يقال تمخض الجبل فأنجب لنا ..... ! يا ليت الجبل كان من صنف قمم الأطلس فأنجب لنا أسدا ليس لإفتراس الجسد وإنما لحماية عرين الأسد من الإفساد، ليبقى الجميل في جغرافية الأطلس أنها أفرزت لنا نظاما بيئيا متوازنا أنجب لنا كائنات من قبيل فصيلة الأسود والقردة. ومع توالي السنين انقرض الأسد بعدما اختل الميزان في طبيعة الأطلس، وللذكرى فقط اتخذ قرار بتحنيط رأس آخر أسد أطلسي وعرضه على أنظار الزوار في متحف المعهد العلمي بالرباط. من هنا نفهم إدراج بعض المسؤولين لمفهوم المتاحف في مشاريعهم والتي ازداد الاهتمام بها والإقبال عليها في زمن الإصلاح. وكنتيجة لهذا العبث البيئي تكاثرت فصيلة القردة على قمم الاطلس، وأمام هذا المصاب في نظام التوازن جادت عبقرية أحد الناس بفكرة تهريب القردة إلى أوربا عبر قوارب الحياة لازدياد الطلب عليها نظرا لانفرادها بخاصية اللعب واللهو في الحياة الدنيا بكل إفراط وتفريط، فغزت بذلك القردة جبال الريف في السنوات الأخيرة بحثا عن موطئ قدم لها على ضفة المتوسط. بموازاة مع ذلك فإن البحث جاري أيضا على قدم بلا ساق لإيجاد آخر جينات أسد الأطلس واستنساخه أملا في إعادة التوازن والميزان للنظام المختل في بيئة الأطلس. من هنا جاز لنا استكمال المثل الشعبي تمخض الجبل فأنجب لنا فأرا فأصبحت بذلك المعادلة في المنظومة الأطلسية أكثر تعقيدا من نظيرتها بالأمس فأضحت بذلك : أسود – قردة – وفئران . إنها ثقافة الأحجام ومنطق الأقزام المرتبط أساسا بالوظائف والأشكال، فتقزيم الحجم هو تحطيم للشكل وتدمير لمضمون الوظيفة وهذا هو ما يراد لصورة الجامعة في نسختها المغربية، فكان بذلك الرد بالصوت والصدى يرجعه، ورفع الستار عن الصورة هذا المقال هدفه . فإذا كان رؤساء الجامعات بالأمس قد وقعوا على خطط استعجالية لإعطاء نفس جديد لمنظومة الإصلاح وإعادة التوازن للنظام الجامعي - كما هو الحال بالنسبة للنظام البيئي الاطلسي - فإن رؤساء اليوم حتما سيوقعون على إفلاس هذه المنظومة وإغلاق مدخلات أنظمتها والعمل بجهد على تفعيل أدوات الخوصصة بها وخير مثال قد يحتدى به هو الجامعات الخاصة والمحظوظة في مرتفعات Technopolis وقمم الأطلس . لقد كان لنا في مقال سابق تحت عنوان سؤال إلى السيد المعالي في مجال التعليم العالي (جريدة العلم/الثلاثاء 13 من رمضان 1431 موافق 24 من غشت 2010/عدد21752 وهذا للتاريخ) حديث حول البحث عن كامل الأوصاف لإدارة الشأن الجامعي وسؤال الإنصاف في تحمل المسؤولية الجامعية وفتح المجال للكفاءات من كل الأجيال والأطياف دون تملق أو اصطفاف ومما اوردنا في ذلك المقال «المقاربة التي يراد بها صناعة رؤساء الجامعات لا تعدو كونها مسرحية جامعية بإخراج شبه ديمقراطي يخلو من أي بعد أكاديمي أو أخلاقي علما أن بعض المشاريع السابقة كانت مستنسخة وحظي أصحابها باعتلاء الكراسي الجامعية كرؤساء لمدة ثماني سنوات بدون حسيب أو رقيب وبرواتب شهرية ينبغي أن تطرح للمراجعة بكل جرأة في إطار خطة استعجالية لتقويم الأجور وإعطاء معنى لكل كرسي واستحقاق لأن طموحاتنا وتطلعاتنا في التغيير والنهوض تسقط يوميا بشكل عبثي وبأيادي غير مسؤولة تحركها الرغبة الجامحة في الحصول على مواقع بعيدة عن الواقع و برواتب شهرية خيالية.» وحيث أن لكل حدث حديث وحكاية فإن للجامعة أيضا قصصها وحكاياتها كالتي روتها قصص كليلة ودمنة وهذا يذكرنا بكائنات الأطلس وبأصولها وجذورها في الحكايات والروايات. أولى هذه الحكايات حكاية إجماع حول الميثاق الوطني والذي كان ينقصه لازمة الأخلاقي ليصبح الميثاق الوطني الأخلاقي للتربية والتكوين. في بداية الأمر كان الإجماع وفي نهاية مسلسل