مستشفى ورزازات يفتح باب الحوار    عاملات الفواكه الحمراء المغربيات يؤسسن أول نقابة في هويلفا    الطالبي العلمي: المملكة المغربية في سياق إصلاحي من سماته تجديد كبير في التشريعات    الهند تعلن شن هجوم على مواقع في باكستان.. والأخيرة تعلن أنها سترد    أخنوش يترأس بالرباط اجتماعا لتنزيل خارطة طريق قطاع التشغيل    انطلاق عملية استقبال طلبات الدعم العمومي الخاص بالصحافة والنشر    زكية الدريوش: الحكومة تشتغل على تقليص الوسطاء والمضاربين ومراجعة قانون بيع السمك    تألق مغربي في ختام البطولة الإفريقية التاسعة للووشو بالقاهرة    وفد مغربي سعودي يستقبل وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في مطار الدار البيضاء    إنتر يقصي البارصا من أبطال أوروبا    أبرزها نزع ملكية 7 هكتارات لإحداث مشاريع متنوعة.. مجلس جماعة الدريوش يصادق بالإجماع على نقاط دورة ماي    شحنة ضخمة من الكوكايين تستنفر أمن ميناء طنجة المتوسط    وزارة الداخلية توقف خليفة قائد للاشتباه في تورطه بجرائم فساد    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تفتتح بباكو المعرض الرقمي "الزربية الرباطية، نسيج من الفنون"    إسبانيا تتمسك بتقليص ساعات العمل    "إغلاق أخضر" في بورصة البيضاء    أخنوش يراهن على "خارطة التجارة الخارجية" لخلق 76 ألف منصب شغل    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    رئيس الحكومة يترأس اجتماعا لتدارس خارطة طريق التجارة الخارجية 2025-2027    تقدم خطوتين فقط بعد جائحة كوفيد.. المغرب في المرتبة 120 عالميا في مؤشر التنمية البشرية لعام 2025    مراكش…تسجيل هزة أرضية بقوة 4.6    الرجاء الرياضي يحتج على التحكيم    فرنسا وأيرلندا تدينان خطة إسرائيل لاحتلال غزة    وزير خارجية فرنسا: "الوضع عالق" بين باريس والجزائر    مكونات المعارضة النيابية تنادي بتحرير الجماعات الترابية من "سلطة الوصاية"    نيروبي: افتتاح أشغال مؤتمر دولي لليونيسكو حول التراث الثقافي بإفريقيا بمشاركة المغرب    مداخل تنزيل مبادرة الحكم الذاتي المغربية بالصحراء    ارتفاع أسعار الذهب إلى أعلى مستوى    موسم طانطان ينطلق في 14 ماي.. احتفاء بتقاليد الرحل وبالثقافة الحسانية    "قفطان المغرب" يكرم التراث الصحراوي    وزير إسرائيلي: "غزة ستدمر بالكامل"    متى كانت الجزائر صوتا للشرعية البرلمانية العربية؟ بقلم // عبده حقي    افتتاح فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفيلم بالحسيمة    بحث وطني يشمل 14 ألف أسرة لفهم تحولات العائلة المغربية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    وجهة غير متوقعة تُهدد انتقال سفيان أمرابط إلى الدوري السعودي    الفريق الاستقلالي يطالب بإحالة محمد أوزين على لجنة الأخلاقيات    غوارديولا يكشف اسم أقوى مدرب واجهه في مسيرته    هزة أرضية بقوة 4.6 درجات تضرب مراكش ونواحيها    استراتيجية حكومية لضمان تكاثر القطيع الحيواني تغني عن اللجوء للاستيراد    منطقة الغرب.. توقع إنتاج 691 ألف طن من الزراعات السكرية    جمهور فنربخشة يطلق صافرات استهجان ضد يوسف النصيري    زوربا اليوناني    العصبة تلزم فرق البطولة بحذف جميع إشهارات الشركات المتخصصة في نقل الأشخاص والوساطة في النقل    لقجع: الطلب العمومي