ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    لماذا تصرّ قناة الجزيرة القطرية على الإساءة إلى المغرب رغم اعتراف العالم بوحدته الترابية؟    بطولة ألمانيا لكرة القدم.. فريق أونيون برلين يتعادل مع بايرن ميونيخ (2-2)    كوريا الشمالية تتوج ب"مونديال الناشئات"    البطولة: النادي المكناسي يرتقي إلى المركز الخامس بانتصاره على اتحاد يعقوب المنصور    مدرب مارسيليا: أكرد قد يغيب عن "الكان"    موقف حازم من برلمان باراغواي: الأمم المتحدة أنصفت المغرب ومبادرته للحكم الذاتي هي الحل الواقعي الوحيد    نبيل باها: "قادرون على تقديم أداء أفضل من المباراتين السابقتين"    عائلة سيون أسيدون تقرر جنازة عائلية وتدعو إلى احترام خصوصية التشييع    ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025).. البطلة المغربية سمية إيراوي تحرز الميدالية البرونزية في الجيدو وزن أقل من 52 كلغ    طنجة.. وفاة شاب صدمته سيارة على محج محمد السادس والسائق يلوذ بالفرار    "جيل زد" توجه نداء لجمع الأدلة حول "أحداث القليعة" لكشف الحقيقة    بحضور الوالي التازي والوزير زيدان.. حفل تسليم السلط بين المرزوقي والخلفاوي    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    خلاف بين وزارة الإدماج ومكتب التكوين المهني حول مسؤولية تأخر منح المتدربين    طنجة.. الدرك البيئي يحجز نحو طن من أحشاء الأبقار غير الصالحة للاستهلاك    الرباط وتل أبيب تبحثان استئناف الرحلات الجوية المباشرة بعد توقف دام عاماً    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    شبهة الابتزاز والرشوة توقف مفتش شرطة عن العمل بأولاد تايمة    لقاء تشاوري بعمالة المضيق-الفنيدق حول إعداد الجيل الجديد من برنامج التنمية الترابية المندمجة    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    الجيش المغربي يستفيد من التجارب الدولية في تكوين الجيل العسكري الجديد    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    بعد السرقة المثيرة.. متحف اللوفر يعلن تشديد الإجراءات الأمنية    تتويج مغربي في اختتام المسابقة الدولية للصيد السياحي والرياضي بالداخلة    دكاترة متضررون من تأخير نتائج مباراة توظيف أساتذة التعليم العالي يطالبون بالإفراج عن نتائج مباراة توظيف عمرت لأربع سنوات    تشريح أسيدون يرجح "فرضية السقوط"    تدشين المعهد المتخصص في فنون الصناعة التقليدية بالداخلة تعزيزاً للموارد البشرية وتنمية القطاع الحرفي    قطاع غزة يستقبل جثامين فلسطينيين    فضيحة كروية في تركيا.. إيقاف 17 حكما متهما بالمراهنة    السلطة تتهم المئات ب"جريمة الخيانة" في تنزانيا    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    كاتبة الدولة الإسبانية المكلفة بالهجرة: المبادرة الأطلسية التي أطلقها الملك محمد السادس تشكل نموذجا للتنمية المشتركة والتضامن البين إفريقي    حمد الله يواصل برنامجا تأهيليا خاصا    العرائش.. البنية الفندقية تتعزز بإطلاق مشروع فندق فاخر "ريكسوس لكسوس" باستثمار ضخم يفوق 100 مليار سنتيم    "صوت الرمل" يكرس مغربية الصحراء ويخلد "خمسينية المسيرة الخضراء"    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    عيد الوحدة والمسيرة الخضراء… حين نادت الصحراء فلبّينا النداء    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    أشرف حكيمي.. بين عين الحسد وضريبة النجاح    انطلاق فعاليات معرض الشارقة للكتاب    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فكرة الجامعة الإسلامية والكومنولث الإسلامي من جمال الدين الأفغاني إلى مالك بن نبي..؟ (1)
نشر في العلم يوم 30 - 10 - 2009

على هامش ذكرى وفاة مالك بن نبي 31 أكتوبر 1973 وذكرى تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي 1969 _ 2009 إذا كان الأصوليون »يعني علماء الأصول« يرون أن المناسبة شرط فإن السياسة كذلك ترى ان المناسبة شرط، أو على الأقل هذا ما يظهر في الممارسة السياسية العربية والإسلامية فمنذ أربعين سنة التأم جمع أو مؤتمر هو الأول من نوعه في العالم الإسلامي الحديث حضرته أغلبية الدول الإسلامية المستقلة حينذاك من أجل النظر في مصير القدس والمسجد الأقصى بعدما أقدم أحد الصهاينة بأشغال الناس في المسجد الأقصى.
