شرعت مصالح الشرطة القضائية بمدينة مراكش في تنفيذ الأحكام الصادرة في قضية "كازينو السعدي"، حيث أوقفت عدداً من المتهمين البارزين، وعلى رأسهم عبد اللطيف أبدوح، المستشار البرلماني والقيادي في حزب الاستقلال. وجاء ذلك عقب قرار محكمة النقض برفض الطعون المقدمة ضد الأحكام الجنائية الاستئنافية الصادرة عن غرفة الجنايات الاستئنافية المكلفة بجرائم الأموال لدى محكمة الاستئناف بمراكش. وبذلك تم طي واحدة من أطول قضايا الفساد المالي في المغرب، التي امتدت لأكثر من 18 عامًا، حيث اعتُقل إلى حدود الساعة نائب رئيس مجلس مقاطعة جليز، عبد العزيز مراون، والنائب السابق لعمدة مراكش، محمد الحر، في حين ما تزال الأنباء متضاربة حول وضعية رئيس مقاطعة سيدي يوسف بن علي، محمد نكيل، فيما يتواصل البحث عن البرلماني السابق عبد اللطيف أبدوح، المتابع الرئيسي في الملف. وجاءت هذه الاعتقالات بناءً على مذكرة أصدرها الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمراكش، بعد توصله بقرار محكمة النقض القاضي برفض الطعون المقدمة من قبل المتهمين، ما استوجب تنفيذ الأحكام السجنية في حقهم. وكانت محكمة النقض بالرباط قد حسمت قرارها النهائي، الأربعاء 18 دجنبر، في الطعون المقدمة من المتابعين في ملف تبديد أموال عمومية، والذي يعرف إعلامياً بملف "كازينو السعدي". وقد رفضت المحكمة طلبات الطعن المقدمة أمامها، مؤكدةً الحكم الاستئنافي الصادر عن الغرفة الاستئنافية المختصة بجرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بمراكش، ضد عدد من المسؤولين السياسيين، المستشارين الجماعيين، والموظفين. وتهم القضية أساسا الاختلالات المالية التي عرفتها بلدية المنارة جليز بمراكش، خلال ترؤسها من طرف القيادي الاستقلالي عبد اللطيف أبدوح بين سنتي 1997 و2003. وصدر بشأنها تقرير عن المفتشية العامة للإدارة الترابية أكد أن أكثر من 44 مليار سنتيم ضاعت في تفويت المجلس المذكور لأملاك جماعية لفائدة مؤسسات فندقية وخواص بأسعار بخسة وفي أجواء غابت فيها الشفافية. وتفجرت القضية في وجه المستشار البرلماني عن حزب الاستقلال عبد اللطيف أبدوح، عقب شكاية رفعتها الهيئة الوطنية لحماية المال العام بمراكش عن طريق رئيس فرعها مراكش سابقا محمد الغلوسي، حول عملية تفويت للأرض التي يقوم عليها فندق السعدي المشهور بمراكش. يعود تاريخ هذا العقار إلى فترة الاستعمار الفرنسي، حيث تم تشييد "فندق السعدي" بواسطة الشركة الشريفة للتشتية في الحي الشتوي بمراكش. تم ذلك بناءً على اتفاق بين باشا مراكش التهامي الكلاوي والشركة الفرنسية، الذي نص على منحها 12 ألف متر مربع مقابل فرنك فرنسي واحد لكل متر مربع، كما نصت الاتفاقية التي أُبرمت سنة 1930 على أن تعود ملكية العقار والبنايات والتجهيزات إلى مدينة مراكش بعد مرور 75 عامًا على توقيعها، وهو ما تم في 2005. قرار التفويت المشبوه لكن في عام 2001، وعلى عهد عبد اللطيف أبدوح، قرر مجلس بلدية المنارة تفويت الأرض التي يقام عليها كازينو السعدي إلى مالكيه الجدد بثمن لا يتجاوز 600 درهم للمتر المربع، في حين كان سعر المتر في المنطقة يتجاوز 15 ألف درهم. وقد أثار هذا القرار جدلاً واسعًا، خصوصًا بعد تسريب شريط صوتي من قبل الجماعي لحسن أوراغ، الذي كان قد أطلعه على تفاصيل عملية التفويت، في الشريط، يظهر عبد اللطيف أبدوح وهو يتحدث مع بعض نوابه وأعضاء المجلس عن كيفية تدبير الملف بطريقة "تُرضي الجميع" وتحقق "الفائدة للجميع". وقد أدت هذه التطورات إلى فتح تحقيق في هذا الملف، الذي شمل العديد من الأطراف والمتورطين في هذه القضية. وأدين فيه منتخبون قياديون في بعض الأحزاب، تقلدوا مسؤوليات عمومية محليا بمراكش، ووطنيا، إلى جانب موظفين ومنعشين عقاريين، أدينوا من طرف غرفة الجنايات الابتدائية لدى محكمة الاستئناف بمراكش بعقوبات تصل إلى خمس سنوات حبسا نافذا، وهو الحكم الذي تم تأييده من طرف غرفة الجنايات الاستئنافية، من أجل تبديد واختلاس أموال عمومية والرشوة والتزوير كل حسب المنسوب إليه.