برقية تهنئة من جلالة الملك إلى رئيس جمهورية السيشل بمناسبة العيد الوطني لبلاده    اعمارة: أشكال جديدة للتشغيل غير مؤطرة قانونيا وتحرم فئات واسعة من العاملين من التغطية الصحية    وهبي: إصلاح مدونة الأسرة خطوة جريئة لتحقيق العدالة داخل الأسرة المغربية    حان ‬الوقت ‬لسحب ‬ملف ‬الصحراء ‬المغربية ‬من ‬اللجنة ‬الدولية ‬الرابعة    احتجاجات مرتقبة أمام وزارة التعليم بسبب الإقصاء من الأثر الرجعي للترقية خارج السلم    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الافتتاح على وقع الانخفاض    المغرب ‬خامس ‬قوة ‬اقتصادية ‬في ‬إفريقيا: ‬مسار ‬تحول ‬ونموذج ‬إقليمي ‬صاعد    بعد أزمة القطيع.. مطالب لمجلس الحسابات بافتحاص أموال وبرامج جمعية مربي الأغنام والماعز    جهة "سوس-ماسة" تسهم ب9.5% من التجارة الخارجية للمغرب وتستهدف تعزيز موقعها التصديري    لقجع: 85% من أنشطة المغاربة تشتغل خارج القانون    المغرب ‬يواصل ‬تموقعه ‬بقوة ‬على ‬الخريطة ‬العالمية ‬لصناعة ‬الطيران    سلطات حفتر تفرج عن جميع موقوفي "قافلة الصمود" والأخيرة تعود أدراجها في منتصف الطريق    الريسوني: من الواجب على المسلمين مساندة إيران في مواجهة العدوان الإسرائيلي    الجيش الإسرائيلي يعلن بدء موجة هجمات جديدة في منطقة طهران    شكوك حول مشاركة مبابي في مباراة ريال مدريد الافتتاحية بكأس العالم للأندية    الصفقات الجديدة تدعم صفوف مانشستر سيتي قبل مواجهة الوداد في مونديال الأندية    كأس العالم للأندية... الوداد الرياضي يواجه مانشستر سيتي الإنجليزي وعينه على تحقيق نتيجة إيجابية    الحكومة تدافع عن الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي وتؤكد أنها مؤسسة عمومية مستقلة    حجز 8 أطنان من المخدرات بشاطئ أكلو    "أزطا أمازيغ" تنتقد سياسات الدولة وتدعو لاحترام التنوع والعدالة الثقافية    الرباط.. المحكمة الإدارية تنظر في طلب افتحاص صندوق تقاعد المحامين بمراكش    ارتفاع أسعار النفط في التعاملات الآسيوية    كأس العالم للأندية 2025.. تعادل فلومننزي البرازيلي وبوروسيا دورتموند الألماني دون أهداف    مسؤولو حسنية أكادير يفشلون في الحفاظ على الركائز بعد رحيل الشماخ    الشرعي يدرب "لويسترلو" البلجيكي    "واتساب" ينفي نقل بيانات مستخدمين إلى إسرائيل    مجازر الاحتلال تتواصل.. إسرائيل تقتل 32 فلسطينيا بغزة بينهم 11 من منتظري المساعدات    توقعات أحوال الطقس ليوم الأربعاء    كيوسك الأربعاء | أزيد من 180 ألف عملية مراقبة لحماية القدرة الشرائية للمغاربة    إضراب مفتوح ووقفة احتجاجية لعمال النظافة بشركة أوزون بالفقيه بن صالح بسبب تأخر الأجور    العثور على شاب مشنوق داخل شقة بالحسيمة في ظروف غامضة    تحول "OpenAI" إلى الربحية يشعل الخلاف مع "مايكروسوفت"    الخليج يحث على التهدئة بين إيران وإسرائيل ويؤكد دعم مساعي الاستقرار الإقليمي    من الحرير إلى الشراكة الذكية.. المغرب والصين ينسجان مستقبلًا بحكمة حضارتين    فياريال الإسباني يتعاقد مع لاعب الوسط موليرو لخمس سنوات    التصعيد الاسرائيلي – الإيراني: تأكيد خليجي على ضرورة وقف إطلاق النار ودعم جهود السلام في المنطقة    مشروع سكني بالغرب يجلب انتقادات    كأس العالم للأندية .. قمة إنجليزية مغربية وصدام