وقد جاء هذا المؤتمر في خضم الصراع الذي كان قائما بين تيارين في العالم الإسلامي والعالم العربي تيار يدعو إلى التضامن الإسلامي ويعتبره ضروريا من أجل حل مشاكل العالم الإسلامي والمسلمين في ديارهم وفي مواجهة ما يهدد مستقبل هذه الدول من لدن الدول الاستعمارية القديمة، وإنقاذ الشعوب التي لا تزال تحت الحكم الاستعماري، وتيار يرى في هذا التضامن خطرا يهدد ما كان يعتبره أساس توحيد إقليمي وهو القومية العربية التحررية التي كانت تواجه الاستعمار والصهيونية، هذا التيار الذي كانت حرب 1967 نهاية لهذه الأحلام والطموحات التي كان يعبر عنها لأن هذه الحرب استطاعت ان تكشف واقع هذا التيار وأنه لم يكن يتوفر على وسائل في مستوى ما كان يذيعه ويتغنى به.
ان هذا الصراع الثنائي بين التيارين المشار إليهما أصبحا بالرغم عن الجميع في خندق واحد تجاه ما حل بالعالمين العربي والإسلامي، ورأى الجميع ان التوجه القديم في تغذية الصراع والنزاع بين التيارين لا يخدم إلا مصالح الآخر وليس مصالح أي من التيارين هذا الواقع الجديد الذي برز أمام العرب والمسلمين وبصفة خاصة أمام قيادة التيارين سهل مأمورية الدعوة إلى عقد المؤتمر الإسلامي الأول في مثل هذا الوقت من سنة 1969.
وبانعقاد هذا المؤتمر تتحقق الخطوة الأولى من مشروع فكري وسياسي انطلق منذ ما يقرب من قرن من الزمان، أثناء عقده ذلك المؤتمر فإذا كانت سنة 1857 السنة التي انهزمت فيها الثورة الإسلامية في الهند وانتهى وجود الحكم الإسلامي هناك بعدما تم احتلال الجزائر عام 1830، فإن السنوات التي تلت بعد ذلك كانت نقط ارتكاز في المواجهة بين العالم الإسلامي الذي بلغ قمة جموده وتوقفه وبين السياسة الاستعمارية النشيطة التي كانت متمثلة في الهجمة الاستعمارية الغربية لتنفيذ مخطط الإجهاز على الدولة العثمانية أو الرجل المريض كما يقال آنذاك، ان سياسة المقاومة التي كانت قائمة آنذاك كان التضامن من شعاراتها ولكنه كان التضامن المفقود في مستوياته المختلفة فالقبلية والنعرات الطائفية كانت هي ما اعتمد عليها أعداء الأمة بواسطة الطوابير المتعددة من الجواسيس الأوروبيين ومن تمكنوا من تجنيده من القوم أنفسهم بالإضافة إلى عوامل الجهل والتخلف والسذاجة التي كانت لدى الكثير من أولياء الأمور في العالم الإسلامي، كل هذا تضافر لمساعدة الدول الاستعمارية في سياستها التي تستهدف الإسلام والمسلمين وأرضهم وخيرات هذه الأرض الظاهرة منها وغير الظاهرة.