الأخضر محور أساسي في استراتيجية التنمية المستدامة بالمملكة    الجنون الاستبدادي لقيس سعيّد: رئيس يقوّض أسس الديمقراطية التونسية    اتفاق مغربي-مصري لرفع وتيرة التبادل التجاري وتعزيز الصادرات الصناعية    الرباط تحتضن ملتقىً دولي حول آلة القانون بمشاركة فنانين وأكاديميين من المغرب والعراق ومصر    مايكروسوفت توقف تطبيق الاتصال عبر الإنترنت "سكايب"    تحذير من تناول الحليب الخام .. بكتيريات خطيرة تهدد الصحة!    ارتفاع حالات الإصابة بالحصبة في أوروبا خلال شهر مارس الماضي    عضة كلب تنهي حياة شاب بعد أسابيع من الإهمال    استقبال أعضاء البعثة الصحية لموسم الحج    كيف تُنقذ حياة شخص من أزمة قلبية؟.. أخصائي يوضّح    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مغاربة يعيشون على أجساد بناتهم

من أجل ربح سريع أو طرح عباءة الفقر المدقع بعيدا، يختارون تجارة وقودها عرق المتعة المتصفد من أجساد بناتهن. يعيشون منفصلين عن الحدود السائدة التي رسمتها قيود الأعراف والقيم والقوانين. يوميات حيواتهم تجر وراءها العديد من علامات الاستفهام؟.. ترى لماذا فضلوا العيش وفق طقوس وقناعات خاصة تصطدم بقناعات الآخرين؟ وكيف يُبررون تبعات «الاستثناء» الذي رسموه؟.. «الأحداث المغربية» تكشف بعض «المستور» في قصص آباء وأمهات فضلوا الاقتتات على أجساد بناتهن!يمضي يومها بإيقاع رتيب. يوم تتقاسم ليله ونهاره نفس الطقوس. في حدود الساعة الثامنة ليلا، تنخرط في الاستعداد لساعات عمل طويلة وشاقة. يتوجب عليها أن تلتحق بمنطقة عين الذئاب بكورنيش العاصمة الاقتصادية حيث يوجد الملهى الليلي التي تشتغل فيه.
على الساعة التاسعة ليلا، تشرع الشابة العشرينية الجميلة في توزيع الغمزات والقبل «البريئة» على زبائنها القدامى. أما الزبناء الجدد، فيكفي غنجها ودلالها وجسدها المثير، ليسقطون في حبائل فتنتها. تستهويهم المغامرة غير آبهين بالورقات الزرقاء المدسوسة في جيوبهم. بعضها يذهب من أجل اقتناء علب سجائر، أو احتساء كؤوس مشروب غالي الثمن. الورقات المالية المتبقية تعرف طريقها إلى جيبها بعد انتهاء «الدوام» داخل الملهى الفاخر.
واش عندكم البديل..؟!
ينتهي العمل داخل الملهى المصنف في حدود الساعة الثانية ليلا، لتنطلق أشواط «النشاط الموازي»، إنه «السباق إلى لقمة العيش» حسب سامية الشابة العشرينية. سباق تُعطى انطلاقته داخل دواليب الملهى، حيث تشرع خلال الساعات الأخيرة من عملها في المساومة على مقابل اللذة المدفوعة الثمن مع الزبون الراغب في اقتناص لحظات المتعة بين أحضانها.
الحمرة التي صبغت محياها خلال تبادل الحديث معها، كشفت وراءها قسمات تُنبأ عن حكايات ليلية غير منتهية. حكايات قد تصطبغ في أحايين كثيرة بألوان نهايات غير سعيدة، كالليلة التي تعرضت فيها لحادثة سير مفجعة فارق على إثرها رفيقها حياته، فيما أصيبت هي بكسور ورضوض متفرقة. تقول سامية في بداية الحديث المقتضب معها، «نشأت وسط أسرة فقيرة. ترعرعت وسط حي صفيحي. درست إلى مستوى الأولى ثانوي. بعد وفاة والدي، كان علي العمل من أجل مساعدة أسرتي.. أختي الكبرى امتهنت الدعارة، هكذا اقتفيت أثارها بين ملاهي البيضاء.. شقيقتي هي من ساعدتني. اليوم أعيل أسرتي الصغيرة بعد انقطاع الأخبار عن أختي التي هاجرت قبل سنتين إلى إحدى بلدان الخليج العربي».