انتداب المسؤولين والرؤساء على الجامعات انفض الجمع وضاع الإجماع. فما أحوجنا اليوم إلى لغة الإجماع تحت قبة البر والأمان لمساءلة الرؤساء حول إنجازاتهم وإخفاقاتهم وحصيلة مشاريعهم وتقديم تقارير التقييم الإداري والتدقيق المالي للرأي العام الوطني كما هو منصوص عليه في الميثاق الوطني تحت يافطة الإجماع، وعلى الجدد من الرؤساء ﴿ رغم غياب الشفافية والوضوح في معايير الاختيار﴾ التصريح بالممتلكات أم أن الجمع منا أرادها جمع تقصير وإجماع حول التبذير وسوء التدبير وهذه حكاية أخرى من حكايات الجامعة. تعالوا جميعا نرفع تحديا من أعلى قمم جبال الأطلس ونتخيل لو كان لدينا مركزا أكاديميا معتمدا وفوض له أمر استطلاع آراء الفاعلين في المجال الأكاديمي حول كفاءة الرؤساء الجدد في تدبير الشأن الجامعي ونزاهة وشفافية القدامى في التسيير الإداري والمالي لرأيتم وسمعتم عجبا عن التجربة السالفة واللاحقة. فلا غرابة في أن يطرح من جديد التفكير في مسطرة اختيار وانتقاء الرؤساء رأفة بالجامعة وحفاظا على سمعة رئاستها، وحتى تتحقق الرؤيا نضرب لأنفسنا وإياكم موعدا لن نخلفه، لكن للأسف الشديد بعد أن تضيع ثماني سنوات أخرى ﴿ لأن التمديد في مثل هذه الحالات مضمون وتلكم قصة أخرى من قصص الجامعة ﴾ من عمر مؤسسات التكوين والبحث التي تترنح بين مرحلة الانتقال ومرحلة الانتظار. فاصبروا أيها الناس على ما أصابكم من الانتظار رغم مرارة طعمه وإياكم أن تقبلوا بالمكافأة على الصبر الجميل. بنفس منطق الأحجام أعلاه وعلى وزن ويكيليكس فإن معظم الرؤساء يلجون إلى موقع المسؤولية بأجسام من حجم Astérix ويغادرونها بأجساد على صورة Obélix وهم يحملون أوزار قرارات وممارسات شبيهة بفضائح Wikélix ، كأن قدرنا في الجامعة هو: أدخلوها بسلام وبتشريف دون تكليف وغادروها على طريقة حملات التهريب. ومن تجليات هذه الثقافة هو الاحتفال بتسليم السلط والمسؤوليات بين القدامى والجدد من الرؤساء خارج الأطر القانونية والأجهزة التقريرية للجامعة دون حسيب أو رقيب ليتأكد القول حول زيف الخطاب الإصلاحي فكفانا من ترديد وتكرار لازمة استقلالية الجامعة ودمقرطتها والحديث العريض عن الكفاءة والحكامة وما شابه ذلك مع غياب الإرادة والقيادة والقدرة على الالتزام والوفاء بالعهود والشجاعة على الاعتراف بالحصيلة وعرضها على أنظار الجميع . وفي الأخير وكتحدي آخر فإن أية محاولة لإنشاء منتدى عبر الشبكة العنكبوتية للنقاش والتداول في طبيعة التدبير والتسيير الجامعي في إطار التجربة السالفة الذكر قد تكون فرصة للتعبير والتصريح بكل حرية ومسؤولية والإفراج عن المسكوت عنه والإعلان عن قرارات قد تتعدى سقف الفضائح في زمن الويكيليكس. وخير دليل على ما نقول هو أن بداية الإعلان عن فتح باب الترشيحات للتربع على كراسي رئاسات الجامعات في الشهور الماضية كان بمثابة الإعلان عن تعطيل المؤسسات وتعليق الأجهزة التقريرية بما في ذلك مجالس التدبير وانطلاق برامج استعجالية للجولات السياحية الشخصية للرؤساء عبر أنحاء العالم بدءا بأقصى شرق آسيا إلى بلدان أمريكا مرورا بأوربا عدا أدغال إفريقيا وما خفي من الممارسات في دهاليز الرئاسات قد يكون أعظم ويبقى البحث جاريا - جريان المياه التي جادت بها السماء في هذه الأيام - عن كامل الأوصاف لتدبير الشأن الجامعي بعيدا عن الاصطفاف الإيديولوجي والعائلي والحزبي كي يصار إلى استدعاء الكفاءة والجدارة والاستحقاق في تدبير شؤون التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي لأن المجتمع المغربي بتضحياته يستحق أداءا أرقى وخدمات أفضل بأيادي أنظف. * كلية العلوم الرباط جامعة محمد الخامس أكدال