وأمام هذا الجو الذي كان استمرارا لأهداف الحروب الصليبية مع تغيير في الوسائل والأساليب، فإن المجتمع الإسلامي ممثلا في بعض الحكومات التي كانت قائمة وفي الدولة العثمانية والتي أدركت أهداف الغرب ومراميه سارعت إلى المقاومة بالكيفية التي بين أيديها، بالإضافة إلى ما قام به مجاهدون مخلصون من مقاومة ضارية ومخلصة للأجنبي.
ان هذه المقاومة البطولية التي امتدت على طول البلاد الإسلامية وعرضها كانت نابعة من أعماق الروح الجهادية والبطولية التي عرفها العالم الإسلامي، والتي كانت وراء طرد الصليبيين والقضاء على نفوذهم وقد عرف العالم الإسلامي هذه الحرب وعرف كيف قاومها وكيف انتصر عليها وفي كل قطر من الأقطار تاريخ لهذه الحرب.
فالثورة الإسلامية في الهند وثورة المجاهد عبد القادر الجزائري في الجزائر وثورة عرابي في مصر وثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي في المغرب، والانتفاضات والثورات التي عرفتها كل من السودان وليبيا والشام كلها كانت تسعى لصد العدوان الغربي والهجمة الاستعمارية الجديدة، وكلها بأجمعها مع الأسف الشديد لم تنجح وبقدر ما تفشل هذه الثورات والانتفاضات بقدر ما كان الطوق يضيق حول الدولة العثمانية ليس باعتبارها دولة فقط ولكن باعتبارها رمزا للخلافة ولما يسميه (ارنولد توينبي) الدولة الجامعية والتي هي ضرورية لبناء الحضارة أو استمرارها، فالخلافة وان لم يكن كل العالم الإسلامي منطويا تحت لوائها ولكنها كانت تمثل رمز الأمة ورمز الوحدة الجامعة لشؤون مواطنيها الدينية والدنيوية.
ان هذه المرحلة من المقاومة هي المرحلة التي يطلق عليها مالك بن نبي مرحلة البطولة فهي بطولة أفراد وليست حركة منظمة ذات خطط وبرامج وأهداف، والواقع ان هذه البطولة مهما قيل في شأنها أو محاولة التقليل من أهميتها و دورها فهي التي كانت المحرك لحركات التحرير وللهيآت والمنظمات التي جاءت بعد ذلك في شكل عملية الإصلاح أو النهضة وهو ما يؤكده مالك نفسه عندما يركز على ظهور جمال الدين الأفغاني أثناء هذه الثورات البطولية والجهادية.
ان الوضع المؤلم والمأساوي الذي وصل إليه العالم الإسلامي هو الذي أيقظ هؤلاء الدعاة للإصلاح انه عامل أساس من عوامل استيقاظ الضمير وإرسال صيحة الإصلاح في مجالاته المختلفة لقد كان جمال الدين نفسه أحد القادة المجاهدين في أفغانستان ضد الوجود الانجليزي ورأى بأم عينيه وسمع بأذنيه ما كان يخطط له الاستعمار الغربي، شاهد ذلك في بلده وفي الهند ثم بعد ذلك في كل الأقطار التي زارها أو زاره أهلها، ورأى من كل ما شاهد أنه لا ملجأ مما رأى وما سمع إلا بالعودة إلى النبع الصافي، وإلا بالرجوع إلى التضامن الإسلامي الصحيح.