تستمر سامية في سردها لبداية ارتمائها في أحضان مجال العمالة الجنسية. مازالت ذاكرتها تحتفظ بالتفاصيل الدقيقة عن أولى مغامراتها الجنسية. تمكنت خلال تلك المغامرة من جني مبلغ مالي قدره خمسة ملايين سنتيم. المقابل كان هو فض بكارتها من طرف ثري خليجي. شقيقتها الكبرى هي من أرشدتها على أحد الوسطاء المشهورين في الدعارة بمنطقة الهرهورة. كما زودتها برقم هاتفه الخاص.
رواياتها المتناسلة عن الأقدار والمصائر، جمعت شتات العديد من الأسئلة المتفرقة. من بينها أسئلة محرجة تحيل في النهاية على خلاصة واحدة.. كيف تقبل والدتها الأمر؟.. وكيف تتعامل في محيطهما الاجتماعي مع وضع مرفوض «شرعا وأخلاقيا» حسب التصورات الاجتماعية والثقافية السائدة؟
جاءت أجوبة الشابة العشرينية، لتكشف عن بعض التفاصيل الغرائبية عن حياة أسرتها الصغيرة. أجوبة حملت في طياتها الكثير عن حياة مغاربة يستزرقون من خلال أجساد بناتهم. تقول سامية بأن أسرتها تعلم بحقيقة عملها ومصدر الأموال التي تنفقها عليهم، «ليس هناك ما يبعث على القلق في حياتي. أمارس هذا العمل بمعرفة أهلي. كما أنفق عليهم من الأموال التي أتحصل عليها. الأمر عندهم سيان، فما يهمهم هو ضمان الحد الأدنى من العيش الكريم»، قبل أن تضيف «هناك الكثير من الأعباء والمصاريف التي أتحملها على رأس كل شهر. هناك واجبات الكراء المقدرة ب 2300 درهم، ومبلغ 1500 درهم كنفقات المعيشة، و 2000 درهم أمنحها لوالدتي، إضافة إلى مبلغ مالي يُقدر ب 1700 درهم، أدفعه كمصروف جيب وواجب شهري خاص بتمدرس شقيقتي الصغرى».
تعتبر الطالبة الجامعية السابقة في شعبة الآداب الإنجليزية، أن العمالة الجنسية فتحت لعائلتها أبواب الرقي الاجتماعي.. «في نظرك ماذا كنت سأعمل بالشهادة الجامعية.. اشتغلت بها لدى مكتبين للترجمة كمتدربة لمدة سبعة أشهر. كان المقابل الذي أتلقاه 1700 درهم شهريا.. كيف يمكنني المساهمة في تدبير نفقات المنزل بهذا المبلغ الهزيل.. هل بنظرك يبقى هذا المبلغ كفيلا بتحقيق الندر اليسير من أحلام المرء؟!»، سؤال جاء الجواب عليه على لسان طانيا التي اعتبرت ما تقوم به مهمة إنسانية لها صبغة «قدسية».
«أنا مسؤولة عن إعالة أسرة مكونة من ثلاثة أفراد، ولولا عملي لكان والدي اليوم يعيشان في مركز تيط مليل، وشقيقي يتسكع في الشارع كمتشرد.. ليس لدي ما أخجل منه، طالما أهلي يعلمون بمصدر الرزق الذي يساق إليهم » تقول عاملة الجنس الجامعية.
«مشى بفلوسي للحج والعمرة..»
لا تخلو صفحتها الإلكترونية من عبارات الاستفزاز والسخرية من طريقة استلقائها التي تُحرك الغرائز. تظهر الشابة الرشيقة التي تتصنع دور بطلة إغراء عالمية بلباسها الداخلي المثير على السرير الوتير. في الحائط الخلفي للغرفة الواسعة المصبوغة بلون وردي فاتح، صورة كبيرة معلقة للنجمة الأمريكية الراحلة مارلين مونرو بفستانها الأبيض القصير. تحفل الصفحة المذكورة بالعديد من التعليقات الحابلة بعبارات التحرش وإظهار الإعجاب بالتضاريس الجسدية الظاهرة من خلال لباسها الخفيف.
