى وأخرون أن يضاف الى الدارين " دار العهد " وغير هؤلاء وأولئك من قال بالتقسيم الى " امة الاسلام " و " امة الدعوة " ولم يذكر الحرب على الاطلاق .
اما على المسلمين في القرن الجديد ان يعيشوا بفكرهم وعقيدتهم وأن يتعاملوا مع الناس من حولهم في بلدانهم وفي عالمهم وأن يعوا جيدا أن دعوتهم إنما تعيش في إطار العلاقات الانسانية أنها تجد طريقها جين تقام جسور وتتوافر المواصفات الجيدة أمامها ، وأنهم يدفعون السبيل على فكرهم ودعوتهم في بلدان الاسلام في العالم اجمع وفي العالم اجمع بالعزلة والرفض والإنطواء .
إن الإسلام فتح الطريق للتواصل الاننساني والحوار الفكري المنبر حتى حين تضيع الثقة وتتعطل الكلمة فهتف الاسلام بالمؤمن المجاهد والمعلن الحرب أن يحكم الكلمة والحجة عند أول فرصة تتاح لذلك بين قعقعة السلاح ، فقال عز من قائل " وأن احد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع صوت كلا الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون " التوبة
وهكذا بفعل الواثقون بالانسان الذي فطره الله عاقلا مميزا بصيرا وعلمه البيان من جهة ، والاسماع الى القول ونفهمه وتمييزا حسنه واعطاء الارادة لمتابعة هذا الأحسن من جهة اخرى .
وهكذا يكسب المسلمون لأنفسهم ودينهم كلما عاشوا في العالم وتعاملوا مع الانسان ، وتواصلوا مع غيرهم على الحفاظ على حقوقه وكرامته ، وأخلصوا للتعاون العالمي على اساس العدالة والدولية " فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه ، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب " الزمر صدق الله العظيم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.