إسباني سعودي    المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران .. إشكالات وسياقات ومآلات    تأجيل محاكمة محمد بودريقة إلى الأسبوع المقبل بطلب نافيا "أكل الشيك"    عائلة بودراجة تتوعد بالمتابعة القضائية    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    فاطمة الحمامصي… مسار نسائي رائد يُكرَّم في طنجة    ورزازات تحدث تحولا نوعيا في التعامل مع الكلاب الضالة بمقاربة إنسانية رائدة    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    برنامج "مدارات" يسلط الضوء على مسيرة المؤرخ والأديب الراحل عبد الحق المريني    في المغرب .. الفاشلون يطاردون المتفوقين عبر ساحات التنمر الإلكتروني    طنجة الدولية.. اختبار فرضيتي التحول والتفاعل    الصويرة ترحب بزوار مهرجان كناوة    خبير يعرف بالتأثير الغذائي على الوضع النفسي    موازين 2025… أزمة توزيع المنصات تثير استياء الجمهور    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    نصائح ذهبية لحماية المسنين من ارتفاع الحرارة    "أرواح غيوانية" يُكرّم رموز المجموعات الغيوانية ويُعيد أمجاد الأغنية الملتزمة    برلماني يطالب بالتحقيق في صفقات "غير شفافة في مستشفى ابن سينا الجديد        فقدان حاسة السمع يرفع خطر الإصابة بالخرف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاريخ المقاومة المسلحة بأقلام صانعيها
العرائشي وشجاعدين يرويان جذور ثورة الملك والشعب
نشر في العلم يوم 07 - 02 - 2009

قدمنا في الأسبوع الماضي الحلقة الأولى من الكراس الذي نشرته جمعية حركة المقاومة المغربية بمناسبة ذكرى 20 غشت 1958 بعنوان «كفاح الملك والشعب» وهو من تأليف كل من المقاومين حسن العرائشي وبوشعيب شجاعدين.
وفي تلك الحلقة رجع المؤلفان الى جذور فكرة المقاومة المسلحة الراجعة في الأصل الى اقتناع بعض أعضاء حزب الاستقلال في القاعدة بضرورة الاستعداد للعمل المسلح في حظيرة خلايا سرية .
وذكر المؤلفان كيف أن تلك الفكرة سرت في القاعدة وفي القيادة. وتكونت خلية أولى من أعضاء لجنة التزيين التي قامت بتنظيم استقبال محمد الخامس في سوق أربعاء الغرب في طريق عودته من الزيارة التاريخية من طنجة الى الرباط.
وكانت «حوادث السنغال » التي دبرها الفرنسيون في الدار البيضاء لمحاولة عرقلة الزيارة الملكية الى طنجة قد خلقت استياء عميقا وهي التي وجهت أعضاء لجنة التزيين الى التفكير في عمل مسلح للانتقام من الفرنسيين.
وكانت قيادة الحزب مؤمنة بأن العمل المسلح هو المآل الحتمي ولكنها كانت تخطط لكي يكون ذلك في مرحلة تالية حينما تنضج ظروف النجاح.
ومرت فكرة العمل المسلح بواسطة خلايا سرية بأطوار وبتمرينات إعدادية. ووردت في الحلقة الماضية أمثلة كالتهديد الذي وجه الى أحد الأثرياء لأنه كان يعتزم اقامة حفل زفاف باذخ في غمرة حزن المغاربة على نكبة فلسطين في 1948.
وعلى إثره كانت منشورات بمناسبة ذكرى عقد الحماية في 1949. ثم جاء تأسيس خلية انصب اهتمامها على تأمين السلاح. ثم محاولة اغتيال الخائن عبد الحي الكتاني والحريق الذي دبر في معمل للخشب يملكه أحد الخارجين عن قرار الحزب بشأن مقاطعة انتخاب أعضاء الغرف التجارية وهو القرار الصادر بعد المواجهة التي وقعت بين الاستقلاليين والجنرال جوان في مجلس شورى الحكومة سنة 1950 .