الولوج لصفحة الشابة، يظهر أنها محبوبة بشكل كبير. ووحده الإنجراف خلف ميزة البحث المتاحة ضمن لائحة الأصدقاء، يجعل المرء يتبين الحقيقة الكاملة وراء الصورة الحميمية. أيضا إطلالة سريعة على لائحة الأصدقاء المقربين، تبقى كافية للتعرف على جنسياتهم، من بينهم من وضعوا أرقام هواتفهم الشخصية. كان أغلبهم من جنسيات خليجية.
تصفح الصور المعروضة على الصفحة الالكترونية، يُظهر وجود شخص يرتدي زيا خليجيا، وهو منهمك في بعثرة أوراق مالية متنوعة على جسد شابة ملامحها شبيهة بصاحبة الصفحة. الصورة الموالية تضم الشابة بنفس اللباس المثير تجلس على أريكة مريحة في صالون فاخر مفتوح على مسبح صغير.
قبلت الشابة الدعوة من أجل فتح دردشة صوتية مباشرة. ظنت أن زبونا مفترضا على الطرف الآخر. بعد معرفتها بصفة مخاطبها، اعتذرت بلباقة وأقفلت خط المحادثة. استمرت المحاولات عبر المحاورة الكتابية. نجحت المحاولة، وانخرطت الشابة في سرد متُقن لذكرياتها «المنسية». تحدثت الشابة التي تبلغ 27 سنة حسب المعلومات المدونة على الصفحة، بصراحة عن صيت عوالم العمالة الجنسية والمال الممزوج بروائح النفط والغاز. اختارت بعناية الكلمات التي تترجم من خلالها مسيرتها كعاملة جنس محترفة تعيش في بحبوحة من العيش. تقطن في شقة فاخرة داخل الوعاء العقاري المشهور بين الوسطاء ب «المثلت الذهبي» بسبب غلاء الأثمان. تعيش وسط أسرة مؤلفة من أم سبعينية وأب ثمانيني، وشقيق أفقده الإدمان على الحشيش قواه العقلية. أما شقيقتها الكبرى، فتشتغل مسيرة لفضاء تجاري بمدينة طنجة.
تعتبر الشابة الملقبة ب «طانيا»، أن عملها يُدر عليها مداخيل طائلة، ويدفعها إلى السفر لفترات متقطعة على مدار شهور السنة. انقطاعها عن البيت لفترات طويلة، لا يسبب لها أي إحراج وسط محيطها الأسري، لأن والديها لا يُلقيان بالا لما يسمعانه من «الغرباء». تقول طانيا «والدي ووالداتي يعيشان في عالم منفصل عن محيطهما العائلي. القطعية مع أقربائهما ومعارفهما جاءت بعد مشاداة قوية بسببي. أعمامي أعلنوا تبرؤهم مني ومن والدي بسبب ما قيل عني. في الحقيقة أنا غير مهتمة لهذه الأمور». بعد تقديم اعتذار مؤقت عن مواصلة المحادثة لطارىء ما، استطردت طانيا قائلة، «والدتي على بينة من الأمر. أما والدي فهو يعرف أنني أشتغل كمسؤولة داخل وكالة تجارية لتسويق الماركات العالمية بمدينة بعيدة عن الدارالبيضاء. مايهمه هو تأمين نفقات العيش»، قبل أن تضيف، «مالو مع راسو.. راه مشى الحج والعمرة بزاف ديال المرات.. وعمرو ما طرح شي سؤال على الفلوس منين جايا».
تعتبر الطالبة الجامعية السابقة في شعبة الآداب الإنجليزية، أن العمالة الجنسية فتحت لعائلتها أبواب الرقي الاجتماعي.. «في نظرك ماذا كنت سأعمل بالشهادة الجامعية.. اشتغلت بها لدى مكتبين للترجمة كمتدربة لمدة سبعة أشهر. كان المقابل الذي أتلقاه 1700 درهم شهريا.. كيف يمكنني المساهمة في تدبير نفقات المنزل بهذا المبلغ الهزيل.. هل بنظرك يبقى هذا المبلغ كفيلا بتحقيق النذر اليسير من أحلام المرء؟!»، سؤال جاء الجواب عليه على لسان طانيا التي اعتبرت ما تقوم به مهمة إنسانية لها صبغة «قدسية».
