أكدت دراسة علمية حديثة أن منطقتي كَردوس وآيت عبد الله في الأطلس الصغير الغربي بالمغرب تمثلان من بين أهم المواقع الجيولوجية ذات القيمة المعدنية العالية على الصعيد الوطني، نظرا لاحتوائهما على تراكمات مهمة من النحاس ومعادن مصاحبة، واحتضانهما لمواقع منجمية معروفة مثل تازالاغت في آيت عبد الله، وأكوجكال ووانسيمي في كَردوس، وهي مواقع ما تزال إلى اليوم محط اهتمام شركات الاستكشاف المعدني، في سياق تزايد الطلب على الموارد الطبيعية الاستراتيجية، وفق ما خلص إليه تقرير علمي منشور بمجلة "ساينتيفيك ريبورتس" التابعة لمجموعة "نيتشر" الدولية. أبرز الدراسة، المنشورة في نهاية 2025، أن المغرب حقق تقدما علميا لافتا في دراسة هذه المناطق عبر توظيف تقنيات متطورة في الاستشعار عن بعد، جمعت بين المعطيات البصرية والرادارية، وهو ما مكّن فريقا بحثيا يضم باحثين مغاربة ودوليين من إعداد خرائط ليتو-بنيوية دقيقة وغير مسبوقة لنواتي كَردوس وآيت عبد الله، بما يعزز فهم البنية الجيولوجية العميقة للمناطق المعدنية ويفتح آفاقا جديدة للاستكشاف المنجمي الرشيد.
وبحسب ما ورد في نص الدراسة، فإن هذا العمل العلمي يأتي في سياق دولي يتسم بتسارع الأبحاث الجيولوجية المعتمدة على صور الأقمار الصناعية، ويضع المغرب في صلب هذه الدينامية العلمية، خاصة أن الأطلس الصغير الغربي يعد من أغنى الأقاليم الجيولوجية في شمال غرب إفريقيا من حيث التنوع الصخري والتاريخ التكتوني. وأشار الباحثون إلى أن منطقتي الدراسة تنتميان إلى إقليم معدني معروف تاريخيا بغناه بالنحاس، حيث أثبتت الأبحاث السابقة وجود ارتباط وثيق بين البنيات التكتونية، مثل الفوالق والكسور، وبين تمعدنات النحاس، وهو ما جعل من كَردوس وآيت عبد الله مجالين استراتيجيين للبحث الجيولوجي التطبيقي، ليس فقط لأغراض علمية محضة، بل أيضا لدعم قرارات الاستثمار المنجمي. وأوضحت الدراسة أن نواة آيت عبد الله تقع بإقليمتارودانت ضمن جهة سوس-ماسة، وتشكل نتوءا بنيويا موجها تقريبا من الشمال إلى الجنوب، وتكشف عن صخور قاعدية قديمة تعود إلى العصر الباليوپروتيروزوي، وهي من أقدم الصخور المعروفة في الأطلس الصغير، بينما تغطيها سلاسل رسوبية وبركانية من العصر النيوپروتيروزوي والعصر الأدوديوني، وهي وحدات جيولوجية تلعب دورا أساسيا في احتضان التمعدنات المعدنية. أما نواة كَردوس، التي تقع بإقليمسيدي إفني ضمن جهة كلميم-واد نون، فتتميز، وفق الدراسة، بتعقيد جيولوجي أكبر، حيث تتجاور فيها صخور الشيست، والگرانيت، والكوارتزيت، مع متتاليات بركانية ورسوبية سميكة، تصل سماكتها في بعض الأحيان إلى ما يقارب ألفي متر، وهو ما يعكس تاريخا طويلا من التراكمات الرسوبية والنشاط التكتوني، ويجعل المنطقة ذات قابلية عالية لاحتضان تمعدنات اقتصادية. كما أشارت الدراسة إلى أن العمل الميداني التقليدي في هذه المناطق يواجه صعوبات كبيرة بسبب وعورة التضاريس، واتساع المجال، وارتفاع الكلفة، وهو ما دفع الفريق البحثي إلى اعتماد تقنيات الاستشعار عن بعد كخيار علمي فعال، يسمح بتغطية مساحات واسعة وتحليلها بدقة عالية في زمن أقصر، مع الحفاظ على موثوقية النتائج. واعتمد الباحثون صور القمر الصناعي "لاندسات 8 أو إل آي" الملتقطة في 5 غشت 2023، وهي صور تتميز بدقة طيفية محسنة مقارنة بالأجيال السابقة، ما يسمح بتمييز أدق بين الوحدات الصخرية المختلفة، خاصة تلك المرتبطة بالتمعدنات، مثل الكوارتزيت والگابرو والريوليت. كما استخدمت الدراسة، حسب التقرير، معطيات الرادار "سنتينيل 1" الملتقطة في 11 دجنبر 2023، بالاستقطاب العمودي-الأفقي، وهو اختيار علمي مدروس، إذ أثبتت دراسات سابقة أن هذا النمط من الاستقطاب أكثر فعالية في إبراز الخطيات البنيوية المرتبطة بالفوالق والكسور، والتي تشكل ممرات مفضلة للسوائل المعدنية. وأوضحت الدراسة أن معالجة هذه المعطيات شملت تصحيحات إشعاعية وجوية دقيقة، ثم تطبيق تقنيات تحليل متقدمة، مثل تحليل المكونات الرئيسية، والتركيبات اللونية، ونسب الحزم الطيفية، وهي تقنيات سمحت بالتمييز الواضح بين مختلف الوحدات الليتولوجية، بما في ذلك الحجر الجيري، والدولوميت، والشيست، والبرشيات الرسوبية، والرواسب الطينية الحديثة. وأكد المصدر نفسه أن تحليل المكونات الرئيسية أظهر أن المكون الأول وحده يفسر أكثر من 94 في المائة من التباين الطيفي في صور نواة آيت عبد الله، وهي نسبة عالية تعكس جودة البيانات المستعملة وقوة المنهجية المعتمدة، في حين مكّن المكونان الثاني والثالث من إبراز تفاصيل إضافية تتعلق بالوحدات الرسوبية والبركانية. وفي ما يتعلق بالنتائج البنيوية، أشار الباحثون إلى أن تحليل الخطيات المستخرجة من صور الرادار كشف عن هيمنة اتجاه شمال شرق-جنوب غرب في نواة آيت عبد الله، وهو اتجاه يرتبط، حسب الدراسة، بفوالق قديمة أعيد تنشيطها خلال فترات تكتونية لاحقة، وأسهمت في توجيه العروق المعدنية، بما فيها العروق الدوليريتية ذات العمر الجوراسي. أما في نواة كَردوس، فقد أبرزت الدراسة سيادة اتجاه شمال غرب-جنوب شرق، وهو اتجاه يرتبط بعروق گابروية ودوليريتية تعود إلى العصر الميزوپروتيروزوي، إضافة إلى تداخلات صخرية من نوع التروندجيميت والتوناليت، وهي معطيات بنيوية تؤكد تعقيد التاريخ التكتوني للمنطقة وتأثيره المباشر في توزع التمعدنات. وشدد الفريق العلمي على أن التحقق الميداني، الذي شمل مناطق تازالاغت وتيغرت وإيزونيدن، أكد صحة التفسيرات المستخلصة من صور الأقمار الصناعية، حيث تطابقت البنيات والفوالق والوحدات الصخرية المحددة رقميا مع المشاهدات الحقلية، ما يعزز مصداقية النتائج ويؤكد نجاعة الجمع بين المعطيات الرقمية والعمل الميداني.