فكانت خلاصة تجاربه الدعوة إلى الجامعة الإسلامية تلك الجامعة التي رأى فيها ليس دعما للسياسة العثمانية ولا للسلطان عبد الحميد كما كان يروج الاستعمار ويروج العملاء أو من كانوا يرون في الجامعة الإسلامية قضاء على أهدافهم وغاياتهم في تمزيق وحدة الأمة الإسلامية وبناء على انقاضها ما كانوا يعتبرونه أوطانا قومية لهم، وإذا كان بعض الأقوام من ممالك أوروبا التي كانت خاضعة للدولة العثمانية ممن يمكن إيجاد العذر لهم في هذا الباب، فإن الجماعات العربية التي كانت ضد الجامعة الإسلامية لا عذر لهم، ولاسيما ان طموحاتهم أدت إلى الاضرار بمصالح الأمة فيما بعد ذلك لأن النتيجة هي أن الغرب حقق بهم مصالحه الاستعمارية وكانوا وكانت أوطانهم ضحية من ضحايا محاربة الجامعة الإسلامية.
وعلى أي حال لقد كانت الجامعة الإسلامية مجال تجاذب و المواقف في برنامج الجمعيات والأحزاب وأرباب الفكر والقلم في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وهو ما دفع الغرب الاستعماري إلى تكثيف الجهود من أجل القضاء على هذه الروح التضامنية بين المسلمين لأن إذا تحقق هذا فإن أهداف الاستعمار قد انتهت من أرض الإسلام والمسلمين.
وليس هدفنا في هذا الحديث ان نتحدث عمن هو مع وعمن هو ضد لأن هذا سيطول وعلى أي حال فالدواوين الشعرية والكتب والصحف لتلك المرحلة مملوءة بما يكفي لإبراز وتوضيح المواقف وان كان الأمر الذي لا يمكن إغفال الإشارة إليه هو الدور الذي لعبته حركة القوميين العرب في تحريك النعرة العربية في مواجهة تحريك بعض الأتراك للقومية الطورانية فهؤلاء وأولئك لعب كل فريق منهما دورا أساسا في تخريب هذه الدعوة إلى التضامن والى الجامعة الإسلامية وقد انتهى كل واحد من الفريقين إلى الباب المسدود والى ضياع كل شيء.
وإذا كانت الثورة العربية الكبرى كما يسميها أهلها قد انتهت إلى الانتداب والى استعمار الأقطار الإسلامية في الشرق وعبر عن خيبة الأمل بالنسبة إليها الكثيرون إلا أن خير تعبير هو ما نجده في البيت الشعري الآتي لأمير الشعراء احمد شوقي:
وأردنا من الغنائم حظا فدخلنا الوغى وكنا الغنائم
فإن خير تعبير عن خيبة أمل الطرف الآخر هو ما نجده فيما كتبه احمد رضا بك رضا رئيس مجلس النواب التركي بعد ثورة الدستور في سنة 1908 حيث خصص هذا الأخير لما حصل بعد الحرب العالمية الأولى كتابا بعنوان (الخيبة الأدبية للسياسة الأوروبية) وقد كان هذا الكتاب من المصادر الفكرية للمرحوم مالك بن نبي كما أشار لذلك في مذكراته (شاهد لقرن) ولا نحتاج هنا أن نرجع إلى ما كتبه الكثيرون في نتائج سياسية محاربة الجامعة الإسلامية باسم القوميات، لأن الأمر عاد على الجميع بما هو معروف ومشاهد لدى الناس، وقد كان السلطان عبد الحميد رغم كل ما قيل في شأنه مدركا بشكل جيد وعميق لمرامي السياسة الأوربية ولكن التيار الماسوني والصهيوني والصليبي استطاع تأليب الرأي العام ضده وضد سياسته.