«أنا مسؤولة عن إعالة أسرة مكونة من ثلاثة أفراد، ولولا عملي لكان والدي اليوم يعيشان في مركز تيط مليل، وشقيقي يتسكع في الشارع كمتشرد.. ليس لدي ما أخجل منه، طالما أهلي يعلمون بمصدر الرزق الذي يساق إليهم » تقول عاملة الجنس الجامعية.
«حليت عيني في والدين خدمتهم هذاك الشي .. »
حسب علماء النفس، فالتنشئة الاجتماعية، قد تكون لها تداعيات قاسية في بعض الأحيان على الإنسان خلال مراحله العمرية. تداعيات تخلق عنصر استجابة مستقبلية لدى المرء، وتجعل قابليته لمحاكاة بعض الأفعال عالية. قصة لمياء التي تعرضت لحادثة اغتصاب بشعة خلال مرحلة مراهقتها، تبقى من بين القصص التي كان فيها للتنشئة الاجتماعية دور كبير في رسم سمات شخصيتها كعاملة جنس محترفة. يقول ضابط شرطة سابق بولاية أمن البيضاء، مازالت ذاكرته تحتفظ بتفاصيل محضر استماع حرره لعاملة جنس بعد تفكيك شبكة للدعارة بالمدينة خلال سنة2012 . «المتهمة الرئيسية في الشبكة تسمى لمياء، وتعرضت لجريمة اغتصاب من طرف أحد أصدقاء والدها. حدث ذلك خلال أمسية خمرية ببيت الأسرة. لم يتجرأ الأب على طرق باب القانون من أجل الحصول على حق ابنته المغتصبة. فضل الاقتصاص من صديقه بطريقته الخاصة حتى يمحو الفضيحة من أذهان الجيران». استطرد مباشرة «كلفه انتقامه الدموي من مغتصب ابنته، رهن سنوات من عمره وراء السجن. بقيت لمياء في عهدة الأم التي أصبحت مسؤولة عن تدبير شبكة الدعارة التي خلفها لها الزوج». لم تكتفي الأم بغرف سطح المنزل المعدة لزبناء اللذة، بل أقدمت على تحويل بعض الحجرات المتواجدة بالطابق التي تسكنه رفقة ابنتيها إلى فضاءات حميمية. أصبحت لمياء تعايش وضعا حياتيا مختلا. على مدى ساعات النهار والليل، تشاهد رجال ونساء يدلفون للغرفة المجاورة، وتلتقط مسامعها التفاصيل الكاملة للعلاقات الجنسية من تآوهات وكلام ساقط، كما أضحت تتلصص على زبناء المتعة المدفوعة. لم تمر غير شهور، لتجد لمياء نفسها في خضم مغامرات جنسية مدفوعة بمباركة من أمها. بعد مرور فترة يسيرة، أصبحت لمياِء تساعد والدتها في تسيير شبكة دعارة مكونة من أربع عاملات جنس. كما أصبحت تشتغل لحسابها الخاص، وتقتسم ما تدره عليها علاقاتها الجنسية داخل المنزل مع أمها. أما علاقاتها خارج البيت، فقد كانت المبالغ المالية المتحصل عليها تخصها لوحدها. بينما كانت لمياء في ضيافة أحد الأشخاص بشقة بشارع 2 مارس وسط العاصمة الاقتصادية. تم إلقاء القبض على والدتها وعاملتي جنس بعد مداهمة المصالح الأمنية للمنزل. وبعد مرور خمسة أشهر، أفرج عن الأب، وعاودت لمياٍء إحياء نشاط الشبكة. صرحت لمياء للمحقق باعترافات صادمة. اعترافات لن تمحى من ذاكرته بسهولة حسب قوله. لقد كانت تمارس الجنس مع زبنائها، بمعرفة والدها الذي لم يكن يفصل بينه وبين الحجرة المعدة لأعمال الدعارة سوى أمتار معدودة. ما يهمه هو المال الذي يكفي لاقتناء الحشيش. استطاعت لمياء توسيع وتنويع عروض شبكتها، وأصبحت تتعامل مع وسطاء محترفين. أصبحت مسؤولة عن تأمين الفتيات الجميلات لفائدة ثري ليبي، يتخذ من فيلا فاخرة بالبيضاء، مرتعا لقضاء نزواته ورغباته.
