سُئِل كاتبه عن بعض المسائل الفقهية وهي كالتالي: - السؤال الأول: كم مِقدار صَداق بنات الرسول (صلى الله عليه وسلم)؟ - السؤال الثاني: وكم مقدار صداق زوجاته (صلى الله عليه وسلم)؟ - السؤال الثالث: ما هو أقل الصَّداق؟ وما هو أكثره؟ - السؤال الرابع: ما هو وزْن الدينار الشرعيّ؟ وكم وزن نصفه؟ حتى نعْلم رُبُعه؟ - السؤال الخامس: وهل يُمكن أن نتجاوز ما فعله الرسول (صلى الله عليه وسلم) في شأن الصداق في حياتنا المعاصرة؟ - السؤال السادس: وهل يجوز أن يكون الصداق نقدا أو عَرْضا؟ - السؤال السابع: ما هو النِّصاب في الذهب والفضة أو هما معا؟ ويُعتبر بالجُزْء؛ وما هو الجُزء؟- ه - فإليك الجواب ولغيرك؛ وبالله التوفيق؛ - إن صداق بنات الرسول (صلى الله عليه وسلم) وزوجاته مع عُلُوّ قدْرِهنَّ؛ لم يتعدّ اثنتيْ عشرة أُوقية ونَشاً؛ والأوقية فيها أربعون درهما؛ من وزْن سبعة؛ أعني أن سبعة دنانير شرعية وزنها عشرة دراهم شرعية، والنَّشُّ نصف أوقية بعشرين درهما؛ وقيمة الجميع خمسمائة درهم في زمنه. أما أقل الصداق - أي المهر - للزوجة ففيه خلاف؛ والمشهور أنه - لا حد له - حيث نجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أقر زواج امرأة من بني فزازة على نَعْلين؛ إذ المدارُ على ما اتفق عليه الزوجان ولو قليلا» كما ثبت عنه (صلى الله عليه وسلم) أيضا؛ من أعطى امرأة ملء كفيه سويقا أو تمرا فقد استحلَّ، وعنه أيضا (صلى الله عليه وسلم) قال: «خبرُ النكاح أيسره». كما ورد عنه (صلى الله عليه وسلم) أيضا في هذا الصدد: «انظر ولو خاتما من حديد»، وعلى هذا الجمهور سلفا وخلفا؛ خلافا لإمامنا مالك القائل: «إن نقص أي - الصداق - عن رُبُع دينار أو ثلاثة دراهم خالصة». وخلافا لمذهب الحنفية القائلة: «إن أقله عشرة دراهم». - وأما أكثر الصداق فلا حد له اتفاقا لقول الله تبارك وتعالى: «وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تاخذوا منه شيئا» الآية، والقنطار ألف ومائتا دينار. أما الدينار الشرعي الذي ورد في السؤال الرابع؛ فوزنه من الحبّاتِ؛ اثنتان وسبعون حبة من متوسط الشعير؛ أما الدرهم الشرعيُّ - فوزنه خمسون حبة وخُمُسا حبة من الشعير المتوسط كذلك. وللتوضيح؛ إن المسألة إذا اعتبرتَ ما في سبعة دنانير؛ وما في عشرة دراهم من درهم الكيل؛ ودنانير الكيل وجَدْتَهُما واحداً؛ لأن وزن الدرهم كما تقدم خمسون حبة؛ وخُمُسا حبة؛ وكل دينار وزنه اثنتان وسبعون حبة؛ فإذا ضربْت في عملية حسابية؛ عشرة في خمسين خرجَ من ذك خمسمائة. وتبقى الأخماس وهي عشرون خُمُساً بأربع حبوب، فهذه خمسمائة وأربع حبوب. وإذا ضربت سبعة في اثنتين وسبعين يخرج من ذلك خمسمائة وأربع حبوب. فاتفق سبعة الدنانير وعشرة الدراهم في عداد الحبوب التي هي بمثابة الوزن في كل منهما. وبهذه الطريقة الحسابية تكون قيمة رُبُع الدينار الشرعي الذي قدرُهُ ثماني عشرة حبة من الشعير المتوسط مساوية لخمسة وعشرين درهما إلى ثلاثين احتياطا بعُملتنا الحالية تقريبا، قال صاحب «تُحفة الحكام»: - وينبغي في ذاك الاحتياط بخمسة بقدرها تُناط وانتقل إلى السؤال الخامس؛ هل يمكن أن نتجاوز مافعله الرسول صلى الله عليه وسلم في شأن الصداق اليوم؟ لا أعتقد؛ لأنه صلى الله عليه وسلم فتح الباب على مصراعيه حيث نراه أصدق بعض زوجاته أربعة آلاف درهم؛ وبعضهنَّ خمسمائة درهم. فاتَّضحَ من ذلك أننا إذا زدْنا في الصداق؛ أو نقَصْنا منه؛ فلم نخرج بتاتا عن فِعله صلى الله عليه وسلم الذي هو قُدوتنا. قال تعالى: «لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة». أما السؤال السادس: هل يجوز أن يكون الصداق نقْداً أو عرضا؟ فهذا مما لاجدال فيه؛ ولا غبار عليه بنص الحديث الشريف؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما تزوج علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بالسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنهما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطها شيئا؛ قال: ماعندي شيء؛ قال فاعْطِها دَرعك الحُطَميّة - رواه النسائي وأبو داود والحاكم وصححه». وعن عُقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل أتَرضى أن أُزوّجك فُلانة؟ قال: نعم؛ وقال: للمرأة ترضين أن أُزوّجك فلانا؟ قالت: نعم؛ فزوج أحدُهما صاحبه فدخَل بها ولم يفرض لها صداقا؛ فلما حضرته الوفاةك قال: أُشْهدُكم أني أعطيتُها من صداقِها سهْمي بخيْبر؛ - لأنه من الذين شهدوا غزوة خيبر - فباعته بمائة ألف درهم. وإلى هذا الجواز أشار صاحب «تحفة الحكام» قال: أو مابه قُوِّم أو دراهم ثلاثة فهي له تُقاوَم»، وقال الشيخ خليل في مختصره: الصداق كالثمن إلى أن قال أو مُقَوَّم بهما». أي برُبُع دينار أو ثلاثة دراهم. وقوله: أي الصداق: فيُشترط فيه مايُشترط في الثمن إثباتا أو نفْياً» - وعن السؤال السابع: إن النصاب يكون في أحَد النّقْدَيْن أو من كليْهما، إذ يجوز ضمُّ أحدهما للآخر لفِعله صلى الله عليه وسلم. ورُوي عن بكير عن عبد الله بن الأشحّ أنه قال: مضتِ السُّنة أن النبي صلى الله عليه وسلم ضَمَّ الذهب إلى الفضة بيْد أنّ زكاتَهُما تخرجُ بواسطة الجزءِ، الذي هو التجزئة والمقابلة، وبعبارة أوضح؛ النّسبة النوعية من النقديْن. وإيضاح ذلك أنّ مَن له مائة درهم وعشرة دنانير فليُخرج من كل مال رُبع عشرهِ؛ فالجمع إذاً بالأجزاء لا بالقيمة. بأن يجعل كل دينار بعشرة دراهم ، ولو كانت قيمته أضعافها لأن صرف دينار الزكاة عشرة دراهم؛ كدنانير الجزية؛ بخلاف دنانير غير ها فإنه إثنا عشر درهما، وعليه؛ يؤخذ نصف رُبع العُشُر من الفضة؛ ونصفُه الثاني من الذهب. ومن هذا يتضح للسائل معنى الجزء الذي طلب إيضاحه هذا؛ ويجوز إخراج النقديْن عن الآخر على المشهور فتلخص مما تقدم أن الصداق يُشترط في ماهيته أن يكون مما يصح تملُكه شرعا نقدْداً كان أو غيره؛ وأنه لا حدّ لأقلّه على المشهور كأكثره اتفاقا؛ مما يجعلنا على النهج الشرعي القديم رغم الزيادة أو النقصان بيْد أن اليُسر فيه أحبّ لأهْلِ العلم؛ والمغالاة فيه مكروهة. صلى الله عليه وسلم وذا السائل يُذكّرُني بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : منْ يُرد الله به خيراً يفقهه في الدّين». وعن الإمام الشافعي رحمه الله قال: «والله ما أدرَكتُ العلم إلا بلسان سؤول؛ وعقل عقول؛ وكفّ بذول» وقد قيل: «السؤال نصف العِلم» ذ. عبد اللطيف عبضاري الحداوي - عضو مؤسس لمجْمع التجديد والإحياء