وكانت خلاصة ما حدث هو إلغاء الخلافة وأصبح العالم الإسلامي منذ ذلك التاريخ بدون هذه المؤسسة الرمزية السياسية، واطمأن الغرب على الانجاز الذي حققه ولكن يجب ان يستمر هذا الانجاز وان لا يترك المجال لعودة هذا الدور أو عودة التضامن الإسلامي، ولذلك أثناء العمل من أجل التحرر من الاستعمار كان هذا الأخير يعمل بكل جهد حتى لا يتم التضامن بين الأقطار الإسلامية، ولكن مع ذلك فإن هذا التضامن استطاع ان يجد سبيله وطريقه إلى هذه الحركات، واستطاعت هذه الحركات ان تجد طريقها إلى هذا التضامن، وهو أمر ساعد كثيرا في نجاح الحركات التحريرية في العالم الإسلامي.
ان الحديث عن هذا التضامن وأصوله ورجالاته أمر كما قلت يطول ويحتاج إلى مجال أوسع وقد كتب فيه باحثون ومفكرون ولكن كما قلت جاءت في هذه الأيام مناسبة الذكرى الأربعين لعقد المؤتمر الإسلامي من أجل التضامن لتحرير القدس والذي أفضى إلى تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي ومن حق هذه المنظمة ان نحييها بمناسبة ذكراها الأربعين وبجانب هذه الذكرى هناك كذلك ذكرى وفاة احد رجال العمل من أجل التضامن الإسلامي هذا الرجل هو مالك بن نبي، لقد كان هذا الرجل مجاهد بكل ما في الكلمة من معنى في سبيل نهضة الأمة الإسلامية واستعادة هذه الأمة لمجدها الحضاري ودورها السياسي على المستوى العالمي. ولذلك فإن أول ما فكر فيه هذا الإنسان هو النهضة وشروط هذه النهضة والأسس التي يجب أن تبنى عليها ليلا تكون مجرد بارقة أمل أو ومضة برق خلاب في سماء سياسة العالم الإسلامي ولا تتلوها لا نتائج ولا اثر في مجال النهوض وتحقيق التقدم المنشود لهذه الأمة.
وهذا الرجل استطاع بثاقب فكره وبقدرته على استيعاب الأحداث واستخلاص ما يجب استخلاصه منها من نتائج وعبر نعم استطاع أن يخطط لمشروع ثقافي نهضوي ذي أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية لذلك بني فكره على أساس ان ما يريد تحقيقه ليس مجرد تحليل للأحداث ولا مجرد رصد لهذه الأحداث ولكن هدفه الأساس هو أن يكون عمله أساسا لبناء حضاري مستمر لأمة ذات تاريخ مجيد رغم الحاضر البائس والمؤلم.
وعن كتابه حول شروط النهضة يقول الدكتور خالد الخالدي في تقديمه للطبعة الفرنسية عام 1948 ما يلي:
وهذا الكتاب قد استطاع في فصوله الأولى أن يلقي الضوء على تلك الحقبة الهامدة والتي حركتها بصعوبة »التقاليد البطولية« ثم أعقبتها مرحلة (الفكرة).
ولكن تراثا وثنيا قد تبقى في أعماق الضمير الشعبي الذي شكلته القرون المليئة بخرافات الدراويش.
فإذا كان غول الدراويش قد صرعه الإصلاح، فإن غولا جديدا يمكن أن يظهر أيضا. وهو لا يشترط وجود أولياء أو أحجبة وحروز، ولكن أوثان سياسية، وبطاقات للتصويت.
هذا هو الصراع بين الفكرة والوثن، الذي أصبح طابعا جديدا للمأساة الجزائرية، وبدهى أن الإرادة الاستعمارية لم تكن غافلة وهي تعرف كيف تستغل هذا الوضع لكي يتفرق الشعب الجزائري، وتتبعثر قواة. وأكثر من ذلك فإن المشكلة التي نحن بصددها قد أسيء تكييفها سواء عند دعاة الإصلاح أو رجال السياسة.