ويتابع المقاومان العرائشي وشجاعدين في الحلقة الثانية أسفله استعراض الأعمال الاعدادية التي كانت تحضر في حظيرة الحزب للاقدام على العمل المسلح وهو الطور الذي كان لابد من بلوغه.
تصدى الزرقطوني لنسف تمثال ليوطي في البيضاء
تفرعت عن الجماعة الأولى جماعة جديدة تشكلت كلها من أعضاء الحزب في وقت وجيز أصبح في الدار البيضاء 5 جماعات سرية مؤهلة للعمل المسلح بناصر حركات المسؤول الحزبي في الدار البيضاء أبلغ الخلايا السرية أن القيادة قررت تنظيم عمل عنيف يوم 30 مارس 1952 في ذكرى فرض الحماية بدء تصنيع القنابل المحلية وتخزينها في مكان مأمون منشور قوي للحزب ضد القواعد الأمريكية
القنبلة الأولى
وفي هذه الأثناء في ختام 1951 كان الخائن الطيب التازي قد اشتهر باتصالاته مع الفرنسيين وبتدبير كثير من الخطط لمقاومة الوطنية في المدينة القديمة بالدار البيضاء وأخذ أمره يستفحل شيئا فشيئا توطدت علاقات متينة بينه وبين الخلفاء الجدد الذين نصبتهم الإدارة الاستعمارية على المقاطعات لتقصي أخبار حزب الاستقلال. وفي ليلة عيد الفطر من سنة 1952 وقع اجتماع بمنزل مصطفى طارق حضره كل من الزرقطوني وبوشعيب راغب وصدقي والمديوني والجيلالي ابن موسى ومولاي مبارك، وتقرر تفجير ثلاث قنابل احادها بمنزل الطيب التازي الذي قتلته المقاومة فيما بعد والأخرى بمنزل الطاهر المراكشي خليفة الباشا والقنبلتان معا من صنع المرحوم محمد الحريزي. أما قنبلة التازي فقد فجرها راغب في الوقت المحدد وكان من تأثيرها أن الحقت أضرارا جسيمة بالمنزل. ولم ينجح الحريزي في تفجير قنبلة الخليفة لانه فوجئ بحراسة قوية تضرب نطاقا حول منزل الخليفة. وألقي القبض في هذا الحادث على مولاي مبارك وظل رهن الاستنطاق طيلة سبعة أيام كاملة خرج بعدها بريئا من غير أن يسيء الى رفيق من رفقائه. وقد كان الحزب على علم في الوقت المناسب بتفاصيل هذه الخطة، أما
القنبلة الثالثة فقد اخفق الزرقطوني والجيلالي ابن موسى في تفجيرها بمتجر الحاج العسل أمين الحلويين.
الجماعة الجديدة
ان دور الجماعة في العمل أخذ يبرز الى الوجود في شكل جلي كان له تأثيره المقصود في نفس المستعمر كأثره في نفوس الشعب. وشعرت الجماعة أن كيانها قد اكتمل ونموها الطبيعي المطرد أصبح يؤهلها للقيام بواجبها، فاتفق الأفراد على أن يسعى كل منهم الى تأسيس جماعات فرعية تقوي مركز الجماعة وتكون في نفس الوقت قادرة على تنفيذ الخطة المرسوعة على أن تظل هذه الجماعات جاهلة لكل شيء عن الجماعة الرئيسية، وبعد أيام جاء الزرقطوني يخبر أنه توفق في تأسيس جماعة رابعة بدرب السلطان.
ان قصة هذه الجماعة تفسر الكثير من اخلاق الزرقطوني وطباعه وقدرته على الكتمان في سبيل تحقيق هدف من الأهداف لقد تبين فيما بعد أن الزرقطوني لم يكن في الحقيقة مؤسس هذه الجماعة وانما انقسم إليها كفرد عادي.