لكنها ستسقط في قبضة الأمن بعد مداهمة الفيلا من طرف فرقة أمنية ولائية. يقول ضابط الأمن، أنه دخل في حوار عقيم مع لمياء عن سبب تعاطيها لهذا النشاط، ومجاراتها لوالدتها، وهي مازالت شابة في مقتبل العمر. جوابها جاء بشكل صادم.. «اسمع آشاف راه لمكتاب عليه شي مكتوب كيصرف فيه.. أنا مكرهتش ولكن راه الله غالب.. والديا لخاص تكون عندهم الكبدة عليا فرطو فيا.. حليت عيني في والدين خدمتهم هذاك الشي.. كيفاش بغيتيني ندير.. هاذشي لعطا الله والسوق ».
«يخ منو… عيني فيه»
شارع محمد الخامس بوسط العاصمة الاقتصادية في حدود الساعة التاسعة ليلا. سيارة أجرة تتوقف بالقرب من إحدى دور السينما المشهورة. تنزل منها إحدى الشابات. كان في انتظارها رجل قدم نفسه على أنه الزبون المفترض. اقتربت منه بحذر، وتبادلت معه حوارا قصيرا، ثم واصلت خطواتها في أثره. لقد انطلق طقس بيع «لحمها» بتلك الطريقة المهينة. وهو الطقس الذي اعتادت على تمثيل فصوله منذ سنوات خلت. لم يستمر الأمر سوى دقائق قليلة. عادت بعدها الشابة الفارعة الطول إلى مكانها المعتاد. من خلال تبادلها أطراف الحديث مع صديقتها، تبين أنها لم تتوصل إلى اتفاق مع الزبون.
بعد الاقتراب منها، ظنت أن الأمر يتعلق بزبون جديد، لكن بعد مصارحتها بطبيعة المهمة، أظهرت نوعا من التجاوب. رحبت إيمان بالفكرة، وكأنها كانت بحاجة إلى جلسة لإفراغ شحنة نفسية كانت تضغط على صدرها. لم تكن إيمان في مقتبل العمر، بل أشرفت على الأربعينيات من عمرها. عامل السن لا يشكل لها عائقا أمام مغامراتها اليومية، فقساوة العيش وظروف الحياة الصعبة، تبقيها مضطرة لبيع لحمها لمن يدفع لها أكثر. روت إيمان بمرارة عن القدر الذي لم ينصفها، وكيف تحول جسدها إلى آلة بشرية لضخ المال في جيوب أهلها. «والدتي تعلم بحقيقة العمل الذي أزاوله.. أسرتي فقيرة، وتعيش في منطقة نائية بعيدا، يستحيل العيش فيها.. نشأت في ذلك الدوار كأنني منبوذة. مارست الرعي والأشغال المتعبة داخل تلك الحفرة التي كنا نسميها بيتا. تعرضت للاغتصاب على يد أحدهم، لم يكن أبي يملك أي نفوذ من أجل المطالبة بحقي» تقول إيمان والحرقة بادية على محياها الحزين. ثم تستطرد «هربت من بيت عائلتي، توجهت إلى مدينة الفنيدق، وفضلت الاستقرار لدى إحدى قريباتي. كانت تشتغل عاملة جنس بمدينة مليلية. انخرطت معها في العمل بمدينة الفنيدق. ثم هاجرت سريا إلى إسبانيا. استمريت في العمل هناك لمدة طويلة، اشتغلت في حقول منطقة الأندلس، كما مارست الدعارة هناك. اليوم أنا هنا في البيضاء. خلال الفترة السابقة، كنت أرسل إلى أسرتي مبالغ مالية.. حدثتني والدتي أن أبي كان يتلقى المال، ويعرف أنني من أرسلته، ومع ذلك يتجاهل مكالماتي الهاتفية، ولا يسأل عني».
محمد كريم كفال


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.