إن الاستعمار ليس مجرد عارض، بل هو نتيجة حتمية لا تحطاطنا: هذه هي المشكلة، ولا جدوى من فكرة لا تسلم بهذا المسلم الأساسي الذي يبرزه بن نبي وهو يؤكد أنه ( لكيلا نكون مستعمرين يجب أن نتخلص من القابلية للاستعمار) هذه الجملة البسيطة هي، فيما أعتقد، الإشعاع النوراني الأول، الذي استرسل لينير حلبة الصراع لنا، ولقد أضاءها من قبل نور تلك الآية المذكورة هنا كأساس للنظرية كلها ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
ان هذه الخلاصة وإن كان الكاتب يشير فيها إلى الجزائر فهي في الواقع يمكن تعميمها على العالم الإسلامي بشكل أو بآخر، فالدمقراطية الشكلية التي عرفتها أو تعرفها بعض البلدان الإسلامية لم تغن من أمر التخلف ومن القابلية للاستعمار شيئا.
أنشودة رمزية
وللتذكير بروح تلك المرحلة مع محاولة بذل جهد للمقارنة يمكن أن نخرج بنتيجة ونحن نقرأ هذه الأنشودة الرمزية التي افتتح بها مالك بن نبي كتابه (شروط النهضة)
أي صديق:
لقد حانت الساعة التي ينساب فيها شعاع الفجر الشاحب بين نجوم الشرق.
وكل من سيستيقظ بدأ يتحرك وينتقض في خدر النوم وملابسه الرثة.
ستشرق شمس المثالية على كفاحك الذي استأنفته، هنالك في السهل، حيث المدينة التي نامت منذ أمس ما زالت مخدرة.
ستحمل إشعاعات الصباح الجديد، ظل جهدك المبارك، في السهل الذي تبدر فيه، بعيدا عن خطواتك.
وسيحمل النسيم الذي يمر الآن البذور التي تنثرها يداك..بعيدا عن ظلك.
أبذر يا أخي الزارع. من أجل أن تذهب بذورك بعيدا عن حقلك، في الخطوط التي تتناءى عنك ... في عمق المستقبل.
ها هي بعض الأصوات تهتف. الأصوات التي أيقظتها خطواتك في المدينة، وأنت منقلب إلى كفاحك الصباحي. وهؤلاء الذين استيقظوا بدورهم، سيلتئم شملهم معك بعد حين.
غن ! يا أخي الزارع! لكي تهتدي بصوتك هذه الخطوات التي جاءت في عتمة الفجر، نحو الخط الذي يأتي من بعيد.
وليدو غناؤك البهيج. كما دوى من قبل غناء الأنبياء، في فجر آخر، في الساعات التي ولدت فيها الحضارات .
ولملأ غناؤك أسماع الدنيا. أعنف وأقوى من هذه الجوقات الصاخبة التي قامت هنالك.
هاهم ينصبون الآن على باب المدينة التي تستيقظ، السوق وملاهيه لكي يميلوا هؤلاء الذين جاءوا على إثرك، ويلهوهم عن ندائك.
وهاهم قد أقاموا المسارح والمنابر للمهرجين والبهلوانات، لكي تغطى الضجة على نبرات صوتك.
وهاهم قد أشعلوا المصابيح الكاذبة لكي يحجبوا ضوء النهار ولكي يطمسوا بالظلام شبحك، في السهل الذي أنت ذاهب إليه.
وهاهم قد جملوا الأصنام ليلحقوا الهوان بالفكرة.
ولكن شمس المثالية ستتابع سيرها دون تراجع، وستعلن قريبا انتصار الفكرة، وانهيار الأصنام كما حدث يوم تحطم هبل في الكعبة.
انتهت الأنشودة
ونحن نستحضر ذكرى الرجل وذكرى تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي سنعود للموضوع للحديث عن (فكرة الكومنولث الإسلامي) عند مالك بن نبي مع مقارنتها بتجارب فكرية سابقة أو لاحقة وبالأخص (عصبة الأمة الإسلامية عند المرحوم عبد الرزاق السنهوري) وذلك في الحديث المقبل بحول الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.