ان فكرة تأسيس هذه الجماعة كانت من ايحاء السيد حسن العرائشي انه شاب نشيط من خيرة مسيري الحزب ومن أقدرهم على تحمل الشدائد في سبيل المبدأ النبيل، اقتنع مع نفسه هو الآخر بضرورة الكفاح الوطني المسلح، فسعى إلى الاتصال ببعض مسيري الحزب ممن يثق في وطنيهم واخلاصهم واستعدادهم لتحمل الاذاية في سبيل الهدف الغالي النبيل فوجد لفكرته صداها العميق في نفوس السيد التهامي الفضالي والسيد سليمان العرائشي والسيد الحسين برادة وقد كانوا جميعا من المسيرين في الحزب، فقامت الجماعة بتنظيم نفسها وأخذت تستعد للعمل، إلا أن أربعة أفراد سوف لا يكون في مقدورهم أن يحققوا أي عمل عظيم ما لم تتعاون مواهب جديدة على إبراز هذا العمل.. فاقترح التهامي الفضالي إلحاق الزرقطوني بالجماعة وكانت الجماعة قبل ذلك خبرت أخلاقه عن كثب وتأكدت من وطنيته الصادقة وحدد موعد الاجتماع بالزرقطوني فوقف أمام اصدقائه الأربعة الذين تربطه بهم علاقات الحزب والعمل في جماعاته. وقف أمام هؤلاء المنقبين يقسم أمام كتاب الله يمين الاخلاص وبعد لحظة قصيرة كان فردا منهم تربطه بهم علاقات أوثق علاقات العمل الخطير فهل أدركت هذه الجماعة إذذاك أن الزرقطوني انما كان
يسعى إلى توسيع دائرة المقاومة الشعبية عندما ارتبط بها؟
ومن هنا تتراءى شخصية الشهيد الزرقطوني علي حقيقتها الشخصية القوية القادرة الطموحة التي لا تحجم عن التلون بأصباغ مختلفة إذا كان ذلك يفضى إلى تحقيق غاية أو هدف وطنيين.
لقد قام الزرقطوني بدور كبير في هذه الفترة وتوفق فيه من غير أن يعارض بين أهداف الجماعة الجديدة التي انضم اليها والجماعة الرئيسية التي كان أحد أعضائها البارزين وقدم في نفس الليلة تقريرا عن انضمامه الى الجماعة الجديدة.
استعدادات خاصة
والحقيقة أنه مهما طال الزمن وتوالت الاحداث وانطوت صفحات من الماضي فان التاريخ سيحفظ لهذه الجماعة الاولى جماعة القانون المحروق كثيرا من المميزات الخاصة التي تجعلها ذات فضل كبير على تطور الكفاح في بلاد المغرب لقد بلغت هذه الجماعة من الدقة في التنظيم بحيث ظلت المبادئ التي خطتها في أول يوم من حياتها هي الخطوط الرئيسية التي تميز سبل المقاومة الشعبية المنظمة المختلفة عن السبل التلقائية المترجلة.
كانت تومن بأن المقاوم يجب أن يتوفر على عدد من المقومات الضرورية التي تؤهله للقيام بواجبه في الكفاح المسلح، ومن هذه المقومات تعلم المصارعة والجيدو ولتعليم هذه الثقافة البدنية بين الافراد أخذ الشهيد صدقي يتلقى دروسا بالمراسلة من احد المعاهد الفرنسية ليطبقها فيما بعد مع رفقائه في ساعات خصصت لذاك، وقد استطاعت هذه الدروس بالفعل ان تكون من هذه الجماعة والخلايا المتفرعة عنها شخصيات رياضية قوية قادرة على الدفاع عن نفسها متى حز بها أمر أو داهمها مصاب. وابتكرت طريقة سرية لكتابة الرسائل، طريقة يمكن أن نؤكد أنها أحسن بكثير من عدة طرق سلكتها المنظمة الجاسوسية في العالم، ومبتكر هذه الطريقة هو شعيب بن الطيبي وقد نقلها الزرقطوني فيما بعد الى جماعة درب السلطان على أنها تعليمات أو مقترحات صادرة عنه.
إخفاء الأسلحة
وكان من بين أعضاء الجماعة الرئيسية السيد الحسين القدميري أحد المسيرين في حزب الاستقلال الذي ظل مرتبطا مع الجماعة بالمبدأ والخطة الى أن وقع حادث مفاجئ جعله يصاب بلوثة في عقله.
ولم يكن في مقدور الجماعة أن تواصل ارتباطها به بعد أن أصيب بهذه النكبة فتقرر فصله عن الجماعة إلا أنه لم يرض هذا المصير فثار على الجماعة وأخذ يتعقب أفرادها محتجا على هذا الفصل الذي شعر به عندما وجد نفسه مبعدا عن الاجتماعات الخاصة، وذات أمسية اتصل بشعيب بن الطيبي وأراد أن يدخل معه في عراك بسبب الاهمال الذي لحقه إلا أن شعيب الذي كان يتجنب وقوع أي حادث قد يكشف أسرار الجماعة اكتفى بطرده، فحزت في نفسه هذه المعاملة وراح يرتاد متاجر الأصدقاء من أعضاء الحزب يشكو ويتذمر. وخشيت الجماعة أن يتفشى أمرها إلى العموم فيقضي عليها في المهد، فقررت ان توضع المسدسات التي تملكها في صندوق وتدفن تحت الأرض في معمل للخشب وراء سينما الأطلس كان الزرقطوني شريكا فيه.
وسعى سعيد المنوزي من جهته إلى تأسيس جماعة أخرى كانت الخامسة في ترتيب الجماعات المتفرعة ومن بين أعضاء هذه الجماعة سعيد بن الحاج عبد الله وعبد الله بن محمد وحماد بن عبابد المدعو تيروريست وبلقاسم بن على وأحمد ماريو وغيرهم وقد تخصصت هذه الجماعة اغلب الأمر في جمع التبرعات والاشتراكات إلى أن تطورت فأخذت تؤدي ثمن الأسلحة التي يمدها بها سعيد المنوزي لتمون بها جماعة درب الفصة المؤسسة فيما بعد.
الحزب يأمر بإقلاق راحة المستعمر
لقد بلغت الآن هذه الجماعة من القوة ما جعلها ذات تأثير لازال يذكره سكان الدار البيضاء في تلك الفترة الحرجة فترة استعداد الفرنسيين للانقضاض على العرش.
ان المقاومة الشعبية والثورة الجماعية التي قام بها الشعب لم يكن لها ان تنجح وتحقق للبلاد حقها في الحرية والاستقلال وتسترجع للعرش عزته وكرامته لو لم تتولد عن تدبير مبكر تدبير نظم ورت في الوقت الذي كان المستعمر يعتقد أن قوة الشعب لا يمكن أن تتعدى حدود المظاهرات السلمية الباردة.
وكان هناك مخطط لتوزيع الأدوار في حظيرة حزب الاستقلال حتى إذا تعرض القادة السياسيون الى التعسف وسيقوا الى المعتقلات برزت قوة المقاومة الى الوجود وتجيب عن الاعتداء بمثله، وإذا كانت حركة المقاومة المغربية حققت بعض أعمال الاقلاق قبل اعتقال اللجنة التنفيذية للحزب في ديسمبر 1952 فلان الحزب كان يريد من جهة أخرى أن تكون هذه الأعمال من قبيل المناوشات التمهيدية حتى يتأكد المستعمر أن اليد التي تحمل المسدس قادرة على تفجير القنبلة وان الذي يشعل عود الثقاب لا بد وأن يبحث عن طعم لناره.
وفي ليلة 30 مارس من سنة 1952 جاء بناصر حركات واتصل مباشرة بصدقي وأبلغه أن الحزب يريد من الجماعة أن تقوم بعمل ما بمناسبة ذكرى 30 مارس من غير أن يحدد هذا العمل أو يشير الى نوعه، وقد استمع الى هذا الأمر كل من الزرقطوني وشعيب وفي لحظات تم وضع برنامج لإحراق الحافلات وأحرقت تسع منها بالفعل على يد جماعة صدقي بالمدينة القديمة وجماعة الزرقطوني بدرب السلطان بمن فيها سليمان العرائشي وحسن العرائشي وباقي أفراد الجماعة.
الجماعة .
وإذا كانت الجماعة تتوفر على عدد من المسدسات فهي كانت تفتقر الى القنابل يكون لها المفعول القوي. وكان ضمن الجماعة كما قلنا السيد بوشعيب راغب العامل اذ ذاك بقاعدة النواصر وبما أنه بارع في خرط الحديد (الثور) فقد تطوع لصنع قنابل قوية تحقق الغاية المرجوة منها وشرع بالفعل في هذا العمل واعد في ظرف قصير عددا مهما منها وضع في خزين خاص كدخيرة تستعمل عند الحاجة كما كان عزام في الوقت نفسه يقوم بنفس العمل.
وقبل أن يتوصل بوشعيب الى اعداد قنابله كان لزاما أيضا على الجماعة أن لاتقتصر في ليلة 30 مارس على إحراق الحافلات فاقترح الزرقطوني نسف تمثال اليوطي وتمثال (الاخوة المغربية الفرنسية) الذي يقابله بالديناميت وصادقت الجماعة على هذا الاقتراح والتحق الزرقطوني برفيقه حسن وسليمان وتوجهوا الى ميدان اليوطي في تلك الليلة المظلمة البهيمة المشتية وحاول وكرر المحاولة فلم تنجح لأن الأمطار المتهاطلة كانت تفسد عليه العمل وتطفئ الفتيل المرة بعد الأخرى فرجع خائبا من حيث أتى.
إلا أنه لم يستسلم أمام هذه الخيبة فتوجه الى شركة (لاماروكان دي بوا) واشعل النار في دخائر الخشب اليابس الذي لم تبلله الأمطار.
وفي صباح اليوم التالي أصدرت في الصحف تعاليق صاخبة عن هذا الحريق الذي تكبدت فيه الشركة خسارة 40 مليون فرنك وعندما دقت الساعة الثانية عشرة ليلا رجع الافراد الى مكان الاجتماع ليقدموا تقارير عن الاعمال التي قاموا بها وكان من بين هؤلاء الافراد الشهيد الزرقطوني الذي قدم عرضا عما قام به في ذلك المساء مع رفقاء درب السلطان.
الحزب يختار الكفاح المسلح
أخذ الجو السياسي يتكهرب في عمق وشدة وبدت في الأفق كثير من السحب القاتمة التي تنذر بهبوب العاصفة ولم يغب عن الحزب أن مصير قادته السياسيين قد قرر في الخفاء وأنه ينتظر بين لحظة وأخرى أن تنقض عليهم القوة الاستعمارية لتخنق فيهم الاصوات المعبرة عن رغائب الشعب.
وصادف أنذاك أن دخلت مسألة القواعد الامريكية بالمغرب في طور مضطرب فأصدر الحزب المنشور الشهير الذي يحمل عنوان (لا نحالف من لا يعترف بحقنا في الحرية والاستقلال) ولم يكتف الحزب بهذا المنشور الذي يحدد في صراحة موقفه من هذا الاحتلال الجديد الذي أصاب البلاد فقام الحاج عمر عبدالجليل بجولة في مدينة الدارالبيضاء حاضر فيها أعضاء مكاتب الحزب ومسيريه حسب الدوائر التي قسمت عليها مناطق التسيير. حاضر على التوالي في درب غلف والحي الصناعي ودرب السلطان والمدينة القديمة وحضر محاضره المدينة القديمة التي كانت بمنزل السيد عبدالسلام الغزواني بدرب الانكليز جميع مسيري هذه المنطقة وكان ضمنهم أغلب أعضاء الجماعة، وفي هذه المحاضرة أشار الحاج عمر الى أن طرق تحقيق الاستقلال ثلاثة طريق الكفاح السياسي وطريق الصدف وطريق اقلاق راحة المستعمر. وقال عن الطريق الأولى بأنها الطريق التي سلكها الحزب حتى ذلك الحين، وعن الطريقة الثانية بأنها طريقة غير مضمونة ومع ذلك فان المغرب ينتظر حصول هذه الصدفة كما حصل بالنسبة لليبيا. وكثير من الامم. أما الطريق الثالثة فقال عنها بأنها السبيل الوحيد الموصلة بسرعة الى تحقيق الاستقلال.
ولم يخف المحاضر أن الحزب يعلق آمالا كبيرة على مسيريه في اقلاق راحة المستعمر وحمل السلاح في وجه العدو الجاثم على صدر هذه الامة الخانق لأنفاسها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.